فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ أبي: من النهار؛ وقرأ الجمهور: من نهار.
وقرأ الجمهور: بلاغ. بالرفع. والظاهر رجوعه إلى المدة التي لبثوا فيها. كأنه قيل: تلك الساعة بلاغهم. كما قال تعالى: {متاع قليل} فبلاغ خبر مبتدأ محذوف.
قيل: ويحتمل أن يكون بلاغ يعني به القرآن والشرع. أي هذا بلاغ. أي تبليغ وإنذار.
وقال أبو مجلز: بلاغ مبتدأ وخبره لهم؛ ويقف على فلا تستعجل. وهذا ليس بجيد. لأن فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض. إذ ظاهر قوله: لهم. أنه متعلق بقوله: فلا تستعجل لهم. والحيلولة الجملة التشبيهية بين الخبر والمبتدأ.
وقرأ الحسن. وزيد بن علي. وعيسى: بلاغًا بالنصب. فاحتمل أن يراد: بلاغًا في القرآن. أي بلغوا بلاغًا. أوبلغنا بلاغًا.
وقرأ الحسن أيضًا: بلاغ بالجر. نعتًا لنهار.
وقرأ أبو مجلز. وأبوسراح الهذلي: بلغ علي الأمر. للنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يؤيد حمل بلاغ رفعًا ونصبًا على أنه يعني به تبليغ القرآن والشرع.
وعن أبي مجلز أيضًا: بلغ فعلًا ماضيًا.
وقرأ الجمهور: يهلك. بضم الياء وفتح اللام. وابن محيصن. فيما حكى عنه ابن خالويه: بفتح الياء وكسر اللام؛ وعنه أيضًا: بفتح الياء واللام. وماضيه هلك بكسر اللام. وهي لغة.
وقال أبو الفتح: هي مرغوب عنها.
وقرأ زيد بن ثابت: يهلك. بضم الياء وكسر اللام.
{إلا القوم الفاسقون}: بالنصب. وفي هذه الآية وعيد وإنذار. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الجن}.
أمَلْناهم إليكَ وأقبلنا بهم نحوَكَ. وقرئ {صرَّفَنا} بالتشديدِ للتكثيرِ. لأنهم جماعةٌ. وهو السرُّ في جمعِ الضميرِ في قوله تعالى: {يَسْتَمِعُونَ القرءان} وما بعدَهُ. وهو حال مقدرةٌ من نفرًا لتخصصِه بالصفةِ. أو صفة أُخرى لَه أي واذكُرْ لقومِكَ وقتَ صَرَفنا إليكَ نفرًا كائنًا من الجنِّ مقدَّرًا استماعَهم القرآن.
{فَلَمَّا حَضَرُوهُ} أي القرآن عند تلاوتهِ أو الرسول عند تلاوتِه له على الالتفاتِ والأول هو الأظهرُ.
{قالواْ} أي قال بعضُهم لبعضٍ {أَنصِتُواْ} أي اسكتُوا لنسمعهُ {فَلَمَّا قُضِىَ} أُتمَّ وفُرغَ عن تلاوتِه. وقرئ على البناءِ للفاعلِ وهو ضميرُ الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وهذا يؤيدُ عودَ ضميرِ حضروه إليهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامِ.
{ولواْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} مقدِّرينَ إنذارَهُم عند رجوعِهم إليهم. رُويَ أنَّ الجِنَّ كانتْ تسترق السمعَ فلما حُرستِ السماءُ ورُجموا بالشهبِ قالوا ما هَذا إلا لنبأٍ حدثَ فنهضَ سبعةُ نفرٍ أوستةُ نفرٍ من أشرافِ جنِّ نصيبينَ أونِينَوى. منُهم زوبعةُ فضربُوا حتى بلغوا تِهامةَ ثم اندفعُوا إلى وادِي نخلةَ فوافَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائمٌ في جوفِ الليلِ يُصلِّي أو في صلاةِ الفجرِ فاستمعُوا لقراءته وذلكَ عند منصرفِه من الطائفِ. وعن سعيدِ بنِ جُبيرٍ: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجِنِّ ولا رآهم وإنَّما كان يتلُو في صلاتِه فمرُّوا به فوقفُوا مستمعينَ وهولا يشعرُ بهم فأنبأهُ الله تعالى باستماعِهم. وقيلَ: بلْ أمرَهُ الله تعالى أنْ ينذرَ الجنَّ ويقرأ عليهمِ فصرفَ إليه نَفَرًا منهم جمعَهُم له فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إنِّي أُمرتُ أنْ أقرأ على الجنِّ الليلةَ فمن يتبعُني قالها ثلاثًا» فأطرقُوا إلا عبدَ اللَّهِ بنَ مسعودٍ رضيَ الله عنْهُ قال فانطلقنَا حتَّى إذَا كُنَّا بأعلى مكةَ في شِعب الجحونِ خطَّ لي خطًَّا. فقال: «لا تخرجْ منه حتَّى أعودَ إليكَ». ثم افتتحَ القرآن وسمعتُ لغطًا شديدًا حتَّى خفتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغشيْتُه أسودةٌ كثيرة حالتْ بيني وبينَهُ حتى ما أسمعُ صوتَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ثم انقطعُوا كقطعِ السحابِ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلْ رأيتَ شيئًا» قلتُ نعم رجالًا سُودًا مستشعرِي ثيابٍ بيضٍ فقال: «أولئكَ جنُّ نَصيبينَ وكانُوا اثني عشرَ ألفًا» والسورةُ التي قرأها عليهم اقرأ باسمِ ربِّك.
{قالواْ} أي عندَ رجوعِهم إلى قومِهم {ياقومنا إِنَّا سَمِعْنَا كتابا أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} قيلَ: قالوه لأنهم كانُوا على اليهوديةِ. وعنِ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهُمَا: إنَّ الجنَّ لم تكُن سمعت بأمرِ عِيْسَى عليه السَّلامُ.
{مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أرادُوا به التوراةَ {يَهْدِى إِلَى الحق} من العقائدِ الصحيحةِ {وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} مُوصلٍ إليهِ وهو الشَّرائعُ والأعمالُ الصالحةُ.
{ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله وَءآمنوا بِهِ} أرادُوا به ما سمعُوه من الكتابِ وصفُوه بالدَّعوةِ إلى الله تعالى بعدَ ما وصفُوه بالهدايةِ إلى الحقِّ والصراطِ المستقيمِ لتلازمِهما. دَعَوهم إلى ذلكَ بعدَ بيانِ حقِّيتِه واستقامتِه ترغيبًا لهم في الإجابةِ ثم أكَّدُوه بقولهم {يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} أي بعضَ ذنوبكم وهو ما كانَ في خالصِ حقِّ الله تعالى فإنَّ حقوقَ العبادِ لا تُغفرُ بالإيمان.
{وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} معدَ للكفرةِ. واختُلفَ في أنَّ لهم أجرًا غيرَ هذا أولاَ والأظهرُ أنَّهم في حُكمِ بني آدم ثوابًا وعقابًا.
وقوله تعالى: {وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ في الأرض} إيجابٌ للإجابةِ بطريقِ الترهيبِ إثرَ إيجابِها بطريقِ الترغيبِ. وتحقيقٌ لكونهم منذرينَ. وإظهارُ دَاعي الله من غيرِ اكتفاءٍ بأحدِ الضميرينِ للمبالغةِ في الآيجابِ بزيادةِ التقريرِ وتربيةِ المهابةِ وإدخالِ الرَّوعةِ. وتقييدُ الإعجازِ بكونِه في الأرضِ لتوسيعِ الدائرةِ أي فليسَ بمعجزٍ له تعالى بالهربِ وإن هربَ كلَّ مهربٍ من أقطارِها أودخلَ في أعماقِها.
وقوله تعالى: {وليس لَهُ مِن دُونِهِ أوليَاء} بيانٌ لاستحالةِ نجاتِه بواسطةِ الغيرِ إثرَ بيانِ استحالةِ نجاتِه بنفسهِ. وجمعُ الأولياءِ باعتبارِ مَعْنى مَنْ فيكونُ من بابِ مقابلةِ الجمع بالجمعِ لأنقسامِ الاحادِ إلى الاحادِ كما أنَّ الجمعَ في قوله تعالى: {أولئك} بذلكَ الاعتبارِ. أي أولئكَ الموصوفونَ بعدِ إجابةِ داعِي الله.
{فِى ضلال مُّبِينٍ} أي ظاهرٌ كونَهُ ضلالًا بحيثُ لا يَخْفى على أحدٍ حيثُ أعرضُوا عن إجابةِ مَنْ هَذا شأنُه.
{أَولم يَرَوْاْ} الهمزةُ للأنكارِ. والوأوللعطفِ على مقدرٍ يستدعيهِ المقامُ. والرؤيةُ قلبيةٌ أيْ ألم يتفكَّروا ولم يعلمُوا علمًا جازمًا مُتاخِمًا للمشاهدةِ والعيانِ {أَنَّ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض} ابتداءً من غيرِ مثالٍ يحتذيهِ ولا قانونٍ ينتحيهِ.
{ولم يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ} أي لم يتعبْ ولم ينصَبْ بذلك أصلًا أولم يعجزْ عنهُ. يقال عييتُ بالأمرِ إذا لم يُعرفْ وجَههُ.
وقوله تعالى: {بِقَادِرٍ} في حيزِ الرفعِ لأنه خبرُ أنَّ كما ينبىءُ عنْهُ القراءة بغيرِ باءٍ. ووجه دخولها في القراءة الأولى اشتمالُ النفيِّ الواردِ في صدرِ الآية على أنَّ وَمَا في حيزِها كأنَّه قيلَ: أوليس الله بقادرٍ.
{على أَن يُحْيِىَ الموتى} و لذلكَ أجيبَ عنه بقوله تعالى: {بلى إِنَّهُ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ} تقريرًا للقدرةِ على وجهٍ عامَ يكونُ كالبرهانِ على المقصودِ.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار}.
ظرفٌ عاملُه قول مضمرٌ. مقوله: {أَلَيْسَ هذا بالحق} على أنَّ الإشارةَ إلى ما يشاهدونَهُ حينئذٍ من حيثُ هو من غيرِ أنْ يخطرَ بالبالِ لفظٌ يدلُّ عليهِ فضلًا عن تذكيرِه وتأنيثِه إذ هو اللائق بتهويلهِ وتفخيمِه وقد مرَّ في سورةِ الأحزابِ. وقيل: هيَ إلى العذابِ وفيه تهكمٌ بهم وتوبيخٌ لهم على استهزائِهم بوعدِ الله ووعيدِه وقولهم وما نحنُ بمعذبينَ {قالواْ بلى وَرَبّنَا} أكَّدُوا جوابَهُم بالقسمِ كأنَّهم يطمعونَ في الخلاصِ بالاعترافِ بحقِّيتها كما في الدُّنيا وأنَّى لهُم ذلكَ.
{قال فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} بها في الدُّنيا ومَعْنى الأمرِ الإهانةُ بهم والتوبيخُ لهم. والفاءُ في قوله تعالى: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل} جوابُ شرطٍ محذوفٍ أيْ إذا كان عاقبةُ أمرِ الكفرةِ ما ذُكِرَ فاصبرْ على ما يصيبكَ من جهتِهم كما صبرَ أولوالثباتِ والحزمِ من الرسلِ فإنكَ من جُمْلتِهم بل من علْيتِهم ومِنْ للتبيينِ. وقيل: للتبعيضِ. والمرادُ بأولي العزمِ أصحابُ الشرائعِ الذينَ اجتهدُوا في تأسيسِها وتقريرِها وصبرُوا على تحملِ مشاقِّها ومعاداةِ الطاعنينَ فيَها. ومشاهيرُهُم نوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعِيْسَى عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ. وقيلَ: هم الصابرونَ على بلاءِ الله كنوحٍ صبرَ على أذيةِ قومِه. كانُوا يضربونَهُ حتى يُغشَى عليهِ. وإبراهيمُ صبرَ على النَّارِ وعلى ذبحِ و لدِه. والذبيحُ على الذبحِ. ويعقوبُ على فقدِ الولد والبصرِ. ويوسفُ على الجُبِّ والسجنِ. وأيوبُ على الضُرِّ. ومُوسى قال له قومُه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قال كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ} وداودُ بكى على خطيئتِه أربعينَ سنةً. وعيْسَى لم يضع لبنةً على لبنةٍ صلواتُ الله تعالى وسلامُه عليهم أجمعينَ.
{ولاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} أي لكُفَّارِ مكةَ بالعذابِ فإنَّه على شرفِ النزول بهم {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذابِ {لَّمْ يَلْبَثُواْ} في الدُّنيا {إِلاَّ سَاعَةً} يسيرةً {مّن نَّهَارٍ} لما يشاهدونَ من شدةِ العذابِ وطو ل مدتهِ.
وقوله تعالى: {بَلاَغٌ} خبرٌ مبتدأٍ محذوفٍ. أي هَذا الذي وُعظتم بهِ كفايةٌ في الموعظةِ أوتبليغٌ من الرسول ويُؤيدُه أنَّه قرئ {بلغ}. وقرئ {بلاغًا} أي بلغُوا بلاغًا {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} أي الخارجونَ عن الاتِّعاظِ أو عن الطاعةِ. وقرئ بفتحِ الياءِ وكسرِ اللامِ. وبفتحِهما. منْ هَلِكَ وهَلَكَ. وبنونِ العظيمةِ من الأهلاكِ ونصبِ القومِ ووصفه.
عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأ سورةَ الأحقافِ كُتبَ له عشرُ حسناتٍ بعددِ كلِّ رملةٍ في الدُّنيا». اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {واذكر أَخَا عَادٍ}.
يعني: واذكر لأهل مكة.
ويقال: معناه واصبر على ما يقولون. واذكر هود {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالاحقاف} يعني: خوف قومه بموضع.
يقال له: الأحقاف.
روى منصور. عن مجاهد قال: الأحقاف الأرض.
ويقال: جبل بالشام. ويسمى الأحقاف.
وقال القتبي: الأحقاف جمع حقف. وهو من الرمل ما أشرف من كثبانه. واستطال وانحنى {وَقَدْ خَلَتِ النذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} يعني: مضت من قبل هود {وَمِنْ خَلْفِهِ} يعني: ومن بعده.
{أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} يعني: خوفهم ألا تعبدوا إلا الله. و وحدوه {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني: أعلم أنكم. إن لم تؤمنوا. يصبكم عذاب يوم كبير {قالواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءالِهَتِنَا} يعني: لتصرفنا عن عبادة الهتنا {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} أن العذاب نازل بنا {قال} هود {إِنَّمَا العلم عِندَ الله} يعني: علم العذاب عند الله. يجيء بأمر الله. وإنَّما عليَّ تبليغ الرسالة. وليس بيدي إتيان العذاب.
فذلك قوله: {وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ} يعني: ما يوحي الله إليَّ لأدعوكم إلى التوحيد {ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} لما قيل لكم. ولما يراد بكم من العذاب.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} يعني: لما رأوا العذاب مقبلًا. وكانت السحابة إذا جاءت من قبل ذلك الوادي. أمطروا.
وقال القتبي: العارض: السحاب {قالواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} يعني: هذه سحابة. وغيم ممطرنا.
أي: تمطر به حروثنا. لأن المطر كان حبس عنهم.
فقال هود: ليس هذا عارض {بَلْ هو ما استعجلتم بِهِ} يعني: الريح والعذاب {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: متلف.
وروى عطاء. عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا رأى رياحًا مختلفة تلون وجهه. وتغير وخرج. ودخل وأقبل. وأدبر فذكرت ذلك له فقال: وما يدريك لعله كما قال الله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هو ما استعجلتم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} فإذا أمطرت سري عنه ويقول: {وَهوالذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرىً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حتى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقالا سقناه لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الماء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57].
ثم قال تعالى: {تُدَمّرُ كُلَّ شَىْء بِأَمْرِ رَبّهَا} يعني: تهلك الريح كل شيء بأمر ربها. أي: بإذنه تعالى: {فَأَصْبَحُواْ} أي: فصاروا من العذاب بحال {لاَ يرى مساكنهم} وقد ذكرناه في سورة الأعراف.
قرأ حمزة. وعاصم {لا يُرَى} بضم الياء. {مَسَاكِنُهُمْ} بضم النون على معنى فعل. ما لم يسم فاعله. يعني: لا يرى شيء. وقد هلكوا كلهم.
وقرأ الباقون {لاَّ ترى} بالتاء على معنى المخاطبة.
ومعناه لا ترى شيئًا أيها المخاطب. لوكنت حاضرًا. ما رأيت إلا مساكنهم.
ثم قال: {كذلك نَجْزِي القوم المجرمين} يعني: هكذا نعاقب القوم المشركين عند التكذيب {ولقد مكناهم} يعني: أعطيناهم الملك والتمكين {فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} يعني: ما لم نمكن لكم. ولم نعطكم يا أهل مكة.
وقال القتبي: إن الخفيفة قد تزاد في الكلام. كقول الشاعر: ما إن رأيت ولا سمعت به. يعني: ما رأيت ولا سمعت به. يعني: ما لم نمكن لكم ومعنى الآية {ولقد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} وقال الزجاج: إنْ هاهنا مكان ما. يعني: فيما مكناكم فيه.
ويقال معناه: ولقد مكناهم في الذي مكناكم فيه.
{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وأبصارا وَأَفْئِدَةً} يعني: جعلنا لهم سمعًا ليسمعوا المواعظ. وأبصارًا لينظروا في الدلائل. وأفئدة ليتفكروا في خلق الله تعالى.
{فَمَا أغنى عَنْهُمْ} يعني: لم ينفعهم من العذاب {سَمْعُهُمْ ولا أبصارهم ولا أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْء} إذ لم يسمعوا الهدى. ولم ينظروا في الدلائل. ولم يتفكروا في خلقه {ولقد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم} يعني: بدلائله {وَحَاقَ بِهِم} يعني: نزل بهم من العذاب {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} يعني: العذاب الذي كانوا يجحدون به. ويستهزئون.
قوله تعالى: {ولقد أَهْلَكْنَا مَا حولكُمْ مّنَ القرى} يعني: أهلكنا قبلكم يا أهل مكة بالعذاب. ما حولكم من القرى {وَصَرَّفْنَا الآيات} أي: بينا لهم الدلائل. والحجج. والعلامات {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي: يرجعون عن كفرهم. قبل أن يهلكوا.
قوله تعالى: {فَلولا نَصَرَهُمُ} يعني: فهلا نصرهم.
يعني: كيف لم يمنعهم من العذاب {الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَانًا} يعني: عبدوا من دون الله. ما يتقربون بها إلى الله {ءالِهَةً} يعني: أصنامًا. كما قال في آية أخرى {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أوليَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زلفى إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ في مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هو كاذب كَفَّارٌ} [الزمر: 3] {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} يعني: الالهة لم تنفعهم شيئًا.
ويقال: اشتغلوا بأنفسهم.
ويقال: بطلت عنهم.