فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

واقتصر الواقدي في تفسير الظلمات، والنور على ذكر الكفر والإيمان وحمل كل ما في القرآن على ذلك سوى ما في الأنعام من قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} فإن المراد بهما هناك الليل والنهار، والأولى أن يحمل الظلمات على المعنى الذي يعم سائر أنواعها ويحمل النور أيضًا على ما يعم سائر أنواعه، ويجعل في مقابلة كل ظلمة مخرج منها نور مخرج إليه حتى إنه سبحانه ليخرج من شاء من ظلمة الدليل إلى نور العيان، ومن ظلمة الوحشة إلى نور الوصلة، ومن ظلمة عالم الأشباح إلى نور عالم الأرواح إلى غير ذلك مما لا، ولا وأفرد النور لوحدة الحق كما أن جمع الظلمات لتعدد فنون الضلال، أو أن الأول: إيماء إلى القلة والثاني: إلى الكثرة. اهـ.

.قال الخازن:

إنما سمي الكفر ظلمة لالتباس طريقه، ولأن الظلمة تحجب الأبصار عن إدراك الحقائق فكذلك الكفر يحجب القلوب عن إدراك حقائق الإيمان وسمي الإسلام نورًا لوضوح طريقه وبيان أدلته. اهـ.

.قال الماوردي:

فإن قيل: فكيف يخرجونهم من النور، وهم لم يدخلوا فيه؟ فعن ذلك جوابان:
أحدهما: أنها نزلت في قوم مُرْتَدِّين، قاله مجاهد.
والثاني: أنها نزلت فيمن لم يزل كافرًا، وإنما قال ذلك لأنهم لو لم يفعلوا ذلك بهم لدخلوا فيه، فصاروا بما فعلوه بمنزلة من قد أخرجهم منه. وفيه وجه ثالث: أنهم كانوا على الفطرة عند أخذ الميثاق عليهم، فلما حَمَلُوهم على الكفر أخرجوهم من نور فطرتهم. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {يُخْرِجُهُم مِّنَ الظلمات إِلَى النور} ظاهره يقتضي أنهم كانوا في الكفر ثم أخرجهم الله تعالى من ذلك الكفر إلى الإيمان، ثم هاهنا قولان:
القول الأول: أن يجري اللفظ على ظاهره، وهو أن هذه الآية مختصة بمن كان كافرًا ثم أسلم، والقائلون بهذا القول ذكروا في سبب النزول روايات:
أحدها: قال مجاهد: هذه الآية نزلت في قوم آمنوا بعيسى عليه السلام وقوم كفروا به، فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم آمن به من كفر بعيسى، وكفر به من آمن بعيسى عليه السلام.
وثانيتها: أن الآية نزلت في قوم آمنوا بعيسى عليه السلام على طريقة النصارى، ثم آمنوا بعده بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان إيمانهم بعيسى حين آمنوا به ظلمةً وكفرًا، لأن القول بالاتحاد كفر، والله تعالى أخرجهم من تلك الظلمات إلى نور الإسلام.
وثالثتها: أن الآية نزلت في كل كافر أسلم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
والقول الثاني: أن يحمل اللفظ على كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم سواء كان ذلك الإيمان بعد الكفر أو لم يكن كذلك، وتقريره أنه لا يبعد أن يقال يخرجهم من النور إلى الظلمات وإن لم يكونوا في الظلمات ألبتة، ويدل على جوازه: القرآن والخبر والعُرْف، أما القرآن فقوله تعالى: {وَكُنتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النار فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا} [آل عمران: 103] ومعلوم أنهم ما كانوا قط في النار وقال: {لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزى} [يونس: 98] ولم يكن نزل بهم عذاب ألبتة، وقال في قصة يوسف عليه السلام: {تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله} [يوسف: 37] ولم يكن فيها قط، وقال: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} [النحل: 70] وما كانوا فيه قط، وأما الخبر فروي: «أنه صلى الله عليه وسلم سمع إنسانًا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال على الفطرة، فلما قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقال خرج من النار»، ومعلوم أنه ما كان فيها، وروي أيضًا «أنه صلى الله عليه وسلم أقبل على أصحابه فقال: تتهافتون في النار تهافت الجراد، وها أنا آخذ بحجزكم»، ومعلوم أنهم ما كانوا متهافتين في النار، وأما العرف فهو أن الأب إذا أنفق كل ماله فالابن قد يقول له: أخرجتني من مالك أي لم تجعل لي فيه شيئًا، لا أنه كان فيه ثم أخرج منه، وتحقيقه أن العبد لو خلا عن توفيق الله تعالى لوقع في الظلمات.
فصار توفيقه تعالى سببًا لدفع تلك الظلمات عنه، وبين الدفع والرفع مشابهة، فهذا الطريق يجوز استعمال الإخراج والإبعاد في معنى الدفع والرفع والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

المراد بالنور نور البرهان والحق، وبالظلمات ظلمات الشبهات والشك، فالله يزيد الذين اهتدوا هدى لأنّ اتِّباعهم الإسلام تيسير لطرق اليقين فهم يزدادون توغّلا فيها يومًا فيومًا، وبعكسهم الذين اختاروا الكفر على الإسلام فإنّ اختيارهم ذلك دل على ختم ضُرب على عقولهم فلم يهتدوا، فهم يزدادون في الضلال يومًا فيومًا.
ولأجل هذا الازدياد المتجدّد في الأمرين وقع التعبير بالمضارع في يخرجهم ويخرجونهم وبهذا يتضّح وجه تعقيب هذه الآيات بآية: {ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم} [البقرة: 258] ثم بآية: {أوْ كالذي مر على قرية} [البقرة: 259] ثم بآية: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تُحْيي الموتى} فإنّ جميعها جاء لبيان وجوه انجلاء الشك والشبهات عن أولياء الله تعالى الذين صدق إيمانهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{والذين كَفَرُواْ} أي الذين ثبت في علمه تعالى كفرُهم {أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت} أي الشياطينُ وسائرُ المضلين عن طريق الحق فالموصولُ مبتدأ وأولياؤُهم مبتدأٌ ثانٍ والطاغوتُ خبرُه والجملةُ خبرٌ للأول والجملةُ الحاصلةُ معطوفةٌ على ما قبلها، ولعل تغييرَ السبك للاحتراز عن وضع الطاغوتِ في مقابلة الاسم الجليل ولقصد المبالغة بتكرير الإسناد مع الإيماء إلى التباين بين الفريقين من كل وجهٍ حتى من جهة التعبير أيضًا.
{يُخْرِجُونَهُم} بالوساوس وغيرِها من طرق الإضلال والإغواء {مّنَ النور} الفِطري الذي جُبل عليه الناسُ كافةً أو من نور البيناتِ التي يشاهدونها من جهة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتنزيل تمكُّنِهم من الاستضاءة بها منزلةَ نفسِها {إِلَى الظلمات} ظلماتِ الكفر والانهماكِ في الغِل. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ الحسن {أَوْلِيَاؤُهُمُ الطواغيت} واحتج بقوله تعالى بعده {يُخْرِجُونَهُم} إلا أنه شاذ مخالف للمصحف وأيضًا قد بينا في اشتقاق هذا اللفظ أنه مفرد لا جمع. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} قال مجاهد، وعبدة بن أبي لبابة، نزلت في قوم آمنوا بعيسى، فلما جاء محمد عليه السلام كفروا به، فذلك إخراجهم من النور إلى الظلمات.
وقال الكلبي يخرجونهم من إيمانهم بموسى عليه السلام واستفتاحهم بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى كفرهم به، وقيل: من فطرة الإسلام، وقيل: من نور الإقرار بالميثاق، وقيل: من الإقرار باللسان إلى النفاق.
وقيل: من نور الثواب في الجنة إلى ظلمة العذاب في النار.
وقيل: من نور الحق إلى ظلمة الهوى.
وقيل: من نور العقل إلى ظلمة الجهل.
وقال الزمخشري: من نور البينات التي تظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة.
وقال ابن عطية: لفظ الآية مستغن عن التخصيص، بل هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب، وذلك أن كان من آمن منهم فالله وليه، أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن كفر بعد وجود الداعي، النبي المرسل، فشيطانه ومغويه كأنه أخرجه من الإيمان، إذ هو معد، وأهل للدخول فيه، وهذا كما تقول لمن منعك الدخول في أمر: أخرجتني يا فلان من هذا الأمر، وإن كنت لم تدخل فيه ألبتة. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {يُخْرِجُونَهُم مّنَ النور إِلَى الظلمات} فقد استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن الكفر ليس من الله تعالى، قالوا: لأنه تعالى أضافه إلى الطاغوت مجازًا باتفاق، لأن المراد من الطاغوت على أظهر الأقوال هو الصنم ويتأكد هذا بقوله تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس} [إبراهيم: 36] فأضاف الإضلال إلى الصنم، وإذا كانت هذه الإضافة بالاتفاق بيننا وبينكم مجازًا، خرجت عن أن تكون حجة لكم. اهـ.
وقال الفخر:
يحتمل أن يرجع ذلك إلى الكفار فقط، ويحتمل أن يرجع إلى الكفار والطواغيت معًا، فيكون زجرًا للكل ووعيدًا، لأن لفظ {أولئك} إذا كان جمعًا وصح رجوعه إلى كلا المذكورين، وجب رجوعه إليهما معًا، والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الألوسي:

{أولئك} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما يتبع ذلك من القبائح، وجوز أن تكون إشارة إلى الكفار وأوليائهم، وفيه بعد {أصحاب النار} أي ملابسوها وملازموها لعظم ما هم عليه {هُمْ فِيهَا خالدون} ماكثون أبدًا، وفي هذا وعد وتحذير للكافرين، ولعل عدم مقابلته بوعد المؤمنين كما قيل: للإشعار بتعظيمهم وأن أمرهم غير محتاج إلى البيان وأن شأنهم أعلى من مقابلة هؤلاء، أو أن ما أعد لهم لا تفي ببيانه العبارة، وقيل: إنّ قوله سبحانه: {ولي المؤمنين} دل على الوعد وكفى به. اهـ.

.قال القرطبي:

حكم عليهم بالدخول في النار لكفرهم؛ عدلًا منه، لا يسأل عما يفعل. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة البقرة: آية 253- 254]:

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ}.
{تِلْكَ الرُّسُلُ} إشارة إلى جماعة الرسل التي ذكرت قصصها في السورة، أو التي ثبت علمها عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم {فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} لما أوجب ذلك من تفاضلهم في الحسنات {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} منهم من فضله اللَّه بأن كلمه من غير سفير وهو موسى عليه السلام.
وقرئ: {كلم اللَّه} بالنصب. وقرأ اليماني: {كالم اللَّه}، من المكالمة، ويدل عليه قولهم: كليم اللَّه، بمعنى مكالمه {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ} أي ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم درجات كثيرة. والظاهر أنه أراد محمدًا صلى اللَّه عليه وسلم لأنه هو المفضل عليهم، حيث أوتى ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف آية أو أكثر. ولو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلا منفيًا على سائر ما أوتى الأنبياء، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات. وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس. ويقال للرجل: من فعل هذا؟ فيقول: أحدكم أو بعضكم، يريد به الذي تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال، فيكون أفخم من التصريح به وأنوه بصاحبه. وسئل الحطيئة عن أشعر الناس؟ فذكر زهيرًا والنابغة ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث، أراد نفسه، ولو قال: ولو شئت لذكرت نفسي، لم يفخم أمره. ويجوز أن يريد: إبراهيم ومحمدًا وغيرهما من أولى العزم من الرسل. وعن ابن عباس رضى اللَّه عنه: كنا في المسجد نتذاكر فضل الأنبياء، فذكرنا نوحا بطول عبادته، وإبراهيم بخلته، وموسى بتكليم اللَّه إياه، وعيسى برفعه إلى السماء، وقلنا: رسول اللَّه أفضل منهم، بعث إلى الناس كافة وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر وهو خاتم الأنبياء. فدخل عليه السلام فقال: فيم أنتم؟ فذكرنا له. فقال: لا ينبغي لأحد أن يكون خيرًا من يحيى بن زكريا، فذكر أنه لم يعمل سيئة قط ولم يهمَّ بها. فإن قلت: فلمَ خصّ موسى وعيسى من بين الأنبياء بالذكر؟ قلت: لما أوتيا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة. ولقد بين اللَّه وجه التفضيل حيث جعل التكليم من الفضل وهو آية من الآيات، فلما كان هذان النبيان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الآيات خصا بالذكر في باب التفضيل. وهذا دليل بين أنّ من زيد تفضيلا بالآيات منهم فقد فضل على غيره. ولما كان نبينا صلى اللَّه عليه وسلم هو الذي أوتى منها ما لم يؤت أحد في كثرتها وعظمها. كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع، اللهمّ ارزقنا شفاعته يوم الدين {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ} مشيئة إلجاء وقسر {مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ} من بعد الرسل، لاختلافهم في الدين، وتشعب مذاهبهم، وتكفير بعضهم بعضا {وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ} لالتزامه دين الأنبياء {وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} لإعراضه عنه {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} كرّره للتأكيد {وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ} من الخذلان والعصمة {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ} أراد الإنفاق الواجب لاتصال الوعيد به {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ} لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق لأنه {لا بَيْعٌ فِيهِ} حتى تبتاعوا ما تنفقونه {وَلا خُلَّةٌ} حتى يسامحكم أخلاؤكم به. وإن أردتم أن يحط عنكم ما في ذمّتكم من الواجب لم تجدوا شفيعًا يشفع لكم في حط الواجبات، لأنّ الشفاعة ثمة في زيادة الفضل لا غير {وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أراد والتاركون الزكاة هم الظالمون، فقال: {وَالْكافِرُونَ} للتغليظ، كما قال في آخر آية الحج {مَنْ كَفَرَ} مكان: ومن لم يحج، ولأنه جعل ترك الزكاة من صفات الكفار في قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ} وقرئ لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، بالرفع.