فصل: مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال اهل الجنّة واهل النّار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروي عن عمران بن حصين قال اسر أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل فاوثقوه. وكانت ثقيف قد اسرت رجلين من أصحاب رسول اللّه. فقداه رسول اللّه بالرجلين الّذين اسرتهما ثقيف- اخرجه الشّافعي في مسنده واخرجه مسلم وابوداود- فعلى هذا يكون القول بالنسخ لا وجه له.
فيا ايها المؤمنون داوموا على هذه الحالة. فاقتلوا واسروا وابقوا الاسرى {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أوزارها} اثقالها من سلاح وغيره من ادوات الحرب ولوازمها فيعزّ اللّه المسلمين بنصره ويخذل الكافرين (ذلِكَ) الحكم في الاسرى فافعلوه {ولويَشاءُ اللَّهُ لأنتَصَرَ مِنْهُمْ} فاهلكهم واسرهم بغير قتال ولكفاكم امرهم {ولكِنْ} لم يفعل وقد امركم بقتالهم {لِيَبْلُوَا} يمتحن ويختبر {بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} وليثيب المؤمن بالشهادة أو السّعادة ويعاقب الكافر بالخيبة والنّار {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} منكم ايها المؤمنون اوسلموا {فَلَنْ يُضِلَّ أعمالهم} (4) بل ينميها لهم ويثيبهم عليها وانه {سَيَهْدِيهِمْ} بالدنيا إلى طرق الرّشاد {وَيُصْلِحُ بالَهُمْ} (5) فيها ويوفقهم للسداد إذا سلموا من القتل {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ} في الآخرة إذا قتلوا ويفيض عليهم من خيرها ونعيمها وقد {عَرَّفَها لَهُمْ} (6) اذ وصفها لهم بالدنيا. فيكونون في الآخرة اعرف بمواقعهم فيها من دورهم في الدّنيا فلا يحتاجون إلى دليل يدلهم على منازلهم فيها. هذا إذا كان الفعل ماخودا من التعريف واذا كان من العرف وهو الرّائحة الطّيبة فيقال طيبها لهم بالطيب. وكلاهما جائز.
قال تعالى: {يا ايُّهَا الَّذِينَ آمنوا انْ تَنْصُرُوا اللَّهَ} فتنضموا إلى حزبه لاعلاء كلمته {يَنْصُرْكُمْ} على عدوكم {وَيُثَبِّتْ أقدامكم} (7) عند القتال في الدّنيا وعلى الصّراط في الآخرة.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ} خيبة وسقوطا وبعدا وشقاء وعثرة في الدّنيا والآخرة {وأضل أعمالهم} (8) محقها وحرمهم من ثوابها وانسى النّاس ذكرها الحسن (ذلِكَ) الاضلال والاتعاس {بِانَّهُمْ كَرِهوا ما انْزَلَ اللَّهُ} من الذكر على رسوله وتاففوا منه وزعموا انه مشاق فعله عليهم {فأحبط أعمالهم} (9) اذهب ذكرها واجرها بالكلية. لأنها صادرة عن شهواتهم الخسيسة لم يرد بها وجه اللّه {أفَلَمْ يَسِيرُوا} هؤلاء الكفرة {فِي الْارْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من كفار الامم الماضية كيف {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} مساكنهم بما فيها من مال ونشب. فاهلكهم دفعة واحدة هم وما يملكون {وللْكافِرِينَ} بك يا سيد الرّسل {أمثالها} (10) امثال تلك العاقبة والعقوبة إذا اصروا على كفرهم وماتوا عليه.
(ذلِكَ) الأهلاك والتدمير يكون للكافرين فقط {بِانَّ اللَّهَ مولى الَّذِينَ آمنوا} يجرهم منه {وَانَّ الْكافِرِينَ لا مولى لَهُمْ} (11) في الدّنيا يتمكن وقايتهم منه. لأن مو لاهم الشّيطان اوبعضهم. وكلّ منهم ضعيف لا يقدر على خلاص نفسه مما بها في الدّنيا وفي الآخرة. كذلك لا مولى لهم يخلصهم من عذاب اللّه أو يجيرهم منه {انَّ اللَّهَ} مولى المؤمنين {يُدْخِلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهارُ} تمر في جوانبها يمينا وشمالا.
واماما ووراء وهم مشرفون عليها بحيث لا تخفى على من فيها {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ} في الدّنيا فعلا {وَيَاكُلُونَ} من نعيمها {كَما تَاكُلُ الأنعامُ} التي لا هم لها الا بطونها وفروجها. ساهون عما يراد منهم في الآخرة. وقد شبههم اللّه بها بجامع عدم التمييز بين الخير والشّر والنّفع والضّر والتدبير في العواقب في كل {وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} (12) وبئس المثوى النّار.

.مطلب الآية المكية وصفة الجنّة وعلامات السّاعة وحال اهل الجنّة واهل النّار:

وهذه الآية التي نزلت في الطّريق اثناء الهجرة المنوه عنها في الآية 87 من سورة العنكبوت في ج 2 {وكأين مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ اشَدُّ} واعظم {قُوَّةً مِنْ} اهل {قَرْيَتِكَ الَّتِي أخرجتك أهلكناهم فَلا ناصِرَ لَهُمْ}.
وذلك انه صلى الله عليه وسلم بعد ان خرج من الغار وسار مع صاحبه أبي بكر وخرج من عمران مكة التفت اليها وقال انت احب البلاد إلى اللّه واحبها الي. ولولا ان المشركين اخرجوني لم اخرج منك. وقد وضعت هنا كغيرها باشارة من السّيد جبريل وامر من النّبي صلى الله عليه وسلم كما هي في علم اللّه. وتعد مكية لأن المدني. ما نزل في المدينة بعد وصله اليها اوفي غيرها. وكذلك المكي هو ما نزل قبل الهجرة في مكة أو غيرها كما اشرنا اليه في المقدمة. وانما قال اخرجوني لأنهم ارادوا اخراجه حين مذاكرتهم في دار النّدوة. وقد خرج بارادة اللّه تعالى ليس الّا كما اشرنا اليه في الآية الأنفة الذكر من سورة العنكبوت لأن اللّه تعالى قدّر على خروجه منها ظهور دينه للناس اجمع وعلوشانه على غيره وفتح مكة على يده. ولأنه لو لم يخرج بطوعه على الصّورة المذكورة لادى بقاؤه فيها إلى مقاتلة بينه وبين قومه وهو لا يريد قتالهم مع قوته بعشيرته. وتعهد اللّه له بالنصر عليهم.
قال تعالى: {افَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} وهو محمد وأصحابه {كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} من الكفار {وَاتَّبَعُوا أهواءهم} (14) في اخراج حضرة الرسول واختيار عبادة الاصنام على عبادة الملك العلام كلا لا يستو ون عند اللّه. وبينهما كما بين ما اعده اللّه لكل منهما.
وما قيل ان المراد بهذه الآية أبو جهل أو غيره من الكفرة المحرّضين على اخراج الرسول من مكة لا يقيدها بهم. بل هي عامة فيهم وفي غيرهم من الكفار. على ان ابا جهل قتل في حادثة بدر الأولى الكائنة في السّنة الثانية من الهجرة وهذه السّورة نزلت في ذي القعدة السّنة السابعة منها. فبينهما خمس سنين وشهران. لأن غزوة بدر في رمضان. ولكن الآية مكية فيجوز ادخال أبو جهل واضرابه فيها. اذ نزلت على اثر ما دبروه في قصته صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أنهار مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسن} متغير الطّعم ولا منتن من طو ل المكث اوطرح شيء فيها كانهار الدّنيا. بل هي صافية طيبة عذبة {وَانْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} لأن التغيير من خصائص الدّنيا وما فيها. اما الآخرة فلا تغير فيها. كما انها هي لا تتغير على كر الازمان {وَانْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}.
لا حامضة ولا مرة ولا حريقة ولم تدنس بعصر الايدي ولا بدوس الارجل كخمر الدنيا ولا غو ل فيها يذهب العقل ويصدع الرّاس ويقيء الطّعام. راجع الآية 44 من سورة الصّافات ج 2 تجد ما يتعلق بالفرق بينهما {وَانْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} لا شمع فيه ولم يخرج من بطون النّحل فيوجد منه ميتا فيه مما تستقذره النفس. بل هو خالص من كلّ الشّوائب جاء عن حكيم بن معاذ عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان في الجنّة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللّبن وبحر الخمر. ثم تشقق الأنهار بعد- اخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح- وروى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سيحان (نهر أو رقه غير سيحون) وجيحان (نهر المصيصة في بلاد الارمن غير جيحون) والفرات ونيل مصر كلّ من أنهار الجنّة أي مادتها من مادة أنهار الجنّة من حيث الطّعم واللّون. لا ان منبعها من هناك لأن منابعها الظّاهرة في الدّنيا مشهودة ومعلومة ومشهورة. وان قول حضرة الرسول من أنهار الجنّة لا يعني ان منابعها منها بالنسبة لما نراه وبالنظر لواقع الحال اما في الحقيقة فلا يعلمها الّا اللّه لأن ظاهر علمنا يقتصر عند ظاهر منابعها ولا نعلم من اين ياتي ذلك. وليس محالا على اللّه أو مستحيلا عليه ان جعل اصل منبعها من الجنّة أو من فوقها أو من تحتها. واللّه على كلّ شىء قدير.
وعلينا ان نصدق بما جاء عن الرسول في هذه وغيرها لأنه لا ينطق عن هوى. وقد امرنا اللّه بان ناخذ ما يآتينا به وننتهي عما ينهانا عنه كما ياتي في الآية 7 من سورة الحشر.
قال تعالى: {ولهُمْ فِيها} أي الجنّة ذات الأنهار المذكورة {مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ} مما عرفه البشر اولم يعرفه يتفكهون فيها {وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} ايضا زيادة على ذلك كله. ورفع التكاليف عنهم فيما ياكلون ويشربون بخلاف فواكه الدنيا فانهم قد يحاسبون عليها هل هي من حل أم لا. وهل اسرف فيها أم لا. وهل رزق غيره منها أم لا. اما المغفرة عن الذنوب فتكون لأهل الجنّة قبل دخولها فمثل هؤلاء المؤمنين الكرام ليس {كَمَنْ هو خالِدٌ فِي النَّارِ} من الكفرة اللئام {وَسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أمعاءهم} (15) لشدة حرارته.
وبعد ان بين تعالى حال اهل الجنّة واهل النّار طفق يذكر بعض مثالب المنافقين. فقال عز قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إليك حَتَّى إذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ} يا حبيبي {قالوا لِلَّذِينَ اوتُوا الْعِلْمَ} من اصحابك {ماذا قال آنفًا} لأنهم لا يعون قوله اذ لا يلقون له بالا تهاونا به قاتلهم اللّه. وتغافلا عنه. لذلك لا يقهمونه {أولئك} الّذين لا يفطنون لكلام رسولهم هم {الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ} فلم ينتفعوا بها لذلك لم يصغوا لمواعظ الرسول وهو معهم فتركوها {وَاتَّبَعُوا أهواءهم} (16) الباطلة فامات اللّه قلوبهم {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا} بهداية اللّه وعظات رسوله. فسمعوا خطابه ووعوا قوله وانتفعوا به {زادَهُمْ هُدىً} وبصيرة وعلما لم يعلمه غيرهم لأن اللّه شرح صدورهم {وآتاهم تَقْواهُمْ} (17) أي جزاءها الدّنيوي في الآخرة وبينه لهم على لسان رسولهم.
ثم شرع يهدد الكافرين والمنافقين. فقال عز قوله: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ الَّا السَّاعَةَ انْ تَاتِيَهُمْ بَغْتَةً} على حين غفلة وغرة {فَقَدْ جاءَ أشراطها} علاماتها وأماراتها {فأنى لَهُمْ إذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ} (8) أي فكيف بهم إذا جاءتهم السّاعة المذكّرة لهم بكل ما وقع منهم. وكيف يكون حالهم في ذلك الوقت عند بروز أعمالهم السّيئة. ومن اين لهم اذ ذاك التذكر والاعتذار والتوبة والايمان لفوات محلها؟ اخرج الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال سبعا. فهل تنظرون إلا فقرا منسيا. أو غنى مطغيا. أو مرضا مفسدا. أو هرما مقعدا. أو موتا مجهزا. أو الدّجال. فشرّ غائب ينتظر. أو السّاعة والسّاعة أدهى وأمر».
وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال رأيت النّبي صلى الله عليه وسلم قال باصبعه هكذا الوسطى والتي تلي الابهام وقال: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين».
ورويا عن أنس مثله بزيادة كفضل احداهما على الأخرى. وضم السّبابة والوسطى.
أي ما بين مبعثه صلى الله عليه وسلم وقيام السّاعة شيء يسير كما بين الإصبعين من الطول.

.مطلب عصمة النّساء وصلة الرّحم وتدبر القرآن ومثالب المنافقين والكافرين والبخل وما نفرع عنه:

ورويا عن انس قال عند قرب وفاته الا احدثكم حديثا عن النّبي صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري. سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول لا تقوم السّاعة. اوقال من اشراط الساعة ان يرفع العلم. ويظهر الجهل. ويشرب الخمر. ويفشوالزنى ويذهب الرجال ويبقى النّساء حتى يكون لخمسين امراة قيم.
وفي رواية: ويظهر الزنى ويقل الرّجال وتكثر النّساء.
ورويا عن أبي هريرة ان من اشراط السّاعة ان يتقارب الزمان وينقص العلم وتظهر الفتن ويلقى الشّح. أي يلقى البخل والحرص في قلوب النّاس على اختلاف احوالهم هذا على سكون اللام (فَمَنْ يُلْقى) وعلى فتحه وتشديد القاف يكون المعنى يتلقى البخل ويتعلم ويدعى اليه ويتواصى به. قاله العتبي وصوّبه ابن الاثير.
ولا يقال يلقى بمعنى يترك اذ لا يستقيم المعنى لأن المقام مقام ذم. ويكثر الهرج. قالوا وما الهرج يا رسول اللّه؟ قال القتل.
هذا وقد اسهبنا البحث في هذا في الآية 158 من سورة الأنعام المارة في ج 2.
واعلم ان المراد برفع العلم ونقصه موت العلماء وقلة طلبه. لا انه يرفعه من قلوب العلماء. لأنه اكرم من ان ياخذه ممن يمنحه اياه. يؤيده خبر: ان اللّه لا ينتزع العلم انتزاعا وانما يرفعه بموت العلماء.
ثم التفت إلى رسوله وخاطبه بقوله: {فَاعْلَمْ انَّهُ لا إله إلا الله} ودم على ما انت عليه من العلم بهذا التوحيد الخالص. واعلم امتك بالمداومة عليه وحثهم على التمسك به. وان يعضوا على هذه الكلمة بالنواجذ واعلمهم ان لا خلاص لأحد من عذاب اللّه الّا بها. وحرضهم على ان لا يفقوا عنها. وخاصة عند مفارقتهم الدنيا. فمن مات عليها.
اللهم امتنا عليها. وقد وصفها بعضهم بقوله:
مليحة التكرار والتنثى ** لا تغفلي عند الوداع عني

{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} مما تعده ذنبا بالنسبة لمقامك {وللْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ} استغفر ايها الرسول {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ} (19) انت واياهم في الدّنيا من جميع حركاتكم وسكناتكم وفي الآخرة يعلمه على درجاتكم فيها. وانما امر اللّه نبيه بالاستغفار تعليما لامته. والّا فهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تاخر. كما سياتي أول سورة الفتح الآتية. وذنبه عليه السّلام ليس كذنوب أمته لأنه منزه عنها. وانما هي على حد حسنات الابرار سيئات المقربين.
روى مسلم عن الاعز المزني قال سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول انه ليغان على قلبي (أييغطّى ويغشّى كما تغشّى السّماء بالغيم) حتى استغفر في اليوم مئة مرة. وفي رواية توبوا إلى ربكم اني لاتوب إلى ربي عز وجل مئة مرة في اليوم. وروى البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول اني لاستغفر اللّه واتوب اليه في اليوم سبعين مرة.
وفي رواية اكثر من سبعين مرة.
وذلك بسبب ما اطلعه اللّه عليه من احوال أمته بعده. فاحزنه ذلك حتى كان يستغفر لهم. اولما كان يشغله النّظر في امورهم ومصالحهم حتى يرى انه اشتغل بذلك عن التفرد بربه. فيحزنه ذلك. فيستغفر ربه من اجل أمته. فعليكم باتباعه والتمسك بشريعته واهتدوا بهديه واتخذوه وسيلة لكم وحجة عند ربكم. واياكم ان تسببوا لأنفسكم ما يكون به حجة عليكم.
وتقدم البحث في هذا في الآية 65 من سورة الزمر المارة في ج 2 وفيها ما يرشدك لمراجعة غيرها.
ولهذا البحث صلة عند قوله تعالى: {الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الآية 30 من سورة الرّعد الآتية.
قال تعالى: {وَيَقول الَّذِينَ آمنوا لولا نُزِّلَتْ سُورَةٌ} تامرنا بالجهاد حبا فيه وحرصا عليه. لأن فيه العزّ. فاجابهم بقوله: {فإذا انْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} في الجهاد غير متشابهة لا تحتمل تاويلا ولا تفسيرا {وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ} وكلّ سورة فيها ذكر الجهاد من اشد القرآن على المنافقين. لذلك قال تعالى: {رأيت الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إليك نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} نظر شزر وكراهية تضجرا اوجبنا عن لقاء العدو. فتراهم شاخصي أبصارهم كانهم يعانون سكرات الموت {فَأولى لَهُمْ} (20) كلمة ذم ودعاء عليهم بالمكروه كما تقول ويلك قاربك ما تكره بمعنى التهديد ويقارب هذه الآية في المعنى الآية 7 من الأنفال والآية 77 من النّساء والآية 20 من الاحزاب المارات فراجعها.
وهنا تم الكلام ثم ابتدا فقال: {طاعَةٌ} للّه ورسوله {وَقول مَعْرُوفٌ} عند سماع كلامه بالاجابة أولى بهم من ذلك لوعقلوا وسكتوا {فإذا عَزَمَ الأمر} ودنى وقت الجهاد {فلو صدقوا اللَّهَ} وآمنوا به واخلصوا وجاهدوا مع رسوله ولم يخالفوا امره ويخلفوا وعده ولم يكذبوا في قولهم {لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ} (21) من الايمان الكاذب والقول الفارغ والنّكث بالعهد والطّاعة المزيفة.
واعلم انه لا يوجد في القرآن غير سبع آيات مبدوءة بحرف الطّاء هذه وأول طه وأول الطّواسيم والآية 65 من الصافات و24 من الدّخان قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} ايها المنافقون {انْ تَوليْتُم} عن سماع كلام اللّه واتباع احكامه وطاعة رسوله فلعلكم {انْ تُفْسِدُوا فِي الْارْضِ} كما كنتم في الجاهلية وتسلكوا طرق البغي وسفك دماء النّاس {وَتُقَطِّعُوا أرحامكم} (22) كما يفعل غيركم من الكفرة.