فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ حبيب بن عبيد الله بن الزبير. ولاحق بن حميد. وأبو مجلز على البناء للفاعل. أي: فرغ النبيّ صلى الله عليه وسلم من تلاوته. والقراءة الأولى تؤيد أن الضمير في {حَضَرُوهُ} للقرآن. والقراءة الثانية تؤيد أنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم: {ولواْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} أي: انصرفوا قاصدين إلى من وراءهم من قومهم منذرين لهم عن مخالفة القرآن. ومحذرين لهم. وانتصاب: {منذرين} على الحال المقدّرة. أي: مقدّرين الإنذار. وهذا يدل على أنهم آمنوا بالنبيّ. وسيأتي في آخر البحث بيان ذلك.
{قالواْ يا قَوْمُنَا إِنَّا سَمِعْنَا كتابا أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى} يعنون: القرآن؛ وفي الكلام حذف. والتقدير: فوصلوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا.
قال عطاء: كانوا يهودًا فأسلموا {مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي: لما قبله من الكتب المنزّلة {يَهْدِى إِلَى الحق} أي: إلى الدين الحقّ {وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} أي: إلى طريق الله القويم.
قال مقاتل: لم يبعث الله نبيًا إلى الجنّ والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
{ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله وَءآمنوا به} يعنون: محمدًا صلى الله عليه وسلم. أو القرآن {يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} أي: بعضها. وهو ما عدا حقّ العباد. وقيل: (إن) من هنا لابتداء الغاية.
والمعنى: أنه يقع ابتداء الغفران من الذنوب. ثم ينتهي إلى غفران ترك ما هو الأولى. وقيل: هي زائدة {وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وهو عذاب النار. وفي هذه الآية دليل على أن حكم الجنّ حكم الإنس في الثواب والعقاب. والتعبد بالأوامر والنواهي.
وقال الحسن: ليس لمؤمني الجنّ ثواب غير نجاتهم من النار. وبه قال أبو حنيفة.
والأول أولى. وبه قال مالك. والشافعي. وابن أبي ليلى.
وعلى القول الأول. فقال القائلون به: أنهم بعد نجاتهم من النار يقال لهم: كونوا ترابًا. كما يقال للبهائم والثاني أرجح.
وقد قال الله سبحانه في مخاطبة الجنّ والإنس: {ولمنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} [الرحمن: 46. 47] فامتنّ سبحانه على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة. ولا ينافي هذا الاقتصار ها هنا على ذكر إجارتهم من عذاب أليم. ومما يؤيد هذا أن الله سبحانه قد جازى كافرهم بالنار. وهو مقام عدل. فكيف لا يجازي محسنهم بالجنة. وهو مقام فضل. ومما يؤيد هذا أيضًا ما في القرآن الكريم في غير موضع أن جزاء المؤمنين الجنة. وجزاء من عمل الصالحات الجنة. وجزاء من قال لا إله إلاّ الله الجنة. وغير ذلك مما هو كثير في الكتاب والسنة.
وقد اختلف أهل العلم هل أرسل الله إلى الجن رسلًا منهم أم لا؟ وظاهر الآيات القرآنية أن الرسل من الإنس فقط. كما في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ مّنْ أَهْلِ القرى} [يوسف: 109].
وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ في الأسواق} [الفرقان: 20] وقال سبحانه في إبراهيم الخليل: {وَجَعَلْنَا في ذُرّيَّتِهِ النبوة والكتاب} [العنكبوت: 27]. فكل نبيّ بعثه الله بعد إبراهيم. فهو من ذرّيته. وأما قوله تعالى في سورة الأنعام: {يامعشر الجن والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ} [الأنعام: 130] فقيل: المراد من مجموع الجنسين. وصدق على أحدهما. وهم الإنس: كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] أي: من أحدهما.
{وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ في الأرض} أي: لا يفوت الله. ولا يسبقه. ولا يقدر على الهرب منه؛ لأنه وإن هرب كل مهرب. فهو في الأرض لا سبيل له إلى الخروج منها. وفي هذا ترهيب شديد {وليس لَهُ مِن دُونِهِ أوليَاء} أي: أنصار يمنعونه من عذاب الله.
بيّن سبحانه بعد استحالة نجاته بنفسه استحالة نجاته بواسطة غيره. والإشارة بقوله: {أولئك} إلى من لا يجب داعي الله. وأخبر أنهم {فِى ضلال مُّبِينٍ} أي: ظاهر واضح. ثم ذكر سبحانه دليلًا على البعث. فقال: {أَولم يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السموات والارض} الرؤية هنا هي القلبية التي بمعنى العلم. والهمزة للأنكار. والوأوللعطف على مقدّر. أي: ألم يتفكروا. ولم يعلموا أن الذي خلق هذه الأجرام العظام من السموات والأرض ابتداءً {ولم يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ} أي: لم يعجز عن ذلك ولا ضعف عنه. يقال عيّ بالأمر وعيي: إذا لم يهتد لوجهه. ومنه قول الشاعر:
عيوا بأمرهم كما ** عيت ببيضها الحمامه

قرأ الجمهور {ولم يعي} بسكون العين. وفتح الياء مضارع عيي.
وقرأ الحسن بكسر العين وسكون الياء.
{بِقَادِرٍ على أَن يُحْىِ الموتى}.
قال أبو عبيدة. والأخفش: الباء زائدة للتوكيد. كما في قوله: {وكفى بالله شَهِيدًا} [النساء: 166].
قال الكسائي. والفراء. والزجاج: العرب تدخل الباء مع الجحد والاستفهام. فتقول: ما أظنك بقائم. والجار والمجرور في محل رفع على أنهما خبر لأن. وقرأ ابن مسعود. وعيسى بن عمر. والأعرج. والجحدري. وابن أبي إسحاق. ويعقوب. وزيد بن عليّ: (يقدر) على صيغة المضارع. واختار أبو عبيد القراءة الأولى. واختار أبو حاتم القراءة الثانية قال: لأن دخول الباء في خبر أنّ قبيح {بلى إِنَّهُ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ} لا يعجزه شيء.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} الظرف متعلق بقول مقدّر. أي: يقال ذلك اليوم للذين كفروا {أَلَيْسَ هذا بالحق} وهذه الجملة هي المحكية بالقول. والإشارة بهذا إلى ما هو مشاهد لهم يوم عرضهم على النار. وفي الاكتفاء بمجرّد الإشارة من التهويل للمشار إليه. والتفخيم لشأنه ما لا يخفى؛ كأنه أمر لا يمكن التعبير عنه بلفظ يدلّ عليه {قالواْ بلى وَرَبّنَا} اعترفوا حين لا ينفعهم الاعتراف. وأكدوا هذا الاعتراف بالقسم؛ لأن المشاهدة هي حق اليقين الذي لا يمكن جحده ولا إنكاره {قال فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} أي: بسبب كفركم بهذا في الدنيا. وإنكاركم له. وفي هذا الأمر لهم بذوق العذاب توبيخ بالغ. وتهكم عظيم.
لما قرّر سبحانه الأدلة على النبوّة والتوحيد والمعاد أمر رسوله بالصبر فقال: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل} والفاء جواب شرط محذوف. أي: إذا عرفت ذلك. وقامت عليه البراهين. ولم ينجع في الكافرين. فاصبر كما صبر أولوا العزم. أي: أرباب الثبات والحزم. فإنك منهم.
قال مجاهد: أولوا العزم من الرسل خمسة: نوح. وإبراهيم. وموسى. وعيسى. ومحمد. وهم أصحاب الشرائع.
وقال أبو العالية: هم نوح. وهود. وإبراهيم. فأمر الله رسوله أن يكون رابعهم.
وقال السديّ: هم ستة إبراهيم. وموسى. وداود. وسليمان. وعيسى. ومحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: نوح. وهود. وصالح. وشعيب. ولوط. وموسى.
وقال ابن جريج: إن منهم إسماعيل. ويعقوب. وأيوب. وليس منهم يونس.
وقال الشعبي. والكلبي: هم الذين أمروا بالقتال. فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة. وقيل: هم نجباء الرّسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر: إبراهيم. وإسحاق. ويعقوب. ونوح. وداود. وسليمان. وأيوب. ويوسف. وموسى. وهارون. وزكريا. ويحيى. وعيسى. وإلياس. وإسماعيل. واليسع. ويونس. ولوط.
واختار هذا الحسين بن الفضل لقوله بعد ذكرهم: {أولئِكَ الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] وقيل: إن الرسل كلهم أولوا عزم. وقيل: هم اثنا عشر نبيًا أرسلوا إلى بني إسرائيل.
وقال الحسن: هم أربعة: إبراهيم. وموسى. وداود. وعيسى {ولاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} أي: لا تستعجل العذاب يا محمد للكفار.
لما أمره سبحانه بالصبر. ونهاه عن استعجال العذاب لقومه رجاء أن يؤمنوا قال: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب {لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} أي: كأنهم يوم يشاهدونه في الآخرة لم يلبثوا في الدنيا إلاّ قدر ساعة من ساعات الآيام لما يشاهدونه من الهو ل العظيم والبلاء المقيم.
قرأ الجمهور: {بلاغ} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. أي: هذا الذي وعظتهم به بلاغ. أوتلك الساعة بلاغ. أوهذا القرآن بلاغ. أوهومبتدأ. والخبر لهم الواقع بعد قوله: {ولاَ تَسْتَعْجِل} أي: لهم بلاغ.
وقرأ الحسن. وعيسى بن عمر. وزيد بن عليّ {بلاغًا} بالنصب على المصدر. أي: بلغ بلاغًا.
وقرأ أبو مجلز: (بلغ) بصيغة الأمر.
وقرىء (بلغ) بصيغة الماضي {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} قرأ الجمهور: {فهل يهلك} على البناء للمفعول.
وقرأ ابن محيصن على البناء للفاعل. والمعنى: أنه لا يهلك بعذاب الله إلاّ القوم الخارجون عن الطاعة. الواقعون في معاصي الله.
قال قتادة: لا يهلك على الله إلاّ هالك مشرك.
قيل: وهذه الآية أقوى آية في الرجاء.
قال الزجاج: تأويله لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلاّ القوم الفاسقون.
وقد أخرج ابن أبي شيبة. وابن منيع. والحاكم وصححه. وابن مردويه. وأبونعيم. والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن مسعود قال: هبطوا. يعني: الجن على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة. فلما سمعوه قالوا: أنصتوا. قالوا: صه. وكانوا تسعة أحدهم زوبعة. فأنزل الله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الجن} إلى قوله: {ضلال مُّبِينٍ}.
وأخرج أحمد. وابن جرير. وابن مردويه عن الزبير {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرءان} قال: بنخلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء الآخرة {كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 17].
وأخرج ابن جرير. والطبراني. وابن مردويه {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الجن} الآية. قال: كانوا تسعة نفر من أهل نصيبين. فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلًا إلى قومهم.
وأخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن مردويه. وأبونعيم عنه نحوه وقال: أتوه ببطن نخلة.
وأخرج الطبراني في الأوسط. وابن مردويه عنه أيضًا قال: صرفت الجنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين. وكانوا أشراف الجنّ بنصيبين.
وأخرج البخاري. ومسلم. وغيرهما عن مسروق قال: سألت ابن مسعود من اذن النبيّ بالجنّ ليلة استمعوا القرآن؟ قال: اذنته بهم شجرة.
وأخرج عبد بن حميد. وأحمد. ومسلم. والترمذي عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم أحدًا ليلة الجنّ؟ قال: ما صحبه منا أحد. ولكنا فقدناه ذات ليلة. فقلنا: اغتيل. استطير ما فعل؟ قال: فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فلما كان في وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قبل حراء. فأخبرناه فقال: «إنه أتاني داعي الجنّ. فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن. فانطلق. فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم».
وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ.
وقد روي نحوهذا من طرق.
والجمع بين الروايات بالحمل على قصتين وقعت منه صلى الله عليه وسلم مع الجنّ حضر إحداهما ابن مسعود. ولم يحضر في الآخرى.
وقد وردت أحاديث كثيرة أن الجنّ بعد هذا وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّة بعد مرّة. وأخذوا عنه الشرائع.
وأخرج ابن أبي حاتم. وابن مردويه عن ابن عباس قال: أُولواْ العزم مِنَ الرسل: النبيّ صلى الله عليه وسلم. ونوح. وإبراهيم. وموسى. وعيسى.
وأخرج ابن مردويه عنه قال: هم الذين أمروا بالقتال حتى مضوا على ذلك نوح. وهود. وصالح. وموسى. وداود. وسليمان.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: بلغني أن أولي العزم من الرسل كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر.
وأخرج ابن أبي حاتم. والديلمي عن عائشة قالت: ظلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا ثم طوى. ثم ظلّ صائمًا ثم طوى. ثم ظلّ صائمًا. قال: «يا عائشة. إن الدين لا ينبغي لمحمد. ولا لال محمد. يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلاّ بالصبر على مكروهها. والصبر عن محبوبها. ثم لم يرض مني إلاّ أن يكلفني ما كلفهم. فقال: {اصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل} وإني والله لأصبرنّ كما صبروا جهدي. ولا قوّة إلاّ بالله». اهـ.

.قال القاسمي:

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [21].
{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ} يعني هودا: {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} جمع حقف. وهو الرمل المستطيل المرتفع. قال قتادة ذكر لنا أن عادًا كانوا حيًّا باليمن. أهل رمل. مشرفين على البحر {وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أي: وقد مضت الرسل بإنذار أممها قبله وبعده. متفقين على: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} أي: لا تشركوا مع الله شيئًا في عبادتكم إياه. وقال كل واحد منهم عليه السلام: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أي: من عبادة غير الله: {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي: بمقدار هتكهم. عذاب الله بالشرك.
{قالوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ الِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قال إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ ولكني أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [22. 23].
{قالوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} أي: لتصرفنا: {عَنْ الِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} أي: من العذاب على عبادتنا إياها: {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أي: في وعدك أنه آت لا محالة {قال إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ} أي: إني. وإن علمت إتيانه قطعًا. فلا أعلم وقت مجيئه؛ لأن العلم بوقته عنده تعالى. فيأتيكم به في وقته الذي قدره له: {وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ ولكني أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}. قال الطبري: أي: مواضع حظوظ أنفسكم. فلا تعرفون ما عليها من المضرة بعبادتكم غير الله. وفي استعجال عذابه.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هو ما اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [24. 25].
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} أي: فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه. فرأوه عارضًا في ناحية من نواحي السماء. متجهًا نحومزارعهم: {قالوا هَذَا عَارِضٌ} أي: سحاب عارض: {مُّمْطِرُنَا} أي: بغيث نحيا به: {بَلْ هو} أي: قال هود بل هو: {مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ} أي: من العذاب: {رِيحٌ} أي: هي ريح. أو بدل من ما.: {فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ} أي: تهلك: {كُلَّ شَيْءٍ} أي: من أموالهم وأنفسهم: {بِأَمْرِ رَبِّهَا} أي: إذنه الذي لا يعارض. فلم تدفع عنهم الهتهم. بل دمّرتهم: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} أي: بيوتهم. ثم أشار إلى أن هذا لا يقتصر على عاد. بل ينتظر لمن كان على شاكلتهم من أهل مكة. وغيرها. بقوله: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} أي: الكافرين إذا تمادوا في غيّهم. وطغوا على ربهم.
{ولقد مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولا أَبْصَارُهُمْ ولا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بآيات اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} [26].