فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال تعالى: {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} يعني أنهم كانوا يطلبون نزول العذاب وإنما كانوا يطلبونه على سبيل الاستهزاء. والله أعلم.
{ولقد أَهْلَكْنَا مَا حولكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)}.
اعلم أن المراد ولقد أهلكنا ما حولكم يا كفار مكة من القرى. وهي قرى عاد وثمود باليمن والشام {وَصَرَّفْنَا الآيات} بيناها لهم {لَعَلَّهُمْ} أي لعلّ أهل القرى يرجعون. فالمراد بالتصريف الأحوال الهائلة التي وجدت قبل الأهلاك.
قال الجبائي: قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} معناه لكي يرجعوا عن كفرهم. دل بذلك على أنه تعالى أراد رجوعهم ولم يرد إصرارهم والجواب: أنه فعل ما لوفعله غيره لكان ذلك لأجل الإرادة المذكورة. وإنما ذهبنا إلى هذا التأويل للدلائل الدالة على أنه سبحانه مريد لجميع الكائنات.
ثم قال تعالى: {فَلولا نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَانًا ءالِهَةَ} القربان ما يتقرب به إلى الله تعالى. أي اتخذوهم شفعاء متقربًا بهم إلى الله حيث قالوا {هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} [يونس: 18] وقالوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} [الزمر: 3] وفي إعراب الآية وجوه الأول: قال صاحب (الكشاف): أحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين هو محذوف والثاني: الهة وقربانًا حال. وقيل عليه إن الفعل المتعدي إلى مفعولين لا يتم إلا بذكرهما لفظًا. والحال مشعر بتمام الكلام. ولا شك أن إتيان الحال بين المفعولين على خلاف الأصل الثاني: قال بعضهم {قُرْبَانًا} مفعول ثان قدم على المفعول الأول وهو الهة. فقيل عليه إنه يؤدي إلى خلوالكلام عن الراجع إلى الذين والثالث: قال بعض المحققين: يضمر أحد مفعولي اتخذوا وهو الراجع إلى الذين. ويجعل قربانًا مفعولا ثانيًا. والهة عطف بيان. إذا عرفت الكلام في الإعراب. فنقول المقصود أن يقال إن أولئك الذين أهلكهم الله هلا نصرهم الذين عبدوهم. وزعموا أنهم متقربون بعبادتهم إلى الله ليشفعوا لهم {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} أي غابوا عن نصرتهم. وذلك إشارة إلى أن كون الهتهم ناصرين لهم أمر ممتنع.
ثم قال تعالى: {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} أي وذلك الامتناع أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها الهة. وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب في إثبات الشركاء له. قال صاحب (الكشاف): وقرئ {إِفكهم} والإفك والأفك كالحذر والحذر. وقرئ {وَذَلِكَ إِفكهم} بفتح الفاء والكاف. أي ذلك الاتخاذ الذي هذا أثره وثمرته صرفهم عن الحق. وقرئ {إِفكهم} على التشديد للمبالغة أفكهم جعلهم افكين وافكهم. أي قولهم الإفك. أي ذوالإفك كما تقول قول كاذب.
ثم قال: {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} والتقدير وذلك إفكهم وافتراؤهم في إثبات الشركاء لله تعالى. والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ولقد مَكَّنَاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ}.
قيل: إن (إن) زائدة؛ تقديره ولقد مكناكم فيما مكناكم فيه.
وهذا قول القتبيّ.
وأنشد الأخفش:
يُرَجِّي المرءُ ما إن لا يراه ** وتعرِض دون أدناه الخطوب

وقال آخر:
فما إنْ طِبُّنَا جُبْنَ ولكن ** منايانا ودَو لةُ آخرينا

وقيل: إن (ما) بمعنى الذي.
و (إن) بمعنى ما؛ والتقدير ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه؛ قاله المبرّد.
وقيل: شرطية وجوابها مضمر محذوف؛ والتقدير ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر وعنادكم أشدّ؛ وتم الكلام. ثم ابتدأ فقال: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً} يعني قلوبًا يفقهون بها.
{فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولا أَبْصَارُهُمْ ولا أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ} من عذاب الله.
{إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ} يكفرون.
{بآيات الله وَحَاقَ بِه} أحاط بهم.
{مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
قوله تعالى: {ولقد أَهْلَكْنَا مَا حولكُمْ مِّنَ القرى} يريد حِجر ثمود وقُرى لوط ونحوهما مما كان يجأو ر بلاد الحجاز. وكانت أخبارهم متواترة عندهم.
{وَصَرَّفْنَا الآيات} يعني الحجج والدلالات وأنواع البيّنات والعِظات؛ أي بيّناها لأهل تلك القرى.
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فلم يرجعوا.
وقيل: أي صرفنا آيات القرآن في الوعد والوعيد والقصص والإعجاز لعل هؤلاء المشركين يرجعون.
قوله تعالى: {فَلولا نَصَرَهُمُ}.
(لولا) بمعنى هلاّ؛ أي هلاّ نصرهم الهتهم التي تقرّبوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا: {هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله} [يونس: 8 1] ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم.
قال الكِسائيّ: القُرْبان كل ما يُتقرّب به إلى الله تعالى من طاعة ونَسيكة؛ والجمع قرأبين؛ كالرهبان والرهابين.
وأحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين المحذوف. والثاني {الِهةً}.
و{قُرْبَانًا} حال. ولا يصح أن يكون {قُرْبَانًا} مفعولا ثانيًا.
و{الِهَةً} بدل منه لفساد المعنى؛ قاله الزمخشريّ.
وقرىء {قُرُبَانًا} بضم الراء.
{بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} أي هلكوا عنهم.
وقيل: {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ} أي ضلت عنهم الهتهم لأنها لم يصبها ما أصابهم؛ إذ هي جماد.
وقيل: {ضَلُّوا عَنْهُمْ}؛ أي تركوا الأصنام وتبرءوا منها.
{وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} أي والالهة التي ضلّت عنهم هي إفكهم في قولهم: إنها تقرّبهم إلى الله زلفى.
وقراءة العامة {إِفْكُهُمْ} بكسر الهمزة وسكون الفاء؛ أي كذبهم.
والإفك: الكذب. وكذلك الأفِيكة. والجمع الأفائك.
ورجل أفّاك أي كذاب.
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن الزبير {وَذَلِكَ أَفَكَهُمْ} بفتح الهمزة والفاء والكاف. على الفعل؛ أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد.
والأَفْكُ (بالفتح) مصدر قولك: أَفكَه يَأفِكه أَفْكًا؛ أي قلبه وصرفه عن الشيء.
وقرأ عكرمة {أَفَّكهم} بتشديد الفاء على التأكيد والتكثير.
قال أبو حاتم: يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم.
وذكر المهدوِيّ عن ابن عباس أيضًا {افِكهم} بالمد وكسر الفاء؛ بمعنى صارفهم.
وعن عبد الله بن الزبير باختلاف عنه {افكهم} بالمدّ؛ فجاز أن يكون أفعلهم. أي أصارهم إلى الإفك.
وجاز أن يكون فاعلهم كخَادعهم.
ودليل قراءة العامة {إِفْكُهُمْ} قوله: {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي يكذبون.
وقيل {أفْكُهم} مثلُ {أفَكَهُم}.
الإفْك والأَفَك كالحِذْر والحذَرَ؛ قاله المهدوِيّ. اهـ.

.قال الألوسي:

{ولقد مكناهم}.
أي قررنا عادًا وأقدرناهم. و{مَا} في قوله تعالى: {فِيمَا إِن مكناهم فِيهِ} موصولة أو موصوفة و{إن} نافية أي في الذي أوفى شيء ما مكنا فيه من السعة والبسطة وطو ل الأعمار وسائر مبادي التصرفات كما في قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مكناهم في الأرض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ} [الأنعام: 6] ولم يكن النفي بلفظ {مَا} كراهة لتكرير اللفظ وإن اختلف المعنى. و لذا قال من ذهب إلى أن أصل مهما ماما على أن ما الشرطية مكررة للتأكيد قلبت الألف الأولى هاء فرارًا من كراهة التكرار. وعابوا على المتنبي قوله:
لعمرك ماما بان لضارب ** بأقتل مما بان منك لعائب

أي ما الذي بان الخ. يريد لسانه لا يتقاعد عن سنانه هذا للعائب وذلك للضارب. وكان يسعه أن يقول: إن مابان. وادخال الباء للنفي لا للعمل على أن اعمال إن قد جاء عن المبرد. قيل: {إن} شرطية محذوفة الجواب والتقدير إن مكناكم فيه طغيتم. وقيل: إنها صلة بعدما الموصولة تشبيهًا بما النافية وما التوقيتية. فهي في الآية مثلها في قوله:
يرجى المرىء ما أن لا يراه ** وتعرض دون أدناه الخطوب

أي مكناهم في مثل الذي مكناكم فيه. وكونها نافية هو الوجه لأن القرآن العظيم يدل عليه في مواضع وهو أبلغ في التوبيخ وأدخل في الحث على الاعتبار {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وأبصارا وَأَفْئِدَةً} ليستعملوها فيما خلقت له ويعرفوا بكل منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم ويستدلوا بها على شؤون منعمها عز وجل ويداوموا على شكره جل شأنه {فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ} حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل {ولاَ أبصارهم} حيث لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المرسومة في صحائف العالم {ولاَ أَفْئِدَتُهُمْ} حيث لم يستعملوها في معرفة الله تعالى: {مِن شَىْء} أي شيئًا من الإغناء. و{مِنْ} مزيدة للتوكيد والتنوين للتقليل.
وجوز أن تكون تبعيضية أي ما أغنى بعض الإغناء وهو القليل. و{مَا} في {مَا أغنى} نافية وجوز كونها استفهامية.
وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم عليه زيادة {مِنْ} في الواجب وهولا يجوز على الصحيح.
ورد بأنهم قالوا: تزاد في غير الموجب وفسروه بالنفي والنهي والاستفهام. وإفراد السمع في النظم الجليل وجمع غيره لاتحاد المدرك به وهو الأصوات وتعدد مدركات غيره أولأنه في الأصل مصدر. وأيضًا مسموعهم من الرسل متحد.
{ولقد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم} ظرف متعلق بالنفي الصريح أو الضمني في قوله تعالى: {مَا أغنى} وهو ظرف أريد به التعليل كناية أو مجازًا لاستواء مئدى الظرف والتعليل في قولك: ضربته لإساءته وضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في ذلك الوقت لوجود الإساءة فيه. وهذا مما غلب في إذ وحيث من بين سائر الظروف حتى كاد يلحق بمعانيهما الوضعية {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ويقولون: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنَّا مِن الصادقين} [الأحقاف: 22].
{ولقد أَهْلَكْنَا} مَا حولكُمْ يا أهل مكة {مّنَ القرى} كحجر ثمود وقرى قوم صالح. والكلام بتقدير مضاف أوتجوز بالقرى عن أهلها لقوله تعالى: {وَصَرَّفْنَا الآيات} أي كررناها {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وأمر {مَا} سهل. والترجي مصروف لغيره تعالى أو{لَعَلَّ} للتعليل أي لكي يرجعوا عما هم فيه من الكفر والمعاصي إلى الآيمان والطاعة.
{فَلولا نَصَرَهُمُ} فهلا منعهم من الهلاك الذي وقعوا فيه {الذين اتخذوا} أي الهتهم الذين اتخذوهم.
{مِن دُونِ الله قُرْبَانًا ءالِهَةَ} والضمير الذي قدرناه عائدًا هو المفعول الأول لاتخذوا و{ءالِهَةً} هو المفعول الثاني و{قُرْبَانًا} بمعنى متقربًا بها حال أي اتخذوهم الهة من دون الله حال كونها متقربًا بها إلى الله عز وجل حيث كانوا يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} [الزمر: 3] و{هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} [يونس: 18] وفي الكلام تهكم بهم.
وأجاز الحوفي كون {قُرْبَانًا} مفعولا من أجله. وأجاز هو أيضًا. وابن عطية ومكي وأبو البقاء كونه المفعول الثاني لاتخذوا وجعل {ءالِهَةً} بدلًا منه. وقال في (الكشاف): لا يصح ذلك لفساد المعنى. ونقل عنه في بيانه أنه لا يصح أن يقال: تقربوا بها من دون الله لأن الله تعالى لا يتقرب به. وأراد كما في (الكشف) أنه إذا جعل مفعولا ثانيًا يكون المعنى فلولا نصرهم الذين اتخذوهم قربانًا بدل الله تعالى أو متجاوزين عن أخذه تعالى قربانًا إليهم وهو معنى فاسد.
واعترض عليه بجعل {دُونِ} بمعنى قدام كما قيل به في قوله تعالى: {وادعوا شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله} [البقرة: 23] وبأنه قد قيل: إن قربانًا مفعول له فهو غير مختص بالمتقرب به. وجاز أن يطلق على المتقرب إليه وحينئذ يلتئم الكلام.
وأجيب عن الأول بأنه غير قادح لأنه مع نزارة استعمال دون بمعنى قدام لا يصلح ظرف الاتخاذ لأنه ليس بين يدي الله تعالى وإنما التقرب بين يديه تعالى ولأجله سبحانه. واتخاذهم قربانًا ليس التقرب به لأن معناه تعظيمهم بالعبادة ليشفعوا بين يدي الله عز وجل ويقربوهم إليه سبحانه. فزمان الاتخاذ ليس زمان التقرب البتة. وحينئذ إن كان مستقرأ حالًا لزم ما لزم في الأول.
و لا يجوز أن يكون معمول {قُرْبَانًا} لأنه اسم جامد بمعنى ما يتقرب به فلا يصلح عاملًا كالقارورة وإن كان فيها معنى القراء. وفيه نظر.
وأجيب عن الثاني بأن الزمخشري بعد أن فسر القربان بما يتقرب به ذكر هذا الامتناع على أن قوله تعالى بعد: {بَلْ ضَلُّواْ} الخ ينادي على فساد ذلك أرفع النداء. وقال بعضهم في امتناع كون {قُرْبَانًا} مفعولا ثانيًا و{ءالِهَةً} بدلًا منه: إن البدل وإن كان هو المقصود لكن لابد في غير بدل الغلط من صحة المعنى بدونه ولا صحة لقولهم: اتخذوهم من دون الله قربانًا أي ما يتقرب به لأن الله تعالى لا يتقرب به بل يتقرب إليه فلا يصح أنهم اتخذوهم قربانًا متجاوزين الله تعالى في ذلك. وجنح بعضهم إلى أنه يصح أن يقال: الله تعالى يتقرب به أي برضاه تعالى والتوسل به جل وعلا.
وقال الطيبي: إن الزمخشري لم يرد بفساد المعنى إلا خلاف المعنى المقصود إذ لم يكن قصدهم في اتخاذهم الأصنام الهة على زعمهم إلا أن يتقربوا بها إلى الله تعالى كما نطقت به الآيات فتأمل.
وقرىء {قُرْبَانًا} بضم الراء {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} أي غابوا عنهم. وفيه تهكم بهم أيضًا كأن عدم نصرهم لغيبتهم أوضاعوا عنهم أي ظهر ضياعهم عنهم بالكلية وقد امتنع نصرهم الذي كانوا يؤملونه امتناع نصر الغائب عن المنصور {وَذَلِكَ} أي ضلال الهتهم عنهم {إِفْكِهِمْ} أي أثر إفكهم أي صرفهم عن الحق واتخاذهم إياها الهة ونتيجة شركهم {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي وأثر افترائهم وكذبهم على الله تعالى أوأثر ما كانوا يفترونه على الله عز وجل. وقيل: ذلك إشارة إلى اتخاذ الأصنام الهة أي ذلك الاتخاذ الذي أثره ضلال الهتهم عنهم كذبهم وافتراؤهم أو والذي كانوا يفترونه وليس بذاك وإن لم يحوج إلى تقدير مضاف.
وقرأ ابن عباس في رواية {إِفْكِهِمْ} بفتح الهمزة والإفك والأفك مصدران كالحذر والحذر.
وقرأ ابن الزبير والصباح بن العلاء الأنصاري. وأبوعياض. وعكرمة. وحنظلة بن النعمان بن مرة. ومجاهد وهي رواية عن ابن عباس أيضًا {إِفْكِهِمْ} بثلاث فتحات على أن إفك فعل ماض وحينئذ الإشارة إلى الاتخاذ أي ذلك الاتخاذ صرفهم عن الحق. {وَمَا كَانُواْ} قيل عطف على ذلك أو على الضمير المستتر وحسن للفصل أوهومبتدأ والخبر محذوف أي كذلك. والجملة حينئذ معطوفة على الجملة قبلها وأبو عياض وعكرمة أيضًا كذلك إلا أنهما شددا الفاء للتكثير. وابن الزبير أيضًا وابن عباس فيما ذكر ابن خالويه {إِفْكِهِمْ} بالمد فاحتمل أن يكون فاعل فالهمزة أصلية وأن يكون أفعل والهمزة للتعدية أي جعلهم يأفكون؛ وجوز أن تكون للوجدان كأحمدته وأن يكون أفعل بمعنى فعل. وحكى في (البحر) أنه قرئ {إِفْكِهِمْ} بفتح الهمزة والفاء وضم الكاف وهي لغة في الإفك.