فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واللام في قوله: {لذنبك} لام التعيين بينت مفعولا ثانيًا لفعل {استَغْفِرْ} واللام في قوله: {وللمؤمنين} لام العلة. أوبمعنى (عن) والمفعول محذوف. أي استغفر الذنوب لأجل المؤمنين. وفي الكلام حذف. تقديره: وللمؤمنين لذنوبهم.
وجملة {والله يعلم متقلبكم ومثواكم} تذييل جامع لأحوال ما تقدم.
فالمَتَقلَّبُ: مصدر بمعنى التقلب. أوثر جلبه هنا لمزاوجة قوله: {ومثواكم}.
والتقلب: العمل المختلف ظاهرًا كانَ كالصلاة. أوباطنًا كالإيمان والنصح.
والمثوى: المرجع والمئال. أي يعلم الله أحوالكم جميعًا من مؤمنين وكافرين. وقدر لها جزاءها على حسب علمه بمراتبها ويعلم مصائركم وإنما أمركم ونهاكم وأمركم بالاستغفار خاصة لإجراء أحكام الأسباب على مسبباتها فلا تيأسوا ولا تُهملوا. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}.
قال ابن عباس وقتادة وابن جريج والسدي: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف التي في براءة: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وإن الأسر والمن والفداء مرتفع. فمتى وقع أسر فإنما معه القتل ولا بد. وروي نحوه عن أبي بكر الصديق. وقال ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء ما معناه: إن هذه الآية محكمة مبينة لتلك. والمن والفداء ثابت. وقد منَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمامة بن أثال. وفادى أسرى بدر. وقاله الحسن. وقال: لا يقتل الأسير إلا في الحرب. يهيب بذلك على العدو. وكان عمر بن عبد العزيز يفادي رجلًا برجل. ومنع الحسن أن يفادوا بالمال. وقد أمر عمر بن عبد العزيز بقتل أسير من الترك ذكر له أنه قتل مسلمين. وقالت فرقة: هذه الآية خصصت من الأخرى أهل الكتاب فقط. ففيهم المن والفداء. وعباد الأوثان ليس فيهم إلا القتل. وعلى قول أكثر العلماء الآيتان محكمتان. وقوله هنا: {فضرب الرقاب} بمثابة قوله هناك: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وصرح هنا بذكر المن والفداء. ولم يصرح به هنالك. وهو مراد متقرر. وهذا هو القول القوي.
وقوله: {فضرب الرقاب} مصدر بمعنى الفعل. أي فاضربوا رقابهم وعين من أنواع القتل أشهره وأعرفه فذكره. والمراد: اقتلوهم بأي وجه أمكن. وقد زادت آية: {واضربوا منهم كل بنان} [الأنفال: 12] وهي من أنكى ضربات الحرب. لأنها تعطل من المضروب جميع جسده. إذ البنان أعظم الة المقاتل وأصلها. و: {أثخنتموهم} معناه: بالقتل. والإثخان في القوم: أن يكثر فيهم القتلى والجرحى. والمعنى: فشدوا الوثاق بمن لم يقتل ولم يترتب عليه إلا الأسر. و: {منًا} و: {فداء} مصدران منصوبان بفعلين مضمرين.
وقرأ جمهور الناس: {فداء}. وقرأ شبل عن ابن كثير: {فدى} مقصورًا.
وإمام المسلمين مخير في أسراه في خمسة أوجه: القتل. أو الاسترقاق. أوضرب الجزية. أو الفداء. أو المن. ويترجح النظر في أسير أسر بحسب حاله من إذاية المسلمين أوضد ذلك.
وقوله تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها} معناه: حتى تذهب وتزو ل أثقالها. والأوزار: الأثقال فيها والالات لها. ومنه قول الشاعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
المتقارب:
وأعددت للحرب أوزارها ** رماحًا طوالًا وخيلًا ذكورا

وقال الثعلبي: وقيل الأوزار في هذه الآية: الاثام. جمع وزر. لأن الحرب لابد أن يكون فيها اثام في أحد الجانبين.
واختلف المتأولون في الغاية التي عندها {تضع الحرب أوزارها}. فقال قتادة: حتى يسلم الجميع فتضع الحرب أوزارها. وقال حذاق أهل النظر: حتى تغلبوهم وتقتلوهم.
وقال مجاهد حتى ينزل عيسى ابن مريم.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر الآية أنها استعارة يراد لها التزام الأمر أبدًا. وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا تضع أوزارها. فجاء هذا كما تقول: أنا أفعل كذا إلى يوم القيامة. فإنما تريد: إنك تفعله دائمًا.
وقوله تعالى: {ذلك} تقديره: الأمر ذلك. ثم قال: {ولويشاء الله لأنتصر منهم} أي بعذاب من عنده يهلكهم به في حين واحد. ولكنه تعالى أراد اختبار المؤمنين وأن يبلو بعض الناس ببعض.
وقرأ جمهور الناس: {قاتلوا} وقرأ عاصم الجحدري بخلاف عنه: {قَتَلوا} بفتح القاف والتاء. وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم والأعرج وقتادة والأعمش: {قُتِلوا} بضم القاف وكسر التاء. وقرأ زيد بن ثابت والحسن والجحدري وأبو رجاء: {قُتِّلوا} بضم القاف وكسر التاء وشدها. والقراءة الأولى أعمها وأوضحها معنى. وقال قتادة: نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم أحد من المؤمنين.
وقوله تعالى: {سيهديهم} أي إلى طريق الجنة. وقد تقدم القول في إصلاح البال. وروى عباس بن المفضل عن أبي عمرو: {ويدخلهم} بسكون اللام. وفي سورة التغابن {يوم يجمعكم} [التغابن: 9] وفي سورة الإنسان {إنما نطعمكم} [الإنسان: 9] بسكون العين والميم.
وقوله تعالى: {عرفها لهم} قال أبو سعيد الخدري وقتادة معناه: بينها لهم. أي جعلهم يعرفون منازلهم منها. وفي نحوهذا المعنى هو قول النبي عليه السلام: «لأحدكم بمنزله في الجنة أعرف منه بمنزله في الدنيا» وقالت فرقة معناه: سماها لهم ورسمها. كل منزل باسم صاحبه. فهذا نحومن التعريف. وقالت فرقة معناه: شرفها لهم ورفعها وعلاها. وهذا من الأعراف التي هي الجبال وما أشبهها. ومنه أعراف الخيل. وقال مؤرج وغيره معناه: طيبها مأخوذ من العرف. ومنه طعام معرف. أي مطيب. وعرفت القدر: طيبتها بالملح والتابل.
وقوله تعالى: {إن تنصروا الله} فيه حذف مضاف. أي دين الله ورسوله. والمعنى: تنصروه بجدكم واتباعكم وإيمانكم {ينصركم} بخلق القوة لكم والجرأة وغير ذلك من المعاون.
وقرأ جمهور الناس: {ويثبّت} بفتح التاء المثلثة وشد الباء. وقرأ المفضل عن عاصم: {ويثْبِت} بسكون الثاء وتخفيف الباء. وهذا التثبيت هو في مواطن الحرب على الإسلام. وقيل على الصراط في القيامة.
وقوله تعالى: {فتعسًا لهم} معناه: عثارًا وهلاكًا فيه. وهي لفظة تقال للعاثر إذا أريد به الشر. ومنه قول الشاعر: المنسرح:
يا سيدي إن عثرت خذ بيدي ** ولا تقل: لا ولا تقل تعسا

وقال الأعشى: البسيط:
بذات لوت عفرناة إذا عثرت ** فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا

ومنه قول أم مسطح لما عثرت في مرطها: تعس مسطح. قال ابن السكيت: التعس أن يخر على وجهه. و: {تعسًا} مصدر نصبه فعل مضمر.
وقوله تعالى: {كرهوا ما أنزل الله} يريد القرآن. وقوله: {فأحبط أعمالهم} يقتضي أن أعمالهم في كفرهم التي هي بر مقيدة محفوظة. ولا خلاف أن الكافر له حفظة يكتبون سيئاته.
واختلف الناس في حسناتهم. فقالت فرقة: هي ملغاة يثابون عليها بنعم الدنيا فقط. وقالت فرقة: هي محصاة من أجل ثواب الدنيا. ومن أجل أنه قد يسلم فينضاف ذلك إلى حسناته في الإسلام. وهذا أحد التأويلين في قول النبي عليه السلام لحكيم بن حزام: «أسلمت على ما سلف لك من خير». فقوم قالوا تأويله: أسلمت على أن يعد لك ما سلف من خير. وهذا هو التأويل الذي أشرنا إليه. وقالت فرقة معناه: أسلمت على إسقاط ما سلف لك من خير. إذ قد ثوبت عليه بنعم دنياك. وذكر الطبري أن أعمالهم التي أخبر في هذه الآية بحبطها: عبادتهم الأصنام وكفرهم. ومعنى: {أحبط} جعلها من العمل الذي لا يزكو ولا يعتد به. فهي لذلك كالذي أحبط.
قوله تعالى: {أفلم يسيروا} توقيف لقريش وتوبيخ. و: {الذين من قبلهم} يريد: ثمود وقوم لوط وقوم شعيب وأهل السد وغيرهم. والدمار: الإفساد وهدم البناء وإذهاب العمران.
وقوله: {دمر الله عليهم} من ذلك. والضمير في قوله: {أمثالها} يصح أن يعود على العاقبة المذكورة. ويصح أن يعود على الفعلة التي يتضمنها قوله: {دمر الله عليهم}. وقولهم: {ذلك بأن} ابتداء وخبر في (إن) وما عملت فيه. والمولى: الناصر الموالي. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: {ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا}. وقال قتادة: إن هذه الآية نزلت يوم أحد ومنها انتزع رسول الله صلى الله عليه وسلم رده على أبي سفيان حين قال له: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم».
وقوله تعالى: {ويأكلون كما تأكل الأنعام} أي أكلًا مجردًا من فكرة ونظر. فالتشبيه بالمعنى إنما وقع فيما عدا الأكل من قلة الفكر وعدم النظر. فقوله: {كما} في موضع الحال. وهذا كما تقول لجاهل: يعيش كما تعيش البهيمة. فأما بمقتضى اللفظ فالجاهل والعالم والبهيمة من حيث لهم عيش فهم سواء. ولكن معنى كلامك يعيش عديم النظر والفهم كما تعيش البهيمة. والمثوى: موضع الإقامة. وقد تقدم القول غير مرة في قوله: {وكأين}. وضرب الله تعالى لمكة مثلًا بالقرى المهلكة على عظمها. كقرية قوم عاد وغيرها. و: {أخرجتك} معناه: وقت الهجرة. ونسب الآخراج إلى القرية حملًا على اللفظ. وقال: {أهلكناهم} حملًا على المعنى. ويقال: إن هذه الآية نزلت إثر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في طريق المدينة. وقيل: نزلت بالمدينة. وقيل: نزلت بمكة عام دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية. وقيل نزلت: عام الفتح وهو مقبل إليها. وهذا كله حكمه حكم المدني.
{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهواءَهُمْ (14)}.
قوله تعالى: {أفمن كان} الآية توقيف وتقرير على شيء متفق عليه وهي معادلة بين هذين الفريقين. وقال قتادة: الإشارة بهذه الآية إلى محمد عليه السلام في أنه الذي هو على بينة وإلى كفار قريش في أنهم الذين زين لهم سوء أعمالهم.
قال القاضي أبو محمد: وبقي اللفظ عامًا لأهل هاتين الصفتين غابر الدهر وقوله: {على بينة} معناه على قصة واضحة وعقيدة نيرة بينة. ويحتمل أن يكون المعنى على أمر بين ودين بين. وألحق الهاء للمبالغة: كعلامة ونسابة. والذي يسند إليه قوله: {زين} الشيطان. واتباع الأهواء: طاعتها كأنها تذهب إلى ناحية والمرء يذهب معها.
واختلف الناس في قوله تعالى: {مثل الجنة} الآية. فقال النضر بن شميل وغيره: {مثل} معناه صفة. كأنه قال صفة الجنة ما تسمعون فيها كذا وكذا. وقال سيبويه: المعنى فيما يتلى عليكم مثل الجنة. ثم فسر ذلك الذي يتلى بقوله: فيها كذا وكذا.
قال القاضي أبو محمد: والذي ساق أن يجعل {مثل} بمثابة صفة هو أن الممثل به ليس في الآية. ويظهر أن القصد في التمثيل هو إلى الشيء الذي يتخيله المرء عند سماعه فيها كذا وكذا فإنه يتصور عند ذلك بقاعًا على هذه الصورة وذلك هي {مثل الجنة} ومثالها. وفي الكلام حذف يقتضيه الظاهر. كأنه يقول: {مثل الجنة} ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف. وقرأ علي بن أبي طالب: {مثال الجنة}. وقرأ علي بن أبي طالب أيضًا وابن عباس: {أمثال الجنة}. وعلى هذه التأويلات كلها ففي قوله: {كمن هو خالد} حذف تقديره: أساكن هذه. أوتقديره: أهؤلاء إشارة إلى المتقين. ويحتمل عندي أيضًا أن يكون الحذف في صدر الآية. كأنه قال: أمثل أهل الجنة {كمن هو خالد}. ويكون قوله: {مثل} مستفهمًا عنه بغير ألف الاستفهام. فالمعنى: أمثل أهل الجنة. وهي بهذه الأوصاف {كمن هو خالد في النار} فتكون الكاف في قوله: {كمن} مؤكدة في التشبيه. ويجيء قوله: {فيها أنهار} في موضع الحال على هذا التأويل.
{وما غير آسن} معناه غير متغير. قاله ابن عباس وقتادة. وسواء أنتن أولم ينتن. يقال: أسَن الماء: بفتح السين. وأسِن بكسرها.
وقرأ جمهور القراء: {آسن} على وزن فاعل. وقرأ ابن كثير: {أسن}. على وزن فعل. وهي قراءة أهل مكة. والأسن أيضًا هو الذي يخشى عليه من ريح منتنة من ماء. ومنه قول الشاعر:
التارك القرن مصرًا أنامله ** يميل في الرمح ميل المائح الأسن

قال الأخفش: {آسن} لغة: والمعنى الإخبار به عن الحال. ومن قال: {آسن} على وزن فاعل. فهو يريد به أن يكون كذلك في المستقبل فنفى ذلك في الآية.
وقرأت فرقة: {غير يسن}. بالياء. قال أبو علي: وذلك على تخفيف الهمزة. قال أبو حاتم عن عوف: كذلك كانت في المصحف: {يسن}. فغيرها الحجاج.
وقوله: في اللبن {لم يتغير طعمه} نفي لجميع وجوه الفساد في اللبن وقوله: {لذة للشاربين} جمعت طيب المطعم وزوال الافات من الصداع وغيره و{لذة} نعت على النسب. أي ذات لذة. وتصفية العسل مذهبة لمومه وضرره. وقوله: {من كل الثمرات} أي من هذه الأنواع. لكنها بعيدة الشبه. إذ تلك لا عيب فيها ولا تعب بوجه. وقوله: {ومغفرة من ربهم} معناه: وتنعيم أعطته المغفرة وسببته. فالمغفرة إنما هي قبل الجنة. وقوله: {وسقوا} الضمير عائد على {مَنْ} لأن المراد به جمع.
وقوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك} يعني بذلك المنافقين من أهل المدينة. وذلك أنهم كانوا يحضرون عند النبي عليه السلام فيسمعون كلامه وتلاوته. فإذا خرجوا قال بعضهم لمن شاء من المؤمنين الذين عملوا وانتفعوا {ماذا قال آنفًا} فكان منهم من يقول هذا استخفافًا. أي ما معنى ما قال وما نفعه وما قدره؟ ومنهم من كان يقول ذلك جهالة ونسيانًا. لأنه كان في وقت الكلام مقبلًا على فكرته في أمر دنياه وفي كفره. فكان القول يمر صفحًا. فإذا خرج قال: {ماذا قال آنفًا}. وهذا أيضًا فيه ضرب من الاستخفاف. لأنه كان يصرح أنه كان يقصد الإعراض وقت الكلام. ولولم يكن ذلك بقصد لم يبعد أن يجري على بعض المؤمنين. وروي أن عبد الله بن مسعود وابن عباس ممن سئل هذا السؤال. حكاه الطبري عن ابن عباس.
وقرأ الجمهور: {آنفًا} على وزن فاعل. وقرأ ابن كثير وحده: {أنفًا} على وزن فعل. وهما اسما فاعل من ائتنف. وجريا على غير فعلهما. وهذا كما جرى فقير على افتقر ولم يستعمل فقر. وهذا كثير. والمفسرون يقولون: {أنفًا} معناه: الساعة الماضية القريبة منا. وهذا تفسير بالمعنى.
ثم أخبر تعالى أنه {طبع} على قلوب هؤلاء المنافقين الفاعلين لهذا. وهذا الطبع يحتمل أن يكون حقيقة. ويحتمل أن يكون استعارة وقد تقدم القول فيه.
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وآتاهم تَقْوَاهُمْ (17)}.
لما ذكر تعالى المنافقين بما هم أهله من قوله: {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم} [محمد: 16] عقب ذلك بذكر المؤمنين ليبين الفرق. وشرفهم بإسناد فعل الاهتداء إليهم وهي إشارة إلى تكسبهم.
وقوله تعالى: يحتمل أن يكون الفاعل في الله تعالى. والزيادة في هذا المعنى تكون إما بزيادة التفهيم والأدلة. وإما بورود الشرائع والنواهي والأخبار فيزيد الاهتداء لتزيد علم ذلك كله والإيمان به وذلك بفضل الله تعالى. ويحتمل أن يكون الفاعل في: قول المنافقين واضطرابهم. لأن ذلك مما يتعجب المؤمن منه ويحمد الله على إيمانه. ويتزيد بصيرة في دينه. فكأنه قال: المهتدون والمؤمنون زادهم فعل هؤلاء المنافقين هدى. أي كانت الزيادة بسببه. فأسند الفعل إليه. وقالت فرقة: إن هذه الآية نزلت في قوم من النصارى. آمنوا بمحمد فالفاعل في: محمد عليه السلام كان سبب الزيادة فأسند الفعل إليه. وقوله على هذا القول: {اهتدوا} يريد في إيمانهم بعيسى عليه السلام ثم محمد {هدى} حين آمنوا به. والفاعل في {اتاهم} يتصرف بحسب التأويلات المذكورة. وأقواها أن الفاعل الله تعالى.