فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الثانية:
{فَضَرْبَ} منصوب على المصدر. أي فاضربوا ضرب الرقاب.
المسألة الثالثة:
ما الحكمة في اختيار ضرب الرقبة على غيرها من الأعضاء نقول فيه: لما بيّن أن المؤمن ليس يدافع إنما هودافع. وذلك أن من يدفع الصائل لا ينبغي أن يقصد أولا مقتله بل يتدرج ويضرب على غير المقتل. فإن اندفع فذاك ولا يترقى إلى درجة الأهلاك. فقال تعالى ليس المقصود إلا دفعهم عن وجه الأرض. وتطهير الأرض منهم. وكيف لا والأرض لكم مسجد. والمشركون نجس. والمسجد يطهر من النجاسة. فإذًا ينبغي أن يكون قصدكم أولا إلى قتلهم بخلاف دفع الصائل. والرقبة أظهر المقاتل لأن قطع الحلقوم والأوداج مستلزم للموت لكن في الحرب لا يتهيأ ذلك. والرقبة ظاهرة في الحرب ففي ضربها حز العنق وهو مستلزم للموت بخلاف سائر المواضع. ولاسيما في الحرب. وفي قوله: {لَقِيتُمُ} ما ينبىء عن مخالفتهم الصائل لأن قوله: {لَقِيتُمُ} يدل على أن القصد من جانبهم بخلاف قولنا لقيكم. ولذلك قال في غير هذا الموضع {واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191].
المسألة الرابعة:
قال ههنا {ضَرب الرقاب} بإظهار المصدر وترك الفعل. وقال في الأنفال {فاضربوا فَوْقَ الأعناق} [الأنفال: 12] بإظهار الفعل. وترك المصدر. فهل فيه فائدة؟ نقول نعم ولنبينها بتقديم مقدمة. وهي أن المقصود أولا في بعض السور قد يكون صدور الفعل من فاعل ويتبعه المصدر ضمنًا. إذ لا يمكن أن يفعل فاعل إلا ويقع منه المصدر في الوجود. وقد يكون المقصود أولا المصدر ولكنه لا يوجد إلا من فاعل فيطلب منه أن يفعل. مثاله من قال: إني حلفت أن أخرج من المدينة.
فيقال له: فاخرج. صار المقصود منه صدور الفعل منه والخروج في نفسه غير مقصود الأنتفاء. ولوأمكن أن يخرج من غير تحقق الخروج منه لما كان عليه إلا أن يخرج لكن من ضرورات الخروج أن يخرج. فإذا قال قائل ضاق بي المكان بسبب الأعداء فيقال له مثلًا الخروج يعني الخروج فاخرج فإن الخروج هو المطلوب حتى لوأمكن الخروج من غير فاعل لحصل الغرض لكنه محال فيتبعه الفعل. إذا عرفت هذا فنقول في الأنفال الحكاية عن الحرب الكائنة وهم كانوا فيها والملائكة أنزلوا لنصرة من حضر في صف القتال فصدور الفعل منه مطلوب. وههنا الأمر وارد وليس في وقت القتال بدليل قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ} والمقصود بيان كون المصدر مطلوبًا لتقدم المأمور على الفعل قال: {فَضَرْبَ الرقاب} وفيما ذكرنا تبيين فائدة أخرى وهي أن الله تعالى قال هناك {واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12] وذلك لأن الوقت وقت القتال فأرشدهم إلى المقتل وغيره إن لم يصيبوا المقتل. وههنا ليس وقت القتال فبيّن أن المقصود القتل وغرض المسلم ذلك.
المسألة الخامسة:
{حتى} لبيان غاية الأمر لا لبيان غاية القتل أي حتى إذا اثخنتموهم لا يبقى الأمر بالقتل. ويبقى الجواز ولوكان لبيان القتل لما جاز القتل. والقتل جائز إذا التحق المثخن بالشيخ الهرم. والمراد كما إذا قطعت يداه ورجلاه فنهى عن قتله.
ثم قال تعالى: {فَشُدُّواْ الوثاق} أمر إرشاد.
ثم قال تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
(إما) وإنما للحصر وحالهم بعد الأسر غير منحصر في الأمرين. بل يجوز القتل والاسترقاق والمن والفداء. نقول هذا إرشاد فذكر الأمر العام الجائز في سائر الأجناس. والاسترقاق غير جائز في أسر العرب. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم فلم يذكر الاسترقاق. وأما القتل فلان الظاهر في المثخن الإزمان. ولأن القتل ذكره بقوله: {فَضَرْبَ الرقاب} فلم يبق إلا الأمران.
المسألة الثانية:
منًا وفداءً منصوبان لكونهما مصدرين تقديره: فإما تمنون منًا وإما تفدون فداءً وتقديم المن على الفداء إشارة إلى ترجيح حرمة النفس على طلب المال. والفداء يجوز أن يكون مالًا يكون وأن يكون غيره من الأسرى أوشرطًا يشرط عليهم أو عليه وحده.
المسألة الثالثة:
إذا قدرنا الفعل وهو تمنون أوتفدون على تقدير المفعول. حتى نقول إما تمنون عليهم منا أوتفدونهم فداء. نقول لا لأن المقصود المن والفداء لا عليهم وبهم كما يقول القائل: فلان يعطي ويمنع ولا يقال يعطي زيدًا ويمنع عمرًا لأن غرضه ذكر كونه فاعلًا لا بيان المفعول. وكذلك ههنا المقصود إرشاد المؤمنين إلى الفضل.
ثم قال تعالى: {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا}.
وفي تعلق {حتى} وجهان أحدهما: تعلقها بالقتل أي اقتلوهم حتى تضع وثانيهما: بالمن والفداء. ويحتمل أن يقال متعلقة بشدوا الوثاق وتعلقها بالقتل أظهر وإن كان ذكره أبعد. وفي الأوزار وجهان أحدهما: السلاح والثاني: الاثام وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
إن كان المراد الإثم. فكيف تضع الحرب الإثم والإثم على المحارب؟ وكذلك السؤال في السلاح لكنه على الأول أشد توجهًا. فيقول تضع الحرب الأوزار لا من نفسها. بل تضع الأوزار التي على المحاربين والسلاح الذي عليهم.
المسألة الثانية:
هل هذا كقوله تعالى: {واسئل القرية} [يوسف: 82] حتى يكون كأنه قال حتى تضع أمة الحرب أوفرقة الحرب أوزارها؟ نقول ذلك محتمل في النظر الأول. لكن إذا أمعنت في المعنى تجد بينهما فرقًا. وذلك لأن المقصود من قوله: {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} الحرب بالكلية بحيث لا يبقى في الدنيا حزب من أحزاب الكفر يحارب حزبًا من أحزاب الإسلام. ولوقلنا حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة ويتركوا الحرب وهي باقية بمادتها كما تقول خصومتي ما انفصلت ولكني تركتها في هذه الأيام. وإذا أسندنا الوضع إلى الحرب يكون معناه إن الحرب لم يبق.
المسألة الثالثة:
لوقال حتى لا يبقى حزب أو ينفر من الحرب هل يحصل معنى قوله: {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} نقول لا والتفاوت بين العبارتين مع قطع النظر عن النظم. بل النظر إلى نفس المعنى كالتفاوت بين قولك انقرضت دو لة بني أُمية. وقولك لم يبق من دو لتهم أثر. ولا شك أن الثاني أبلغ. فكذلك ههنا قوله تعالى: {أَوْزَارَهَا} معناه اثارها فإن من أوزار الحرب اثارها.
المسألة الرابعة:
وقت وضع أوزار الحرب متى هو؟ نقول فيه أقوال حاصلها راجع إلى أن ذلك الوقت هو الوقت الذي لا يبقى فيه حزب من أحزاب الإسلام وحزب من أحزاب الكفر وقيل ذلك عند قتال الدجال ونزول عيسى عليه السلام.
ثم قال تعالى: {ذلك ولويَشَاء اللَّهُ لأنتَصَرَ مِنْهُمْ}.
في معنى ذلك وجهان أحدهما: الأمر ذلك والمبتدأ محذوف ويحتمل أن يقال ذلك واجب أو مقدم. كما يقول القائل إن فعلت فذاك أي فذاك مقصود ومطلوب. ثم بيّن أن قتالهم ليس طريقًا متعينًا بل الله لوأراد أهلكهم من غير جند.
قوله تعالى: {ولكن لّيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}.
أي ولكن ليكلفكم فيحصل لكم شرف باختياره إياكم لهذا الأمر.
فإن قيل ما التحقيق في قولنا التكليف ابتلاء وامتحان والله يعلم السر وأخفى. وماذا يفهم من قوله: {ولكن لّيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}؟ نقول فيه وجوه الأول: أن المراد منه يفعل ذلك فعل المبتلين أي كما يفعل المبتلى المختبر. ومنها أن الله تعالى يبلو ليظهر الأمر لغيره إما للملائكة وإما للناس. والتحقيق هو أن الابتلاء والامتحان والاختبار فعل يظهر بسببه أمر غيره متعين عند العقلاء بالنظر إليه قصدًا إلى ظهوره. وقولنا فعل يظهر بسببه أمر ظاهر الدخول في مفهو م الابتداء. لأن ما لا يظهر بسببه شيء أصلًا لا يسمى ابتلاء. أما قولنا أمر غير متعين عند العقلاء. وذلك لأن من يضرب بسيفه على القثاء والخيار لا يقال إنه يمتحن. لأن الأمر الذي يظهر منه متعين وهو القطع والقد بقسمين. فإذا ضرب بسيفه سبعًا يقال يمتحن بسيفه ليدفع عن نفسه وقد يقده وقد لا يقده. وأما قولنا ليظهر منه ذلك فلان من يضرب سبعًا بسيفه ليدفعه عن نفسه لا يقال إنه ممتحن لأن ضربه ليس لظهور أمر متعين. إذا علم هذا فنقول الله تعالى إذا أمرنا بفعل يظهر بسببه أمر غير متعين. وهو إما الطاعة أو المعصية في العقول ليظهر ذلك يكون ممتحنًا. وإن كان عالمًا به لكون عدم العلم مقارنًا فينا لابتلائنا فإذا ابتلينا وعدم العلم فينا مستمر أمرنا وليس من ضرورات الابتلاء. فإن قيل الابتلاء فائدته حصو ل العلم عند المبتلى. فإذا كان الله تعالى عالمًا فأية فائدة فيه؟ نقول ليس هذا سؤال يختص بالابتلاء. فإن قول القائل: لم ابتلى كقول القائل لم عاقب الكافر وهو مستغن. ولم خلق النار محرقة وهو قادر على أن يخلقها بحيث تنفع ولا تضر؟ وجوابه: لا يسأل عما يفعل. ونقول حينئذ ما قاله المتقدمون إنه لظهور الأمر المتعين لإله. وبعد هذا فنقول: المبتلى لا حاجة له إلى الأمر الذي يظهر من الابتلاء. فإن الممتحن للسيف فيما ذكرنا من الصورة لا حاجة له إلى قطع ما يجرب السيف فيه حتى أنه لوكان محتاجًا. كما ضربنا من مثال دفع السبع بالسيف لا يقال إنه يمتحن وقوله: {لّيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} إشارة إلى عدم الحاجة تقريرًا لقوله: {ذلك ولويَشَاءُ اللَّهُ لأنتَصَرَ مِنْهُمْ}.
ثم قال تعالى: {والذين قُتِلُواْ في سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أعمالهم}.
قرىء {قتلوا} {وقاتلوا} والكل مناسب لما تقدم. أما من قرأ {قتلوا} فلانه لما قال: {فَضَرْبَ الرقاب} ومعناه فاقتلوهم بين ما للقاتل بقوله: {والذين قُتِلُواْ في سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أعمالهم} ردًا على من زعم أن القتل فساد محرم إذ هو إفناء من هو مكرم. فقال عملهم ليس كحسنة الكافر يبطل بل هو فوق حسنات الكافر أضل الله أعمال الكفار. ولن يضل القاتلين. فكيف يكون القتل سيئة. وأما من قرأ {قَاتَلُواْ} فهو أكثر فائدة وأعم تناولا. لأنه يدخل فيه من سعى في القتل سواء قتل أولم يقتل. وأما من قرأ {والذين قُتِلُواْ} على البناء للمفعول فنقول هي مناسبة لما تقدم من وجوه أحدها: هو أنه تعالى لما قال: {فَضَرْبَ الرقاب} أي اقتلوا والقتل لا يتأتى إلا بالإقدام وخوف أن يقتل المقدم يمنعه من الإقدام. فقال لا تخافوا القتل فإن من يقتل في سبيل الله له من الأجر والثواب ما لا يمنع المقاتل من القتال بل يحثه عليه وثانيها: هو أنه تعالى لما قال: {لّيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} والمبتلى بالشيء له على كل وجه من وجوه الأثر الظاهر بالابتلاء حال من الأحوال. فإن السيف الممتحن تزيد قيمته على تقدير أن يقطع وتنقص على تقدير أن لا يقطع فحال المبتلين ماذا فقال إن قتل فله أن لا يضل عمله ويهدى ويكرم ويدخل الجنة. وأما إن قتل فلا يخفى (أمره) عاجلًا واجلًا. وترك بيانه على تقدير كونه قاتلًا لظهوره وبين حاله على تقدير كونه مقتو لا وثالثها: هو أنه تعالى لما قال: {لِيَبْلُوَكُمْ} ولا يبتلي الشيء النفيس بما يخاف منه هلاكه. فإن السيف المهند العضب الكبير القيمة لا يجرب بالشيء الصلب الذي يخاف عليه منه الأنكسار. ولكن الادمي مكرم كرمه الله وشرفه وعظمه. فلماذا ابتلاه بالقتال وهو يفضي إلى القتل والهلاك إفضاء غير نادر. فكيف يحسن هذا الابتلاء؟ فنقول القتل ليس بإهلاك بالنسبة إلى المؤمن فإنه يورث الحياة الأبدية فإذا ابتلاه بالقتال فهو على تقدير أن يقتل مكرم وعلى تقدير أن لا يقتل مكرم هذا إن قاتل وإن لم يقاتل. فالموت لابد منه وقد فوت على نفسه الأجر الكبير.
وأما قوله تعالى: {فَلَن يُضِلَّ أعمالهم} قد علم معنى الإضلال. بقي الفرق بين العبارتين في حق الكافر والضال قال: {أَضَلَّ} [محمد: 1] وقال في حق المؤمن الداعي {لَنْ يُضِلَّ}. لأن المقاتل داع إلى الإيمان لأن قوله: {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} قد ذكر أن معناه حتى لم يبق إثم بسبب حرب. وذلك حيث يسلم الكافر فالمقاتل يقول إما أن تسلم وإما أن تقتل. فهوداع والكافر صاد وبينهما تباين وتضاد فقال في حق الكافر أضل بصيغة الماضي. ولم يقل يضل إشارة إلى أن عمله حيث وجد عدم. وكأنه لم يوجد من أصله. وقال في حق المؤمن فلن يضل. ولم يقل ما أضل إشارة إلى أن عمله كلما ثبت عليه أثبت له. فلن يضل للتأبيد وبينهما غاية الخلاف. كما أن بين الداعي والصاد غاية التباين والتضاد. فإن قيل ما معنى الفاء في قوله: {فَلَن يُضِلَّ}؟ جوابه لأن في قوله تعالى: {والذين قُتِلُواْ} معنى الشرط.
{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)}.
إن قرىء {قتلوا} أو {قَاتَلُواْ} فالهداية محمولة على الاجلة والعاجلة. وإن قرىء {قتلوا} فهو الآخرة {سَيَهْدِيهِمْ} طريق الجنة من غير وقفة من قبورهم إلى موضع حبورهم.
وقوله: {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ}.
قد تقدم تفسيره في قوله تعالى: {أَصْلَحَ بَالَهُمْ} [محمد: 2] والماضي والمستقبل راجع إلى أن هناك وعدهم ما وعدهم بسبب الإيمان والعمل الصالح. وذلك كان واقعًا منهم فأخبر عن الجزاء بصيغة تدل على الوقوع. وههنا وعدهم بسبب القتال والقتل. فكان في اللفظ ما يدل على الاستقبال. لأن قوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ} [محمد: 4] يدل على الاستقبال فقال: {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} ثم قال تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)}.
وكأن الله تعالى عند حشرهم يهديهم إلى طريق الجنة ويلبسهم في الطريق خلع الكرامة. وهو إصلاح البال {وَيُدْخِلُهُمُ الجنة} فهو على ترتيب الوقوع.
وأما قوله: {عَرَّفَهَا لَهُمْ}.
ففيه وجوه: أحدها: هو أن كل أحد يعرف منزلته ومأواه. حتى أن أهل الجنة يكونون أعرف بمنازلهم فيها من أهل الجمعة ينتشرون في الأرض كل أحد يأوي إلى منزله. ومنهم من قال الملك الموكل بأعماله يهديه الوجه الثاني: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي طيبها يقال طعام معرف الوجه الثالث: قال الزمخشري يحتمل أن يقال عرفها لهم حددها من عرف الدار وأرفها أي حددها. وتحديدها في قوله: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السموات والأرض} [آل عمران: 133] ويحتمل أن يقال المراد هو قوله تعالى: {وَتِلْكَ الجنة التي أورثتموها} [الزخرف: 72] مشيرًا إليها معرفًا لهم بأنها هي تلك وفيه وجه آخر وهو أن يقال معناه {عَرَّفَهَا لَهُمْ} قبل القتل فإن الشهيد قبل وفاته تعرض عليه منزلته في الجنة فيشتاق إليها ووجه ثان: معناه {وَيُدْخِلُهُمُ الجنة} ولا حاجة إلى وصفها فإنه تعالى: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} مرارًا ووصفها ووجه ثالث: وهو من باب تعريف الضالة فإن الله تعالى لما قال: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم بِأَنَّ لَهُمُ الجنة} [التوبة: 111] فكأنه تعالى قال من يأخذ الجنة ويطلبها بماله أوبنفسه فالذي قتل سمع التعريف وبذل ما طلب منه عليها فأدخلها. اهـ.

.قال القرطبي: