فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن الصد عن سبيل الله صدهم الناس عن سماع القرآن {وقال الذين كفروا لا تَسمعوا لهذا القرآن والغَوا فيه لعلكم تغلبون} [فصلت: 26].
والإضلال: الإبطال والإضاعة. وهو يرجع إلى الضلال.
وأصله الخطأ للطريق المسلوك للوصو ل إلى مكان يُراد وهو يستلزم المعاني الآخر.
وهذا اللفظ رشيق الموقع هنا لأنه الله أبطل أعمالهم التي تبدوحسنة. فلم يثبهم عليها من صلة رحم. وإطعام جائع. ونحوهما. ولأن من إضلال أعمالهم أن كان غالب أعمالهم عبثًا وسيئًا ولأن من إضلال أعمالهم أن الله خَيَّبَ سعيهم فلم يحصلوا منه على طائل فانهزموا يوم بدر وذهب إطعامُهم الجيْش باطلًا. وأفسد تدبيرهم وكيدهم للرسول صلى الله عليه وسلم فلم يشفُوا غليلهم يوم أحد. ثم توالت انهزاماتهم في المواقع كلها قال تعالى: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون} [الأنفال: 36].
{وَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمنوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وهو الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)}.
هذا مقابل فريق الذين كفروا وهو فريق الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وإيراد الموصول وصلته للإيماء إلى وجه بناء الخبر وعلته. أي لأجل إيمانهم الخ كفَّر عنهم سيئاتهم.
وقد جاء في مقابلة الأوصاف الثلاثة التي أثبتت للذين كفروا بثلاثة أوصاف ضدها للمسلمين وهي: الإيمان مقابل الكفر. والإيمانُ بما نُزل على محمد صلى الله عليه وسلم مقابل الصد عن سبيل الله. وعملُ الصالحات مقابل بعض ما تضمنه {أضل أعمالهم} [محمد: 1]. و{وكفّر عنهم سيئاتهم} مقابل بعض آخر مما تضمنه {أضلّ أعمالهم}. {وأصلح بالهم} مقابل بقية ما تضمنه {أضل أعمالهم}.
وزيد في جانب المؤمنين التنويه بشأن القرآن بالجملة المعترضة قوله: {وهو الحق من ربهم} وهو نظير لوصفه بسبيل الله في قوله: {وصدوا عن سبيل الله} [محمد: 1].
وعبر عن الجلالة هنا بوصف الربّ زيادة في التنويه بشأن المسلمين على نحو قوله: {وأن الكافرين لا مولى لهم} [محمد: 11] فلذلك لم يقل: وصدّوا عن سبيل ربهم.
وتكفير السيئات غفرانها لهم فإنهم لما عملوا الصالحات كَفَّر الله عنهم سيئاتهم التي اقترفوها قبل الإيمان. وكفر لهم الصغائر. وكفر عنهم بعض الكبائر بمقدار يعلمه إذا كانت قليلة في جانب أعمالهم الصالحات كما قال تعالى: {خلطوا عملًا صالحًا واخر سيّئًا عسى الله أن يتوب عليهم} [التوبة: 102].
والبال: يطلق على القلب. أي العقل وما يخطر للمرء من التفكير وهو أكثر إطلاقه ولعله حقيقة فيه. قال امرؤ القيس:
فعادي عداء بين ثور ونعجة ** وكان عداء الوحش مِنّي على بال

وقال:
عليه القَتامُ سيء الظن والبال

ومنه قولهم: ما بالك؟ أي ماذا ظننت حين فعلت كذا. وقولهم: لا يبالي. كأنه مشتق منه. أي لا يخطر بباله. ومنه بيت العُقيلي في الحماسة:
ونبكي حين نقتلكم عليكم ** ونقتلكم كأنَّا لا نُبالي

أي لا نفكر.
وحكى الأزهري عن جماعة من العلماء. أي معنى لا أبالي: لا أكره اهـ.
وأحسبهم أرادوا تفسير حاصل المعنى ولم يضبطوا تفسير معنى الكلمة.
ويطلق البال على الحال والقدر.
وفي الحديث «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر» قال الوزير البطليوسي في شرح ديوان امرىء القيس: قال أبو سعيد: كنت أقول للمعري: كيف أصبحت؟ فيقول: بخير أصلح الله بَالك.
ولم يوفه صاحب الأساس حقه من البيان وأدمجه في مادة (بلو).
وإصلاح البال يجمع إصلاح الأمور كلها لأن تصرفات الإنسان تأتي على حسب رأيه. فالتوحيد أصل صلاح بال المؤمن. ومنه تنبعث القوى المقاومة للأخطاء والأوهام التي تلبس بها أهل الشرك. وحكاها عنهم القرآن في مواضع كثيرة والمعنى: أقام أنظارهم وعقولهم فلا يفكرون إلا صالحًا ولا يتدبرون إلا ناجحًا.
{ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمنوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)}.
هذا تبيين للسبب الأصيل في إضلال أعمال الكافرين وإصلاح بال المؤمنين.
والإتيان باسم الإشارة لتمييز المشار إليه أكملَ تمييز تنويهًا به.
وقد ذُكرت هذه الإشارة أربع مرات في هذه الآيات المتتابعة للغرض الذي ذكرناه.
والإشارة إلى ما تقدم من الخبرين المتقدمين. وهما {أضل أعمالهم} [محمد: 1] و{كفَّر عنهم سيئاتهمْ وأصلح بالهم} [محمد: 2]. مع اعتبار علتي الخبرين المستفادتين من اسمي الموصول والصلتين وما عطف على كلتيهما.
واسم الإشارة مبتدأ. وقوله: {بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل} الخ خبره. والباء للسببيّة ومجرورها في موضع الخبر عن اسم الإشارة. أي ذلك كائن بسبب اتباع الكافرين الباطل واتباع المؤمنين الحق. ولما كان ذلك جامعًا للخبرين المتقدمين كان الخبر عنه متعلقًا بالخبرين وسببًا لهما.
وفي هذا محسن الجمع بعد التفريق ويسمونه كعكسه التفسيرَ لأن في الجمع تفسيرا للمعنى الذي تشترك فيه الأشيئاء المتفرقة تقدمَ أوتأخَّرَ.
وشاهده قول حسان من أسلوب هذه الآية:
قوم إذا حاربوا ضَرّوا عدوَّهم ** أوحاولوا النفعَ في أشيئاعهم نفَعوا

سَجية تلكَ فيهم غير مُحدثة ** إنَّ الخَلائق فاعَلمْ شرُّها البِدَع

قال في (الكشاف): وهذا الكلام يسميه علماء البيان التفسير. يريد أنه من المحسنات البديعية.
ونقل عن الزمخشري أنه أنشد لنفسه لمّا فسر لطلبته هذه الآية فقُيد عنه في الحواشي قوله:
به فُجع الفرسان فوق خيو لهم ** كما فُجعت تحت الستور العواتق

تساقط من أيديهم البِيضُ حيرة ** وزُعزع عن أجيادهن المخانق

وفي هذه الآية محسِّن الطباق مرتين بين {الذين كفروا} و{الذين آمنوا} وبين {الحق} و{الباطل}.
وفي بيتي الزمخشري محسّن الطباق مرة واحدة بين فوق وتحت.
واتباع الباطل واتباع الحق تمثيليتان لهيئتي العمل بما يأمر به أئمة الشرك أولياءهم وما يدعوإليه القرآن. أي عملوا بالباطل وعمل الآخرون بالحق.
ووصف {الحق} بأنه {من ربهم} تنويه به وتشريف لهم.
{رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ}.
تذييل لما قبله. أي مثل ذلك التبيين للحالين يبين الله الأحوال للناس بيانًا واضحًا.
والمعنى: قد بيّنا لكل فريق من الكافرين والمؤمنين حاله تفصيلًا وإجمالًا. وما تفضي إليه من استحقاق المعاملة بحيث لم يبق خفاء في كنه الحالين. ومثل ذلك البيان يمثل الله للناس أحوالهم كيلا تلتبس عليهم الأسباب والمسببات.
ومعنى {يضرب}: يلقي وهذا إلقاء تبيين بقرينة السياق. وتقدم عند قوله تعالى: {أن يضرب مثلًا} ما في سورة البقرة (26).
والأمثال: جمع مثَل بالتحريك وهو الحال التي تمثل صاحبها. أي تشهره للناس وتعرفهم به فلا يلتبس بنظائره.
واللام للأجل. والمراد بالناس جميع الناس.
وضمير {أمثالهم} للناس.
والمعنى: كهذا التبيين يبّين الله للناس أحوالهم فلا يبقوا في غفلة عن شؤون أنفسهم محجوبين عن تحقق كنههم بحِجَاب التعود لئلا يختلط الخبيث بالطيب. ولكي يكونوا على بصيرة في شؤونهم. وفي هذا إيماء إلى وجوب التوسم لتمييز المنافقين عن المسلمين حقًا. فإن من مقاصد السورة التحذير من المنافقين. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في ضل:
الضَّلال. والضَلّ- بالفتح- والضُلّ- بالضمّ- والضَّلالة. والضَلْضلة والأُضلو لة: ضدّ الهُدَى.
وقد ضلَلتَ- بالفتح- تضِلّ.
وضَلِلْتَ- با لكسر- تَضَلّ.
وهوضالٌّ وضَلُو ل.
وأَضلَّه غيره وضلَّلَه.
وضلَلتُ بعيرى: إِذا كان معقولا فلم تهتد لِمكانه. وأَضللته: إِذا كان مطلقًا فمرّ ولم يدرِ أَين أَخَذَ.
وأَضللت خاتمى.
وضلّ في الدِّين.
وهوضالٌّ. وضلّيل. وصاحب ضلال وضلالة. ومُضَلَّل.
ووقع في أَضاليل وأَباطيل.
وفلأن لِضِلَّة: لِغيّة.
وذهب دمه ضِلَّة: هَدَرًا.
وضلّ عنِّى كذا: ضاع.
وضَلَلْتُه: أُنسِيته.
وأَضلَّنى أَمر كذا: لم أَقدر عليه.
وأَنشد ابن الأَعرابىّ:
إِنِّى إِذا خُلَّة تضيَّفنى ** يريد مالى أَضلَّنى عِلَلِى

وضلّ الماءُ في اللبن. واللبنُ في الماءِ: غاب.
وأُضِلّ الميّتُ: دُفِنَ.
وفلأن ضُلّ بن ضُلّ. وقُلّ بن قُلّ: لا يُعْرف هو وأَبوه.
قال:
فإِنّ إِيادكم ضُلُّ ابن ضُلّ ** وإِنَّا من إِيادكم بَرَاءُ

ويقال الضلال لكل عدو ل عن المنهج. عمدًا كان أَوسهوا. يسيرًا كان أَوكثيرًا. فإِنَّ الطريق المستقيم الذي هو المرتضَى صعب جدًّا. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تُحْصوا».
وقيل: لن تحصوا ثوابه.
وقال بعض الحكماء.
كونُنا مصيبين من وجه. وكوننا ضالِّين من وجوه كثيرة. فإِنَّ الاستقامة والصّواب يجرى مجرى المقرطَس من المرمىّ. وما عداه من الجوانب كلّها ضلال.
وإِذا كان الضلال تَرْكُ الطريق المستقيم. عمدًا كان أَوسهوا. قليلًا كان أَوكثيرًا. صحّ أَن يستعمل لفظ الضَّلال فيمن يكون منه خطأ مّا.
ولذلك نُسب الضلال إِلى الأنبياءِ وإِلى الكفار. وإِنْ كان بين الضلالَيْنِ بَوْن بعيد. قال تعالى: {ووجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى}. أَى غير مهتد لما سيق إِليك من النبوّة.
و{قال فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَاْ مِنَ الضَّالِّينَ}. وقال: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} تنبيهًا أَنَّ ذلك منهم سهو.
وقوله تعالى: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا}. أَى تَنْسَى. وذلك من النِّسيان الموضوع عن الإنسان.
والضَّلال من وجه آخر ينقسم قسمين: ضلال في العلوم النظريّة؛ كالضلال في معرفة الوحدانيّة ومعرفة النبوّة ونحوهما المشار إِليهما بقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخر فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا}.
وضلال في العلوم العمليّة. كمعرفة الأَحكام الشرعيّة.
والضَّلال البعيد إِشارة إِلى ما هو كفر.
وقوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخرة فِي الْعَذَابِ وَالضَّلاَلِ الْبَعِيدِ} أَى في عقوبة الضلال البعيد.
وقوله: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} كناية عن الموت واستحالة البدن.
وقوله: {ولاَ الضَّالِّينَ}. قيل: أَراد به النَّصارى.
وقوله: {لاَّ يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنسَى} أَى لا يَغْفل عنه.
وقوله: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}. أَى في باطل وإِضلال لأنفسهم.
والإِضلال ضربان: أَحدهما أَن يكون سببه الضلال. وذلك على وجهين: إِمّا أَن يضِلّ عنك الشىء. كقولك: أَضللتُ البعير. أَى ضلّ عنى؛ وإِمّا أَن يحكم بضلاله.
فالضلال في هذين سبب للإِضلال.
الضَّرب الثانى: أَن يكون الإِضلال سببًا للضلال.
وهوأَن يزيّن للأنسان الباطل ليَضِلّ. كقوله تعالى: {لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ} أَى يَتَحَرَّون أَفعالا يقصدون بها أَن تَضِلّ. فلا يحصل من فعلهم ذلك إِلاَّ ما فيه ضلال أَنفسهم.
وإِضلال الله تعالى للأنسان على وجهين:
أَحدهما: أَن يكون سببه الضلال.
وهوأَن يَضِلّ الإنسان فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا. ويعدل به عن طريق الجنَّة إِلى النار في الآخرة.
وذلك الإِضلال هو حقّ وعَدْل؛ فإِنَّ الحكم على الضَّال بضلاله. والعدو ل به عن طريق الجنَّة إِلى النار حقّ وعدل.
والثانى: من إِضلال الله: هو أَنَّ الله تعالى وضح جِبِلَّة الإنسان على هيئةٍ إِذا راعى طريقًا محمودًا كان أو مذمومًا أَلِفه واستطابهُ. وتعسّر عليه صرفُه وانصرافه عنه.
ويصير ذلك كالطبْع الذي يأبى على النَّاقل؛ ولذلك قيل: العادة طبع ثان.
وهذه القوّة فينا فعلٌ إِلهىّ.
وإِذا كان كذلك. وقد ذكر في غير هذا الموضع أَن كل شىء يكون سببًا في وقوع فعل يصحّ نسبة ذلك الفعل إِليه. فصحَّ أَن ينسب ضلال العبد إِلى الله من هذا الوجه. فيقال: أَضلَّه الله. لاعلى الوجه الذي يتصوّره الجَهَلة.