فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والموصول مبتدأ خبره قوله تعالى: {الله أَضَلَّ أعمالهم} أي إبطالها وأحبطها وجعلها ضائعة لا أثر لها ولا نفع أصلًا لا بمعنى أنه سبحانه أبطلها وأحبطها بعد أن لم تكن كذلك بل بمعنى أنه عز وجل حكم ببطلانها وضياعها وأريد بها ما كانوا يعملونه من أعمال البر كصلة الأرحام وقرى الأضياف وفك الأساري وغيرها من المكارم.
وجوز أن يكون المعنى جعلها ضلالًا أي غير هدى حيث لم يوفقهم سبحانه لأن يقصدوا بها وجهه سبحانه أوجعلها ضالة أي غير مهتدية على الإسناد المجازي. ومن قال الآية في المطعمين واضرابهم قال: المعنى إبطال جل وعلا ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالإنفاق الذي أنفقوه في سفرهم إلى محاربته عليه الصلاة والسلام وغيره بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم وإظهار دينه على الدين كله. ولعله أوفق بما بعده. وكذا بما قيل أن الآية نزلت ببدر.
{والذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات}.
قال ابن عباس فيما أخرجه عنه جماعة منهم الحاكم وصححه هم أهل المدينة الأنصار. وفسر رضي الله تعالى عنه {الذين كَفَرُواْ} [محمد: 1] بأهل مكة قريش. وقال مقاتل: هم ناس من قريش. وقيل: مؤمنوأهل الكتاب. وقيل: أعم من المذكورين وغيرهم فإن الموصول من صيغ العموم ولا داعي للتخصيص {وَءآمنوا بِمَا نُزّلَ على مُحَمَّدٍ} من القرآن. وخص بالذكر الإيمان بذلك مع اندراجه فيما قبله تنويها بشأنه وتنبيهًا على سمومكانه من بين سائر ما يجب الإيمان به وانه الأصل في الكل ولذلك أكد بقوله تعالى: {وهو الحق مِن رَّبّهِمْ} وهو جملة معترضة بين المبتدأ والخبر مفيدة لحصر الحقية فيه على طريقة الحصر في قوله تعالى: {ذلك الكتاب} [البقرة: 2] وقولك: حاتم الجواد فيراد بالحق ضد الباطل. وجوز أن يكون الحصر على ظاهره والحق الثابت. وحقية ما نزل عليه عليه الصلاة والسلام لكونه ناسخًا لا ينسخ وهذا يقتضي الاعتناء به ومنه جاء التأكيد. وأيًا ما كان فقوله تعالى: {مّن رَّبّهِمُ} حال من ضمير {الحق}.
وقرأ زيد بن علي وابن مقسم {نَزَّلَ} مبنيًا للفاعل. والأعمش {أَنَزلَ} معدى بالهمزة مبنيًا للمفعول.
وقرىء {أَنَزلَ} بالهمز مبنيًا للفاعل {وَنُزّلَ} بالتخفيف {كَفَّرَ عَنْهُمْ} أي سترها بالإيمان والعمل الصالح. والمراد إزالها ولم يؤاخذهم بها {سيئاتهم وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد. وتفسير البال بالحال مروى عن قتادة وعنه تفسيره بالشأن وهو الحال أيضًا أو ماله خطر. وعليه قول الراغب: الباب الحال التي يكترث بها. ولذلك يقال: ما باليت بكذا بالة أي ما اكترثت به. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذي بال» الحديث ويكون بمعنى الخاطر القلبي ويتجوز به عن القلب كما قال الشهاب.
وفي البحر حقيقة البال الفكر والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب ومن صلح قلبه صلحت حاله. فكأن اللفظ مشير إلى صلاح عقيدتهم وغير ذلك من الحال تابع له. وحكى عن السفاقسي تفسيره هنا بالفكر وكأنه لنحو ما أشير إليه. وهو كما في البحر أيضًا مما لا يثني ولا يجمع وشذ قولهم في جمعه بالات.
{ذلك} إشارة إلى ما مر من الاضلال والتكفير والاصلاح وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: {بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل وَأَنَّ الذين ءآمنوا اتبعوا الحق مِن رَّبّهِمْ} أي ذلك كائن بسبب اتباع الأولين الباطل واتباع الآخرين الحق؛ والمراد بالحق والباطل معناهما المشهور.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن مجاهد تفسير {الباطل} بالشيطان.
وفي البحر: قال مجاهد: الباطل الشيطان وكل ما يأمر به و{الحق} هو الرسول والشرع. وقيل: الباطل ما لا ينتفع به. وجوز الزمخشري كون ذلك خبر مبتدأ محذوف و{بِأَنَّ} الخ في محل نصب على الحال. والتقدير الأمر ذلك أي كما ذكر ملتبسًا بهذا السبب.
والعامل في الحال أما معنى الإشارة وأما نحوأثبته وأحقه فإن الجملة تدل على ذلك لأنه مضمون كل خبر وتعقبه أبو حيان بأن فيه ارتكابًا للحذف من غير داع له. والجار والمجرور أعني {مّن رَّبّهِمُ} في موضع الحال على كل حال. والكلام أعني قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ} إلى قوله سبحانه: {مّن رَّبّهِمُ} تصريح بما أشعر به الكلام السابق من السببية لما فيه من البناء على الموصول. ويسميه علماء البيان التفسير. ونظيره ما أنشده الزمخشري لنفسه:
به فجع الفرسان فوق خيو لهم ** كما فجعت تحت الستور العواتق

تساقط من أيديهم البيض حيرة ** وزعزع عن أجيادهن المخانق

فإن فيه تفسيرًا على طريق اللف والنشر كما في الآية وهو من محاسن الكلام {كذلك} أي مثل ذلك الضرب البديع {يَضْرِبُ الله} أي يبين للناس أي لأجلهم {أمثالهم} أي أحوال الفريقين المؤمنين والكافرين وأوصافهما الجارية في الغرابة مجرى الأمثال. وهي اتباع المؤمنين الحق وفوزهم وفلاحهم. واتباع الكافرين الباطل وخيبتهم وخسرانهم. وجوز أن يراد بضرب الأمثال التمثيل والتشبيه بأن جعل سبحانه اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار والاضلال مثلا لخيبتهم واتباع الحق مثلًا لعمل المؤمنين وتكفير السيات مثلا لفوزهم والإشارة بذلك لما تضمنه الكلام السابق. وجوز كون ضمير {أمثالهم} للناس. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)}.
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: وصدوا عن سبيل الله. قال بعضهم: هو من الصدود. لأن صد في الآية لازمة.
وقال بعضهم: هو من الصد لأن صد في الآية متعدية.
وعليه فالمفعول محذوف أي صدوا غيرهم عن سبيل الله. أي عن الدخول في الإسلام.
وهذا القول الأخير هو الصواب. لأنه على القول بأن صد لازمة. فإن ذلك يكون تكرارًا مع قوله: {كَفَرُوا} لأن الكفر هو أعظم أنواع الصدود عن سبيل الله.
وأما على القول: بأن صد متعدية فلا تكرار لأن المعنى أنهم ضالون في أنفسهم. مضلون لغيرهم بصدهم إياهم عن سبيل الله. وقد قدمنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ولنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم} [النحل: 97] الآية. أن اللفظ إذا دار بين التأكيد والتأسيس وجب حمله على التأسيس. إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي أبطل ثوابها. فما عمله الكافر من حسن في الدنيا. كقري الضيف. وبر الوالدين. وحمي الجار. وصلة الرحمن. والتنفيس عن المكروب. يبطل يوم القيامة. ويضمحل ويكون لا أثر له. كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان: 23]. وهذا هو الصواب في معنى الآية.
وقيل: أضل أعمالهم أي أبطل كيدهم. الذي أرادوا أن يكيدوا به النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله أَضَلَّ أَعْمَالَهُم والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات وَآمنوا بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ وهو الحق مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي غفر لهم ذنوبهم وتجاوز لهم عن أعمالهم السيئة {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي أصلح لهم شأنهم وحالهم إصلاحًا لا فساد معه. وما ذكره جل وعلا هنا في أول هذه السورة الكريمة. من أن يبطل أعمال الكافرين. ويبقي أعمال المؤمنين جاء موضحًا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود: 15- 16]. وقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20] وقوله تعالى: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مستقرا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24].
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا مع بعض الأحاديث الصحيحة فيه. مع زيادة إيضاح مهمة في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا وهو مُؤْمِنٌ فَأولئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [الإسراء: 19]. وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوأنثى وهو مُؤْمِنٌ}.
[النحل: 97] الآية. وذكرنا طرفا منه في سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم بِهَا} [الأحقاف: 20] الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {أَضَلَّ أَعْمَالَهُم} أصله من الضلال بمعنى الغيبة. والاضمحلال. لا من الضالة كما زعمه الزمخشري فهو كقوله: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 24].
وقد قدمنا معاني الضلال في القرآن واللغة. في سورة الشعراء في الكلام على قوله: {قال فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَاْ مِنَ الضالين} [الشعراء: 20]. وفي آخر الكهف في الكلام على قوله تعالى: {الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا} [الكهف: 104] الآية. وفي غير ذلك من المواضع.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ ءَآمنوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} قد قدمنا إيضاحه في أول سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: {وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات} [الكهف: 2] الآية. وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوأنثى وهو مُؤْمِنٌ} [النحل: 97] الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَآمنوا بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّد}.
قال فيه ابن كثير: هو عطف خاص على عام. وهودليل على أنه شرط في صحة الإيمان. بعد بعثته صلى الله عليه وسلم اه منه.
ويدل لذلك قوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} [هود: 17].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {وهو الحق} جملة اعتراضية تتضمن شهادة الله بأن هذا القرآن المنزل على هذا النبي الكريم. صلى الله عليه وسلم هو الحق من الله. كما قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وهو الحق} [الأنعام: 66]. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكافرين وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليقين} [الحاقة: 50- 51] وقال تعالى: {قُلْ يا أيها الناس قَدْ جَاءَكُمُ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَنُ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} [يونس: 108] الآية وقال تعالى: {يا أيها الناس قَدْ جَاءَكُمُ الرسول بالحق مِن رَّبِّكُمْ} [النساء: 170] الآية. والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل وَأَنَّ الذين آمنوا اتبعوا الحق مِن رَّبِّهِمْ} أي ذلك المذكور من إضلال أعمال الكفار أي إبطالها واضمحلالها. وبقاء ثواب أعمال المؤمنين. وتكفير سيئاتهم وإصلاح حالهم. كله واقع بسبب أن الكفار اتبعوا الباطل. ومن اتبع الباطل فعمله باطل.
والزائل المضمحل تسميه العرب باطلًا وضده الحق.
وبسب أن الذين آمنوا اتبعوا الحق. ومتبع الحق أعماله حق. فهي ثابتة باقية. لا زائلة مضمحلة.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة. من أن اختلاف الأعمال. يستلزم اختلاف الثواب. لا يتوهم استواءهما إلا الكافر الجاهل. الذي يستوجب الأنكار عليه. جاء موضحًا في آيات أخر. كقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35- 36]. وقوله تعالى: {أفَنَجْعَلُ الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار} [ص: 28]. وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ}.
قال فيه الزمخشري: فإن قلت: أين ضرب الأمثال؟
قلت: في جعل اتباع الباطل مثلًا لعمل الكفار.
واتباع الحق مثلًا لعمل المؤمنين.
أو في أن جعل الإضلال مثلًا لخيبة الكفار. وتكفير السيئات مثلًا لفوز المؤمنين اه. منه.
وأصل ضرب الأمثال يراد منه بيان الشيء بذكر نظيره الذي هو مثل له. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)}.
صُدّر التحريض على القتال بتوطئة لبيان غضب الله على الكافرين لكفرهم وصدهم الناس عن دين الله وتحقير أمرهم عند الله ليكون ذلك مثيرًا في نفوس المسلمين حنقًا عليهم وكراهية فتثور فيهم همة الإقدام على قتال الكافرين. وعدم الاكتراث بما هم فيه من قوة. حين يعلمون الله يخذل المشركين وينصر المؤمنين. فهذا تمهيد لقوله: {فإذا لقيتم الذين كفروا} [محمد: 4].
وفي الابتداء بالموصول والصلة المتضمنة كُفر الذين كفروا ومناواتهم لدين الله تشويق لما يرد بعده من الحكم المناسب للصلة. وإيماء بالموصول وصلته إلى علة الحكم عليه بالخبر أي لأجل كفرهم وصدهم. وبراعة استهلال للغرض المقصود.
والكفُر: الإشراك بالله كما هو مصطلح القرآن حيثما أطلق الكفر مجردًا عن قرينة إرادة غير المشركين.
وقد اشتملت هذه الجملة على ثلاثة أوصاف للمشركين.
وهي: الكفر. والصد عن سبيل الله. وضلال الأعمال الناشىء عن إضلال الله إياهم.
والصدّ عن سبيل: هو صرف الناس عن متابعة دين الإسلام. وصرفُهم أنفسهم عن سماع دعوة الإسلام بطريق الأولى.
وأضيف (السبيل) إلى {الله} لأنه الدين الذي ارتضاه الله لعباده {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19].
واستعير اسم السبيل للدين لأن الدين يوصل إلى رضى الله كما يوصل السبيل السائرَ فيه إلى بُغيته.
ومن الصد عن سبيل الله صدهم المسلمين عن المسجد الحرام قال تعالى: {ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام} [الحج: 25].
ومن الصد عن المسجد الحرام: إخراجهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من مكة. وصدهم عن العُمرة عام الحديبية.
ومن الصد عن سبيل الله: إطعامهم الناس يوم بدر ليثبتوا معهم ويكثروا حولهم. فلذلك قيل: إن الآية نزلت في المطعِمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلًا من سادة المشركين من قريش.
وهم: أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبيٌّ بن خلَف وأمية بن خلَف ونُبَيْه بن الحجاج ومُنَبِّه بنُ الحجاج وأبو البَخْتَرِي بنُ هشام والحارث بن هشام وزَمعة بن الأسود والحارث بن عامر بن نَوفل وحَكيم بن حِزام وهذا الأخير أسلم من بعد وصار من خيرة الصحابة.
وعدّ منهم صفوان بن أمية وسهل بن عمرو ومِقْيَس الجُمحي والعباس بن عبد المطلب وأَبُو سُفْيَان بن حرب وهذان أسلما وحَسن إسلامهما وفي الثلاثة الآخرين خلاف.