فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويظهر فيها معنى التعليل لوقلت: أكرمت زيدًا لإحسانه إليّ. أوإذ أحسن إليّ.
استويا في الوقت. وفهم من إذ ما فهم من لام التعليل. وإن إكرامك إياه في وقت إحسانه إليك. إنما كان لوجود إحسانه لك فيه.
{ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى}: خطاب لقريش على جهة التمثيل لهم. والذي حولهم من القرى: مأرب. وحجر. ثمود. وسدوم.
ويريد من أهل القرى: {وصرفنا الآيات}. أي الحجج والدلائل والعظاة لأهل تلك القرى. {لعلهم يرجعون} عن ما هم فيه من الكفر إلى الآيمان. فلم يرجعوا.
{فلولا نصرهم}: أي فهلا نصرهم حين جاءهم الهلاك؟ {الذين اتخذوا}: أي اتخذوهم. {من دون الله قربانًا}: أي في حال التقرب وجعلتهم شفعاء.
{الهة}: وهو المفعول الثاني لا تخذوا. والأول الضمير المحذوف العائد على الموصول.
وأجاز الحوفي وابن عطية وأبو البقاء أن يكون قربانًا مفعولا ثانيًا لا تخذوا الهة بدل منه.
وقال الزمخشري: وقربانًا حال. ولا يصح أن يكون قربانًا مفعولا ثانيًا والهة بدل منه. لفساد المعنى. انتهى.
ولم يبين الزمخشري كيف يفسد المعنى. ويظهر أن المعنى صحيح على ذلك الإعراب.
وأجاز الحوفي أيضًا أن يكون قربانًا مفعولا من أجله.
{بل ضلوا عنهم}: أي غابوا عن نصرتهم.
وقرأ الجمهور: إفكهم. بكسر الهمزة وإسكان الهاء وضم الكاف؛ وابن عباس في رواية: بفتح الهمزة.
والإفك مصدر إن.
وقرأ ابن عباس أيضًا. وابن الزبير. والصباح بن العلاء الأنصاري. وأبوعياض. وعكرمة. وحنظلة بن النعمان ابن مرة. ومجاهد: إفكهم. بثلاث فتحات: أي صرفهم؛ وأبوعياض. وعكرمة أيضًا: كذلك. إلا أنهما شددا الفاء للتكثير؛ وابن الزبير أيضًا. وابن عباس. فيما ذكر ابن خالويه: افكهم بالمد. فاحتمل أن يكون فاعل.
فالهمزة أصلية. وأن يكون أفعل. فالهمزة للتعدية. أي جعلهم يأفكون. ويكون أفعل بمعنى المجرد.
وعن الفراء أنه قرىء: أفكهم بفتح الهمزة والفاء وضم الكاف. وهي لغة في الأفك؛ وابن عباس. فيما روى قطرب. وأبو الفضل الرازي: افكهم اسم فاعل من افك. أي صارفهم. والإشارة بذلك على من قرأ: {إفكهم} مصدرًا إلى اتخاذ الأصنام الهة. أي ذلك كذبهم وافتراؤهم.
وقال الزمخشري: وذلك إشارة إلى امتناع نصرة الهتهم لهم وضلالهم عنهم. أي وذلك إثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها الهة. وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب من كونه ذا شركاء. انتهى.
وعلى قراءة من جعله فعلًا معناه: وذلك الاتخاذ صرفهم عن الحق. وكذلك قراءة اسم الفاعل. أي صارفهم عن الحق.
ويحتمل أن تكون ما مصدرية. أي وافتراؤهم. وأن تكون بمعنى الذي والعائد محذوف. أي يفترونه. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{واذكر}.
أيْ لكُفَّارِ مكةَ {أَخَا عَادٍ} أيْ هودا عليهِ السلامُ. {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ} بدلُ اشتمالٍ منْهُ أي وقتَ إنذارِه إِيَّاهُم.
{بالاحقاف} جمعُ حِقْفٍ. وهو رملٌ مستطيلٌ مرتفعٌ فيهِ انحناءٌ منِ احقوقفَ الشيءُ إذا اعوجَّ. وكانتْ عادٌ أصحابَ عَمدٍ يسكنونَ بين رمالٍ مشرفةٍ على البحرِ بأرضٍ يُقال لها الشّحْرُ من بلادِ اليمنِ. وقيلَ: بينَ عُمَانَ ومَهَرَةَ.
{وَقَدْ خَلَتِ النذر} أي الرُّسلُ جمعُ نذيرٍ بمعنى المنذرِ.
{مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} أي من قبلهِ {وَمِنْ خَلْفِهِ} أي منْ بعدهِ. والجملةُ اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ مؤكدٌ لوجوبِ العملِ بموجبِ الإنذار. وُسِّط بينَ أنذرَ قومَهُ وبينَ قوله: {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} مسارعةً إلى ما ذُكِرَ من التقريرِ والتأكيدِ وإيذانًا باشتراكِهم في العبارةِ المحكيةِ. والمَعْنى واذكُرْ لقومِكَ إنذارَ هود قومَهُ عاقبةَ الشركِ والعذابِ العظيمِ. وقد أندرَ مَنْ تقدمَهُ من الرسلِ. ومن تأخرَ عنْهُ قومَهُم مثلَ ذلكَ فاذكُرهم. وأَما جعلُها حالًا من فاعلِ أنذرَ على مَعْنى أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنذرَهُم. وقال لَهُم لا تعبدُوا إلا الله {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وقد أعلمهم أنَّ الرسلَ الذين بُعثوا قبلَه والذينَ سيُبعثونَ بعدَهُ كلَّهم منذرونَ نحو إنذاره. فمعَ ما فيهِ من تكلفِ تقديرِ الإعلامِ لابد في نسبةِ الخلوإلى مَن بعدَهُ من الرسلِ من تنزيلِ الاتِي منزلةَ الخالِي.
{قالواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} أيْ تَصُرِفَنَا {عَنْ ءالِهَتِنَا} عن عبادتِها {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} منَ العذابِ العظيمِ {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في وعدِك بنزولهِ بنَا.
{قال إِنَّمَا العلم} أي بوقتِ نزوله أو العلمُ بجميعِ الأشيئاءِ التي من جُمْلتِها ذلكَ {عَندَ الله} وحدَهُ لا علمَ لي بوقتِ نزوله ولا مدخلَ لي في إتيانِه وحلو له وإنَّما علمُه عندَ الله تعالى فيأتيكُم بهِ في وقتهِ المقدرِ لهُ.
{وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ} من مواجبِ الرسالةِ التي من جُملتِها بيانُ نزول العذابِ إنْ لم تنتُهوا عن الشركِ من غيرِ وقوفٍ على وقتِ نزوله. وقرئ {أُبْلِغُكُم} من الإبلاغِ.
{ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} حيثُ تقترحُون عليَّ ما ليسَ من وظائفِ الرسلِ من الإتيانِ بالعذابِ وتعيينِ وقتهِ. والفاءُ في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ} فصحيةٌ. والضميرُ إما مُبهمٌ يوضحه قوله تعالى: {عَارِضًا} تمييزٌ أو حال أو راجعٌ إلى ما استعجلُوه بقولهم فائتنا بما تَعدُنا أي فأتاهُم فلمَّا رأَوهُ سحابًا يعرضُ في أفق السماءِ {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} ي متوجِّه أوديتِهم. والإضافةُ فيه لفظيةٌ كما في قوله تعالى: {قالواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} و لذلكَ وَقَعا وصفينِ للنكرةِ {بَلْ هو} أي قال هود وقد قرئ كذلكَ. وقرئ {قُلْ}. وهو ردٌّ عليهم. أيْ ليسِ الأمرُ كذلكَ بلْ هو {مَا استعجلتم بِهِ} من العذابِ {رِيحٌ} بدلٌ منْ ما أو خبر لمبتدأٍ محذوفٍ. {فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} صفةٌ لريحٌ.
كذَا قوله تعالى: {تُدَمّرُ} أي تهلكُ {كُلّ شَىْء} من نفوسهم وأموالهم {بِأَمْرِ رَبّهَا} وقرئ {يدمر كلَّ شيءٍ} من دمَّر دمارًا إذا هلكَ فالعائدُ إلى الموصوفِ محذوفٌ أو هو الهاء في {ربِّها} ويجوزُ أن يكونَ استئنافًا واردًا لبيانِ أنَّ لكلَّ ممكنٍ فناءً مقضيًا منوطًا بأمرِ بارئهِ. وتكونُ الهاءُ لكلِّ شيءٍ لكونِه بمعنى الأشيئاءِ وفي ذكرِ الأمرِ والربِّ والإضافةِ إلى الريحِ من الدلالة على عظمةِ شأنِه عزَّ وجلَّ ما لا يَخْفى. والفاءُ في قوله تعالى: {فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم} فصيحةٌ أي فجاءتْهُم الريحُ فدمرتْهُم فأصبحُوا بحيثُ لا يُرى إلا مساكنُهم. وقرئ {تَرَى} بالتاءِ ونصبِ {مساكنُهم}. خطابًا لكلِّ أحدٍ يتأتَّى منه الرؤيةُ تنبيهًا على أنَّ حالَهُم بحيثُ لوحضرَ كلُّ أحدٍ بلادَهُم لا يَرَى فيها إلا مساكنَهُم.
{كذلك} أي مثلَ ذلكَ الجزاء الفظيعِ.
{نَجْزِي القوم المجرمين} وقد مرَّ تفصيلُ القصةِ في سورةِ الأعرافِ. وقد رُويَ أنَّ الريحَ كانتْ تحملُ الفُسطاطَ والظَّعينةَ فترفعُها في الجوحتى تُرى كأنَّها جرادةٌ. قيلَ: أول من أبصرَ العذابَ امرأةٌ منُهم قالتْ رأيتُ ريحًا فيها كشهبِ النَّارِ. ورُويَ أنَّ أول ما عرفُوا به أنَّه عذابٌ ما رأوا ما كانَ في الصحراءِ من رحالِهم ومواشيهم تطيرُ بها الريحُ بينَ السماءِ والأرضِ فدخلُوا بيوتَهم وغلَّقوا أبوابَهم فقلعتِ الريحُ الأبوابَ وصرعَتْهم فأمالَ الله تعالى الأحقافَ فكانُوا تحتَها سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيامٍ لهم أنينٌ ثم كشفتِ الريحُ عنهُم فاحتملتهم فطرحتْهُم في البحرِ. ورُوِيَ أنَّ هودا عليهِ السَّلامُ لمَّا أحسَّ بالريحِ خطَّ على نفسِه وعلى المؤمنينَ حظًا إلى جنبِ عينٍ تنبَعُ. وعن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا اعتزلَ هود ومن معَهُ في حظيرةِ ما يصيبُهم من الريحِ إلا ما يلينُ على الجُلودِ وتلذه الأنفسُ وإنَّها لتمرُّ من عادٍ بالظعنِ بينَ السماءِ والأرضِ وتدمغُهم بالحجارةِ.
{ولقد مكناهم} أي قررنَا عادًا أوأقدرنَاهُم. وما في قوله تعالى: {فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} موصولةٌ أو موصوفةٌ. وأنْ نافيةٌ. أيْ في الذِي أو في شيءٍ ما مكنَّاكُم فيهِ من السَّعةِ والبسطةِ وطو ل الأعمار وسائرِ مبادِيِ التصرفاتِ كَما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مكناهم في الأرض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ} وممَّا يُحسِّنُ موقعَ إنْ هاهنا التَّفَصِّي عن تكررِ لفظةِ مَا. وهو الدَّاعِي إلى قلبِ ألِفها هاءً في مَهْمَا. وجعلُها شرطيةً أوزائدةً مِمَّا لاَ يليقُ بالمقامِ.
{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وأبصارا وَأَفْئِدَةً} ليستعملُوهَا فيمَا خُلقتْ لهُ ويعرفُوا بكلَ منَها ما نِيطتْ بهِ معرفتُه من فنونِ النعمِ ويستدلُّوا بها على شؤونِ منعمِها عزَّ وجلَّ ويداومُوا على شُكرِه.
{فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ} حيثُ لم يستعملُوه في استماعِ الوَحي ومواعظِ الرسلِ.
{ولاَ أبصارهم} حيثُ لم يجتلُوا بها الآيات التكوينيةَ المنصوبةَ في صحائفِ العالمِ.
{ولاَ أَفْئِدَتُهُمْ} حيثُ لم يستعملُوها في معرفةِ الله تعالى.
{مِن شَىْء} أي شيئًا من الإغناءِ. ومِنْ مزيدةٌ للتأكيدِ.
وقوله تعالى: {ولقد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم} متعلقٌ بما أَغْنَى وهو ظرف جَرَى مجرى التعليلِ من حيثُ أنَّ الحكمَ مرتبٌ على ما أضيفَ إليهِ فإنَّ قولكَ أكرمتُه إذْا أكرمنِي. في قوةِ قولك أكرمتُه لإكرامِه لأنك أذا أكرمتَهُ وقتَ إكرامِه فإنَّما أكرمْتَه فيه لوجودِ إكرامِه فيهِ وكذا الحالُ في حيثُ {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} من العذابِ الذي كانُوا يستعجلونَهُ بطريقِ الاستهزاءِ ويقولونَ فائْتنِا بما تعدُنا إن كنتَ من الصادقينَ.
{ولقد أَهْلَكْنَا مَا حولكُمْ} يا أهلَ مكةَ {مّنَ القرى} كحِجْرِ ثمودٍ. وقُرى قومِ لوطٍ.
{وَصَرَّفْنَا الآيات} كررنَاها لَهُم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكي يرجعُوا عمَّا هُم فيهِ من الكُفر والمَعَاصِي.
{فَلولا نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَانًا ءالِهَةَ} القُربانُ: ما يُتقربُ بهِ إلى الله تعالى. وأحدُ مفعوليْ اتخذُوا ضميرُ الموصول المحذوفِ. والثانِي الهةً. وقربانًا حالٌ. والتقديرُ فهلاَّ نصرهُم وخلَّصُهم من العذابِ الذين اتخذُوهم الهةً حالَ كونِها متقرَّبًا بَها إلى الله تعالى. حيثُ كانُوا يقولونَ ما نعبدُهم إلا ليقربونَا إلى الله زُلْفى. وهؤلاءِ شفعاؤُنا عندَ الله. وفيه تهكمٌ بهم. ولا مساغَ لجعلِ قربانًا مفعولا ثانيًا. والهةً بدلًا منه لفسادِ المَعْنى؛ فإنَّ البدلَ وإنْ كانَ هو المقصودَ لكنَّه لابد في غيرِ بدلِ الغلطِ من صحةِ المَعْنى بدونِه. ولا ريبَ في أنَّ قولنا اتخذوهُم من دونِ الله قُربانًا. أي متقربًا به مما لا صحةَ له قطعًا؛ لأنه تعالى متقرَّبٌ إليهِ لا متقرَّبٌ بهِ فلا يصحُّ أنَّهم اتخذُوهم قربانًا متجاوزينَ الله في ذلكَ وقرئ {قُرُبانًا} بضمِّ الراءِ {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} أي غابُوا عنْهم وفيه تهكمٌ آخر بهم كأنَّ عدمَ نصرِهم لغيبتِهم أوضاعُوا عنُهم أي ظهرَ ضياعُهم عنهم بالكُليَّةِ. وقيل: امتنعَ نصرُهم امتناعَ نصرِ الغائبِ عن المنصورِ {وَذَلِكَ} أي ضياعُ الهتِهم عنُهم وامتناعُ نصرِهم {إِفْكِهِمْ} أيْ أثرُ إفكِهم الذي هو اتِّخاذُهم إيَّاهَا الهةً ونتيجةُ شركِهم. وقرئ {أفَكُهم}. وكلاهُما مصدرٌ كالحِذْرِ والحَذَرِ. وقرئ {أَفَكَهُم} على صيغةِ الماضِي. فذلكَ إشارةٌ حينئذٍ إلى الاتخاذِ أيْ وذلكَ الاتخاذُ الذي هذه ثمرتُه وعاقبتُه صرفَهُم عن الحقِّ. وقرئ {أَفَّكَهُم} بالتشديدِ للمبالغةِ. وافَكَهُم من الأفعالِ أي جعلهم افكين. وقرئ {افِكُهُم} على صيغةِ اسمِ الفاعلِ مضافًا إلى ضميرِهم أي قولهم الإفكُ أي ذُوالإفكِ. كما يقال قول كاذبٌ.
{وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} عطفٌ على {إفكُهم} أي وأثرُ افترائِهم على الله تعالى. أوأثرُ ما كانُوا يفترونه عليه تعالى. وقرئ {وذلك إفكٌ مما كانوا يفترون} أي بعض ما كانوا يفترونَ من الإفكِ. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {واذكر أَخَا عَادٍ}.
أي: واذكر يا محمد لقومك أخا عاد. وهو هود بن عبد الله بن رباح. كان أخاهم في النسب. لا في الدين. وقوله: {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ} بدل اشتمال منه. أي: وقت إنذاره إياهم {بالأحقاف} وهي ديار عاد. جمع حقف. وهو الرمل العظيم المستطيل المعوج قاله الخليل وغيره. وكانوا قهروا أهل الأرض بقوّتهم. والمعنى: أن الله سبحانه أمره أن يذكر لقومه قصتهم؛ ليتعظوا ويخافوا. وقيل: أمره بأن يتذكر في نفسه قصتهم مع هود؛ ليقتدي به ويهون عليه تكذيب قومه.
قال عطاء: الأحقاف: رمال بلاد الشحر.
وقال مقاتل: هي باليمن في حضرموت. وقال ابن زيد: هي رمال مبسوطة مستطيلة كهيئة الجبال. ولم تبلغ أن تكون جبالًا {وَقَدْ خَلَتِ النذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أي: وقد مضت الرسل من قبله ومن بعده. كذا قال الفراء وغيره.
وفي قراءة ابن مسعود: {من بين يديه ومن بعده} والجملة في محل نصب على الحال. ويجوز أن تكون معترضة بين إنذار هود. وبين قوله لقومه: {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} والأول أولى.
والمعنى: أعلمهم أن الرسل الذين بعثوا قبله. والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره. ثم رجع إلى كلام هود لقومه. فقال حاكيًا عنه: {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وقيل: إن جعل تلك الجملة اعتراضية أولى بالمقام. وأوفق بالمعنى {قالواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءالِهَتِنَا} أي: لتصرفنا عن عبادتها. وقيل: لتزيلنا. وقيل: لتمنعنا. والمعنى متقارب. ومنه قول عروة بن أذينة:
إن تك عن حسن الصنيعة مأفو ** كًا ففي آخرين قد أفكوا

يقول: إن لم توفق للإحسان. فأنت في قوم قد صرفوا عن ذلك.
{فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب العظيم {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في وعدك لنا به.
{قال إِنَّمَا العلم عِندَ الله} أي: إنما العلم بوقت مجيئه عند الله لا عندي {وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ} إليكم من ربكم من الإنذار والإعذار. فأما العلم بوقت مجيء العذاب. فما أوحاه إليّ {ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} حيث بقيتم مصرّين على كفركم. ولم تهتدوا بما جئتكم به. بل اقترحتم عليّ ما ليس من وظائف الرسل.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} الضمير يرجع إلى (ما) في قوله: {بِمَا تَعِدُنَا}.
وقال المبرد. والزجاج: الضمير في {رَأَوْهُ} يعود إلى غير مذكور. وبينه قوله: {عَارِضًا}. فالضمير يعود إلى السحاب. أي: فلما رأوا السحاب عارضًا. فـ: {عارضًا} نصب على التكرير. يعني: التفسير. وسمي السحاب عارضًا لأنه يبدوفي عرض السماء.
قال الجوهري: العارض: السحاب يعترض في الأفق. ومنه قوله: {هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} وانتصاب {عارضًا} على الحال. أو التمييز {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} أي: متوجهًا نحوأوديتهم.
قال المفسرون: كانت عاد قد حبس عنهم المطر أيامًا. فساق الله إليهم سحابة سوداء. فخرجت عليهم من واد لهم يقال له: المعتب. فلما رأوه مستقبل أوديتهم استبشروا. و{قالواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} أي: غيم فيه مطر. وقوله: {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} صفة لعارض؛ لأن إضافته لفظية لا معنوية. فصح وصف النكرة به. وهكذا ممطرنا. فلما قالوا ذلك أجاب عليهم هود. فقال: {بَلْ هو ما استعجلتم بِهِ} يعني: من العذاب حيث قالوا: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} وقوله: {رِيحٌ} بدل من ما. أو خبر مبتدأ محذوف. وجملة: {فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} صفة لريح. والريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك السحاب الذي رأوه.
{تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء بِأَمْرِ رَبّهَا} هذه الجملة صفة ثانية لريح. أي: تهلك كل شيء مرّت به من نفوس عاد وأموالها. والتدمير: الأهلاك. وكذا الدمار. وقرئ {يدمر} بالتحتية مفتوحة وسكون الدال وضم الميم. ورفع {كلّ} على الفاعلية من دمر دمارًا. ومعنى {بِأَمْرِ رَبّهَا}: أن ذلك بقضائه وقدره {فَأْصْبَحُواْ لاَ تَرَى إلا مساكنهم} أي: لا ترى أنت يا محمد. أوكل من يصلح للرؤية إلاّ مساكنهم بعد ذهاب أنفسهم وأموالهم.