فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الجن}.
أي أملناهم إليك ووجهناهم لك. والنفر على المشهور ما بين الثلاثة والعشرة من الرجال لأنه من النفير والرجال هم الذين إذ حزبهم أمر نفروا لكفايته. والحق أن هذا باعتبار الأغلب فإنه يطلق على ما فوق العشرة في الفصيح. وقد ذكر ذلك جمع من أهل اللغة. وفي المجمل الرهط والنفر يستعمل إلى الأربعين. وفي كلام الشعبي حدثني بضعة عشر نفرًا. وسيأتي إن شاء الله تعالى تفسيره هنا بما زاد على العشرة ولا يختص بالرجال. والأخذ من النفير لا يدل على الاختصاص بهم بل ولا بالناس لإطلاقه على الجن هنا.
والجار والمجرور صفة {نَفَرًا} وقوله تعالى: {يَسْتَمِعُونَ القرءان} حال مقدرة منه لتخصصه بالصفة أو صفة له أخرى وضمير الجمع لأنه اسم جمع فهو في المعنى جمع. و لذا قرىء: {صَرَفْنَا} بالتشديد للتكثير. و{إِذْ} معمولة لمقدر لا عطف على {أَخَا عَادٍ} [الأحقاف: 21] أي واذكر لقومك وقت صرفنا إليك نفرًا من الجن مقدرًا استماعهم القرآن لعلهم يتنبهون لجهلهم وغلطهم وقبح ما هم عليه من الكفر بالقرآن والإعراض عنه حيث أنهم كفروا به وجهلوا أنه من عند الله تعالى وهم أهل اللسان الذي نزل به ومن جنس الرسول الذي جاء به وأولئك استمعوه وعلموا أنه من عنده تعالى وآمنوا به وليسوا من أهل لسانه ولا من جنس رسوله ففي ذكر هذه القصة توبيخ لكفار قريش والعرب. و وقعوعها إثر قصة هود وقومه وإهلاك من أهلك من أهل القرى لأن أولئك كانوا ذوي شدة وقوة كما حكى عنهم في غير آية والجن توصف بذلك أيضًا كما قال تعالى: {قال عِفْرِيتٌ مّن الجن أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39] ووصفهم بذلك معروف بين العرب فناسبت ما قبلها لذلك مع ما قيل إن قصة عاد متضمنة ذكر الريح وهذه متضمنة ذكر الجن وكلاهما من العالم الذي لا يشاهد. وسيأتي الكلام في حقيقتهم.
{فَلَمَّا حَضَرُوهُ} أي القرآن عند تلاوته. وهو الظاهر وإن كان فيه تجوز. وقيل: الرسول صلى الله عليه وسلم عند تلاوته له ففيه التفات {قالواْ} أي قال بعضهم لبعض {أَنصِتُواْ} اسكتوا لنسمعه. وفيه تأدب مع العلم وكيف يتعلم {فَلَمَّا قضى} أتم وفرغ عن تلاوته.
وقرأ أبو مجلز. وحبيب بن عبد الله {قَضَى} بالبناء للفاعل وهو ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم. وأيد بذلك عود ضمير {حَضَرُوهُ} إليه عليه الصلاة والسلام.
{ولواْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} مقدرين إنذارهم عند وصو لهم إليهم. قيل: أنهم تفرقوا في البلاد فأنذروا من رأوه من الجن. وكان هؤلاء كما جاء في عدة روايات من جن نصيبين وهي من ديار بكر قريبة من الشام. وقيل: من نينوى وهي أيضًا من ديار بكر لكنها قريبة من الموصل. وذكر أنهم كانوا من الشيصبان وهم أكثر الجن عددًا وعامة جنود إبليس منهم. وكان الحضور بوادي نخلة على نحوليلة مكة المكرمة.
فقد أخرج أحمد وعبد بن حميد. والشيخان. والترمذي. والنسائي. وجماعة عن ابن عباس قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشيئاطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشيئاطين إلى قومهم فقالوا ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف أولئك الذين توجهوا نحوتهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصحابه بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو عليه الصلاة والسلام يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهناك حين رجعوا إلى قومهم.
وفي رواية ابن المنذر عن عبد الملك أنهم لما حضروه قالوا: أنصتوا فلما قضى وفرغ صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح ولوا إلى قومهم منذرين مؤمنين لم يشعر بهم حتى نزل {قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مّنَ الجن} [الجن: 1].
وفي (الصحيحين) عن مسروق عن ابن مسعود أنه اذنته صلى الله عليه وسلم بهم شجرة وكانوا على ما روى عن ابن عباس سبعة وكذا قال زر وذكر منهم زوبعة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنهم كانوا سبعة ثلاثة أمن أهل حران وأربعة من نصيبين وكانت أسماؤهم حسي ومسي وشاصر وماصر والاردوانيان وسرق والأحقم بميم آخِره. وفي رواية عن كعب الأحقب بالباء. وذكر صاحب الروض بدل حسي ومسي منشيء وناشيء.
وأخرج ابن جرير. والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في هؤلاء النفر: كانوا تسعة عشر من أهل تصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلًا إلى قومهم. والخبر السابق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان حين حضر الجن مع طائفة من أصحابه.
وأخرج عبد بن حميد. وأحمد ومسلم والترمذي وأبوداود عن علقمة قال «قلت لابن مسعود: هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد؟ قال: ما صحبه منا أحد ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا: استطير أواغتيل فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء فأخبرناه فقال أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم» فهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن معه أحد من أصحابه ولم يشعر به أحد منهم.
وأخرج أحمد عن ابن مسعود أنه قال: «قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وأخذت إداوة ولا أحسبها إلا ماء حتى إذا كنا بأعلى مكة رأيت أسودة مجتمعة قال: فخط لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: قم هاهنا حتى اتيك ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فرأيتهم يتثورون إليه فسمر معهم ليلًا طويلًا حتى جاءني مع الفجر فقال لي: هل معك من وضوء قلت: نعم ففتحت الإداوة فإذا هو نبيذ فقلت: ما كنت أحسبها إلا ماء فإذا هو نبيذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثمرة طيبة وماء طهور فتوضأ منها ثم قال يصلي فأدركه شخصان منهم فصفهما خلفه ثم صلى بنا فقلت: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: جن نصيبين» فهذا يدل على خلاف ما تقدم والجمع بتعدد واقعة الجن.
وقد أخرج الطبراني في (الأوسط) وابن مردويه عن الحبر أنه قال: صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين. وذكر الخفاجي أنه قد دلت الأحاديث على أن وفادة الجن كانت ست مرات ويجمع بذلك اختلاف الروايات في عددهم وفي غير ذلك. فقد أخرج أبونعيم والواقدي عن كعب الأحبار قال: انصرف النفر التسعة من أهل نصيبين من بطن نخلة وهم فلان وفلان وفلان والاردوانيان والأحقب جاء واقومهم منذرين فخرجوا بعد وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثمائة فانتهوا إلى الحجون فجاء الأحق فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن قومنا قد حضروا الحجون يلقونك فواعده رسول الله صلى الله عليه وسلم لساعة من الليل بالحجون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة أنه قال في الآية: هم اثنا عشر ألفًا من جزيرة الموصل. وفي (الكشاف) حكاية هذا العدد أيضًا وأن السورة التي قرأها صلى الله عليه وسلم عليهم {اقرأ باسم رَبّكَ} [العلق: 1]. ونقل في (البحر) عن ابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم أنه عليه الصلاة والسلام قرأ عليهم سورة الرحمن فكان إذا قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} [الرحمن: 13] قالوا: لا بشيء من آيات ربنا نكذب ربنا لك الحمد.
وأخرج أبونعيم في (الدلائل). والواقدي عن أبي جعفر قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من النبوة وفي معناه ما قيل: كانت القصة قبل الهجرة بثلاث سنين بناء على ما صح عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم مكث بمكة يوحى إليه ثلاث عشرة سنة وفي المسألة خلاف والمشهور ما ذكر.
وقيل: كان استماع الجن في ابتداء الآيحاء.
{قالوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)}.
{قالواْ} أي عند رجوعهم إلى قومهم {ياقومنا إِنَّا سَمِعْنَا كتابا} جليل الشأن {أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} ذكروه دون عيسى عليه السلام مأمورًا بالعمل بمعظم ما فيه أوبكله. وقال عطاء: لأنهم كانوا على اليهودية ويحتاج إلى نقل صحيح. وعن ابن عباس أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام فلذا قالوا ذلك. وفيه بعد فإن اشتهار أمر عيسى عليه السلام وانتشارًا أمر دينه أظهر من أن يخفى لاسيما على الجن. ومن هنا قال أبو حيان: إن هذا لا يصح عن ابن عباس {مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} من التوراة أوجميع الكتب الإلهية السابقة {يَهْدِى إِلَى الحق} من العقائد الصحيحة {وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} من الأحكام الفرعية أو ما يعمها وغيرها من العقائد على أنه من ذكر العام بعد الخاص.
{يا قومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله}.
أرادوا به ما سمعوه من الكتاب ووضفوه بالدعوة إلى الله تعالى بعدما وصفوه بالهداية إلى الحق والطريق المستقيم لتلازمهما. وفي الجمع بينهما ترغيب لهم في الإجابة أي ترغيب. وجوز أن يكون أرادوا به الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَءآمنوا بِهِ} أي بداعي الله تعالى أو بالله عز وجل {يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} أي بعض ذنوبكم قيل: وهو ما كان خالص حقه عز وجل فإن حقوق العباد لا تغفر بالإيمان.
وتعقبه ابن المنير بأن الحربي إذا نهب الأموال وسفك الدماء ثم حسن إسلامه جب إسلامه إثم ما تقدم بلا إشكال ثم قال ويقال: إنه لم يرد وعد المغفرة للكافرين على تقدير الآيمان في كتاب الله تعالى إلا مبعضة وذا منه فإن لم يكن لإطراده كذلك سر فما هو الا أن مقام الكافرين قبض لا بسط فلذلك لم يبسط رجاؤه في مغفرة جملة الذنوب. وقد ورد في حق المؤمنين كثيرًا. ورده صاحب الأنصاف بأن مقام ترغيب الكافر في الإسلام بسط لا قبض وقد أمر الله تعالى أن يقول لفرعون: {قولا لَّيّنًا} وقد قال تعالى: {إِن يَنتَهواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وهي غير مبعضة و{مَا} للعموم لاسيما وقد وقعت في الشرط.
وقال بعض أجلة المحققين: إن الحربي وإنكان إذا أسلم لا تبقى عليه تبعة أصلًا لكن الذمي إذا أسلم تبقى عليه حقوق الادميين. والقوم كما نقل عن عطاء كانوا يهودًا فتبقى عليهم تبعاتهم فيما بينهم إذا أسلموا جميعًا من غير حرب فلما كان الخطاب معهم جيء بما يدل على التبعيض. وقيل: جيء به لعدم علم الجن بعد بأن الإسلام يجب اثم ما قبله مطلقًا وفيه توقف. وقد يقال: أرادوا بالبعض الذنوب السالفة ولولم يقولوا ذلك لتوهم المخاطبون أنهم إن أجابوا داعي الله تعالى وآمنوا به يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر. وقيل: من زائدة أي يغفر لكم ذنوبكم {وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} معد للكفرة. وهذا ونحوه يدل على أن الجن مكلفون. ولم ينص هاهنا على ثوابهم إذا أطاعوا وعمومات الآيات تدل على الثواب. وعن ابن عباس لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها. و لعل الاقتصار هنا على ما ذكر لما فيه من التذكير بالذنوب والمقام الإنذار فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب. وقيل: لا ثواب لمطيعيهم إلا النجاة من النار فيقال لهم: كونوا ترابًا فيكونون ترابًا. وهذا مذهب ليث بن أبي سليم. وجماعة ونسب إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه. وقال النسفي في (التيسير): توقف أبو حنيفة في ثواب الجن في الجنة ونعيمهم لأنه لا استحقاق للعبد على الله تعالى ولم يقل بطريق الوعد في حقهم إلا المغفرة والإجارة من العذاب. وأما نعيم الجنة فموقوف على الدليل.
وقال عمر بن عبد العزيز إن مؤمني الجن حول الجنة في ربض وليسوا فيها. وقيل: يدخلون الجنة ويلهمون التسبيح والذكر فيصيبون من لذة ذلك ما يصيبه بنوادم من لذائذهم. قال النووي في شرح (صحيح مسلم): والصحيح أنهم يدخلونها ويتنعمون فيها بالأكل والشرب وغيرهما. وهذا مذهب الحسن البصري ومالك بن أنس والضحاك وابن أبي ليلى وغيرهم.
{وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ في الأرض}.
إيجاب للإجابة بطريق الترهيب أثر إيجابها بطريق الترغيب وتحقيق لكونهم منذرين واظهار داعي الله من غير اكتفاء بأحد الضميرين بأن يقال: يجبه أو يجب داعيه للمبالغة في الآيجاب بزيادة التقرير وتربية المهابة وادخال الروعة.
وتقييد الإعجاز بكونه في الأرض لتوسيع الدائرة أي فليس بمعجز له تعالى بالهرب وان هرب كل مهرب من أقطارها أودخل في أعماقها. وقوله تعالى: {وليس لَهُ مِن دُونِهِ أوليَاء} بيان لاستحالة نجاته بواسطة الغير إثر بيان استحالة نجاته بنفسه وجمع الأولياء باعتبار معنى {مِنْ} فيكون من باب مقابلة الجمع بالجمع لأنقسام الاحاد على الاحاد. ويؤيد ذلك ما روي عن ابن عامر أنه قرأ {وليس لَهُمْ} بضمير الجمع فإنه لمن باعتبار معناها. وكذا الجمع في قوله سبحانه: {أولئك} بذلك الاعتبار أي أولئك الموصوفون بعدم إجابة داعي الله {فِي ضلال مُّبِينٍ} أي ظاهر كونه ضلالًا بحيث لا يخفى على أحد حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القرآن}.
ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة من سورة الأحقاف. أنه صرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ} والنفر دون العشرة {يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ} وأنهم لما حضروه. قال بعضهم لبعض {أَنصِتُواْ} أي اسكتوا مستمعين. وأنه لما قضى. أي انتهى النبى صلى الله عليه وسلم من قراءته {ولواْ} أي رجعوا إلى قومهم من الجن في حال كونهم منذرين أي مخوفين لهم من عذاب الله إن لم يؤمنوا بالله. ويجيبوا داعيه محمدًا صلى الله عليه وسلم. وأخبروا قومهم. أن هذا الكتاب الذي سمعوه يتلى. المنزل من بعد موسى يهدي إلى الحق. وهو ضد الباطل. وإلى طريق مستقيم. أي لا اعوجاج فيه.
وقد دل القرآن العظيم أن استماع هؤلاء النفر من الجن. وقولهم ما قالوا عن القرآن كله وقع ولم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم. حتى أوحى الله ذلك إليه. كما قال تعالى في القصة بعينها. مع بيانها وبسطها. بتفصيل الأقوال التي قالتها الجن. بعد استماعهم القرآن العظيم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن فقالوا إِنَّا سَمِعْنَا قرآنا عَجَبًا يهدي إِلَى الرشد فَامَنَّا بِهِ ولن نُّشرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1- 2] إلى آخر الآيات.
{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمنوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)}.
منطوق هذه الآية أن من أجاب داعي الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وامن به. وبما جاء به. من الحق غفر الله له ذنوبه. وأجاره من العذاب الأليم. ومفهو مها. أعني مفهو م مخالفتها. والمعروف بدليل الخطاب. أن من لم يجب داعي الله من الجن. ولم يؤمن به لم يغفر له. ولم يرجه. من عذاب أليم. بل يعذبه ويدخله النار. وهذا المفهو م جاء مصرحًا به مبينًا في آيات أخر. كقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأن جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [هود: 19] وقوله تعالى: {ولكن حَقَّ القول مِنِّي لأَمْلأن جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] وقوله تعالى: {قال ادخلوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن الجن والإنس فِي النار} [الأعراف: 38]: وقوله تعالى: {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ والغاو ون وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [الشعراء: 94- 95] إلى غير ذلك من الآيات.