فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما قوله تعالى: {ذلك ولويشاء الله لأنتصر منهم}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {ذلك ولويشاء الله لأنتصر منهم} قال: أي والله بجنوده الكثيرة كل خلقه له جند فلوسلط أضعف خلقه لكان له جندًا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله ذلك {ولويشاء الله لأنتصر منهم} قال: لأرسل عليهم ملكًا فدمر عليهم. وفي قوله: {والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم} قال: نزلت فيمن قتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ {والذين قاتلوا} بالألف.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم} الآية. قال: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في يوم أُحد. ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب. وقد فشت فيهم الجراحات والقتل. وقد نادى المشركون يومئذ: أعلُ هُبَل. ونادى المسلمون الله أعلى وأجل. ففادى المشركون يوم بيوم بدر. وإن الحرب سجال لنا عُزّى ولا عُزّى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم إن القتلى مختلفة أما قتلانا فأحياء يرزقون. وأما قتلاكم ففي النار يعذبون».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} قال: يهدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم وحيث قسم الله لهم منها لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {عرفها لهم} قال: عرفهم منازلهم فيها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في قوله: {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} قال: بلغنا أن الملك الذي كان وُكّلَ بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه في الجنة ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله في الجنة فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل إلى منزله وأزواجه وانصرف الملك عنه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)}.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} قال: على نصره.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {إن تنصروا الله ينصركم} قال: حق على الله أن يعطي من سأله. وأن ينصر من نصره {والذين كفروا فتعسًا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} قال: أما الأولى ففي الكفار الذين قتل الله يوم بدر. وأما الأخرى ففي الكفار عامة.
وأخرج ابن شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمرو بن ميمون رضي الله عنه: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله} قال: كرهوا الفرائض.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم} قال: أهلكهم الله بألوان العذاب بأن يتفكر متفكر ويتذكر متذكر ويرجع راجع. فضرب الأمثال وبعث الرسل ليعقلوا عن الله أمره.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {وللكافرين أمثالها} قال: لكفار قومك يا محمد مثل ما دمرت به القرى فأهلكوا بالسيف.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وللكافرين أمثالها} قال: مثل ما دمرت به القرون الأولى وعيد من الله تعالى لهم. وفي قوله: {ذلك بأن الله مولى الذي آمنوا} قال: وليهم الله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا} قال: ليس لهم مولى غيره. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في نصر:
نَصَرَه على عَدُوِّه يَنصُرُه نَصْرًا: أَعانَه. والاسم النُّصْرَةُ.
ونُصْرَةُ الله لنا ظاهرةٌ. ونصرتُنا لِله هو النُّصْرة لِبعاده. أو القِيام بحفظ حُدُودِه ورِعايَة عهوده. وامتثال أَوامره واجتناب نَواهِيه.
قال الله تعالى: {إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}.
والنَّصِيرُ: الناصر. والجمع أَنصارٌ كشَرِيف وأَشْراف. وجمعُ النَّاصِر نَصْرٌ كصاحب وصَحْب. واسْتَنَصَرَه على عدوّهِ: سأَله أَنْ يَنْصُرَه عليه.
وقوله تعالى: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} أَى انْصُر.
وإِنَّما قال انْتَصِرْ ولم يقلْ انْصُر تنبيهًا أَنَّ ما يَلْحقُنى يَلْحقك من حيث إِنى جئتهم بأَمرك. فإِذا نصرتَنى فقد انتصرت لنفسك.
والتَّناصر: التعاون. قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ}.
والنَّصْرُ: العَطاءِ قال رؤبة:
إِنَّى وأَسْطار سُطِرْنَ سَطْرًا ** لَقائلٌ يا نَصْرُ نَصْرًا نَصْرًا

والنَّصارَى جمع نَصْران ونَصْرانَة. مثل النَّدامَى جمع نَدْمان ونَدْمانَة.
وقيل: سُمّوا بذلك لقوله تعالى: {كُونُواْ أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِي إِلَى اللَّهِ قال الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ}.
ولم يستعمل نَصْران إِلاَّ بياءِ النَّسَب لأنهم قالوا: رجل نَصْرَانِىٌّ وامرأَةٌ نصرانيّة.
ونَصَّرَهُ: جعله نصرانيًّا.
وقيل: سُمُّوبذلك انْتِسابًا إِلى قرية بالشَّام يقال لها نصرانة وجمعهُ: نَصارَى.
ونَصَرَ الغَيْثُ الأَرضَ. أَى غاثَها.
ونُصِرَت الأَرضُ فهى مَنْصُورة أَى مَمْطُورة. اهـ.

.تفسير الآيات (12- 14):

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهواءَهُمْ (14)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تشوف السامع إلى تعرف تمام آثار الولاية. قال شافيًا لعيّ سؤالهم مؤكدًا لأجل كثرة المكذبين: {إن الله} أي الذي له جميع الكمال {يدخل الذين آمنوا} أي أوقعوا التصديق {وعملوا} تصديقًا لما ادعوا أنهم أوقعوه {الصالحات} فتمتعوا بما رزقهم الله من الملاذ لا على وجه أنها ملاذ بل على وجه أنها مأذون فيها. وهي بلاغ إلى الآخرة وأكلوا لا للترفه بل لتقوية البدن على ما أمروا به تقوتًا لا تمتعًا {جنات} أي بساتين عظيمة الشأن موصوفة بأنها {تجري} وبين قرب الماء من وجهها بقوله: {من تحتها الأنهار} أي فهي دائمة النمو والبهجة والنضارة والثمرة لأن أصو ل أشجارها ربى وهي بحيث متى أثرت بقعة مناه أدنى إثارة جرى منها نهر. فأنساهم دخولهم غصص ما كانوا فيه في الدنيا من نكد العيش ومعاناة الشدائد. وضموا نعيمها إلى ما كانوا فيه في الدنيا من نعيم الوصلة بالله ثم لا يحصل لهم كدر ما أصلًا. وهي مأواهم لا يبغون عنها حولا. وهذا في نظير ما زوي عنهم من الدنيا وضيق فيها عيشهم نفاسة منهم عنها حتى فرغهم لخدمته وألزمهم حضرته حبًا لهم وتشريفًا لمقاديرهم {والذين كفروا} أي غطوا ما دل عليه العقل فعملوا لأجل كفرهم الأعمال الفاسدة المبعدة عن جناب الله {يتمتعون} أي في الدنيا بالملاذ لكونها ملاذ كما تتمتع الأنعام. ناسين ما أمر الله معرضين عن لقائه بل عن الموت أصلًا بل يكون ذكر الموت حاثًا لهم على الأنهماك في اللذات مسابقة له جهلًا منهم بالله {ويأكلون} على سبيل الاستمرار {كما تأكل الأنعام} أكل التذاذ ومرح من أيّ موضع كان وكيف كان الأكل في سبعة أمعاء. أي في جميع بطونهم من غير تمييز للحرام من غيره لأن الله تعالى أعطاهم الدنيا ووسع عليهم فيها وفرغهم لها حتى شغلهم عنه هو أنا بهم وبغضًا لهم لأنه علم حالهم قبل أن يوجدهم فيدخلهم نارًا وقودها الناس والحجارة {والنار} أي والحال أن ذات الحرارة العظمى والإحراق الخارج عن الحد.
{مثوى} أي منزل ومقام {لهم} تنسيهم أول انغماسهم فيها كل نعيم كانوا فيه ثم لا يصير لهم نعيم ما أصلًا. بل لا ينفك عنهم العذاب وقتًا ما. فالآية من الاحتباك. ذكر الأعمال الصالحة ودخول الجنات أولا دليلًا على حذف الفاسدة ودخول النار ثانيًا. والتمتع والمثوى ثانيًا دليلًا على حذف التعلل والمأوى أولا. فهو احتباك في احتباك واشتباك مقارن لاشتباك.
ولما وعد سبحانه أنه ينصر من ينصره لأنه مو لاه ويدخله دار نعمته. ويخذل من يعانده لأنه عاداه إلى أن يدخله دار شقوته. كان التقدير دليلًا على ذلك: فكأين من قوم هم أضعف من الذين اتبعوك نصرناهم على من كذبهم. فلا خاذل لهم. فعطف عليه قوله: {وكأين} ولما كانت قوة قريش في الحقيقة ببلدهم. وكان الإسناد إليها أدل على تمالؤ أهلها وشدة اتفاقهم حتى كأنهم كالشيء الواحد قال: {من قرية} أي كذبت رسولها {هي أشد قوة} وأكثر عدة {من قريتك} ولما كان إنزال هذه بعد الهجرة. عين فقال: {التي أخرجتك} أي أخرجك أهلها متفقين في أسباب الآخراج من أنواع الأذى على كلمة واحدة حتى كأن قلوبهم قلب واحد فكأنها هي المخرجة- وهي مكة- كذبوك واذوك حتى أخرجناك من عندهم لننصرك عليهم بمن أيدناك بهم من قريتك هذه التي اوتك من الأنصار نصرًا جاريًا على ما تألفونه وتعتادونه {أهلكناهم} بعذاب الاستئصال كما اقتضت عظمتنا. وحكى حالهم الماضية بقوله: {فلا ناصر لهم}.
ولما كان هذا دليلًا شهوديًا بعد الأدلة العقلية على ما تقدم الوعد به. سبب عنه الأنكار عليهم فقال: {أفمن كان} أي في جميع أحواله {على بينة} أي حالة ظاهرة البيان في أنها حق {من ربه} المربي المدبر له المحسن إليه بما يقيم من الأدلة التي تعجز الخلائق أجمع عن أن يأتوا بواحد منها فبصر سوء عمله وأريه على حقيقته فراه سيئًا فاجتنبه مخالفًا لهواه. قال القشيري: العلماء في ضياء برهانهم والعارفون في ضياء بيانهم.
{كمن زين له} بتزيين الشيطان بتسليطنا له عليه وخلقنا للاثار بأيسر أمر {سوء عمله} من شرك أو معصية دونه.
ولما كان التقدير: فراه حسنًا فعمله ملازمًا له. فكان على عمى وضلال. وكان قد أفرد الضمير لقبو ل من له من جهة لفظها. جمع ردًا على معناها بتعميم القبح مثنى وفرادى. وإشارة إلى أن القبيح يكون أولا قليلًا جدًّا. فمتى غفل عنه فلم تحسم مادته دب وانتشر فقال عاطفًا على ما قدرته: {واتبعوا أهواءهم} فلا شبهة لهم في شيء من أعمالهم السيئة فضلًا عن دليل. والآية من الاحتباك ذكر البينة أولا دليلًا على ضدها ثانيًا. والتزيين واتباع الهوى ثانيًا دليلًا على ضدهما أولا. وسره أنه ذكر الأصل الجامع للخير ترغيبًا والأصل الجامع للشر ترهيبًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهَارُ}.
لما بيّن الله تعالى حال المؤمنين والكافرين في الدنيا بيّن حالهم في الآخرة وقال إنه يدخل المؤمن الجنة والكافر النار وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
كثيرًا ما يقتصر الله على ذكر الأنهار في وصف الجنة لأن الأنهار يتبعها الأشجار والأشجار تتبعها الثمار ولأنه سبب حياة العالم. والنار سبب الإعدام. وللمؤمن الماء ينظر إليه وينتفع به. وللكافر النار يتقلب فيها ويتضرر بها.
المسألة الثانية:
ذكرنا مرارًا أن من في قوله: {مِن تَحْتِهَا الأنهار} يحتمل أن يكون صلة معناه تجري تحتها الأنهار. ويحتمل أن يكون المراد أن ماءها منها لا يجري إليها من موضع آخر. فيقال هذا النهر منبعه من أين؟ يقال من عين كذا من تحت جبل كذا.
لمسألة الثالثة: قال: {والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ} خصهم بالذكر مع أن المؤمن أيضًا له التمتع بالدنيا وطيباتها. نقول من يكون له ملك عظيم ويملك شيئًا يسيرًا أيضًا لا يذكر إلا بالملك العظيم. يقال في حق الملك العظيم صاحب الضيعة الفلأنية ومن لا يملك إلا شيئًا يسيرًا فلا يذكر إلا به. فالمؤمن له ملك الجنة فمتاع الدنيا لا يلتفت إليه في حقه والكافر ليس له إلا الدنيا. ووجه آخر: الدنيا للمؤمن سجن كيف كان. ومن يأكل في السجن لا يقال إنه يتمتع. فإن قيل كيف تكون الدنيا سجنًا مع ما فيها من الطيبات؟ نقول للمؤمن في الآخرة طيبات معدة وإخوان مكرمون نسبتها ونسبتهم إلى الدنيا ومن فيها تتبين بمثال. وهو أن من يكون له بستان فيه من كل الثمرات الطيبة في غاية اللذة وأنهار جارية في غاية الصفاء ودور وغرف في غاية الرفعة وأولاده فيها. وهو قد غاب عنهم سنين ثم توجه إليهم وهم فيها. فلما قرب منهم عوق في أجمة فيها من بعض الثمار العفصة والمياه الكدرة. وفيها سباع وحشرات كثيرة. فهل يكون حاله فيها كحال مسجون في بئر مظلمة وفي بيت خراب أم لا؟ وهل يجوز أن يقال له اترك ما هو لك وتعلل بهذه الثمار وهذه الأنهار أم لا؟.
كذلك حال المؤمن. وأما الكافر فحاله كحال من يقدم إلى القتل فيصبر عليه أيامًا في مثل تلك الأجمة التي ذكرناها يكون في جنة. ونسبة الدنيا إلى الجنة والنار دون ما ذكرنا من المثال. لكنه ينبىء ذا البال. عن حقيقة الحال.
وقوله تعالى: {كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} يحتمل وجوهًا أحدها: أن الأنعام يهمها الأكل لا غير والكافر كذلك والمؤمن يأكل ليعمل صالحًا ويقوى عليه وثانيها: الأنعام لا تستدل بالمأكو ل على خالقها والكافر كذلك وثالثها: الأنعام تعلف لتسمن وهي غافلة عن الأمر. لا تعلم أنها كلما كانت أسمن كانت أقرب إلى الذبح والهلاك. وكذلك الكافر ويناسب ذلك قوله تعالى: {والنار مَثْوًى لَّهُمْ}.
المسألة الرابعة:
قال في حق المؤمن {إِنَّ الله يُدْخِلُ} بصيغة الوعد. وقال في حق الكافر {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} بصيغة تنبىء عن الاستحقاق لما ذكرنا أن الإحسان لا يستدعي أن يكون عن استحقاق. فالمحسن إلى من لم يوجد منه ما يوجب الإحسان كريم. والمعذب من غير استحقاق ظالم.
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)}.
لما ضرب الله تعالى لهم مثلًا بقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض} [محمد: 10] ولم ينفعهم مع ما تقدم من الدلائل ضرب للنبي عليه السلام مثلًا تسلية له فقال: {وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أهلكناهم} وكانوا أشد من أهل مكة كذلك نفعل بهم. فاصبر كما صبر رسلهم. وقوله: {فَلاَ ناصر لَهُمْ} قال الزمخشري كيف قوله: {فَلاَ ناصر لَهُمْ} مع أن الأهلاك ماض. وقوله: {فَلاَ ناصر لَهُمْ} للحال والاستقبال؟ والجواب أنه محمول على الحكاية والحكاية كالحال الحاضر. ويحتمل أن يقال أهلكناهم في الدنيا فلا ناصر لهم ينصرهم ويخلصهم من العذاب الذي هم فيه. ويحتمل أن يقال قوله: {فَلاَ ناصر لَهُمْ} عائد إلى أهل قرية محمد عليه السلام كأنه قال أهلكنا من تقدم أهل قريتك ولا ناصر لأهل قريتك ينصرهم ويخلصهم مما جرى على الأولين.