فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال آخرون: هي مُحكمة والإمام مخيّر بين القتل. والمنّ. والفداء. وإليه ذهب ابن عمر. والحسن. وعطاء. وهو الاختيار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كلّ ذلك فعلوا. فقتل رسول الله عقبة بن أبي معيط. والنضر بن الحارث. يوم بدر صبرًا فادى سائر أسارى بدر. وقيل: بني قريظة. وقد نزلوا على حكم سعد. وصاروا في يده سلمًا ومنّ على أمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده.
أخبرنا عقيل أنّ أبا الفرج القاضي البغدادي أخبرهم. عن محمّد بن جرير. حدّثنا ابن عبد الأعلى. حدّثنا ابن ثور. عن معمر. عن رجل من أهل الشام ممّن كان يحرس عمر بن عبد العزيز. قال: ما رأيت عمر قتل أسيرًا إلاّ واحدًا من الترك. كان جيء بأسارى من الترك. فأمر بهم أن يسترقوا. فقال رجل ممّن جاء بهم: يا أمير المؤمنين لوكنت رأيت هذا لأحدهم وهو يقتل المسلمين. لكثر بكاؤك عليهم فقال عمر: قد فدك. فاقتله. فقام إليه فقتله.
{حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] أثقالها وأحمالها فلا تكون حرب. وقيل: حتّى تضع الحرب اثامها. وأجرامها. فيرتفع. وينقطع. لأن الحرب لا تخلومن الإثم في أحد الجانبين والفريقين. وقيل: معناه حتّى يضع أهل الحرب التها وعدّتها أو التهم وأسلحتهم فيمسكوا عن الحرب.
والحرب القوم المحاربون كالشرب والركب. وقيل حتّى يضع الأعداء المتحاربون أوزارها واثامها بأن يتوبوا من كفرهم ويؤمنوا بالله ورسوله. ويقال للكراع: أوزار. قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها ** رماحًا طوالًا وخيلًا ذكورا

ومعنى الآية أثخنوا المشركين بالقتل. والأسر حتّى يظهر الإسلام على الأديان كلّها. ويدخل فيه أهل كلّ ملّة طوعًا أوكرهًا {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله} [الأنفال: 39] فلا نحتاج إلى قتال وجهاد. وذلك عند نزول عيسى (عليه السلام).
وقال الحسن: معناه حتّى لا يُعبد إلاّ الله. الكلبي: حتّى يسلموا أو يسالموا.
{ذَلِكَ} الذي ذكرت وبيّنت من حكم الكفّار {ولويَشَاءُ اللَّهُ لأنتَصَرَ مِنْهُمْ} فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال.
{ولكن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} من حكم الكفّار ونعلم المجاهدين منكم والصابرين {والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} قرأ الحسن بضم (القاف) وكسر (التاء) مشدّدًا من غير (ألف). وقرأ أبو عمرو ويعقوب وحفص بضمّ (القاف) وكسر (التاء) مخفّفًا من غير (ألف). واختاره أبو حاتم يعني الشهداء. وقرأ عاصم الحجدري {قُتِلُوا} بفتح (القاف) و(التاء) من غير (ألف). يعني والذين قتلوا المشركين.
وقرأ الباقون {قاتلوا} (بالألف) من المقاتلة. وهم المجاهدون. واختاره أبو عبيد.
{فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} قال قتادة: ذُكر لنا إنّ هذه الآية أُنزلت يوم أحُد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل. وقد نادى المشركون: أعلُ هُبل. فنادى المسلمون: الله أعلى وأجلّ. فنادى المشركون: يوم بيوم والحرب سجال. لنا عزّى ولا عزّى لكم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. إنّ القتال مختلفة. أمّا قتلانا فأحياء عند ربّهم يرزقون. وأمّا قتلاكم ففي النّار يُعذّبون».
{سَيَهْدِيهِمْ} في الدُّنيا إلى الطاعة وفي العقبى إلى الدرجات.
{وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} يرضي خصماءهم. ويقبل أعمالهم {وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي بيّن لهم منازلهم فيها حتّى يهتدوا إلى مساكنهم. ودرجاتهم التي قسم الله لهم. لا يخطئون. ولا يستدلّون عليها أَحد. كأنّهم سكّانها منذ خُلقوا. وإنّ الرجل ليأتي منزله منها إذ دخلها كما كان يأتي منزله في الدُّنيا. لا يشكل ذلك عليه. وإنّه أهدى إلى درجته وزوجته وخدمه ونعمه منه إلى أهله ومنزله في الدُّنيا. هذا قول أكثر المفسِّرين. وقال المؤرّخ: يعني طيبها. والعرف: الريح الطيّبة. تقول العرب: عرّفت المرقة إذا طيّبتها بالملح والأبازير. قال الشاعر:
وتدخل أيد في حناجر أقنعت ** لعادتها من الحزير المعرّف

{يا أيها الذين آمنوا إِن تَنصُرُواْ الله} أي رسوله ودينه.
{يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} على الإسلام. وفي القتال {والذين كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُمْ} قال ابن عبّاس: بُعدًا لهم. وقال أبو العالية: سقوطًا. وقال الضحّاك: خيبة. وقال ابن زيد: شقًا. وقال ابن جرير: حزنًا. وقال الفراء: هو نصب على المصدر على سبيل الدعاء. وأصل التعس في النّاس الدواب. وهو أن يقال للعاثر: تعسًا. إذا لم يريدوا قيامه. ويقال: أتعسه الله. فتعس وهو متعس. وضدّه لعاء إذا أرادوا قيامه. وقد جمعها الأعمش في بيت واحد يصف ناقته:
بذات لوث غفرناه إذا عثرت ** فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا

{وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} لأنها كانت في طاعة الشيطان خالية عن الإيمان.
{ذَلِكَ} الإضلال. والإبعاد.
{بِأَنَّهُمْ كَرِهواْ مَا أَنزَلَ الله فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} أي أهلكهم ودمّر عليهم منازلهم. ثمّ توعّد مشركي قريش.
{وللْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} إن لم يؤمنوا {ذَلِكَ} الذي ذكرت. وفعلت {بِأَنَّ الله مولى الذين آمنوا} وليهم. وناصرهم. وحافظهم. وفي حرف ابن مسعود ذلك بأنّ الله ولي الّذين آمنوا.
{وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار والذين كَفَرُواْ} محلّه رفع على الابتداء {يَتَمَتَّعُونَ} في الدُّنيا {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} ليس لهم همّة إلاّ بطونهم. وفروجهم. وهم لاهون ساهون عمّا في غدهم. وقيل: المؤمن في الدُّنيا يتزوّد. والمنافق يتزيّن. والكافر يتمتّع.
{والنار مَثْوًى لَّهُمْ}.
{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ} أي أخرجك أهلها يدلّ عليه {أَهْلَكْنَاهُمْ} ولم يقل: أهلكناها {فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ} عن ابن عبّاس: لما خرج رسول الله عليه السلام من مكّة إلى الغار. التفت إلى مكّة. وقال: «أنت أحبّ بلاد الله إلى الله. وأحبّ بلاد الله إليّ. ولوأنّ المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك» فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} وهو محمّد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون {كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ واتبعوا أَهواءَهُمْ} وهم أبو جهل والمشركون.
{مَّثَلُ} شبه وصفة {الجنة التي} وقرأ علي بن أبي طالب أمثال الجنّة التي {وُعِدَ المتقون فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسن} اجن متغيّر منتن. يقال: أسن الماء يأسن. واجن يأجن. وأسن يأسن ويأُسن. وأجن يأجن. ويأُجن. أُسونا. وأُجونًا. إذا تغيّر. ويقال: أسِنَ الرجل: بكسر السين لا غير. إذا أصابته ريح منتنة. فغشى عليه قال زهير:
يغادر القرنُ مصفرًا أنامله ** يميد في الرمح ميل المائح الأسن

وقرأ العامّة آسن بالمد. وقرأ ابن كثير بالقصر وهما لغتان.
{وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} لم تدنسها الأيدي. ولم تدنسها الأرجل. ونظير لذّ ولذيذ. طب وطبيب.
{وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} قال كعب الأحبار: نهر دجلة نهر ماء الجنّة. ونهر الفرات نهر لبنهم. ونهر مصر نهر خمرهم. ونهر سيحان نهر عسلهم. وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر.
{ولهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هو خَالِدٌ فِي النار} يعني المتّقين الّذين هم أهل الجنّة. كمن هو خالد في النّار. فاستغنى بدلالة للكلام عليه. وقال ابن كيسان: مَثَلُ الجنّة التي فيها هذه الأنهار. والثمار. كمَثَلُ النّار التي فيها الحميم. ومَثَلُ أهل الجنّة في النعيم المقيم. كمثل أهل النّار في العذاب الأليم.
{وَسُقُواْ مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ} إذا أُدنِي منهم شوى وجوههم. ووقعت فروة رؤوسهم. فإذا شربوه قطّع.
{أَمْعَاءَهُمْ وَمِنْهُمْ} يعني ومن هؤلاء الكفّار {مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} وهم المنافقون يستمعون قولك. فلا يعونه. ولا يفهمونه تهاونًا منهم بذلك. وتغافلًا {حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قالواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} من الصحابة {مَاذَا قال آنفًا} (الأن) وأصله الابتداء. قال مقاتل: وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويحث المنافقين. فسمع المنافقون قوله. فلمّا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود عمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً وتهاونًا منهم بقوله.
قال ابن عبّاس في قوله: {لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم}: أنا منهم وقد سئلت فيمن سئل. قال قتادة: هؤلاء المنافقون. دخل رجلان: رجل عقل عن الله تعالى وانتفع بما سمع. ورجل لم يعقل عن الله. فلم ينتفع بما سمع. وكان يقال: النّاس ثلاثة: سامع عاقل. وسامع عامل. وسامع غافل تارك.
{أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} فلم يؤمنوا.
{واتبعوا أَهواءَهُمْ والذين اهتدوا} يعني المؤمنين.
{زَادَهُمْ هُدًى وآتاهم} وقرأ ابن مسعود والأعمش وأنطاهم وأعطاهم {تَقُوَاهُمْ} ألهمهم ذلك. ووفّقهم. وقال سعيد بن جبير: وآتاهم ثواب تقواهم.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ} ينتظرون.
{إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} أماراتها وعلاماتها. وبعث (النبي) صلى الله عليه وسلم منها وقيل: أدلّتها وحجج كونها. واحدها شرط. وأصل الأشراط الإعلام. ومنه الشرط. لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها. ومنه الشرط في البيع وغيره.
ويقال: أشرط نفسه في عمل كذا. وأعلمها وجعلا له. قال أوس بن حجر يصف رجلًا وقد تدلّى بحبل من رأس جبل إلى نبعة ليقطعها ويتخذ منها قوسًا:
فأشرط فيها نفسه وهو معصم ** وألقى بأسباب له وتوكلا

{فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} يعني فمن أين لهم التذكّر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم السّاعة. نظيره قوله تعالى: {امَنَّا بِهِ وأنى لَهُمُ التناوش مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 52].
{فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ الله} قال بعضهم: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره وأخواتها كثيرة. وقيل: فاثبت عليه. وقال الحسين بن الفضل: فازدد علمًا على علمك. وقال عبد العزيز ابن يحيى الكناني: هو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يضجر. ويضيق صدره من طعن الكافرين. والمنافقين فيه. فأنزل الله هذه الآية. يعني فاعلم إنّه لا كاشف يكشف ما بك إلاّ الله. فلا تعلق قلبك على أحد سواه.
وقال أبو العالية وابن عيينة: هذا متصل بما قبله. معناه فاعلم إنّه لا ملجأ. ولا مفزع عند قيام السّاعة. إلاّ الله. سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن عدش يقول: معناه فاعلم إنّه لا قاضي في ذلك اليوم إلاّ الله. نظيره {مالك يَوْمِ الدين} [الحمد: 4].
{واستغفر لِذَنبِكَ} لتستنّ أُمّتك بسنّتك. وقيل: واستغفر لذنبك من التقصير الواقع لك في معرفة الله.
{وللْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} أخبرني عقيل بن محمّد أنّ أبا الفرج القاضي أخبرهم. عن محمّد بن جرير. حدّثنا أبوكريب. حدّثنا عثمان بن سعيد. حدّثنا إبراهيم بن سليمان. عن عاصم الأحول. عن عبد الله بن سرحس. قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: غفر الله لك يا رسول الله. فقال رجل من القوم: استغفر لك يا رسول الله؟ قال: «نعم ولك». ثمّ قرأ {واستغفر لِذَنبِكَ وللْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات}.
أخبرنا ابن منجويه الدينوري. حدّثنا أحمد بن علي بن عمر بن حبش الرازي. حدّثنا أبو بكر محمّد بن عيّاش العتبي. حدّثنا أبو عثمان سعيد بن عنبسة الحراز. حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد. عن بكر بن حنيس. عن محمّد بن يحيى. عن يحيى بن وردان. عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يكن عنده مال يتصدّق به. فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات. فإنّها صدقة».
{والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} قال عكرمة: يعني منقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأُمّهات. {ومثواكم}: مقامكم في الأرض. ابن كيسان: {متقلبكم} من ظهر إلى بطن. {ومثواكم}: مقامكم في القبور. ابن عبّاس والضحّاك: منصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدُّنيا. {ومثواكم}: مصيركم إلى الجنّة وإلى النّار. ابن جرير: {متقلبكم}: منصرفكم لأشغالكم بالنهار. {ومثواكم}: مضجعكم للنوم بالليل. لا يخفى عليه شيء من ذلك. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة محمد صلى الله عليه وسلم مدنية عند مجاهد. وقال الضحاك وسعيد بن جبير: مكية. وهي سورة القتال وهي تسع وثلاثون آية. وقيل ثمان وثلاثون. نزلت بعد الحديد.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.[سورة محمد: الآيات 1- 2]:

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمنوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وهو الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (2)}.
{وَصَدُّوا}. وأعرضوا وامتنعوا عن الدخول في الإسلام: أو صدّوا غيرهم عنه. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: هم المطعمون يوم بدر. وعن مقاتل: كانوا اثنى عشر رجلا من أهل الشرك يصدّون الناس عن الإسلام ويأمرونهم بالكفر. وقيل: هم أهل الكتاب الذين كفروا وصدّوا من أراد منهم ومن غيرهم أن يدخل في الإسلام. وقيل: هو عامّ في كل من كفر وصدّ.
{أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} أبطلها وأحبطها. وحقيقته: جعلها ضالة ضائعة ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها. كالضالة من الإبل التي هي بمضيعة لا ربّ لها يحفظها ويعتنى بأمرها. أوجعلها ضالة في كفرهم ومعاصيهم ومغلوبة بها. كما يضل الماء في اللبن. و{أعمالهم}: ما عملوه في كفرهم بما كانوا يسمونه مكارم: من صلة الأرحام وفك الأسارى وقرى الأضياف وحفظ الجوار. وقيل: أبطل ما عملوه من الكيد لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم والصدّ عن سبيل اللّه: بأن نصره عليهم وأظهر دينه على الدين كله {وَالَّذِينَ آمنوا} قال مقاتل: هم ناس من قريش. وقيل: من الأنصار. وقيل: هم مؤمنو أهل الكتاب. وقيل: هو عام. وقوله: {وَآمنوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ} اختصاص للإيمان بالمنزل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من بين ما يجب به الإيمان تعظيما لشأنه وتعليما. لأنه لا يصح الإيمان ولا يتم إلا به. وأكد ذلك بالجملة الاعتراضية التي هي قوله: {وهو الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} وقيل: معناها إنّ دين محمد هو الحق. إذ لا يرد عليه النسخ. وهو ناسخ لغيره. وقرئ: {نزل} و{أنزل}. على البناء للمفعول. و{نزّل} على البناء للفاعل. و{نزل} بالتخفيف {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ} ستر بإيمانهم وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم عنها وتوبتهم {وَأَصْلَحَ بالَهُمْ} أى حالهم وشأنهم بالتوفيق في أمور الدين. وبالتسليط على الدنيا بما أعطاهم من النصرة والتأييد.

.[سورة محمد: آية 3]:

{ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمنوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (3)}.