فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَولم يَرَوْاْ} الآية: احتجاج على بعث الأجساد بخلق السموات والأرض {ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} يقال: عييتَ بالأمر إذا لم تعرفه. فالمعنى أنه تعالى علم كيف خلق السموات والأرض. وأحكم خلقتها. فلا شك أنه قادر على إحياء الموتى {بِقَادِرٍ} في موضع رفع لأنه خبر أن. وإنما دخلت الباء لاشتمال النفي في أول الآية على أن وخبرها {بلى} جواب لما تقدم. أي هو قادر على أن يحي الموتى.
{فاصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي اصبر على تكذيب قومك وألولوا العزم هم. نوح وإبراهيم وعيسى وموسى. وقيل هم الثمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام لقوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90]. وقيل: كل من لقي من أمته شدة. وقيل: الرسل كلهم أولوا عزم. فمن الرسل على هذا لبيان الجنس وعلى الأقوال المتقدمة للتبعيض {ولاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} أي لا تستعجل نزول العذاب بهم. فإنهم صائرون إليه فإنهم إذا هلكوا كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار لاستقصار أعمارهم {بَلاَغٌ} خبر ابتداء مضمر تقديره: هذا الذي وعظتم به بلاغ بمعنى: كفاية في الموعظة. أوبلاغ من الرسول عليه الصلاة والسلام. أي بلغ هذه المواعظ والبراهين. اهـ.

.قال البيضاوي:

{واذكر أَخَا عَادٍ} يعني هودا.
{إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف}.
جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج. وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن.
{وَقَدْ خَلَتِ النذر} الرسل.
{مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} قبل هود وبعده والجملة حال أواعتراض.
{أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} أي لا تعبدوا. أوبأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته.
{إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هائل بسبب شرككم.
{قالواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} لتصرفنا.
{عَنْ ءالِهَتِنَا} عن عبادتها.
{فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب على الشرك.
{إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في وعدك.
{قال إِنَّمَا العلم عِندَ الله} لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فأستعجل به. وإنما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدر له.
{وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ} إليكم وما على الرسول إلا البلاغ.
{ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين منذرين لا معذبين مقترحين.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} سحابًا عرض في أفق السماء.
{مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} متوجه أوديتهم. والإضافة فيه لفظية وكذا في قوله: {قالواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} أي يأتينا بالمطر.
{بَلْ هو} أي قال هود عليه الصلاة والسلام {بَلْ هو ما استعجلتم بِهِ} من العذاب. وقرئ {قل} {بل}: {رِيحٌ} هي ريح. ويجوز أن يكون بدل ما.
{فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} صفتها وكذا قوله: {تُدَمّرُ} تهلك.
{كُلَّ شَىْءٍ} من نفوسهم وأحوالهم.
{بِأَمْرِ رَبّهَا} إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته. وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مرارًا. وقرئ {يدمر كل شيء} من دمر دمارًا إذا هلك فيكون العائد محذوفًا أو الهاء في {رَبُّهَا}. ويحتمل أن يكون استئنافًا للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضيًا لا يتقدم ولا يتأخر. وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشيئاء {فَأْصْبَحُواْ لاَ تُرَى إِلاَّ مساكنهم} أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لوحضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم} بالياء المضمومة ورفع المساكن.
{كذلك نَجْزِي القوم المجرمين}. روي أن هودا عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة. وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام. ثم كشفت عنهم واحتملتهم تقذفتهم في البحر.
{ولقد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} {إن} نافية وهي أحسن من ما هاهنا لأنها توجب التكرير لفظًا و لذلك قلبت ألفها هاء في مهما. أوشرطية محذوفة الجواب والتقدير. ولقد مكناهم في الذي أو في شيء إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر. أوصلة كما في قوله:
يُرَجِّي المَرْءُ مَا إِنْ لاَ يَرَاه ** ويعرض دُونَ أدناهُ الخُطُوبُ

والأول أظهر وأوفق لقوله: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَارًا} {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وأبصارا وَأَفْئِدَةً} ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على مانحها تعالى ويواظبوا على شكرها.
{فَمَا أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولا أبصارهم ولا أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْءٍ} من الإِغناء وهو القليل.
{إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بآيات اللهِ} صلة {فَمَا أغنى} وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه وكذلك حيث.
{وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} من العذاب.
{ولقد أَهْلَكْنَا مَا حولكُمْ} يا أهل مكة.
{مّنَ القرى} كحجر ثمود وقرى قوم لوط.
{وَصَرَّفْنَا الآيات} بتكريرها.
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عن كفرهم.
{فَلولا نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَانًا ءالِهَةَ} فهلا منعتهم من الهلاك الهتهم الذين يتقربون بهم إلى الله تعالى حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وأول مفعولي {اتخذوا} الراجع إلى الموصول محذوف. وثانيهما {قُرْبَانًا} و{ءالِهَةً} بدل أو عطف بيان. أو{ءالِهَةً} و{قُرْبَانًا} حال أو مفعول له على أنه بمعنى التقرب. وقرئ {قُربَانًا} بضم الراء.
{بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} غابوا عن نصرهم وامتنع أن يستمدوا بهم امتناع الاستمداد بالضال.
{وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره صرفهم عن الحق. وقرىء{إِفْكِهِمْ} بالتشديد للمبالغة. و{افكهم} أي جعلهم افكين و{افكهم} أي قولهم الافك أي ذوالإِفك.
{وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الجن} أملناهم إليك والنفر دون العشرة وجمعه أنفار.
{يَسْتَمِعُونَ القرءان} حَال محمولة على المعنى.
{فَلَمَّا حَضَرُوهُ} أي القرآن أو الرسول.
{قالواْ أَنصِتُواْ} قالوا بعضهم لبعض اسكتوا لنسمعه.
{فَلَمَّا قُضِىَ} أتم وفرغ من قراءته. وقرئ على بناء الفاعل وهو ضمير الرسول عليه الصلاة والسلام.
{ولواْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} أي منذرين إياهم بما سمعوا. روي أنهم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي النخلة عند منصرفه من الطائف يقرأ في تهجده.
{قالواْ يَا قَوْمُنَا إِنَّا سَمِعْنَا كتابا أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} قيل إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يهودا أو ما سمعوا بأمر عيسى عليه الصلاة والسلام.
{مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى الحق} من العقائد.
{وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} من الشرائع.
{ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله وَءآمنوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّنْ ذُنُوبِكُمْ} بعض ذنوبكم. وهو ما يكون في خالص حق الله فإن المظالم لا تغفر بالإيمان.
{وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} هو معد للكفار. واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه باقتصارهم على المغفرة والإِجارة على أن لا ثواب لهم. والأظهر أنهم في توابع التكليف كبني آدم.
{وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ في الأرض} إذ لا ينجي منه مهرب.
{وليس لَهُ مِن دُونِهِ أوليَاءَ} يمنعونه منه.
{أولئِكَ في ضلال مُّبِينٍ} حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه.
{أَولم يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض ولم يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ} ولم يتعب ولم يعجز. والمعنى أن قدرته واجبة لا تنقص ولا تنقطع بالآيجاد أبد الأباد.
{بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِىِ الموتى} أي قادر. ويدل عليه قراءة يعقوب {يقدر}. والباء مزيدة لتأكيد النفي فإنه مشتمل على {أن} وما في حيزها و لذلك أجاب عنه بقوله: {بلى إِنَّهُ على كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٍ} تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود. كأنه صَدَّرَ السورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} منصوب بقول مضمر مقوله: {أَلَيْسَ هذا بالحق} والإِشارة إلى العذاب.
{قالواْ بلى وَرَبّنَا قال فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} بكفركم في الدنيا. ومعنى الأمر هو الإِهانة بهم والتوبيخ لهم.
{فاصبر كَمَا صَبَرَ أولو العزم مِنَ الرسل} أولوالثبات والجد منهم فإنك من جملتهم. و{مِنْ} للتبيين. وقيل للتبعيض. و{أولو العزم} منهم أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها. ومشاهيرهم: نوح. وإبراهيم. وموسى. وعيسى عليهم السلام. وقيل الصابرون على بلاء الله كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه. وإبراهيم على النار وذبح و لده والذبيح على الذبح. ويعقوب على فقد الولد والبصر. ويوسف على الجب والسجن. وأيوب على الضر. وموسى قال له قومه {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قال كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ} وداود بكى على خطيئته أربعين سنة. وعيسى لم يضع لبنة على لبنة.
{ولاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} استقصروا من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة.
{بَلاَغٌ} هذا الذي وعظتم به أوهذه السورة بلاغ أي كفاية. أوتبليغ من الرسول عليه الصلاة والسلام ويؤيده أنه قرئ {بلغ}. وقيل {بَلاَغٌ} مبتدأ خبره {لَهُمْ} و{مَا} بينهما اعتراض أي لهم وقت يبلغون إليه كأنهم إذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم. وقرئ بالنصب أي بلغوا بلاغًا.
{فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} الخارجون عن الاتعاظ أو الطاعة. وقرئ {يهلك} بفتح اللام وكسرها من هلك وهلك. ونهلك بالنون ونصب القوم. عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا». اهـ.
وقال العلامة نظام الدين النيسابورى:
{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ}.
التفسير: إنه سبحانه بعد حكاية شبه المكذبين والأجوبة عنها. وبعد إتمام ما انجر الكلام إليه. أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكر قومه بقصة هود أعني أخا عاد لأنه واحد منهم. والأحقاف جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج. ويقال له الشحر من بلاد اليمن. وقيل: بين عمان ومهرة. والنذر جمع نذير مصدر أو صفة. الواو في قوله: {وقد خلت} إما أن تكون للحال والمعنى أنذرهم وهم عالمون بإنذار الرسل من قبل ومن بعده. وإما أن يكون اعتراضًا والمعنى واذكروا وقت إنذار هود قومه {ألا تعبدوا إلا الله} وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك فأذكرهم قوله: {لتأفكنا} أي لتصرفنا عن عبادة الهتنا. قوله: {إنما العلم عند الله} أي لا علم لي بالوقت الذي عينه الله لتعذيبكم فلا معنى لاستعجالكم و لهذا نسبهم إلى الجهالة. وأيّ جهل أعظم من نسبة نبي الله إلى الكذب. ومن ترك طريقة الاحتياط ومن استعجال ما فيه هلاكهم. والضمير في قوله: {فلما رأوه} عائد إلى الموعود. أوهومبهم يوضحه قوله: {عارض} أي سحاب عرض في نواحي السماء.
والإضافة في قوله: {مستقبل أوديتهم} و{ممطر} لفظية و لهذا صح وقوعها صفة للنكرة. والتدمير الأهلاك والاستئصال. وفي قوله: {بأمر ربها} إشارة إلى إبطال قول من زعم أن مثل هذه الآثار مستند إلى تأثيرات الكواكب بالاستقلال. ثم زاد في تخويف كفار مكة وذكر فضل عاد في القوة الجسمانية وفي الأسباب الخارجية عليهم فقال: {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} قال المبرد: (ما) موصولة و (إن) نافية أي في الذي لم نمكنكم فيه. وقال ابن قتيبة: (إن) زائدة وهذا فيه ضعف لأن الأصل حمل الكلام على وجه لا يلزم منه زيادة في اللفظ. ولأن المقصود فضل أولئك القوم على هؤلاء حتى يلزم المبالغة في التخويف. وعند تساويهما يفوت هذا المقصود. وقيل: (إن) للشرط والجزاء مضمر أي في الذي إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر.
وقوله: {من شيء} أي شيئًا من الإغناء وهو القليل منه.
وقوله: {إذ كانوا} ظرف لما أغنى وفيه معنى التعليل كقولك (ضربته إذ أساء) قوله: {من القرى} يريد من قريات عاد وثمود ولوط وغيرهم بالشام والحجاز واليمن. وتصريف الآيات أي تكريرها. قيل: للعرب المخاطبين والأظهر أنه للماضين لقوله: {لعلهم يرجعون} عن شركهم. والأولون حملوه على الالتفات. ثم وبخهم بأن أصنامهم لم يقدروا على نصرتهم وشفاعتهم. فقوله: {الهة} مفعول ثانٍ {لا تخذوا} والمفعول الأول محذوف وهو الراجع إلى {الذين} و{قربانًا} حال أو مفعول له أي متقربين إلى الله. أولأجل القربة بزعمهم. والقربان مصدر أواسم لما يتقرب به إلى الله عز وجل. ويجوز أن يكون {قربانًا} مفعولا ثانيًا و{الهة} بدلًا أو بيانا. قوله: {وذلك إفكهم} أي عدم نصرة الهتهم وضلالهم عنهم وقت الحاجة محصو ل إفكهم وافترائهم. أو عاقبة شركهم وثمرة كذبهم على الله.
وحين بّين أن الإنس من امن وفيهم من كفر. أراد أن يبين أن نوع الجن أيضًا كذلك. وفي كيفية الواقعة قولان: أحدهما عن سعيد بن جبير وعليه الجمهور: كانت الجن تسترق فلما رجموا قالوا: هذا إنما حدث في السماء لشيء حدث في الأرض. فذهبوا يطلبون السبب فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة يصلي بأصحابه أو منفردًا. فمنهم من قال صلاة العشاء الآخرة ومنهم من قال صلاة الصبح. فقرأ فيها سورة (اقرأ) فسمعوا القرآن وعرفوا أن ذلك هو السبب. وعلى هذا لم يكن ذلك بعلم منه صلى الله عليه وسلم حتى أوحى الله إليه. والقول الثاني «أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فقال لأصحابه: إني أمرت أن أقرأ القرآن على الجن فأيكم يتبعني؟ فأتبعه ابن مسعود. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعب الحجون وخط على ابن مسعود وقال: لا تبرح حتى اتيك. قال: فسمعت لغطًا شديدًا حتى خفت على النبي صلى الله عليه وسلم. ثم علا بالقرآن أصواتهم. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن اللغط فقال: اختصموا إليّ في قتيل كان بينهم فقضيت فيهم».
وفي رواية أخرى «عن ابن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمعك ماء؟ قلت: يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر. فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ فقال: تمرة طيبة وماء طهور.» واختلفوا في عددهم: عن ابن عباس: كانوا تسعة من جن نصيبين أونينوى. وقال عكرمة: كانوا عشرة من جزيرة الموصل. وزر بن حبيش: كانوا تسعة ومنهم زوبعة. وقيل: اثني عشر ألفًا.