فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد ساقه الإمام المارودي في (أعلام النبوة) مع نظائر له. في الباب السادس عشر. في هتوف الجن. ثم قال: و لئن كانت هذه الهتوف أخبارَ احاد. عمن لا يرى شخصه. ولا يحج قوله. فخروجه عن العادة نذير. وتأثيره في النفوس بشير. وقد قبلها السامعون. وقبو ل الأخبار يؤكد صحتها. ويؤيد حجتها. فإن قيل: إن كانت هتوف الجن من دلائل النبوة. جاز أن تكون دليلًا على صحة الكهانة. فعنه جوابان:
أحدهما: أن دلائل النبوة غيرها. وإنما هي من البشائر بها. وفرق بين الدلالة والبشارة إخبارًا.
والثاني: أن الكهانة عن مغيّب. والبشارة عن معين. فالعيان معلوم. والغائب موهوم. انتهى.
التنبيه الثاني:
قال المارودي: في صرف الجن المذكور في قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القرآن} [الأحقاف: 29]. وجهان:
أحدهما- أنهم صرفوا عن استراق سمع السماء. برجوم الشهب. ولم يصرفوا عنه بعد عيسى إلا بعد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما هذا الحادث في السماء. إلا لحادثٌ في الأرض. وتخيلوا به تجديد النبوة. فجابوا الأرض. حتى وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن مكة عامدًا إلى عكاظ. وهو يصلي الفجر. فاستمعوا القرآن. ورأوه كيف يصلي. ويقتدي به أصحابه. فعلموا أنه لهذا الحادث. صرفوا عن استراق السمع برجوم الشهاب. وهذا قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
أقول: وعليه فتكون إلى- في إليك- بمعنى لام التعليل. وذُكر في (المغني) أنها تأتي مرادفة اللام. نحو: {وَالأَمْرُ إلَيْكِ} [النمل: 33]. وفيه تكلف وبعدٌ؛ لنبوّه عما يقتضيه سياق بقية الآية.
ثم قال المارودي: وحكى عِكْرِمَة أن السورة التي كان يقرؤها: {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]. أقول: سيأتي مرفوعًا عن جابر أنها سورة الرحمن.
ثم قال المارودي:
والوجه الثاني- أنهم صرفوا عن بلادهم بالتوفيق. هداية من الله تعالى. حتى أتوا نبي الله ببطن نخلة. فنزل عليه جبريل بهذه الآية. وأخبره بوفود الجن. وأمره بالخروج إليهم. فخرج ومعه ابن مسعود. حتى جاء الحجون. قال ابن مسعود: فخط عليّ خطًّا وقال: لا تجاوزه.
فعلى الوجه الأول. لم يعلم بهم حتى أتوه. وعلى الوجه الثاني. أعلمه جبريل قبل إتيانهم. واختلف أهل العلم في رؤيته لهم. وقراءته عليهم. فحكى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرهم. ولم يقرأ عليهم. وإنما سمعوا قراءته حين مرّوا به مصليًا. وحكى ابن مسعود أنه رآهم. وقرأ عليهم القرآن.
أقول: تقدم لابن كثير ما فيه كفاية-.
ثم قال المارودي: وفي قوله: {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف: 29] وجهان:
أحدهما- فلما حضروا قراءته القرآن. قالوا: أنصتوا لسماعه.
والوجه الثاني: فلما حضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أنصتوا لسماع قوله. انتهى.
قال ابن كثير: وهذا- أي: قولهم أنصتوا- أدب منهم. وقد روى البيهقي عن جابر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها. ثم قال: «مالي أراكم سكوتًا؟ لَلْجِن كانوا أحسن منكم ردًا؛ ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة: {فَبِأَيِّ الاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 42]. إلا قالوا: ولا بشيء من الائك أونعمك ربنا نكذب. فلك الحمد» ورواه الترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث الوليد ابن مسلم عن زهير.
الثالث- دل قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف: 31]. على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عام الرسالة إلى الإنس والجن.
قال ابن كثير: لأنه دعا الجن إلى الله تعالى. وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين. وتكليفهم. ووعدهم. ووعيدهم. وهي سورة الرحمن. و لهذا قال: {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمنوا بِهِ} [الأحقاف: 32]. قال المارودي: لم يختلف أهل العلم أنه يجوز أن يبعث إليهم رسو لا من الإنس. واختلفوا في جواز بعثة رسول منهم. فجوزه قوم لقول الله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: 130]. ومنع آخرون منه. وهذا قول من جعلهم من و لد إبليس. وحملوا قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} على الذين لما سمعوا القرآن. ولوا إلى قومهم منذرين. انتهى.
أقول: ونظيره تسمية رسل عيسى عليه السلام رسلًا في آية: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} [يس: 14].
الرابع- استدل بقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة. وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة؛ إذ لوكان لهم جزاء على الآيمان أعلى من هذا. لأوشك أن يذكروه.
قال المارودي: فأما كفارهم فيدخلون النار. وأما مؤمنوهم. فقد اختلفوا في دخولهم الجنة ثوابًا على إيمانهم. فقال الضحاك: ومن جوز أن يكون رسلهم منهم. يدخلون الجنة. وحكى سفيان عن ليث أنهم يثابون على الآيمان بأن يجازوا على النار خلاصًا منها. ثم يقال: لهم: كونوا ترابًا كالبهائم. انتهى.
والحق- كما قال ابن كثير- أن مؤمنهم كمؤمن الإنس. يدخلون الجنة. كما هو مذهب جماعة من السلف. وقد استدل بعضهم لهذا بقوله عز وجل: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌّ} [الرحمن: 56]. وفي هذا الاستدلال نظر. وأحسن منه قوله جل وعلا: {ولمنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ الاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 46- 47]. فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة. وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القوليّ أبلغ من الإنس. فقالوا: ولا بشيء من الائك ربنا نكذب. فلك الحمد. فلم يكن تعالى ليمتن عليهم بجزاء لا يحصل لهم.
وأيضًا. فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار. وهو مقام عدل. فلان يجازي مؤمنهم بالجنة. وهو مقام فضل. بطريق الأولى والأحرى. ومما يدل أيضًا على عموم ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف: 107]. وما أشبه ذلك من الآيات. وما ذكروه هاهنا من الجزاء على الآيمان. من تكفير الذنوب. والإجارة من العذاب الأليم. هو يستلزم دخول الجنة؛ لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة أو النار. فمن أجير من النار دخل الجنة لا محالة. ولم يرد معنا نص صريح. ولا ظاهر عن الشارع. أن مؤمني الجن لا يدخلون الجنة. وإن أجيروا من النار. ولوصح لقلنا به. والله أعلم. وهذا نوح عليه الصلاة والسلام يقول لقومه: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [نوح: 4] ولا خلاف أن مؤمني قومه في الجنة. فكذلك هؤلاء. وقد حكي فيهم أقوال غريبة. فعن عُمَر بن عبد العزيز أنهم لا يدخلون بحبوحة الجنة. وإنما يكونون في ربضها. وحولها. وفي أرجائها.
ومن الناس من زعم أنهم في الجنة يراهم بنوادم. ولا يرون بني آدم بعكس ما كانوا عليه في الدار الدنيا. ومن الناس من قال: لا يأكلون في الجنة ولا يشربون. وإنما يلهمون التسبيح. والتحميد. والتقديس. عوضًا عن الطعام والشراب. كالملائكة؛ لأنهم من جنسهم. وكل هذه الأقوال فيها نظر. ولا دليل عليها. انتهى.
الخامس- قيل: سر التبعيض في قوله: {مِّن ذُنُوبِكُمْ} أن من العذاب ما لا يغفر بالإيمان. كذنوب المظالم. أي: حقوق العباد. وفيه نظر؛ لأن الحربي لونهب الأموال المصونة. وسفك الدماء المحقونة. ثم حسن إسلامه. جبّ الإسلام عنه إثم ما تقدم. بلا إشكال. ويقال: إنه ما وعد المغفرة للكافر على تقدير الآيمان في كتاب الله تعالى إلا مبعضة. والسر فيه أن مقام الكافر قبض لا بسط. فلذلك لم يبسط رجاؤه كما في حق المؤمن- أفاده الناصر-.
السادس- قال ابن كثير: جمعوا في دعواهم قومهم بين الترغيب والترهيب. و لهذا نجع في كثير منهم. وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودًا وفودًا. كما تقدم بيانه.
السابع- قال المارردي: الجن من العالم الناطق المميز. يأكلون. ويتناكحون. ويتناسلون. ويموتون. وأشخاصهم محجوبة عن الأبصار. وإن تميزوا بأفعالٍ وآثار. إلا أن الله يخص برؤيتهم من يشاء. وإنما عرفهم الإنس من الكتب الإلهية. وما تخيلوه من آثارهم الخفية.
وقال القاشاني: الجن نفوس أرضية تجسدت في أبدان لطيفة مركبة من لطائف العناصر. سماها حكماء الفرس: الصور المعلقة. و لكونها أرضية متجسدة في أبدان عنصرية. ومشاركتها الإنس في ذلك. سمّيا ثقلين. وكما أمكن الناس التهدي بالقرآن أمكنهم. وحكاياتهم من المحققين وغيرهم أكثر من أن يمكن رد الجميع. وأوضح من أن يقبل التأويل. انتهى.
{أَولم يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [33].
{أَولم يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} أي: بإعادة الروح إلى الجسد. بعد مفارقتها إياه. وإخراجهم من قبورهم كهيئتهم قبل وفاتهم. وفي ابن جرير بحث نحوي في دخول الباء في: {بِقَادِرٍ} بديع. ويذكر في مباحث زيادة الباء. في مطولات العربية.
{بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: من إعادة المعدوم. ولوفني الجسد وغيره.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قالوا بَلَى وَرَبِّنَا قال فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ولا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [34. 35].
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا} أي: على الإحياء إحياء: {بِالْحَقِّ قالوا بَلَى وَرَبِّنَا قال فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ فَاصْبِرْ} أي: على تبليغ الرسالة وتكذيبهم وإيذائهم: {كَمَا صَبَرَ أُولوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} أي: أولوالثبات والجد منهم. فإنك منهم. والعزم- في اللغة- كالعزيمة. ما عقدت قلبك عليه من أمر. والعزم أيضًا القوة على الشيء والصبر عليه. فالمراد به هنا المجتهدون. المجدّون. أو الصابرون على أمر الله فيما عهده إليهم. وقدره وقضاه عليهم. ومطلق الجد. والجهد. والصبر موجود في جميع الرسل. بل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وكثير من الأولياء. فلذا ذهب جمهور المفسرين في هذه الآية إلى أنهم جميع الرسل. وأن من بيانية لا تبعيضية. فكل رسول من أولي العزم. فإن أريد به معنى مخصوص ببعضهم. فلا بد من بيانه ليظهر وجه التخصيص. ومنشأ الاختلاف في عددهم إلى أقوال:
أحدها: أنهم جميع الرسل.
والثاني: أنهم أربعة: نوح وإبراهيم وموسى ومحمد.
والثالث: أنهم خمسة بزيادة عيسى. كما قيل:
أولي الْعَزْمِ نُوْحٌ وَالْخَلِيْلُ الْمُمَجَّدُ ** وَمَوْسَىْ وَعِيْسَىْ وَالنَّبِيِّ مُحَمَّدُ

والرابع: أنهم ستة. بزيادة هارون أوداود.
والخامس- أنهم سبعة بزيادة آدم.
والسادس- أنهم تسعة. بزيادة إسحاق. ويعقوب. ويوسف. وقد يزاد وينقص.
وتوجيه التخصيص أن المراد بهم من له جد وجهد تام في دعوته إلى الحق. وذبه عن حريم التوحيد. وحمى الشريعة. بحيث يصبر على ما لا يطيقه سواه من عوارضه النفسية والبدنية. وأموره الخارجية. كمبارزة كل أهل عصره. كما كان لنوح. أولملك جبار في عصره. وانتصاره عليه من غير عدة دنيوية. كنمروذ إبراهيم. وجالوت داود. وفرعون موسى. و لكل موسى فرعون. و لكل محمد أبو جهل. وكالابتلاء بأمور لا يصبر عليها البشر بدون قوة قدسية. ونفس ربانية. كما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام. ومن هنا كشف برقع الخفاء عن وجه التخصيص. وهذا مما كشف بركاتهم سره- أفاده الشهاب-.
{ولا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} أي: ولا تستعجل بمساءلتك ربك العذاب لهم. فإن ذلك نازل بهم لا محالة. وإن اشتد عليك الأمر من جهتهم {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} أي: من عذاب الله. ونكاله. وخزيه الذي ينزل بهم في الدنيا. أو في الآخرة: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً}: {مِّن نَّهَارٍ} أي: لأنه ينسيهم شدة ما ينزل بهم من عذابه. قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا. ومبلغ ما فيها مكثوا.
وقوله تعالى: {بَلَاغٌ} قال ابن جرير: فيه وجهان:
أحدهما- أن يكون معناه: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار. ذلك لبث بلاغ. بمعنى: ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أجلهم. ثم حذف: ذلك لبث. وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها.
والآخر- أن يكون معناه: هذا القرآن والتذكير بلاغ لهم وكفاية. إن فكروا واعتبروا. فتذكروا. انتهى.
وأشار المهايمي إلى معنى آخر فقال: ليس من حق الرسل الاستعجال. بل حقهم بلاغ.
{فَهَلْ يُهْلَكُ} أي: بعذاب الله إذا أنزله بمقتضى العدل. والحكمة: {إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} أي: الذين خالفوا أمره. وخرجوا من طاعته. نعوذ بالله من غضبه. وأليم عقابه. اهـ.

.قال سيد قطب:

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}.
وهذا الشوط جو لة في مجال آخر. تخدم القضية التي تعالجها السورة. وتأخذ القلب البشري من جانب غير الجوانب التي عالجها الشوطان الأولأن.. جو لة في مصرع عاد ومصارع القرى غيرها حول مكة. وقد وقفوا من رسولهم وأخيهم هود- عليه السلام- موقف المشركين من رسولهم وأخيهم محمد- صلى الله عليه وسلم- واعترضوا اعتراضاتهم. وأجابهم نبيهم بما يليق به من أدب النبوة في حدود بشريته وحدود وظيفته. ثم أخذهم ما أخذهم من العذاب المدمر. حين لم يسمعوا النذير. فلم تغن عنهم قوتهم- وكانوا أقوى- ولم يغن عنهم ثراؤهم- وكانوا أغنى- ولم ينتفعوا بسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم- وكانوا أذكياء- ولم تغن عنهم الهتم التي اتخذوها تقربًا- بزعمهم- إلى الله.
وكذلك يقف المشركين في مكة أمام مصارع أسلافهم من أمثالهم؛ فيقفهم أمام مصيرهم هم أنفسهم. ثم أمام الخط الثابت المطرد المتصل. خط الرسالة القائمة على أصلها الواحد الذي لا يتغير وخط السنة الإلهية التي لا تتحول ولا تتبدل. وتبدوشجرة العقيدة عميقة الجذور. ممتدة الفروع ضاربة في أعماق الزمان؛ واحدة على اختلاف القرون واختلاف المكان.
{واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}..
وأخوعاد هو هود- عليه السلام- يذكره القرآن هنا بصفته. صفة الأخوة لقومه. ليصور صلة الود بينه وبينهم. وصلة القرأبة التي كانت كفيلة بأن تعطفهم إلى دعوته. وتحسن ظنهم بها وبه. وهي ذات الصلة بين محمد- صلى الله عليه وسلم- وقومه الذين يقفون منه موقف الملاحاة والخصومة.
والأحقاف جمع حقف. وهو الكثيب المرتفع من الرمال. وقد كانت منازل عاد على المرتفعات المتفرقة في جنوب الجزيرة- يقال في حضرموت.
والله- سبحانه- يوجه نبيه- صلى الله عليه وسلم- أن يذكر أخا عاد وإنذاره لقومه بالأحقاف. يذكره ليتأسى بأخ له من الرسل لقي مثلما يلقى من إعراض قومه وهو أخوهم. ويذكره ليذكر المشركين في مكة بمصير الغابرين من زملائهم وأمثالهم. على مقربة منهم ومن حولهم.