فصل: (سورة البقرة: آية 255):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة البقرة: آية 255]:

{اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}.
{الْحَيُّ} الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء، وهو على اصطلاح المتكلمين الذي يصح أن يعلم ويقدر. و{الْقَيُّومُ} الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه. وقرئ: {القيام}، و{القيم}. والسنة: ما يتقدّم النوم من الفتور الذي يسمى النعاس. قال ابن الرقاع العاملي:
وَسْنَانُ أقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ ** في عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ

أى لا يأخذه نعاس ولا نوم وهو تأكيد للقيوم لأنّ من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوما.
ومنه حديث موسى: أنه سأل الملائكة وكان ذلك من قومه كطلب الرؤية: أينام ربنا؟ فأوحى اللَّه إليهم أن يوقظوه ثلاثا ولا يتركوه ينام، ثم قال: خذ بيدك قارورتين مملوءتين. فأخذهما، وألقى اللَّه عليه النعاس فضرب إحداهما على الأخرى فانكسرتا، ثم أوحى إليه: قل لهؤلاء إنى أمسك السموات والأرض بقدرتي، فلو أخذنى نوم أو نعاس لزالتا {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ} بيان لملكوته وكبريائه، وأن أحدا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام، كقوله تعالى: {لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ} {يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} ما كان قبلهم وما يكون بعدهم. والضمير لما في السموات والأرض لأنّ فيهم العقلاء، أو لما دل عليه {مَنْ ذَا} من الملائكة والأنبياء {مِنْ عِلْمِهِ} من معلوماته {إِلَّا بِما شاءَ} إلا بما علم. الكرسي: ما يجلس عليه، ولا يفضل عن مقعد القاعد. وفي قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} أربعة أوجه: أحدها أنّ كرسيه لم يضق عن السموات والأرض لبسطته وسعته، وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط، ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد، كقوله: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} من غير تصوّر قبضة وطىّ ويمين، وإنما هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسىّ. ألا ترى إلى قوله: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. والثاني: وسع علمه وسمى العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم. والثالث: وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك والرابع: ما روى أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السموات والأرض، وهو إلى العرش كأصغر شيء. وعن الحسن: الكرسي هو العرش {وَلا يَؤُدُهُ} ولا يثقله ولا يشق عليه {حِفْظُهُما} حفظ السموات والأرض {وَهُوَ الْعَلِيُّ} الشأن {الْعَظِيمُ} الملك والقدرة. فإن قلت: كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف؟ قلت: ما منها جملة إلا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه والبيان متحد بالمبين، فلو توسط بينهما عاطف لكان كما تقول العرب: بين العصا ولحائها، فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه. والثانية لكونه مالكا لما يدبره. والثالثة لكبرياء شأنه. والرابعة لإحاطته بأحوال الخلق، وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة، وغير المرتضى. والخامسة لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها، أو لجلاله وعظم قدره. فان قلت: لم فضلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ما ورد منه قوله صلى اللَّه عليه وسلم: ما قرئت هذه الآية في دار إلا اهتجرتها الشياطين ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة، يا علىّ علمها ولدك وأهلك وجيرانك، فما نزلت آية أعظم منها وعن علىّ رضى اللَّه عنه: سمعت نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم على أعواد المنبر وهو يقول: «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صدّيق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمّنه اللَّه على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله» وتذاكر الصحابة رضوان اللَّه عليهم أفضل ما في القرآن، فقال لهم علىّ رضى اللَّه عنه: أين أنتم عن آية الكرسي، ثم قال: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «يا علىّ، سيد البشر آدم، وسيد العرب محمد ولا فخر، وسيد الفرس سلمان، وسيد الروم صهيب، وسيد الحبشة بلال، وسيد الجبال الطور، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الكلام القرآن، وسيد القرآن البقرة، وسيد البقرة آية الكرسي» قلت: لما فضلت له سورة الإخلاص لاشتمالها على توحيد اللَّه وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى، ولا مذكور أعظم من رب العزة فما كان ذكرًا له كان أفضل من سائر الأذكار. وبهذا يعلم أنّ أشرف العلوم وأعلاها منزلة عند اللَّه علم أهل العدل والتوحيد ولا يغرّنك عنه كثرة أعدائه ف:
إنَّ الْعَرَانِينَ تَلْقَاهَا مُحَسَّدَةً ** وَلَا تَرَى لِلِئَامِ النَّاسِ حُسَّادَا

.[سورة البقرة: آية 256]:

{لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}.
{لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ} أي لم يجر اللَّه أمر الإيمان على الإجبار والقسر، ولكن على التمكين والاختيار. ونحوه قوله تعالى: {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي لو شاء لقسرهم على الإيمان ولكنه لم يفعل، وبنى الأمر على الاختيار {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} قد تميز الإيمان من الكفر بالدلائل الواضحة {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} فمن اختار الكفر بالشيطان أو الأصنام والإيمان بالله: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى} من الحبل الوثيق المحكم، المأمون انفصامها، أي انقطاعها. وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر، والاستدلال بالمشاهد المحسوس، حتى يتصوّره السامع كأنه ينظر إليه بعينه، فيحكم اعتقاده والتيقن به. وقيل: هو إخبار في معنى النهى، أي لا تتكرهوا في الدين. ثم قال بعضهم: هو منسوخ بقوله: {جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} وقيل: هو في أهل الكتاب خاصة لأنهم حصنوا أنفسهم بأداء الجزية. وروى أنه كان لأنصارىّ من بنى سالم بن عوف ابنان فتنصرا قبل أن يبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال: واللَّه لا أدعكما حتى تسلما، فأبيا، فاختصموا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال الأنصارى: يا رسول اللَّه أيدخل بعضى النار وأنا أنظر؟ فنزلت، فخلاهما.

.[سورة البقرة: آية 257]:

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257)}.
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} أي أرادوا أن يؤمنوا يلطف بهم حتى يخرجهم بلطفه وتأييده من الكفر إلى الإيمان. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} أي صمموا على الكفر أمرهم على عكس ذلك. أو اللَّه ولىّ المؤمنين يخرجهم من الشبه في الدين- إن وقعت لهم- بما يهديهم ويوفقهم له من حلها، حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الشياطين يُخْرِجُونَهُمْ} من نور البينات التي تظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}.
التفسير: قد جرت عادته سبحانه في هذا الكتاب الكريم أنه يخلط الأنواع الثلاثة، أعني: علم التوحيد وعلم الأحكام، وعلم القصص بعضها ببعض. والغرض من ذكر القصص إما تقرير دلائل التوحيد، وإما المبالغة في إلزام الأحكام والتكاليف، وفي هذا النسق أيضًا رحمة شاملة ولطف كامل؛ فإن طبع الإنسان جبل على الملال، فكلما انتقل من أسلوب إلى أسلوب انشرح صدره وتجدد نشاطه وتكامل ذوقه ولذته ويصير أقرب إلى فهم معناه والعمل بمقتضاه. وإذ قد تقدَّم من علم الأحكام والقصص ما اقتضى المقام إيراده ذكر الآن ما يتعلق بعلم التوحيد.
فقال: {الله لا إله إلا هو الحى القيوم} عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ما قرئت هذه الآية في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يومًا، ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة» وعن عليّ رضي الله عنه: «سمعت نبيكم وهو على أعواد المنبر يقول من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صدّيق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره، وجار جاره والأبيات حوله» وتذاكر الصحابة أفضل ما في القرآن فقال لهم علي رضي الله عنه: أين أنتم من آية الكرسي؟. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي سيد البشر آدم عليه السلام، وسيد العرب أنت، وسيد العالمين محمد صلى الله عليه وسلم ولا فخر، وسيد الكلام القرآن، وسيد القرآن البقرة، وسيد البقرة آية الكرسي» وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال: لما كان يوم بدر قاتلتُ ثم جئتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظر ماذا يصنع، فجئت فإذا هو ساجد يقول: «يا حي يا قيوم» لا يزيد على ذلك. ثم رجعت إلى القتال ثم جئت وهو صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. فلا أزال أذهب وارجع وأنظر إليه وكان لا يزيد على ذلك إلى أن فتح الله له.
واعلم أن الذكر والعلم يتبعان المذكور والمعلوم، وأشرف المذكورات والمعلومات هو الله تعالى بل هو متعالٍ عن أن يقال هو أشرف من غيره لأن ذلك يقتضي نوع مشاكلة أو مجانسة وهو مقدس عن مجانسة ما سواه؛ ولما كانت الآية مشتملة من نعوت جلاله وأوصاف كبريائه على الأصول والمهمات، فلا جرم وصلت في الشرف إلى أقصى الغايات ونهاية التصورات. ولنشتغل بالتفسير.
أما لفظ الله فقد مرَّ تفسيره في أول الكتاب. وأما قوله: {لا إله إلاَّ هو} فقد سبق تفسيره في قوله: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو} وأما {الحي القيوم} فقد سلف أيضا معناهما في شرح الأسماء، لا أنا نزيد هاهنا فنقول: عن ابن عباس: إن أعظم أسماء الله: {الحي القيوم}. ويؤكده ما روينا من قصة بدر ولو كان ذكر أشرف منه لذكره وقتئذٍ في السجود. وأما الدليل العقلي فإن الحي قبل هو الذي يصلح أن يعلم ويقدر، أو هو الدراك الفعال، فأورد عليه أن هذا لا يقتضي المدح لمشاركة أخس الحيوانات إياه في ذلك. ونحن نقول إن الحي في اللغة ليس عبارة عمن يوجد فيه هذه الصفة من هذه الحيثية فقط، بل كل شيء، يكون كاملًا في جنسه فإنه يسمَّى حيًّا. ومن هاهنا يصحُّ أن يقال: أحيا الموات، وأحيا الله الأرض. فإن كمال حال الأرض أن تكون معمورة، وكمال حال الأشجار أن تكون مورقة نضيرة. ولما كان كمال حال الجسم أن يكون بحيث يصح أن يعلم ويقدر، فلا جرم سميت تلك الصفة حياة. فالمفهوم من الحي هو الكامل في جنسه، والكامل في الوجود هو الذي يجب وجوده بذاته، فلا حيّ بالحقيقة إلاّ واجب الوجود لذاته. وأما القيوم فيطلق لمجموع اعتبارين: أحدهما، أنه لا يفتقر في قوامه إلى غيره. والثاني أنَّ غيره يفتقر في قوامه إليه، وبهذا الثاني يزيد على مفهوم الحي. ومن هذين الأصلين يتشعَّب جميع مسائل التوحيد والمعرفة فمنها أن واجب الوجود واحد في ذاته وبجميع جهات الوحدة، إذ لو فرض فيه تركّب بوجه من الوجوه افتقر في تحققه إلى وجود ذينك الجزأين فيقدح في كونه قيومًا؛ ومنها أنه لا شريك له وإلا اشتركا في الوجوب وتباينا بالتعيُّن فيكون كلّ منهما مركّبًا من جزأين فلا يكون قيومًا ولا حيَّا، فإن كلّ مركّب مفتقِرٌ وكل مفتقِرٍ ممكنٌ؛ ومنها أن لا يكون متّحيزًا لأن كلَّ متّحيزٍ منقسمٌ، قد ثبت أنه واحد، ومنها أنه ليس في جهة يُشار إليها، وإلا كان متحيزًا؛ ومنها أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا يصح عليه الحركة والسكون والانتقال والحالية والمحلية وغير ذلك؛ ومنها أنه عالم بجميع المعلومات فإنه لا معنى للعلم إلا حضور حقيقة المعلوم للعالم، وإذا كان حيًّا قيومًا كانت حقيقته حاضرة عند ذاته وذاته مقوم لغيره، والعلم بالعلة يوجبُ العلم بالمعلول فيكون عالمًا بما سواه.
ومنها أنه قادر على كل المقدورات، وإلا لم يكن قيومًا بمعنى كونه مقومًا لغيره ويعلم منه استناد كل الممكنات إليه بواسطة أو غير واسطة، ويلزم منه القول بالقضاء والقدر. والحي أصله حيي كحذر وطمع، فأدغمت الياء في الياء عند اجتماعهما، وكلا الياءين أصل، وقال ابن الأنباري: أصله حيو بدليل الحيوان، فلما اجتمعت الواو والياء ثم كان السابق ساكنًا، جعلنا ياء مشددة، وزيف بكونه عديم النظير فإنه لم يوجد ما عينه ياء ولامه واو. والقيوم مبالغة قائم، وأصله قيووم على فيعول، فجعلت الياء الساكنة والواو الأولى ياء مشددة. ولو كان قوّوما على فعول لقيل قووم، وعن عمر أنه قرأ: {الحي القيام}. وقرئ: {القيم} ثم لما بين أنه حي قيوم أكد ذلك بقوله: {لا تأخذه سنة ولا نوم} ولهذا فقد العاطف بينهما وكذا فيما يعقبهما والسنة ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمَّى النعاس، أي: لا يأخده نعاس، فضلًا أن يأخذه نوم أو نقول: نفى الأخص أولًا، ثم نفى الأعم ليفيد المبالغة من حيث لزوم نفي النوم أولًا ضمنًا ثم ثانيًا صريحًا. ولو اقتصر على نفي الأخص لم يلزم منه نفي الأعم، والمعنى أنه لا يفتر عن تدبير الخلق لأن القيم بأمر الطفل لو غفل عنه ساعة اختل أمر الطفل، وهو كما يقال لمن ضيع وأهمل: إنك لوسنان نائم. ومما يدل على أن السهو والغفلة والنوم على الله محال هو أن هذه الأشياء إما أن تكون عبارات عن عدم العلم، أو عن أضداد العلم. وعلى التقديرين فجواز طريانها يوجب جواز زوال علم الله تعالى، فلا يكون العلم مقتضى ذاته فيفتقر إلى فاعل: فواجب الوجود لذاته لا يكون واجبًا بجميع صفاته، فلا يكون حيًّا ولا قيومًا وهذا خلف. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام سأل الملائكة: هل ينام ربنا؟ فأوحى الله إليهم أن يوقظوه ثلاثًا ولا يتركوه ينام، ثم أعطاه قاروتين مملؤتين ماء في كل يدٍ واحدة، وأمره بالاحتفاظ. فكان يتحرز بجهده إلى أن نام في آخر الأمر فضرب إحداهما على الأخرى فانكسرتا.
وكان ذلك مثلا في بيان أنه لو كان ينام لم يقدر على حفظ السموات والأرضين. وهذه الرواية، إن صحت، وجب أن ينسب هذا السؤال إلى جهال قوم موسى كطلب الرؤية، وإلا فكيف يجوز على نبيّ الله تجويز النوم على {الحي القيوم} والتجويز شك، والشك في مثله كفر. ثم لما بيَّن كونه قيومًا وأكده بما أكد، رتّب عليه حكمًا وهو قوله: {له ما في السموات وما في الأرض} لأن كل ما سواه فإنما تقوّمت ماهيته وتحصّل وجوده به، فيكون ملكًا له، ويلزم منه أن يكون حكمه جاريًا في الكل، ولا يكون لغيره في شيء من الأشياء حكم إلا بإذنه وأمره، وهو المراد بقوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} ومعنى الاستفهام هاهنا الإنكار، أي: لا يشفع، وفيه ردّ على المشركين القائلين للأصنام: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] ويلزم من كون غيره غير متصرف في ملكه بوجهٍ من الوجوه إلا بأمره كونه عالمًا بالكل وكون غيره غير عالم بالكل إلا بإعلامه. فأشار إلى الأول بقوله: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}، وإلى الثاني بقوله: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} والمعنى: يعلم ما كان قبلهم وما يَكون بعدهم والضمير في السموات والأرض، لأن فيهم العقلاء فغلبوا، أو لما دل عليه قول: {مَنْ ذا} من الملائكة والأنبياء والصالحين والشهداء. عن مجاهد وعطاء والسدي أي: يعلم ما كان قبلهم من أمور الدنيا وما كان بعدهم من أمور الآخرة؛ وعن الضحاك والكلبي: {ما بين أيديهم} الآخرة لأنهم يقدمون عليها، {وما خلفهم} الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم. وعن ابن عباس: {يعلم ما بين أيديهم} من السماء إلى الأرض، {وما خلفهم} يريد ما في السموات وقيل: ما فعلوا من خير وشر وما يفعلونه بعد ذلك، والغرض أنه سبحانه عالم بأحوال الشافع والمشفوع له فيما يتعلق باستحقاق الثواب والعقاب، لأنه عالم بجميع المعلومات لا يخفى عليه خافية، والشفعاء لا يعلمون من أنفسهم أن لهم من الطاعة ما يستحقون به هذه المنزلة العظيمة عند الله ولا يعلمون أن الله تعالى أذن لهم في تلك الشفاعة أم لا، فإنهم لا يحيطون بشيء من علمه، أي من معلوماته، إلا بما علم كقوله: {لا علم لنا إلا ما علمتنا} [البقرة: 32] ويحتمل أن يراد: ولا يعلمون الغيب إلا بإعلامه كقوله: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول} [الجن: 26] وإذا كان الشفعاء وهم الملائكة والأنبياء لا يعلمون شيئًا إلا بتعليم الله فغيرهم بعدم العلم أولى.
ثم إنه لما بين كماله ملكه وحكمه في السموات وفي الأرضين ذكر أن ملكه فيما عدا السموات والأرضين أعظم وأجلّ، وأنّ ذلك مما ينقطع دون الإيماء إلى أدنى درجة من درجاتها أوهام المتوهمين، فقال: {وسع كرسيه السموات والأرض} يقال وسع فلان الشيء إذا احتمله وأطاقه وأمكنه القيام به.
قال صلى الله عليه وسلم: «لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي» أي: لم يحتمل غير ذلك. وأما الكرسي فأصله من التركيب والتلبد، ومنه الكرس بالكسر للأبوال والأبعار يتلبد بعضها على بعض، والكراسة لتراكب بعض أوراقها على بعض، والكرسي لما يجلس عليه لتركب خشباته، وللمفسرين في معناه هاهنا أقوال: فعن الحسن أنه جسم عظيم يسع السموات والأرض وهو نفس العرش لأن السرير قد يوصف بأنه عرش وبأنه كرسي لأن كل واحد منهما يصح التمكن عليه. وقيل إنه دون العرش وفوق السماء السابعة وقد وردت الأخبار الصحيحة بهذا. وعن السدي أنه تحت الأرض. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الكرسي موضع القدمين وينبغي أن تحمل هذه الرواية إن صحت على ما لا يفضي إلى التشيبيه ككونه موضع قدم الروح الأعظم أو ملك آخر عظيم القدر عند الله تعالى. وهاهنا أسرارا لا أحبُّ إظهارها لو شاء الله أن يطلع عليها عبدًا من عبيده فهو أعلم بمحارم أسراره. وقيل: المراد من الكرسي أن السلطان والقدرة والملك له لأن الإلهية لا تحصل إلا بهذه الصفات، والعرب تسمِّي أصل كل شيء الكرسي، أو لأنه تسمية للشيء باسم مكانه؛ فإن الملك مكانه الكرسي. وقيل: المراد به العلم لأن موضع العالم هو الكرسي وأيضا العلم هو الأمر المعتمد عليه. ومنه يقال للعلماء: كراسي الأرض كما يقال لهم أوتاد الأرض. وقيل: المقصود من الكلام تصوير عظمة الله وكبريائه ولا كرسي ثم ولا قعود ولا قاعد. واختاره جمع من المحققين كالقفال والزمخشري وتقريره: أنه يخاطب الخلق في تعريف ذاته وصفاته بما اعتادوا في ملوكهم؛ فمن ذلك أنه جعل الكعبة بيتًا له يطوف الناس به كما يطوفون ببيوت ملوكهم، وأمر الناس بزيارته كما يزور الناس بيوت ملوكهم. وذكر في الحجر الأسود أنه يمين الله في أرضه، ثم جعله مقبل الناس كما تقبَّل أيدي الملوك. وكذلك ما ذكر في القيامة من حضور الملائكة والنبيين والشهداء ووضع الموازين. وعلى هذا القياس أثبت لنفسه عرشًا فقال: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] ووصف عرشه فقال: {وكان عرشه على الماء} [هود: 71] ثم قال: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} [الزمر: 75] ثم قال: {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية} [الحاقة: 17] ثم أثبت لنفسه كرسيًا. ولما توافقنا أن المراد من الألفاظ الموهمة للتشبيه في الكعبة والطواف والحجر هو تعريف عظمة الله وكبريائه فكذا الألفاظ الواردة في العرش والكرسي {ولا يؤده} لا يثقله ولا يشق عليه؛ {حفظهما} حفظ السموات والأرض وفيه أن نفاذ حكمه وأمره في الكل على نعت واحد وصورة واحدة، علوية كانت الأجسام أو سفلية كبيرة أو صغيرة.
ثم بيَّن أنه مع كونه مقوِّمًا للممكنات مقيمًا للأرضين والسموات متعال عن المتحيزات ومقدس عن الزمنيات فقال: {وهو العلي العظيم} والمراد منهما علو الرتبة وعظمة الشرف لا الحيز والجهة. وكيف لا وهو مقيم للمكان ومديم للزمان.
وقوله سبحانه: {لا إكراه في الدين} الآية: لما بيَّن دلائل التوحيد بيانًا شافيًا قاطعًا للأعذار ذكر بعد ذلك. أنه لم يبق للكافر علة في إقامته على الكفر إلا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه؛ وذلك لا يجوز في دار الدنيا التي هي مقام الابتلاء والاختبار، وينافيه الإكراه والإجبار. ومما يؤكد ذلك قوله: {قد تبين الرشد من الغي} يقال بَانَ الشيء واستبان وتبيَّن وبيّن أيضا إذا وضح وظهر ومنه المثل: قد تبين الصبح لذي عينين. والرشد إصابة الخير، والغي نقيضه. أي: تميز الحق من الباطل، والإيمان الكفر، والهدى من الضلال، بكثرة الحجج والبيانت ووفور الدلائل والآيات. {فمن يكفر بالطاغوت} قال النحويون: وزنه فعلوت نحو جبروت وأصله من طغى، إلا أن لام الفعل قلبت إلى موضع العين ثم صيرت ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. وذكر الفارسي أنه مصدر كالرغبوت والرهبوت، والدليل على ذلك أنه يفرد في موضع الجمع كما يقال: هم رضا وعدل. ولهذا قال تعالى: {أولياؤهم الطاغوت} [البقرة: 257] والأصل فيه التذكير. قال تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} [النساء: 60] فأما قوله تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} [الزمر: 17] فالتأنيث لإرادة الآلهة. وأما معنى الطاغوت فعن عمر ومجاهد وقتادة: هو الشيطان. وعن سعيد بن جبير: الكاهن. وقال أبو العالية: الساحر. وعن بعضهم: الأصنام. وقيل: مردة الجن والإنس وكل ما يطغى، وإنما جعلت هذه الأشياء أسبابًا للطغيان لحصول الطغيان عند الاتصال بها كقوله: {رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس} [إبراهيم: 36] ويعلم من قوله: {فمن يكفر بالطاغوت} ثم من قوله: {ومن يؤمن بالله}، أن الكافر لابد أن يتوب أوّلًا، ثم يؤمن بعد ذلك، {فقد استمسك بالعروة الوثقى} استمسك وتمسك بمعنى، والعروة واحدة عرى: الدلو والكوز ونحوهما مما يتعلق به. والوثقى تأنيث الأوثق، وهذا من باب استعارة المحسوس للمعقول، لأن الإسلام أقوى ما يتشبث به للنجاة فمثل المعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس وهو الحبل الوثيق المحكم حتى يتصور السامع كأنه ينظر إليه بعينه فتزول شبهته بالكلية. والفصم كسر الشيء من غير أن يبيّن فصَمْتُه فانفصم. والمقصود من قوله: {لا انفصام لها} هو المبالغة لأنه إذا لم يكن لها انفصام، فأن لا يكون لها انقطاع أولى قيل إن الموصول هاهنا محذوف أي التي لا انفصام لها كقوله: {وما منا إلا له مقام معلوم} [الصافات: 164] أي مَن له. وقيل: معنى قوله: {لا إكراه في الدين} لا تكرهوا في الدين على أنه إخبار في معنى النهي والإكراه إلزام الغير فعلًا لا يرى فيه خيرًا يحمله عليه.
ثم قال بعضهم: إنه منسوخ بقوله: {جاهد الكفار والمنافقين} [التحريم: 9] وقال بعضهم: هو في أهل الكتاب خاصة، لأنهم إذا قبلوا الجزية سقط القتل عنهم وحُكْم المجوس حُكْمهم. وأما الكفار الذين تهوّدوا أو تنصروا فقيل إنهم لا يقرُّون على ذلك ويكرهون على الإسلام. وقيل يقرُّون على ما انتقلوا إليه ولا يكرهون. روي أنه كان لأنصاريٍّ من بني سالم بن عوق ابنان فتنصَّرا قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما. فأبيا فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عيله وسلم فقال الأنصاري: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر فنزلت فخلاهما. وقيل معنى قوله: {لا إكراه} أي: لا تقولوا لمن دخل في الدين بعد الحرب أنه دخل مكرهًا لأنه إذا رضي بعد الحرب وصحَّ إسْلامه فليس بمكره، ومعناه لا تنسبوه إلى الإكراه فيكون كقوله: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا} [النساء: 94].
{والله سميع عليم} يسمع قول من يتكلم بالشهادة وقول من يتكلم بالكفر، يعلم ما في قلب المؤمن من الاعتقاد الطيب وما في قلب الكافر من العقد الخبيث. وعن عطاء عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إسلام أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا حول المدينة وكان يسأل الله ذلك سرًا وعلانية فقيل له: والله سميع لدعائك يا محمد عليم بحرصك واجتهادك.
قوله سبحانه: {الله ولي الذين آمنوا} أي متولي أمورهم وكافل مصالحهم فعيل بمعنى فاعل والتركيب يدل على القرب، فالمحب ولي لأنه يقرب منك بالمحبة والنصرة، ومنه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير، وفيه دليل على أن ألطاف الله تعالى في حق المؤمنين وفيما يتعلق بالدين أكثر من ألطافه في حق الكافر، وذلك أنه يخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الكفر إلى الإيمان ومن الضلال إلى الهدى ومن الشك إلى اليقين. والإخراج يشمل الكافر إذا آمن والمؤمن الأصلي، ولا يبعد أن يقال يخرجهم إلى النور من الظلمات، وإن لم يكونوا في الظلمة ألبتة؛ فإن العبد لو خلا عن توفيق الله تعالى لحظة لوقع في ظلمات الجهالات والضلالات فصار توفيقه تعالى سببًا لدفع تلك الظلمات عنه، وبين الدفع والرفع تشابه، ومثله قوله: {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} [آل عمران: 103] ومعلوم أنهم ما كانوا قط في النار. ويروى أنه صلى الله عليه وسلم سمع إنسانًا قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: على الفطرة فلما قال: أشهد أن محمدًا رسول الله قال: «خرج من النار».
ومن المعلوم أنه ما كان فيها. قال الواحدي: كل ما في القرآن من الظلمات والنور فإنه تعالى أراد بهما الكفر والإيمان إلا قوله في أول الأنعام {وجعل الظلمات والنور} [الأنعام: 1] فإنه عنى به الليل والنهار. قال: وإنما جعل الكفر ظلمة لأنه كالظلمة في المنع من الإدراك، وجعل الإيمان نورًا لأنه كالسبب في حصول الإدراك.
قلت: قد مر أن الإيمان والعلم وجميع الكمالات النفسانية والمعارف اليقينية أنوار تزداد النَفس بها نورية وإشراقًا فلا حاجة إلى هذا التكلف. {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} مصدر، ولهذا وحد في موضع الجمع {يخرجونهم من النور إلى الظلمات} وإنما وحد النور وجمع الظلمة لأن الحق وما يرجع إليه طريقه واحد وهو أيضا في نفسه واحد، وأما الباطل فلا حصر له ولا لطرقه. كما أن الخط المستقيم الواصل بين النقطتين واحد، والمنحنية غير محدود. وإسناد الإضلال إلى الطاغوت، وهو كل من ينسب إلى الطغيان، كالمجاز فإن الحوادث بأسرها تستند إلى المبدأ الأول بالحقيقة وتنتهي إلى قضائه وقدره كما سبق تحقيقه مرارًا. {أولئك} الكفار أو هم مع من يطيعهم من الوسائط والوسائل {أصحاب النار} فيكون زجرًا للكل ووعيدًا لهم أعاذنا الله من ذلك. اهـ.