فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} يعني: كذبهم {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعني: يختلفون.
وذكر أبو عبيدة بإسناده. عن عبد الله بن عباس. أنه قرأ {أَفَكَهُمْ} بنصب الألف والفاء والكاف.
يعني: ذلك الفعل أضلهم. وأهلكهم وصرفهم عن الحق. وقراءة العامة بضده.
{وَذَلِكَ إفْكهم} يعني: ذلك الفعل. وهو عبادتهم.
وقولهم: وكذبهم ويقال: {وَذَلِكَ إفْكُهُمْ} اليوم. كما كان إفك من كان قبلهم.
قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الجن} وذلك. أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث. خرت الأصنام على وجوهها في تلك الليلة.
فصاح إبليس صيحة. فاجتمع إليه جنوده. فقال لهم: قد عرض أمر عظيم. امضوا فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها.
يعني: امشوا وانظروا ماذا حدث من الأمر.
وروى ابن عباس: أنه لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حيل بين الشيئاطين وبين السماء. وأرسل عليهم الشهب. فجاؤوا إلى إبليس. فأخبروه بذلك. قال: هذا الأمر حادث. اضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فجاء نفر منهم. فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي تحت نخلة في سوق عكاظ. ومعه ابن مسعود وأصحابه. وكان يقرأ سورة طه في الصلاة.
وروى وكيع. عن سفيان. عن عاصم. عن رجل. عن زر بن حبيش. في قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الجن} قال: كانوا تسعة أحدهم: زوبعة أتوه ببطن نخلة {يَسْتَمِعُونَ القرءان فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالواْ أَنصِتُواْ} وروى عكرمة. عن الزبير قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء الأخيرة. فلما حضروا النبي صلى الله عليه وسلم. قال بعضهم. لبعض أنصتوا للقرآن واستمعوا {فَلَمَّا قُضِىَ} يعني: فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من القراءة والصلاة {ولواْ} يعني: رجعوا {إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} قال مقاتل: يعني: المؤمنين.
وقال الكلبي: يعني: مخوفين.
وقال مجاهد: ليس في الجن رسل. وإنما الرسل في الإنس. والنذارة في الجن.
ثم قرأ {فَلَمَّا قُضِىَ ولواْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} يعني: أنذروا قومهم من الجن {قالواْ يا قومنا إِنَّا سَمِعْنَا} من محمد صلى الله عليه وسلم: {كتابا} يعني: قراءة القرآن {أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} يعني أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني موافقًا لما قبله من الكتب {يَهْدِى إِلَى الحق} يعني: يدعوإلى توحيد الله تعالى من الشرك. كما هو في سائر الكتب {وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} لا عوج فيه. يعني: دين الله تعالى. وهو الإسلام {مُّسْتَقِيمٍ ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله} يعني: النبي صلى الله عليه وسلم: {يا قومنا أَجِيبُواْ} يعني: صدقوا به وبكتابه {يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} وَمِنْ صلة في الكلام.
يعني: يغفر لكم ذنوبكم إن صدقتم.
وامنتم {وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} يعني: يؤمنكم من عذاب النار {وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ الله} يعني: من لم يجب رسول الله صلى الله عليه وسلم. بما يدعوإليه من الآيمان {فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ في الأرض} يعني: لا يستطيع أن يهرب في الأرض. من عذاب الله تعالى.
ويقال: معناه فلن يجد الله عاجزًا عن طلبه {وليس لَهُ مِن دُونِهِ أوليَاء} يعني: ليس له أنصار يمنعونه. مما نزل به من العذاب {أولئِكَ في ضلال} يعني: في خطأ {مُّبِينٌ} وذكر في الخبر. أنهم لما أنذرهم وخوفهم. جاء جماعة منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة. فلقيهم بالبطحاء فقرأ عليهم القرآن. فأمرهم ونهاهم. وكان معه عبد الله بن مسعود. وَخَطَّ لَهُ النبي صلى الله عليه وسلم خطًا. وقال له: «لاَ تَخْرُجْ مِنْ هَذَا الخَطِّ. فَإِنَّكَ إنْ خَرَجْتَ لَنْ تَرَانِي إلَى يَوْمِ القِيَامَة». فلما رجع إليه قال: يا نبي الله سمعت هَدَّتين أي: صوتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمَّا إِحْدَاهُمَا: فَإنِّي سَلَّمْتُ عَليْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيَّ السَّلاَم. وأمّا الثَّانِيَة: فَإِنَّهُمْ سَأَلُوا الرِّزْقَ فَأَعْطَيْتُهُمْ عَظْمًا رِزْقًا لهم. وَأَعْطَيْتَهُم رَوْثًا رِزْقًا لِدَوَابِّهِمْ».
ثم قال تعالى: {أَولم يَرَوْاْ} يعني: أولم يعتبروا ويتفكروا.
ويقال: أولم يخبروا {أَنَّ الله الذي خَلَق السموات والأرض ولم يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} يعني: لم يعجز عن خلق السموات والأرض. فكيف يعجز عن بعث الموتى.
ويقال: {ولم يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ} يعني: لم يعيه خلقهن. ولم يعي بخلقهن بقادر {على أَن يُحْىِ الموتى بلى} لأنهم كانوا مقرين بأن الله. هو الذي خلق السموات والأرض. وكانوا منكرين للبعث بعد مماتهم. فأخبرهم الله تعالى. بأن الذي كان قادرًا على خلق السموات والأرض. يكون قادرًا على إحيائهم بعد الموت.
ثم قال: {بلى} يعني: هو قادر على البعث {إِنَّهُ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ} من الإحياء والبعث.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} يعني: يكشف الغطاء عنها.
ويقال: يساق الذين كفروا إلى النار.
ويقال لهم: {أَلَيْسَ هذا بالحق} يعني: أليس هذا العذاب الذي ترون حقًا. وكنتم تكذبون به {قالواْ بلى وَرَبّنَا} إنه الحق. وَرَبّنَا هو الله.
ويقال: والله إنه لحق. فيقرون حين لا ينفعهم إقرأرهم.
قال: فيقال لهم: {قال فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} أي: تجحدون {فاصبر} يا محمد. يعني: اصبر على أذى أهل مكة. وتكذيبهم.
{كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل} يعني: أولوالحزم. وهو أن يصبر في الأمور. ويثبت عليها. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم. أراد أن يدعوعليهم. فأمره الله تعالى بالصبر. كما صبر نوح. وكما صبر إبراهيم. وإسحاق. ويعقوب ويوسف وغيرهم من الأنبياء. صلوات الله عليهم أجمعين.
وقال السدي: أولو العزم. الذين أمروا بالقتال من الرسل.
وقال أبو العالية: أولو العزم من الرسل. كانوا ثلاثة والنبي صلى الله عليه وسلم رابعهم. إبراهيم وهود ونوح. فأمره الله تعالى أن يصبر كما صبروا.
وقال مقاتل: أولو العزم من الرسل اثني عشر نبيًا في بيت المقدس. فأوحى الله إليهم ثلاث مرات. أن اخرجوا من بين أقوامكم. فلم يخرجوا.
فقال الله تعالى: يمضي العذاب عليكم مع قومكم فتشأو روا فاختاروا هلاك أنفسهم بينهم {ولاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} يعني: لا تستعجل لهم بالعذاب {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} يعني: العذاب قد أتاهم من قريب في الآخرة. فلقربه كأنهم يرونه في الحال.
ويقال: في الآية تقديم وتأخير. كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة في الدنيا يعني: إذا أتاهم ذلك اليوم. يرون أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا القليل.
فذلك قوله: {لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} يعني: من نهار الدنيا.
ويقال: يعني: في القبور.
وقال أبو العالية: معناه كأنهم يرون. حين يظنون أنهم لم يلبثوا إلا ساعة من نهار.
ثم قال: {بَلاَغٌ} يعني: ذلك بلاغ وبلغه وأجل. فإذا بلغوا أجلهم ذلك {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} يعني: هل يهلك في العذاب. إذا جاء العذاب إلا القوم العاصون.
ويقال: معناه لا يهلك مع رحمة الله وفضله. إلا القوم الفاسقون.
ويقال: بلاغ يعني: هذا الذي ذكر بلاغ.
أي: تمام العظة.
ويقال: هو من الإبلاغ. أي: هذا إرسال وبيان لهم كقوله: {هذا بلاغ لّلنَّاسِ} والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد. واله وصحبه وسلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{واذكر أَخَا عَادٍ} يعني هود عليه السلام.
{إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف} قال ابن عبّاس: الأحقاف واد بين عمان ومهرة. مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له: مهرة إليها تنسب الجمال. فيقال: إبل مهرية ومهاري. وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع. فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم. وكانوا من قبيلة إرم.
وقال الضحّاك: الأحقاف جبل بالشام. مجاهد: هي أرض جساق من جسمي. قتادة: ذكر لنا أنّ عادًا كانوا حيًّا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها: الشحر. ابن زيد: هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلًا.
الكلبي: الأحقاف ما نضب عنه الماء زمان الغرق. كان ينضب الماء من الأرض ويبقى أثره. الخليل: هي الرمال العظام. الكسائي: هي ما استدار من الرمل. وواحدها حقف وحقاف. مثل دبغ ودباغ. و لبس و لباس. وقيل: الحقاف جمع الحقف. والأحقاف جمع الجمع.
ونظير حقف أحقاف شبر وأشبار. قال الأعشى:
فبات إلى أرطاة حقف تلفّه ** حريق شمال يترك الوجه أقتما

وقال: بنا بطن حرّى ذي حقاف عقنقل. ويقال: حقفٌ أحقف أي رمل متناه في الاستدار. قال العجاج: بات إلى إرطاة حقف أحقفا. والفعل منه أحقف. قال الراجز: سماوة الهلال حتّى احقوقفا. أي انحنى واستدار.
{وَقَدْ خَلَتِ النذر} مضت الرسل.
{مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} أي قبل هود.
{وَمِنْ خَلْفِهِ} وهي في قراءة عبد الله و{مِن بَعْدِهِ}.
{أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قالوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} لتصرفنا.
{عَنْ الِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب.
{إِن كُنتَ مِنَ الصادقين قال إِنَّمَا العلم} بوقت مجيء العذاب.
{عِندَ الله} لا عندي وإنّما أنا مبلِّغ.
{وَأُبَلِّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ ولكني أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ} يعني العذاب.
{عَارِضًا} نُصب على الحال. وإن شئت بالتكرير أي رأوهُ عارضا وهو السحاب. سمّي بذلك لأنه يعرض أي يبدوفي عرض السماء.
قال مجاهد: استعرض بهم الوادي. قال الأعشى:
يا من يرى عارضًا قد بتُّ أرمقه ** كإنّما البرق في حافاته الشعل

قال المفسِّرون: ساق الله تعالى السحابة السوداء التي اختار قيل بن عتز رأسه وقد عاد بما فيها من النقمة إلى عاد فخرجت عليهم من واد لهم يقال له: المغيث. وكانوا قد حبس عنهم المطر أيّامًا. فلمّا رأوها.
قالوا: هذا عارض ممطرنا حتى عرفت أنها ريح امرأة منهم يقال لها مهدر فصاحت وصعقت. فلمّا أفاقت قيل لها: ما رأيت؟ قالت: ريحًا فيها كشهب النار.
{مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} استبشروا بها.
{قالواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} يقول الله تعالى: {بَلْ هو ما استعجلتم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} فجعلت تحمل الفسطاط. وتحمل الظعينة. فترفعها حتّى ترى كأنّها جرادة.
أخبرنا ابن منجويه. حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه. حدّثنا عبيدالله بن أحمد بن منصور الكسائي. حدّثنا الحارث بن عبد الله. حدّثنا هشيم. عن جويبر. حدّثنا أبوداود الأعمى. عن ابن عبّاس في قول الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} الآية. قال: لمّا دنا العارض قاموا فمدّوا أيديهم. فأول ما عرفوا أنّها عذاب رأوا ما كان خارجًا من ديارهم. من رحالهم. ومواشيهم تطير بهم الريح بين السماء والأرض. مثل الرشا. قالوا: فدخلوا بيوتهم. وأغلقوا أبوابهم. فجاءت الريح فغلّقت أبوابهم وصرعتهم. وأمر الله تعالى الريح فأهالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمل سبع ليال. وثمانية أيّامًا حسومًا لهم أنين. ثمّ أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال ثمّ أمرها فاحتملتهم. فرمت بهم في البحر.
فهم الذين يقول الله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} مرّت به من رجال عاد وأموالها بأذن ربّها. أخبرنا ابن منجويه. حدّثنا عمر بن الخطّاب. حدّثنا عبد الله بن الفضل. حدّثنا أبوهشام. حدّثنا حفص. عن ابن جريح. عن عطاء. عن عائشة رضي الله عنه قالت: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رأى الريح فزع. وقال: «اللّهم إنّي أسألك خيرها وخير ما فيها. وخير ما أرسلت به. وأعوذ بك من شرّها وشر ما فيها. وشرّ ما أرسلت به».
فإذا رأى مخيلة قام. وقعد. وجاء. وذهب. وتغيّر لونه. فنقول: يا رسول الله. فيقول: «إنّي أخاف أن يكون مثل قوم عاد. حيث قالوا هذا عارض ممطرنا».
{فَأَصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ} قرأ الحسن {لا تُرى} بتاء مضمومة {إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ} برفع (النون). ومثله روى شعيب بن أيّوب. عن يحيى بن آدم. عن أبي بكر بن عيّاش. عن عاصم. قال أبو حاتم: هذا لا يستقيم في اللغة إلاّ إنْ أول فيه إضمار كما تقول في الكلام: لا تُرى النساء إلاّ زينب. ولا يجوز لا تُرى إلاّ زينب. وقال سيبويه: معناه {لا ترى} أشخاصهم.
{إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ} وأجرى الفرّاء هذه الآية على الاستكراه. وذكر أنّ المفضل أنشده:
نارنا لم تر نارًا مثلها ** قد علمتْ ذاك معدّ كرما

فأَنّث فعل مثل لأنه للنّار. قال: وأجود الكلام أن يقول: لم تر مثلها نار.
وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة ويعقوب وخلف (بياء) مضمومة {مَسَاكِنُهُمْ} رفعًا واختاره أبو عبيدة رفعًا وأبو حاتم. قال الكسائي: معناه لا يُرى شيء إلاّ مساكنهم.
وقال الفرّاء: لا يُرى الناس لأنهم كانوا تحت الرمل. فإنّما يرى مساكنهم لأنها قائمة. وقرأ الباقون (تَرى) (بتاء) مفتوحة (مساكنهم) نصبًا على معنى (لا ترى) يا محمّد (إلاّ مساكنهم).
{كَذَلِكَ نَجْزِي القوم المجرمين}.
{ولقد مَكَّنَاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} أي فيما لا يمكنكم فيه من بسطة الأجسام. وقوّة الأبدان. وطو ل العمر. وكثرة المال.
{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولا أَبْصَارُهُمْ ولا أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بآيات الله وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ولقد أَهْلَكْنَا مَا حولكُمْ} يا أهل مكّة.
{مِّنَ القرى} كحجر ثمود. وأرض سدوم ونحوهما.
{وَصَرَّفْنَا الآيات} الحجج والبيّنات وأنواع العبر والعظات {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عن كفرهم. فلم يرجعوا. فأهلكناهم. يخوّف مشركي قريش.
{فَلولا نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَانًا الِهَةَ} يعني الأوثان. قال الكسائي: القربان كلّ ما يُتقرّب به إلى الله تعالى من طاعة. ونسكة. والجمع قرأبين. كالرهبان والرهابين.
{بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} أي كذبهم الذي كانوا يقولون: إنّها تقرّبهم إلى الله تعالى. وتشفع لهم عنده. وقرأ ابن عبّاس وابن الزبير {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} بفتح (الألف) و (الفاء) على الفعل. أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد. وقرأ عكرمة {إِفْكُهُمْ} بتشديد (الفاء) على التأكيد والتفسير. قال أبو حاتم: يعني قلبهم عمّا كانوا عليه من النعيم. ودليل قراءة العامّة قوله: {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الجن} الآية. قال المفسِّرون: لمّا مات أبوطالب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف يلتمس ثقيف النصرة. والمنعة له من قومه. فروى محمّد بن أحمد عن يزيد بن زياد عن محمّد بن كعب القرظي. قال: «لمّا انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف. عمد إلى نفر من ثقيف. هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم اخوة ثلاثة: عبد ياليل. ومسعود. وحبيب. بنوعمر بن عمير. عندهم امرأة من قريش من بني جمح. فجلس إليهم. فدعاهم إلى الله تعالى وكلّمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام. والقيام معه على من خالفه من قومه. فقال أحدهم. هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله تعالى أرسلك. وقال الآخر: أما وجد الله أحد يرسله غيرك؟ وقال الثالث: والله لا أُكلّمك كلمة أبدًا لئن كنت رسو لا من الله كما تقول. لأنت أعظم خطرًا من أن أردّ عليك الكلام. و لئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أُكلّمك».