فصل: (سورة محمد: الآيات 4- 6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ذلِكَ} مبتدأ وما بعده خبره. أى: ذلك الأمر وهو إضلال أعمال أحد الفريقين وتكفير سيئات الثاني: كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق. ويجوز أن يكون ذلك خبر مبتدإ محذوف. أى. الأمر كما ذكر بهذا السبب. فيكون محل الجار والمجرور منصوبا على هذا. ومرفوعا على الأول و{الْباطِلَ} ما لا ينتفع به. وعن مجاهد: الباطل الشيطان: وهذا الكلام يسميه علماء البيان التفسير {كَذلِكَ} مثل ذلك الضرب {يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ} والضمير راجع إلى الناس. أو إلى المذكورين من الفريقين. على معنى: أنه يضرب أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا بهم. فإن قلت: أين ضرب الأمثال؟ قلت: في أن جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار. واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين. أو في أن جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفار. وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين.

.[سورة محمد: الآيات 4- 6]:

{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ ولويَشاءُ اللَّهُ لأنتَصَرَ مِنْهُمْ ولكن لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6)}.
{لَقِيتُمُ} من اللقاء وهو الحرب {فَضَرْبَ الرِّقابِ} أصله: فاضربوا الرقاب ضربا. فحذف الفعل وقدّم المصدر فأنيب منابه مضافا إلى المفعول. وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد. لأنك تذكر المصدر وتدل على الفعل بالنصبة التي فيه. وضرب الرقاب عبارة عن القتل. لأن الواجب أن تضرب الرقاب خاصة دون غيرها من الأعضاء. وذلك أنهم كانوا يقولون: ضرب الأمير رقبة فلان. وضرب عنقه وعلاوته. وضرب ما فيه عيناه إذا قتله. وذلك أن قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته. فوقع عبارة عن القتل. وإن ضرب بغير رقبته من المقاتل كما ذكرنا في قوله: {فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} على أن في هذه العبارة من الغلظة والشدّة ما ليس في لفظ القتل. لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة وهو حز العنق وإطارة العضوالذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه. ولقد زاد في هذه الغلظة في قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ}. {أَثْخَنْتُمُوهُمْ} أكثرتم قتلهم وأغلظتموه. من الشيء الثخين: وهو الغليظ. أو أثقلتموهم بالقتل والجراح حتى أذهبتم عنهم النهوض {فَشُدُّوا الْوَثاقَ} فأسروهم.
و{الوثاق} بالفتح والكسر:- اسم ما يوثق به {مَنًّا وفِداءً} منصوبان بفعليهما مضمرين. أى: فإمّا تمنون منا. وإما تفدون فداء. والمعنى: التخيير بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم فيطلقوهم. وبين أن يفادوهم. فإن قلت: كيف حكم أسارى المشركين؟ قلت: أمّا عند أبى حنيفة وأصحابه فأحد أمرين: إمّا قتلهم وإمّا استرقاقهم: أيهما رأى الإمام. ويقولون في المنّ والفداء المذكورين في الآية: نزل ذلك في يوم بدر ثم نسخ. وعن مجاهد: ليس اليوم منّ ولا فداء. وإنما هو الإسلام أوضرب العنق. ويجوز أن يراد بالمنّ: أن يمنّ عليهم بترك القتل ويسترقوا.
أويمنّ عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية. وكونهم من أهل الذمّة. وبالفداء أن يفادى بأساراهم أسارى المشركين. فقد رواه الطحاوي مذهبا عن أبى حنيفة. والمشهور أنه لا يرى فداءهم لا بمال ولا بغيره. خيفة أن يعودوا حربا للمسلمين. وأما الشافعي فيقول: للإمام أن يختار أحد أربعة على حسب ما اقتضاه نظره للمسلمين. وهو: القتل. والاسترقاق. والفداء بأسارى المسلمين. والمن. ويحتج بأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منّ على أبى عروة الحجبي. وعلى ثمامة بن أثال الحنفي. وفادى رجل برجلين من المشركين: وهذا كله منسوخ عند أصحاب الرأى. وقرئ: فدى. بالقصر مع فتح الفاء. أوزار الحرب: الاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع. قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها ** رماحا طوالا وخيلا ذكورا

وسميت أوزارها لأنه لما لم يكن لها بد من جرّها فكأنها تحملها وتستقل بها. فإذا انقضت فكأنها وضعتها. وقيل. أوزارها اثامها. يعنى: حتى يترك أهل الحرب. هم المشركون شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا. فإن قلت: حَتَّى بم تعلقت؟ قلت: لا تخلو إما أن تتعلق بالضرب والشد: أوبالمن والفداء. فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رضى اللّه عنه: أنهم لا يزالون على ذلك أبدا إلى أن لا يكون حرب مع المشركين. وذلك إذا لم يبق لهم شوكة. وقيل:
إذا نزل عيسى ابن مريم عليه السلام. وعند أبى حنيفة رحمه اللّه: إذا علق بالضرب والشد. فالمعنى: أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار. وذلك حين لا تبقى شوكة للمشركين. وإذا علق بالمن والفداء. فالمعنى: أنه يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها إلا أن يتأول المن والفداء بما ذكرنا من التأويل ذلِكَ أى الأمر ذلك. أوافعلوا ذلك لأنتَصَرَ مِنْهُمْ لأنتقم منهم ببعض أسباب الهلك: من خسف. أو رجفة. أو حاصب. أو غرق. أو موت جارف. ولكن أمركم بالقتال ليبلو المؤمنين بالكافرين: أن يجاهدوا ويصبروا حتى يستوجبوا الثواب العظيم. والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض ما وجب لهم من العذاب. وقرئ: {قتلوا}. بالتخفيف والتشديد: و{قتلوا}. و{قاتلوا}. وقرئ: {فلن يضل أعمالهم}. و{تضل أعمالهم}: على البناء للمفعول. و{يضل أعمالهم} من ضل. وعن قتادة:
أنها نزلت في يوم أحد.
{عَرَّفَها لَهُمْ} أعلمها لهم وبينها بما يعلم به كل أحد منزلته ودرجته من الجنة. قال مجاهد: يهتدى أهل الجنة إلى مساكنهم منها لا يخطئون. كأنهم كانوا سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها. وعن مقاتل: إن الملك الذي وكل بحفظ عمله في الدنيا يمشى بين يديه فيعرفه كل شيء أعطاه اللّه. أو طيبها لهم. من العرف: وهو طيب الرائحة. وفي كلام بعضهم: عزف كنوح القمارى. وعرف كفوح القمارى. أوحددها لهم. فجنة كل أحد محدودة مفرزة عن غيرها. من: عرف الدار وارفها. والعرف والارف. الحدود.

.[سورة محمد: آية 7]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7)}.
{إِنْ تَنْصُرُوا} دين اللَّهَ ورسوله {يَنْصُرْكُمْ} على عدوكم ويفتح لكم {وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} في مواطن الحرب أو على محجة الإسلام.

.[سورة محمد: الآيات 8- 9]:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9)}.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا} يحتمل الرفع على الابتداء والنصب بما يفسره {فَتَعْسًا لَهُمْ} كأنه قال: أتعس الذين كفروا. فإن قلت: علام عطف قوله: {وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ}؟ قلت: على الفعل الذي نصب تعسا. لأن المعنى فقال: تعسا لهم. أوفقضى تعسا لهم. وتعسا له: نقيض (لعاله) قال الأعشى:
فالتّعس أولى لها من أن أقول لعا

يريد: فالعثور والأنحطاط أقرب لها من الأنتعاش والثبوت. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: يريد في الدنيا القتل. وفي الآخرة التردي في النار كَرِهوا القرآن وما أنزل اللّه فيه من التكاليف والأحكام. لأنهم قد ألفوا الإهمال وإطلاق العنان في الشهوات والملاذ فشق عليهم ذلك وتعاظمهم.

.[سورة محمد: آية 10]:

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وللْكافِرِينَ أَمْثالُها (10)}.
دمره: أهلكه. ودمر عليه: أهلك عليه ما يختص به. والمعنى: دمر اللّه عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأموالهم وأولادهم وكل ما كان لهم {وللْكافِرِينَ أَمْثالُها} الضمير للعاقبة المذكورة أوللهلكة. لأن التدمير يدل عليها. أوللسنة. لقوله عزّ وعلا {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا}.

.[سورة محمد: آية 11]:

{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مولى الَّذِينَ آمنوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مولى لَهُمْ (11)}.
{مولى الَّذِينَ آمنوا} وليهم وناصرهم. وفي قراءة ابن مسعود: {ولي الذين آمنوا}. ويروى أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان في الشعب يوم أحد وقد فشت فيهم الجراحات. وفيه نزلت. فنادى المشركون: اعل هبل: فنادى المسلمون: اللّه أعلى وأجل. فنادى المشركون:
يوم بيوم والحرب سجال. إن لنا عزى ولا عزى لكم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «قولوا اللّه مولانا ولا مولى لكم. إن القتلى مختلفة أما قتلانا فأحياء يرزقون وأما قتلاكم ففي النار يعذبون». فإن قلت: قوله تعالى: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَو لاهُمُ الْحَقِّ} مناقض لهذه الآية. قلت:
لا تناقض بينهما. لأن اللّه مولى عباده جميعا على معنى أنه ربهم ومالك أمرهم وأما على معنى الناصر فهو مو ل المؤمنين خاصة.

.[سورة محمد: آية 12]:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الأنعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12)}.
{يَتَمَتَّعُونَ} ينتفعون بمتاع الحياة الدنيا أياما قلائل {وَيَأْكُلُونَ} غافلين غير مفكرين في العاقبة {كَما تَأْكُلُ الأنعامُ} في مسارحها ومعالفها. غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح {مَثْوىً لَهُمْ} منزل ومقام.

.[سورة محمد: آية 13]:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13)}.
وقرئ: {وكائن}. بوزن كاعن. وأراد بالقرية أهلها. ولذلك قال: {أَهْلَكْناهُمْ} كأنه قال: وكم من قوم هم أشد قوّة من قومك الذين أخرجوك أهلكناهم. ومعنى أخرجوك: كانوا سبب خروجك. فإن قلت: كيف قال: {فَلا ناصِرَ لَهُمْ} وإنما هو أمر قد مضى. قلت: مجراه مجرى الحال المحكية. كأنه قال أهلكناهم فهم لا ينصرون.

.[سورة محمد: آية 14]:

{أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهواءَهُمْ (14)}.
من زين له: هم أهل مكة الذين زين لهم الشيطان شركهم وعداوتهم للّه ورسوله. ومن كان على بينة من ربه أى على حجة من عنده وبرهان: وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات هو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وقرئ: {أمن كان على بينة من ربه}. وقال تعالى: {سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا} للحمل على لفظ مِنْ ومعناه.

.[سورة محمد: آية 15]:

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسن وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ولهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هو خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15)}.
فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ} {كمن هو خالد في النار}؟
قلت: هو كلام في صورة الإثبات ومعنى النفي والأنكار. لانطوائه تحت حكم كلام مصدّر بحرف الأنكار. ودخوله في حيزه. وانخراطه في سلكه. وهو قوله تعالى: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} فكأنه قيل: أمثل الجنة كمن هو خالد في النار. أى كمثل جزاء من هو خالد في النار. فإن قلت: فلم عرّى في حرف الأنكار؟ وما فائدة التعرية؟ قلت:
تعريته من حرف الأنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوّى بين المتمسك بالبينة والتابع لهواه. وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجرى فيها تلك الأنهار. وبين النار التي يسقى أهلها الحميم. ونظيره قول القائل:
أفرح أن أرزأ الكرام وأن ** أو رث ذودا شصائصا نبلا

هوكلام منكر للفرح برزية الكرام ووراثة الذود. مع تعريه عن حرف الأنكار لانطوائه تحت حكم قول من قال: أتفرح بموت أخيك وبوراثة إبله. والذي طرح لأجله حرف الأنكار إرادة أن يصوّر قبح ما أزن به فكأنه قال له: نعم مثلي يفرح بمرزاة الكرام وبأن يستبدل منهم ذودا يقل طائله. وهو من التسليم الذي تحته كل إنكار. و{مثل الجنة}: صفة الجنة العجيبة الشأن. وهو مبتدأ. وخبره: {كمن هو خالد}. وقوله: {فيها أنهار}. داخل في حكم الصلة كالتكرير لها. ألا ترى إلى صحة قولك: التي فيها أنهار. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف هي فيها أنهار. وكأن قائلا قال: وما مثلها؟ فقيل: فيها أنهار. وأن يكون في موضع الحال. أى: مستقرّة فيها أنهار. وفي قراءة على رضى اللّه عنه: {أمثال الجنة}. أى: ما صفاتها كصفات النار. وقرئ: {أسن}. يقال: أسن الماء وأجن: إذا تغير طعمه وريحه. وأنشد ليزيد بن معاوية:
لقد سقتني رضابا غير ذى أسن ** كالمسك فتّ على ماء العناقيد

{مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} كما تتغير ألبان الدنيا. فلا يعود قارصا ولا حاذرا. ولا ما يكره من الطعوم {لَذَّةٍ} تأنيث لذّ. وهو اللذيذ. أووصف بمصدر. وقرئ بالحركات الثلاث. فالجر على صفه الخمر. والرفع على صفة الأنهار. والنصب على العلة. أى: لأجل لذة الشاربين.
والمعنى: ما هو الا التلذذ الخالص. ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع. ولا افة من آفات الخمر {مُصَفًّى} لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع وغيره {ماءً حَمِيمًا} قيل إذا دنا منهم شوى وجوههم. وانمازت فروة رءوسهم. فإذا شربوه قطع أمعاءهم.

.[سورة محمد: آية 16]:

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قال آنفًا أولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهواءَهُمْ (16)}.
هم المنافقون: كانوا يحضرون مجلس رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون له إلا تهاونا منهم. فإذا خرجوا قالوا لأولى العلم من الصحابة. ما ذا قال الساعة؟
على جهة الاستهزاء. وقيل: كان يخطب فإذا عاب المنافقين خرجوا فقالوا ذلك للعلماء.
وقيل: قالوه لعبد اللّه بن مسعود. وعن ابن عباس: أنا منهم. وقد سميت فيمن سئل.
{آنفًا} وقرئ: {أنفا} على فعل. نصب على الظرف قال الزجاج: هو من استأنفت الشيء: إذا ابتدأته. والمعنى: ما ذا قال في أول وقت يقرب منا.

.[سورة محمد: آية 17]:

{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وآتاهم تَقْواهُمْ (17)}.
{زادَهُمْ اللّه هُدىً} بالتوفيق {وآتاهم تَقْواهُمْ} أعانهم عليها. أوأتاهم جزاء تقواهم.
وعن السدى: بين لهم ما يتقون. وقرئ: {وأعطاهم}. وقيل: الضمير في زادهم. لقول الرسول أو لاستهزاء المنافقين.

.[سورة محمد: آية 18]: