فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {أحسن ما عملوا} إما بمعنى الحسن أو المراد الواجب والندب دون المباح.
وقوله: {في أصحاب الجنة} في موضع الحال أي معدودين فيهم. عن ابن عباس وجم غفير من المفسرين أن الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق. وفيه أبيه أبي قحافة وأمه أم الخير. وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم. ولم يكن أحد من الصحابة المهاجرين والأنصار أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته غير أبي بكر. قالوا: ومما يؤيد هذا القول أنه سبحانه حكى عن ذلك الإنسان أنه قال بعد أربعين سنة رب أوزعني الخ. ومعلوم أنه ليس كل إنسان قد يقول هذا القول. والأظهر أن هذا عام لهذا الجنس. وأن الإنسان قد يقول هذا القول ولا أقل من أن يكون واردًا على طريقة الإرشاد والتعليم. سلمنا ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: {والذي قال} مبتدأ خبره {أولئك} والمراد بالذي جنس القائل فلذلك أو رد الخبر مجموعًا. ويجوز أن يكون الخبر عامًا في القائل وفي أمثاله فيندرج فيه القائل. وقيل: تقديره واذكر الذي ومن القائل. عن الحسن وقتادة: هو الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث. وذهب السدّي إلى أن الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه وأنه كان يقول: {لوالديه أف لكما} وهي كلمة تضجر وتبرم كما مر في (سبحان) و(الأنبياء) {أتعدانني أن أخرج} من القبر {وقد خلت القرون من قبلي} فلم يرجع أحدهم {وهما} يعني أبويه {يستغيثان الله} أي بالله فحذف الجار وأوصل الفعل والمراد يسألأنه أن يوقفه للإيمان ويقولان له {ويلك آمن} بالله وبالبعث. والمراد بالدعاء عليه الحث والتحريض على الآيمان لا حقيقة الهلاك. قال السدّي: فاستجاب الله دعوة أبي بكر فيه فأسلم وحسن إسلامه ولما أسلم نزل فيه {ولكل درجات مما عملوا} وأكثر المفسرين ينكرون هذا القول لأنه سبحانه قال فيه {أولئك الذين حق عليهم القول} كائنين {في أمم} إلى آخِره. وأن عبد الرحمن لم يبق كافرًا بل كان من سادات المسلمين.
وروي عن عائشة إنكاره إيضًا. وذلك أنه حين كتب معاوية إلى مروان بن الحكم ابن أبي العاص بأن يبايع الناس ليزيد. ردّ عليه عبد الرحمن وقال مروان: يا أيها الناس هو الذي قال الله فيه {والذي قال لوالديه} فسمعت عائشة فغضبت وقالت: والله ما هو به ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه. ثم ميز حال المؤمن من حال الكافر بقوله: {ولكل} أي من الجنسين {درجات} من جزاء ما عملوا فغلب أهل الدرجات على أهل الدركات. أو الدرجات هي المراتب متصاعدة أو متنازلة. والباقي واضح مما مرّ. والاستكبار عن قبو ل الحق ذنب القلب. والفسق عمل الجوارح. والأول أولى بالتقديم لعظم موقعه.
وقد يحتج بالآية على أن الكفار مخاطبون بالفروع. قال مؤلف الكتاب: والأشيئاء الطيبة اللذيذة غير منهي عنها لقوله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32] ولكن التقشف وترك التكلف دأب الصالحين لئلا يشتغل بغير المهم عن المهم. ولأن ما عدا الضروري لا حصر له وقد يجر بعضه بعضًا إلى أن يقع المرء في حدّ البعد عن الله. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أهل الصفة وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعًا فقال: «أنتم اليوم خير أم يوم يغدوأحدكم في حلة ويروح في أخرى ويغدى عليه بجفنة ويراح عليه بأخرى ويستر البيت كما تستر الكعبة؟ قالوا: نحن يومئذ خير. قال: بل أنتم اليوم خير». وعن عمر لو شئت لكنت أطيبكم طعامًا وأحسنكم لباسًا ولكنني أستبقي طيباتي لأن الله وصف قومًا فقال: {أذهبتم طيباتكم} وعنه أن رجلًا دعاه إلى طعام فأكل ثم قدّم شيئًا حلوا فامتنع وقال: رأيت الله نعى على قوم شهواتهم فقال: {أذهبتم} الآية. فقال الرجل: اقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها {ويوم يعرض الذين كفروا} و لست منهم فأكل وسرّه ما سمع. والتحقيق أن المراد هو أنه ما كتب للكافر حظ من الطيبات إلا الذي أصابه في دنياه. وليس في الآية إن كل من أصاب الطيبات في الدنيا فإنه لا يكون له منها حظ في الآخرة والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة الأحقاف مكية إلا قوله تعالى: {قل أرأيتم إن كان من عند الله} الآية وإلا {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} الآية وإلا {ووصينا الإنسان بوالديه} الثلاث آيات. وهي خمس وثلاثون آية وستمائة وأربع وأربعون كلمة. وألفان وخمسمائة وخمسة وتسعون حرفًا.
{بِسْمِ الله} الذي لا يذل من والى ولا يعز من عادى.
{الرحمن} الذي سبقت رحمته غضبه {الرحيم} الذي خص حزبه بعمل الأبرار للفوز في دار القرار. وتقدّم الكلام على قوله تعالى: {حم} مرارًا. وقرأ ابن ذكوان وشعبة وحمزة والكسائي بإمالة الحاء محضة. وقرأ ورش وأبو عمرو بإمالتها بين بين وفتحها الباقون. وقيل: المراد بحم حكمة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي النهاية في الصواب والسداد أحكمها الذي أحاطت قدرته فهولا يخلف الميعاد.
وقوله تعالى: {تنزيل الكتاب} أي الجامع لجميع الخيرات بالتدريج على حسب المصالح {من الله} أي الجبار المتكبر المختص بصفات الكمال {العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه لأنه لم يفعل شيئًا إلا في أوفق محاله وأنه الخالق للخير والشرّ وأنه يعز أولياءه ويذل أعداءه.
{ما خلقنا} أي؛ على مالنا من العظمة الموجبة للتفرّد بالكبرياء {السموات والأرض} على ما فيهما من الآيات {وما بينهما إلا} خلقًا ملتبسًا {بالحق} أي: الأمر الثابت من القدرة التامة والتصرّف المطلق ليدل على قدرتنا و وحدانيتنا {وأجل} أي وبتقدير أجل {مسمى} ينتهي إليه وهو يوم القيامة.
{والذين كفروا عما أنذروا} أي: خوفوا به من القرآن من هول ذلك اليوم الذي لابد لكل خلق من انتهائه إليه {معرضون} أي لا يؤمنون به ولا يهتمون للاستعداد له.
ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل} أي: لهؤلاء المعرّضين أنفسهم لغاية الخطوب منكرًا عليهم تبكيتًا وتوبيخًا {أرأيتم} أي: أخبروني عن حال الهتكم بعد تأمّل وروية باطنة.
{ما تدعون} أي: تعبدون ثم نبه على سفو لهم بقوله تعالى: {من دون الله} أي: المالك الأعظم الذي كل شيء دونه فلا كفء له مفعول أول وقوله تعالى: {أروني} أي: أخبروني تأكيد وقوله: {ماذا خلقوا} مفعول ثان وقوله تعالى: {من الأرض} بيان لما أي: ليصح ادّعاء أنهم شركاء فيها باختراع ذلك الجزء.
{أم لهم} أي: الذين تدعونهم {شرك} أي مشاركة {في} خلق.
{السموات} أي: بنوع من أنواع الشركة مع الله تعالى و{أم} بمعنى همزة الأنكار ولما كان الدليل أحد شيئين سمع وعقل قال تعالى: {ائتوني بكتاب} أي: منزل على دعواكم في هذه الأصنام: أنها خلقت شيئًا أوأنها تستحق أن تعبد.
تنبيه:
أبدل ورش والسوسيّ الهمزة من {ائتوني} في الوصل {ياء} وحققها الباقون. وأما الابتداء بها. فجميع القراء أبدلوها ياء بعد الابتداء بهمزة الوصل مكسورة.
{من قبل هذا} أي: القرآن الذي أنزل علي كالتوراة والأنجيل والزبور. وهذا من أعلام النبوّة. فإنها كلها شاهدة بالوحدانية لوأتى بها آت لشهدت عليه. ولما ذكر تعالى الأعلى الذي لا يجب التكليف إلا به وهو: النقل القاطع. سهل عليهم فنزل إلى ما دونه فقال: {أو أثارة} أي: بقية {من علم} يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام: أنها تقرّبكم إلى الله تعالى: وقال المبرد: {أثارة} ما يؤثر من علم كقولك هذا الحديث يؤثر عن فلان. ومن هذا المعنى سميت الأخبار بالآثار. يقال: جاء في الأثر كذا وكذا. وقال الواحدي: وكلام أهل اللغة في هذا الحرف يدور على ثلاثة أقوال؛ الأول: الآثارة واشتقاقها من: أثرت الشيء أثيره إثارة كأنها بقية تستخرج فتثار. والثاني: من الأثر الذي هو الرواية. والثالث: من الأثر بمعنى العلامة. وقال الكلبي في تفسير الآثارة: أي بقية من علم يؤثر عن الأولين أي: يسند إليهم وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل: رواية عن الأنبياء قال الرازي: وههنا قول آخر: أو أثارة من علم هو علم الخط الذي يخط في الرمل. والعرب كانوا يخطونه وهو علم مشهور روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كان نبيّ من الأنبياء يخط فمن وافق خطه خطه علم علمه» فعلى هذا الوجه معنى الآية {أئتوني بعلم من قبل هذا} الخط الذي تخطونه في الرمل يدل على صحة مذهبكم في عبادة الأصنام فإن صح تفسير الآية بهذا الوجه كان ذلك من باب التهكم بهم وأقوالهم ودلائلهم. ثم أشار إلى تقريعهم بالكذب إذ لم يقيموا دليلًا على دعواهم بقوله: {إن كنتم صادقين} أي: عريقين في الصدق على ما تدّعون لأنفسكم. ولما أبطل سبحانه قولهم في الأصنام بعدم قدرتها أتبعه إبطاله بعدم علمها بقوله تعالى: {ومن أضلّ} وهو استفهام بمعنى النفي أي: لا أحد أضل {ممن يدعو} أي: يعبد ما لا قدرة له ولا علم. ومن انتفت قدرته وعلمه لم تصح عبادته ببديهة العقل. وأرشد إلى سفو لها بقوله عز وجل.
{من دون الله} أي: من أدنى رتبة من رتب الذي له صفات الكمال فهو يعلم كل شيء. ويقدر على كل شيء فهو بحيث يجيب الدعاء. ويكشف البلاء ويحقق الرجاء إذا شاء. ويدبر عبده لما يعلم من سرّه وعلنه بما لا يقدر هو على تدبير نفسه به. ويريد العبد في كثير من الأشيئاء ما لو وكل فيه إلى نفسه. وأجيب إلى طلبته. كان فيه حتفه فيدبره سبحانه بما تشتدّ كراهته له. فيكشف الحال على أنه لم يكن له فرج إلا فيه.
{من لا يستجيب له} أي: لا توجد الإجابة. ولا يطلب إيجادها من الأصنام وغيرها. لأنه لا أهلية له لذلك. والمعنى: أنه لا أحد أبعد عن الحق وأقرب إلى الجدل. ممن يدعومن دون الله الأصنام. فيتخذها الهة ويعبدها وهي إذا دعيت لا تسمع ولا تجيب لا في الحال. ولا في المال {إلى يوم القيامة} وإنما جعل ذلك غاية؛ لأن يوم القيامة قد قيل: إن الله تعالى يحييها ويخاطب من يعبدها. فلذلك جعله الله تعالى حدًّا وقيل المراد عبدة الملائكة وعيسى وأنهم يوم القيامة يظهرون عبادة هؤلاء العابدين.
{وهم عن دعائهم} أي: دعاء المشركين إياهم.
{غافلون} أي: لهم هذا الوصف لا ينفكون عنه لا يعلمون من يدعوهم ومن لا يدعوهم وعبر بالغفلة التي هي من أوصاف العقلاء للجماد تغليبًا إن كان المراد أعمّ من الأصنام وغيرها مما عبدوه من عقلاء الإنس وغيرهم ولما غيّا سبحانه بيوم القيامة فأفهم أنهم يستجيبون لهم فيه. بيّن ما يحأو رونهم به إذ ذاك. فقال تعالى: {وإذا حشر} أي: جمع بكره على أيسر وجه وأسهل أمر.
{الناس} أي: يوم القيامة {كانوا} أي: المدعو ون {لهم} أي: الداعين {أعداء} ويعطيهم الله تعالى قوّة الكلام فيخاطبونهم بكل ما يخاطب به العدوعدوّه {وكانوا} أي: المعبودون {بعبادتهم} أي: الداعين وهم المشركون إياهم.
{كافرين} أي: جاحدين لأنهم كانوا عنها غافلين. كما قال تعالى في سورة يونس عليه السلام {وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} (يونس). ثم بين تعالى أنهم في نهاية الغباوة بإنكار ما لا شيء أبين منه. بقوله سبحانه: {وإذا تتلى} أي: تقرأ من أي قارئ كان على وجه المتابعة {عليهم} أي: هؤلاء البعداء البغضاء {اياتنا} التي لا أعظم منها في أنفسها بإضافتها إلينا وهي القرآن وقوله تعالى: {بينات} أي: ظاهرات حال قالوا هكذا كان الأصل. ولكنه تعالى بين الوصف الحامل لهم على القول فقال عز وجل: {قال الذين كفروا} أي: ستروا تلك الأنوار التي أبرزتها تلك التلاوة لها هكذا كان الأصل ولكن قال تعالى: {للحق} أي: لأجله {لما} أي: حين {جاءهم} أي: من غير نظر وتأمّل {هذا} أي: الذي يتلى {سحر} أي: خيال لا حقيقة له {مبين} أي: ظاهر في أنه خيال باطل.
وقوله تعالى: {أم يقولون افتراه} إضراب عن ذكر تسميتهم إياه سحرًا إلى ذكر ما هو أشنع وإنكار له وتعجب. ثم بين تعالى بطلأن شبهتهم بقوله تعالى: {قل} أي: يا أشرف الخلق {إن افتريته} أي: تعمدت كذبه على زعمكم وأنا إنما أريد به نصيحتكم فالذي أفتريه عليه وأنسبه إليه يعاقبني على ذلك ولا يتركني أصلًا وذلك هو معنى قوله: {فلا تملكون} أي: أيها المنصوحون بوجه من الوجوه ولا في وقت من الأوقات.
{لي من الله} أي: المتكبر الحليم {شيئًا} من الأشيئاء لما يردّ عني انتقامه لأن الملك لا يترك من كذب عليه مطلق كذب فكيف من يتعمد الكذب عليه في الرسالة بأمور عظيمة وملازمته مساءً وصباحًا فأيّ حامل لي حينئذ على افترائه؟ ثم علل ما أفاده الكلام من وجوب الأنتقام بقوله: {هو} أي: الله سبحانه {أعلم} أي: منكم ومن كل أحد {بما تفيضون فيه} أي: بما تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه بأنه سحر.
{كفى به شهيدًا} أي: شاهدًا بليغ الشهادة لأنه أعلم بجميع أحوالنا.
{بيني وبينكم} أي أن القرآن جاء من عنده فيشهد لي بالصدق و لكم بالكذب. وقد شهد بصدقي بعجزكم عن معارضة شيء من هذا الكتاب الذي أتيت به فثبت بذلك أنه كلامه لأني لا أقدر على ما تقدرون عليه فرادى ولا مجتمعين. وأنتم عرب مثلي. بل وأنا أمّي وفيكم أنتم الكتبة. والذين خالطوا العلماء. وسمعوا أحاديث الأمم. وضربوا بعد بلاد العرب في بلاد العجم. فظهر بذلك ظهور الشمس أنكم كاذبون {وهو} أي: وحده {الغفور} أي: الذي من شأنه أن يمحوالذنوب أعيانها واثارها فلا يعاقب عليها ولا يعاتب {الرحيم} أي الذي يكرم بعد المغفرة ويتفضل بالتوفيق لما يرضيه قال الزجاج: هذا دعاء إلى التوبة ومعناه غفور لمن تاب منكم رحيم به ولما حكى تعالى طعنهم في كون القرآن معجزًا بقولهم: إنه يختلقه من عند نفسه ثم ينسبه إلى أنه كلام الله تعالى على سبيل الفرية حكى عنهم شبهة أخرى وهو أنهم كانوا يقترحون عليه معجزات عجيبة. ويطالبونه بأن يخبرهم عن المغيبات. فأجاب الله تعالى عن ذلك. بقوله عز وجل: {قل} أي: لهؤلاء الذين نسبوك إلى الافتراء {ما كنت} أي: كونا مّا {بدعًا} أي: منشأ مبتدعًا محدثًا مخترعًا. بحيث أكون أجنبيًا منقطعًا {من الرسل} أي: لم يتقدّم لي منهم مثال في أصل ما جئت به وهو التوحيد ومحاسن الأخلاق بل قد تقدّمني رسل كثيرون أتوا بمثل ما أتيت به. ودعوا إليه كما دعوت إليه. وصدّقهم الله تعالى بمثل ما صدّقني به. فثبت بذلك رسالتهم وسعد بهم من صدّقهم من قومهم وشقي من كذبهم فانظروا إلى آثارهم واسألوا عن سيرهم من أتباعهم وأنصارهم وأشيئاعهم.
{تنبيه} البدع والبديع من كل شيء: المبدأ والبدعة؛ ما اخترع مما لم يكن موجودًا قبله. وفي الحديث «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» قال البقاعي معناه والله أعلم: أنه يبتدع ما يخالف السنة إذا كانت البدعة ضدّ السنة فإذا أحدث ما يخالفها كان بإحداثه ضالًا مشركًا وكان وما أحدث في النار. ولم يدخل تحت هذا ما يخترعه الإنسان من أفعال البّر يسمى بدعة لعدم فعله قبل ذلك فيخرج عما ذكر.. اهـ. وقال ابن عبد السلام: البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرّمة ومندوبة ومكروهة ومباحة: قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة؛ فإن دخلت في قواعد الآيجاب فهي واجبة. كالاشتغال بعلم النحو. أو في قواعد التحريم فمحّرمة. كمذهب القدرية والمجسمة والرافضة. قال: والردّ على هؤلاء من البدع الواجبة. أوفى قواعد المندوب. فمندوبة كبناء الربط والمدارس. وكل إحسان لم يحدث في العصر الأول كصلاة التراويح. أو في قواعد المكروه فمكروهة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف أو في قواعد المباح فمباحة. كالمصافحة عقب الصبح والعصر والتوسع في الماكل والملابس. وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعيّ رضى الله تعالى عنه أنه قال: المحدثات ضربان؛ أحدهما: ما خالف كتابًا أوسنة أوإجماعًا فهو بدعة وضلالة. والثاني: ما أحدث من الخير فهو غير مذموم.