فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم أمر بالعمل بعد.
قوله تعالى: {واستغفر لِذَنبِكَ} يحتمل وجهين: أحدهما يعني استغفر الله أن يقع منك ذنب.
الثاني استغفر الله ليعصمك من الذنوب.
وقيل: لما ذكر له حال الكافرين والمؤمنين أمره بالثبات على الإيمان؛ أي اثبت على ما أنت عليه من التوحيد والإخلاص والحذر عما تحتاج معه إلى استغفار.
وقيل: الخطاب له والمراد به الأمة؛ وعلى هذا القول توجب الآية استغفار الإنسان لجميع المسلمين.
وقيل: كان عليه السلام يضيق صدره من كفر الكفار والمنافقين؛ فنزلت الآية.
أي فاعلم أنه لا كاشف يكشف ما بك إلا الله. فلا تعلق قلبك بأحد سواه.
وقيل: أمر بالاْستغفار لتقتدي به الأمة.
{وللْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} أي ولذنوبهم.
وهذا أمر بالشفاعة.
وروى مسلم عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سَرْجِس المخزوميّ قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت من طعامه فقلت: يا رسول الله. غفر الله لكا فقال له صاحبي: هل استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. ولك.
ثم تلا هذه الآية: {واستغفر لِذَنبِكَ وللْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} ثم تحولت فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه. جُمْعًا (عليه) خِيلأن كأنه الثاليل.
{والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} فيه خمسة أقوال: أحدها يعلم أعمالكم في تصرفكم وإقامتكم.
الثاني {مُتَقَلَّبَكُم} في أعمالكم نهارًا {وَمَثْوَاكُمْ} في ليلكم نيامًا.
وقيل {مُتَقَلَّبَكُمْ} في الدنيا.
{وَمَثْوَاكُمْ} في الدنيا والآخرة؛ قاله ابن عباس والضحاك.
وقال عكرمة: {مُتَقَلَّبَكُمْ} في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات.
{وَمَثْوَاكُمْ} مقامكم في الأرض.
وقال ابن كَيْسان: {مُتَقَلَّبَكُمْ} من ظهر إلى بطن إلى الدنيا.
{ومثواكم} في القبور.
قلت: والعموم يأتي على هذا كله. فلا يخفى عليه سبحانه شيء من حركات بني آدم وسكناتهم. وكذا جميع خلقه.
فهو عالم بجميع ذلك قبل كونه جملة وتفصيلًا أولى وأخْرَى.
سبحانه! لا إله إلا هو. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}.
هم المنافقون. وإفراد الضمير باعتبار اللفظ كما أن جمعه بعد باعتبار المعنى. قال ابن جريج: كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يراعونه حق رعايته تهاونًا منهم {حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قالواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} أي لأولي العلم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وقيل: هم الواعون لكلامه عليه الصلاة والسلام الراعون له حق رعايته من الصحابة رضي الله تعالى عنهم {مَاذَا قال ءانِفًا} أي ما الذي قال قبيل هذا الوقت ومقصودهم من ذلك الاستهزاء وإن كان بصورة الاستعلام. وجوز أن يكون مرادهم حقيقة الاستعلام إذ لم يلقوا له اذانهم تهاونًا به ولذلك ذموا والأول أولى. قيل: قالوا ذلك لابن مسعود. وعن ابن عباس أنا منهم وقد سميت فيمن سئل وأراد رضي الله تعالى عنه أنه من الذين أوتوا العلم بنص القرآن. وما أحسن ما عبر عن ذلك. و{ءانِفًا} اسم فاعل على غير القياس أوبتجريد فعله من الزوائد لأنه لم يسمع له فعل ثلاثي بل استأنف وأتنف. وذكر الزجاج أنه من استأنفت الشيء إذا ابتدأته وكان أصل معنى هذا أخذت أنفه أي مبدأه. وأصل الأنف الجارحة المعروفة ثم يسمى به طرف الشيء ومقدمه وأشرفه. وذكر غير واحد أن آنفًا من ذلك قالوا: إنه اسم للساعة التي قبل ساعتك التي أنت فيها من الأنف بمعنى المتقدم وقد استعير من الجارحة لتقدمها على الوقت الحاضر. وقيل: هو بمعنى زمان الحال. وهو على ما ذهب إليه الزمخشري نصب على الظرفية ولا ينافي كونه اسم فاعل كما في بادىء فإنه اسم فاعل غلب على معنى الظرفية في الاستعمال. وقال أبو حيان: الصحيح أنه ليس بظرف ولا نعلم أحدًا من النحاة عده في الظروف وأوجب نصبه على الحال من فاعل {قال} أي ماذا قال مبتدئًا أي ما القول الذي ائتنفه الأن قبل انفصالنا عنه. وإلى ذلك يشير كلام الراغب.
وقرأ ابن كثير {ءانِفًا} على وزن فعل {أولئك} الموصفون بما ذكر {الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} فعدم توجههم نحوالخير {واتبعوا أَهواءهُمْ} فتوجهوا نحوكل ما لا خير فيه فلذلك كان منهم ما كان.
{والذين اهتدوا} إلى طريق الحق {زَادَهُمْ} أي الله عز وجل {هُدًى} بالتوفيق والإلهام. والموصول يحتمل الرفع على الابتداء والنصب بفعل محذوف يفسره المذكور و{هُدًى} مفعول ثان لأن زاد قد يتعدى لمفعولين. ويحتمل أن يكون تمييزًا والأول هو الظاهر. وتنوينه للتعظيم أي هدى عظيمًا {وءاتاهم تَقُوَاهُمْ} أي أعطاهم تقواهم إياه جل شأنه بأن خلقها فيهم بناءً على ما يقوله الأشاعرة في أفعال العباد أوبأن خلق فيهم قدرة عليها مؤثرة في فعلها بإذنه سبحانه على ما نسبه الكوراني إلى الأشعري وسائر المحققين في أفعال العباد من أنها بقدرة خلقها الله تعالى فيهم مؤثرة بإذنه تعالى. وقول بعضهم: بأن جعلهم جل شأنه متقين له سبحانه يمكن تطبيقه على كل من القولين. وقال البيضاوي: أي بين لهم ما يتقون أوأعانهم على تقواهم أوأعطاهم جزاءها فالإيتاء عنده مجاز عن البيان أو الإعانة أوهو على حقيقته والتقوى مجاز عن جزائها لأنها سببه أوفيه مضاف مقدر وليس في شيء من ذلك ما يأباه مذهب أهل الحق. وذكر الزمخشري الثاني والثالث من ذلك. واختار الطيبي الأول من هذين الاثنين وقال: هو أوفق لتأليف النظم الكريم لأن أغلب آيات هذه السورة الكريمة روعي فيها التقابل فقوبل {أولئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} [محمد: 16] بقوله سبحانه: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} لأن الطبع يحصل من تزايد الرين وترادفع ما يزيد في الكفر. وقوله تعالى: {واتبعوا أَهواءهُمْ} [محمد: 16] بقوله جل وعلا: {والذين اهتدوا} فيحمل على كمال التقوى وهو أن يتنزه العارف عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه سبحانه بشراشره وهو التقوى الحقيقية المعنية بقوله تعالى: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] فإن المزيد على مزيد الهدى مزيد لا مزيد عليه. وفي الترفع عن متابعة الهوى النزوع إلى المولى والعزوب عن شهوات الحياة الدنيا. ثم في إسناد إيتاء التقوى إليه تعالى وإسناد متابعة الهوى إليهم إيماءً إلى معنى قوله تعالى حكاية: {وَإِذَا مَرِضْتُ فهو يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] وتلويح إلى أن متابعة الهوى مرض روحاني وملازمة التقوى دواء إلهي انتهى.
وما ذكره من التقابل جار فيما ذكرناه أيضًا. وكذا يجري التقابل على تفسير إيتاء التقوى ببيان ما يتقون لإشعار الكلام عليه بأن ما هم فيه ليس من ارتكاب الهوى والتشهي بل هو أمر حق مبني على أساس قوي. وتفسير ذلك بإعطاء جزاء التقوى مروى عن سعيد بن جبير وذهب إليه الجبائي. والكلام عليه أفيد وأبعد عن التأكيد من غير حاجة إلى حمل التقوى على أعلى مراتبها. وأمر التقابل هين فإنه قد يقال: إن قوله تعالى: {اهتدوا} في مقابلة {اتبعوا أَهواءهُمْ} وقوله سبحانه: {زَادَهُمْ هُدًى} في مقابلة {طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} فليتدبر. وقيل: فاعل {زَادَهُمْ} ضمير قوله صلى الله عليه وسلم المفهو م من قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [محمد: 16] وقوله سبحانه: {مَاذَا قال ءانِفًا} [محمد: 16] وكذا فاعل {ءاتاهم} أي أعانهم أوبين لهم. والإسناد مجازي. ولا يخفى أنه خلاف الظاهر. وأيضًا إذا كان قوله تعالى: {زَادَهُمْ هُدًى} في مقابلة قوله سبحانه: {طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} فالأولى أن يتحد فاعله مع فاعله ويجري نحوذلك على ما قاله الطيبي لئلا يلزم التفكيك. وجوز أن يكون ضميرًا عائدًا على قول المنافقين فإن ذلك مما يعجب منه المؤمن فيحمد الله تعالى على إيمانه ويزيد بصيرة في دينه. وهو بعيد جدًّا بل لا يكاد يلتفت إليه.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} أي القيامة. وقوله تعالى: {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي تباغتهم بغتة وهي المفاجأة بدل اشتمال من الساعة أي لا يتذكرون بأحوال الأمم الخالية ولا بالإخبار بإتيان الساعة وما فيها من عظائم الأحوال فما ينتظرون للتذكر إلا إتيان الساعة نفسها. وقوله تعالى: {فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} أي علاماتها وأماراتها كما في قوله أبي الأسود الدؤلي:
فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا ** فقد جعلت أشراط أوله تبدو

وهي جمع شرط بالتحريك تعليل لمفاجأتها على معنى أنه لم يبق من الأمور الموجبة للتذكر أمر مترقب ينتظرونه سوى إتيان نفس الساعة إذ قد جاء أشراطها فلم يرفعوا لها رأسًا ولم يعدوها من مبادىء إتيانها فيكون إتيانها بطريق المفاجأة لا محالة كذا في إرشاد العقل السليم. وظاهر كلام الكشاف أنه تعليل للإتيان مطلقًا أي ما ينتظرون إلا إتيان الساعة لأنه قد جاء أشراطها وبعد مجيئها لابد من وقوع الساعة. وتعليل المقيد دون قيده لا يخلوعن بعد. قيل: ويقربه هنا أن انتظارهم ليس إلا لإتيان الساعة وتقييده ببغتة ليس إلا لبيان الواقع. وقال بعض المحققين: هو تعليل لأنتظار الساعة لأن ظهور إمارات الشيء سبب لأنتظاره. وفي جعله تعليلًا للمفاجأة خفاء لأنها لا تناسب مجىء الأشراط إلا بتأويل. وأنت تعلم أن البدل هو المقصود فالأنتظار لإتيان الساعة بغتة فالتعليل المذكور تعليل للمقيد دون قيده أيضًا فكان ما في الإرشاد متعين وإن كان فيه نوع تأويل. وقوله تعالى: {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ} على ما أفاده بعض الأجلة تعجيب من نفع الذكرى عند مجىء الساعة وإنكار لعدم تشمرهم لها ولأنتظارهم إياها هزؤًا وجحودًا. وفي (الإرشاد) وقوله تعالى: {أَشْرَاطُهَا فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} حكم بخطئهم وفساد رأيهم في تأخير التذكر إلى إتيانها ببيان استحالة نفع التذكر حينئذٍ كقوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى} [الفجر: 23] أي فكيف لهم ذكراهم على أن {إِنّى} خبر مقدم و{ذِكْرَاهُمْ} مبتدأ و{إِذَا جَاءتْهُمُ} اعتراض وسط بينهما رمزًا إلى غاية سرعة مجيئها. وإطلاق المجىء عن قيد البغتة لما أن مدار استحالة نفع التذكر كونه عند مجيئها مطلقًا لا مقيدًا بقيد البغتة. وقيل: {إِنّى} خبر مقدم لمبتدأ محذوف أي فأنى لهم الخلاص إذا جاءتهم الذكرى بما يخبرون به فينكرونه منوطة بالعذاب ولا يخفى حاله. وقرأ أبو جعفر الرؤاسي عن أهل مكة {إن تَأْتِهِم} على أنه شرط مستأنف جزاؤه {فأنى لَهُمْ} الخ أي أن تأتهم الساعة بغتة إذ قد جاء أشراطها فأنى تنفعهم الذكرى وقت مجيئها. {وَأَنْ} هنا بمعنى إذا لأن إتيان الساعة متيقن. ولعل الإتيان بها للتعريض بهم وأنهم في ريب منها أولأنها لعدم تعيين زمانها أشبهت المشكوك فيه وإذا جاءتهم باعتبار الواقع فلا تعارض بينهما كما يتوهم في النظرة الحمقاء.
وفي (الكشف) {إِذَا} على هذه القراءة لمجرد الظرفية لئلا يلزم التمانع بين {إِذَا جَاءتْهُمُ} و{إن تَأْتِهِم} وفي الإتيان بأن مع الجزم بالوقوع تقوية أمر التوبيخ والأنكار كما لا يخفى انتهى. وعلى ما ذكرنا لا يحتاج إلى جعل إذًا لمجرد الظرفية.
وقرأ الجعفي وهارون عن أبي عمرو {بَغْتَةً} بفتح الغين وشد التاء. قال صاحب اللوامح: وهي صفة وانتصابها على الحال ولا نظير لها في المصادر ولا في الصفات بل في الأسماء نحوالجربة وهي القطيع من حمر الوحش. وقد يسمى الأقوياء من الناس إذا كانوا جماعة متساوين جربة. والشربة وهي اسم موضع وكذا قال أبو العباس بن الحاج من أصحاب أبي علي الشلوبين في كتابه المصادر. وقال الزمخشري: وما أخوفني أن تكون غلطة من الراوي عن أبي عمرو وأن يكون الصواب بغتة بفتح الغين من غير تشديد كقراءة الحسن فيما تقدم.
وتعقبه أبو حيان بأن هذا على عادته في تغليط الرواة. والظاهر أن المراد بأشراط الساعة هنا علاماتها التي كانت واقعة إذ ذاك وأخبروا أنها علامات لها كبعثة نبينا صلى الله عليه وسلم. فقد أخرج أحمد. والبخاري. ومسلم. والترمذي عن أنس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى» وأراد عليه الصلاة والسلام مزيد القرب بين مبعثه والساعة فإن السبابة تقرب من الوسطى طو لا فينا وهكذا فيه صلى الله عليه وسلم.
وزعم بعضهم أن أمر الطول والقصر في وسطاه وسبابته عليه الصلاة والسلام على عكس ما فينا خطأ لا يلتفت إليه إلا أن يكون أراد ذلك في أصابع رجليه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أحمد عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعثت أنا والساعة جميعًا وإن كادت لتسبقني».
وهذا أبلغ في إفادة القرب وعدوا منها انشقاق القمر الذي وقع له صلى الله عليه وسلم والدخان الذي وقع لأهل مكة وأما أشراطها مطلقًا فكثيرة ألفت فيها كتب مختصرة ومطولة وهي تنقسم إلى مضيقة لا تبقى الدنيا بعد وقوعها إلا أيسر يسير كخروج المهدي رضي الله تعالى عنه على ما يقول أهل السنة دون ما يقوله الشيعة القائلون بالرجعة فإن الدنيا عندهم بعد ظهوره تبقى مدة معتدًا بها وكنزول عيسى عليه السلام وخروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وغير ذلك. وغير مضيقة وهي أكثر الأشراط ككون الحفاة الرعاة رؤوس الناس وتطأولهم في البنيان وفشوالغيبة وأكل الربا وشرب الخمر وتعظيم رب المال وقلة الكرام وكثرة اللئام وتباهي الناس في المساجد واتخاذها طرقًا وسوء الجوار وقطيعة الأرحام وقلة العلم وأن يوسد الأمر إلى غير أهله وأن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع إلى ما يطو ل ذكره.
ومن وقف على الكتب المؤلفة في هذا الشأن واطلع على أحوال الأزمان رأى أن أكثر هذه العلامات قد برزت للعيان وامتلأت منها البلدان. ومع هذا كله أمر الساعة مجهو ل ورداء الخفاء عليه مسدول.
وقصارى ما ينبغي أن يقال: أن ما بقي من عمر الدنيا أقل قليل بالنسبة إلى ما مضى. وفي بعض الآثار أنه عليه الصلاة والسلام خطب أصحابه بعد العصر حين كادت الشمس تغرب ولم يبق منها إلا أسف أي شيء فقال: «والذي نفس محمد بيده ما مثل ما مضى من الدنيا فيما بقي منها إلا مثل ما مضى من يومكم هذا فيما بقي منه وما بقي منه إلا اليسير» ولا ينبغي أن يقال: إن الألف الثانية بعد الهجرة وهي الألف التي نحن فيها هي ألف مخضرمة أي نصفها من الدنيا ونصفها الآخر من الآخرة. وقال الجلال السيوطي في رسالة سماها الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف: الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة عليها ألف سنة وبنى الأمر على ما ورد من أن مدة الدنيا سبعة الاف سنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في آخر الألف السادسة وأن الدجال يخرج على رأس مائة وينزل عيسى عليه السلام فيقتله ثم يمكث في الأرض أربعين سنة وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة وأن بين النفختين أربعين سنة. وذكر الأحاديث والأخبار في ذلك.
وفي بهجة الناظرين وآيات المستدلين قد احتج كثير من العلماء على تعيين قرب زمانها بأحاديث لا تخلوعن نظر فمنهم من قال: بقي منها كذا. ومنهم من قال: يخرج الدجال على رأس كذا وتطلع الشمس على رأس كذا. وأفرد الحافظ السيوطي رسالة لذلك كله وقال: تقوم الساعة في نحوالألف والخمسمائة. وكل ذلك مردود وليس للمتكلمين في ذلك إلا ظن وحسبان لا يقوم عليه من الوحي برهان انتهى. ونقله السفاريني في (البحور الزاخرة) في علوم الآخرة. وذكر السيوطي عدة أخبار في كون مدة الدنيا سبعة الاف سنة. أولها ما أخرجه الحكيم الترمذي في (نوادر الأصو ل) بسنده عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي ثم ماتوا عليها فهم في الباب الأول من جهنم» وساق بقية الحديث. وفيه «وأطو لهم مكثًا فيه من يمكث فيها مثل الدنيا منذ خلقت إلى يوم أفنيت وذلك سبعة الاف سنة» الحديث وتعقبه السفاريني بقوله: ذكر الحافظ ابن رجب في كتابه صفة النار أن هذا الحديث خرجه ابن أبي حاتم وغيره. وخرجه الاسماعيلي مطو لا. وقال الدارقطني في كتاب المختلف: هو حديث منكر وذكر علله. ومما ذكره السيوطي في ذلك ما نقل هو ضعف إسناد رفعه. وقد يرد عليه بأنه قد مضى من زمن البعثة إلى يومنا هذا ألف ومئتان وثماني وستون سنة وإذا ضم إليها ما ذكره من سني مكث عيسى عليه السلام وبقاء الدنيا بعد طلوع الشمس من مغربها وما بين النفختين وهي مائتا سنة تصير ألفًا وأربعمائة وثماني وسبعين فيبقى من المدة التي ذكرها اثنتان وعشرون سنة وإلى الأن لم تطلع الشمس من مغربها ولا خرج الدجال الذي خروجه قبل طلوعها من مغربها بعدة سنين ولا ظهر المهدي الذي ظهوره قبل الدجال بسبع سنين ولا وقعت الأشراط التي قبل ظهور المهدي. ولا يكاد يقال: إنه يظهر بعد خمس عشرة سنة ويظهر الدجال بعدها بسبع سنين على رأس المائة الثالثة من الألف الثانية لأن قبل ذلك مقدمات تكون في سنين كثيرة. فالحق أنه لا يعلم ما بقي من مدة الدنيا إلا الله عز وجل وأنه وإن طال أقصر قصير وما متاع الحياة الدنيا إلا قليل. وكذا فيما أرى مبدأ خلقها لا يعلمه إلا الله تعالى وما يذكرونه في المبدأ لوصح فإنما هو في مبدأ خلق الخليفة آدم عليه السلام لا مبدأ خلق السماء والأرض والجبال ونحوها.