فصل: (سورة محمد: آية 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18)}.
{أَنْ تَأْتِيَهُمْ} بدل اشتمال من الساعة. نحو: أن تطؤهم من قوله: {رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ} وقرئ: {أن تأتهم}. بالوقف على الساعة واستئناف الشرط. وهي في مصاحف أهل مكة كذلك: فإن قلت: فما جزاء الشرط؟ قلت: قوله: {فأنى لهم}. ومعناه: إن تأتهم الساعة فكيف لهم ذكراهم. أى تذكرهم واتعاظهم إذا جاءتهم الساعة. يعنى لا تنفعهم الذكرى حينئذ. كقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى}. فإن قلت: بم يتصل قوله: {فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها} على القراءتين؟ قلت: بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول. كقولك: إن أكرمنى زيد فأنا حقيق بالإكرام أكرمه. والأشراط: العلامات. قال أبو الأسود:
فإن كنت قد أزمعت بالصّرم بيننا ** فقد جعلت أشراط أوله تبدو

وقيل: مبعث محمد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليهم منها. وانشقاق القمر. والدخان.
وعن الكلبي: كثرة المال والتجارة. وشهادة الزور. وقطع الأرحام. وقلة الكرام. وكثرة اللثام. وقرئ: {بغتة} بوزن جربة. وهي غريبة لم ترد في المصادر أختها. وهي مروية عن أبى عمرو. وما أخوفنى أن تكون غلطة من الراوي على أبى عمرو. وأن يكون الصواب: بغتة. بفتح الغين من غير تشديد. كقراءة الحسن فيما تقدم.

.[سورة محمد: آية 19]:

{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وللْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (19)}.
لما ذكر حال المؤمنين وحال الكافرين قال: إذا علمت أن الأمر كما ذكر من سعادة هؤلاء وشقاوة هؤلاء. فاثبت على ما أنت عليه من العلم بوحدانية اللّه. وعلى التواضع وهضم النفس: باستغفار ذنبك وذنوب من على دينك. واللّه يعلم أحوالكم ومتصرفاتكم ومتقلبكم في معايشكم ومتاجركم. ويعلم حيث تستقرون في منازلكم أو متقلبكم في حياتكم ومثواكم في القبور. أو متقلبكم في أعمالكم ومثواكم من الجنة والنار. ومثله حقيق بأن يخشى ويتقى. وأن يستغفر ويسترحم. وعن سفيان بن عيينة: أنه سئل عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله حين بدأ به فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} فأمر بالعمل بعد العلم وقال: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولهو} إلى قوله: {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأولادُكُمْ فِتْنَةٌ} ثم قال بعد {فَاحْذَرُوهُمْ} وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ثم أمر بالعمل بعد. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {الَّذِينَ كَفَرُواْ}.
يعني كفروا بتوحيد الله.
{وَصَدُّواْ عَن سَبيلِ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: عن الله وهو الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه. قاله السدي.
الثاني: عن بيت الله يمنع قاصديه إذا عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم- عليهم الإسلام أن يدخلوا فيه. قاله الضحاك.
{أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أحبط ما فعلوه من الخير بما أقاموا عليه من الكفر.
الثاني: أبطل ما أنفقوا ببدر لما نالهم من القتل.
الثالث: أضلهم عن الهدى بما صرفهم عن التوفيق.
وحكى مقاتل بن حيان أن هذه الآية نزلت في اثني عشر رجلًا من كفار مكة. ذكر النقاش أنهم أبو جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عقبة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف ومنبه ونبيه ابنا الحجاج وأبو البختري وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام والحارث بن عامر بن نوفل.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ ءَآمنوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم الأنصار. قاله ابن عباس.
الثاني: أنها نزلت خاصة في ناس من قريش. قاله مقاتل.
وفي قوله: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} فيه قولان:
أحدهما: المواساة بمساكنهم وأموالهم. وهذا قول من زعم أنهم الأنصار.
الثاني: الهجرة وهذا قول من زعم أنهم قريش.
{وَءَآمنوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} أي آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه من القرآن.
{وهو الحق مِن رَّبِّهِمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن إيمانهم هو الحق من ربهم.
الثاني: أن القرآن هو الحق من ربهم.
{كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: سترها عليهم.
الثاني: غفرها بإيمانهم.
{وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أصلح شأنهم. قاله مجاهد.
الثاني: أصلح حالهم. قاله قتادة.
الثالث: أصلح أمرهم. قاله ابن عباس. والثلاثة متقاربة وهي متأولة على إصلاح ما تعلق بدنياهم.
الرابع: أصلح نياتهم. حكاه النقاش. ومنه قول الشاعر:
فإن تقبلي بالود أقبل بمثله ** وإن تدبري أذهب إلى حال باليا

وهو على هذا التأويل محمول على إصلاح دينهم. والبال لا يجمع لأنه أبهم إخوانه من الشأن والحال والأمر.
قوله عز وجل: {ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ اتَّبَعُواْ الْبَاطِلَ} فيه قولان:
أحدهما: أن الباطل الشيطان. قاله مجاهد.
الثاني: إبليس. قاله قتادة. وسُمِّي بالباطل لأنه يدعوإلى الباطل.
ويحتمل ثالثًا: أنه الهوى.
{وَأَنَّ الَّذِينَ ءَآمنوا اتَّبعُواْ الْحَقَّ مِن رَّبِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: اتبعوا الرسول. لأنه دعاهم إلى الحق وهو الإسلام.
الثاني: يعني القرآن سمي حقًا لمجيئه بالحق.
{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} قال يحيى: صفات أعمالهم. وفي الناس هنا قولان:
أحدهما: أنه محمد صلى الله عليه وسلم. قاله الكلبي.
الثاني: جميع الناس. قاله مقاتل.
قوله عز وجل: {فَإذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} فيهم هنا قولان:
أحدهما: أنهم عبدة الأوثان. قاله ابن عباس.
الثاني: كل من خالف دين الإسلام من مشرك أوكتابي إذا لم يكن صاحب عهد ولا ذمة.
وفي قوله: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وجهان:
أحدهما: ضرب أعناقهم صبرًا عند القدرة عليهم.
الثاني: أنه قتلهم بالسلاح واليدين. قاله السدي.
{حَتَّى إِذَا أَثخَنُتُموهُمْ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ} يعني بالإثخان الظفر. وبشد الوثاق الأسر.
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} في المَنِّ هنا قولان: أحدهما: أنه العفو والإطلاق كما من رسول الله صلى الله عليه على ثمامة بن أثال بعد أسره.
الثاني: أنه العتق. قاله مقاتل.
فأما الفداء ففيه وجهان:
أحدهما: أنه المفاداة على مال يؤخذ من أسير يطلق. كما فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر كل أسير بأربعة الاف درهم. وفادى في بعض المواطن رجلًا برجلين.
الثاني: أنه البيع. قاله مقاتل.
{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} فيه خمسة أوجه:
أحدها: أن أوزار الحرب أثقالها. والوزر الثقل ومنه وزير الملك لأنه يتحمل عنه الأثقال. وأثقالها السلاح.
الثاني: هو وضع سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة. قال الشاعر:
وأعددت للحرب أوزارها ** رماحا طوالًا وخيلًا ذكورًا

الثالث: حتى تضع الحرب أوزار كفرهم بالإسلام. قاله الفراء.
الرابع: حتى يظهر الإسلام على الدين كله. وهو قول الكلبي.
الخامس: حتى ينزل عيسى ابن مريم. قاله مجاهد.
ثم في هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِم لَعَلَّهُمْ يَذَّكُرُونَ} [الأنفال: 57] قاله قتادة.
الثاني: أنها ثابتة الحكم. وأن الإمام مخير في من أسره منهم بين أربعة أمور: أن يقتل لقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ}. أو يسترق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استرق العقيلي. أو يمُنُّ كما مَنَّ على ثمامة. أو يفادي بمال أوأَسرى. فإذا أسلموا أسقط القتل عنهم وكان في الثلاثة الباقية. على خياره. وهذا قول الشافعي.
{ذلِك ولويَشَاءُ اللَّهُ لا نَتصَرَ مِنهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: بالملائكة. قاله الكلبي.
الثاني: بغير قتال. قاله الفراء.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قراءة أبي عمرو وحفص. قال قتادة: هم قتلى أحد. وقرأ الباقون {قَاتَلُواْ}.
{سَيَهْدِيهِمْ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يحق لهم الهداية. قاله الحسن.
الثاني: يهديهم إلى محاجة منكر ونكير في القبر. قاله زياد.
الثالث: يهديهم إلى طريق الجنة. قاله ابن عيسى.
قوله عز وجل: {وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: عرفها بوصفها على ما يشوق إليها. حكاه ابن عيسى.
الثاني: عرفهم ما لهم فيها من الكرامة. قاله مقاتل.
الثالث: معنى عرفها أي طيبها بأنواع الملاذ. مأخوذ من العرف وهي الرائحة الطيبة. قاله بعض أهل اللغة.
الرابع: عرفهم مساكنهم فيها حتى لا يسألون عنها. قاله مجاهد. قال الحسن: وصف الجنة لهم في الدنيا فلما دخلوها عرفوها بصفتها.
ويحتمل خامسًا: أنه عرف أهل السماء انها لهم إظهارًا لكرامتهم فيها.
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَآمنوا إِن تَنصُرواْ اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: إن تنصروا دين الله ينصركم الله. الثاني: إن تنصروا نبي الله ينصركم الله. قاله قطرب.
{وَيُثَبِّتْ أَقْدَامكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ويثبت أقدامكم في نصره.
الثاني: عند لقاء عدوه.
ثم فيه وجهان:
أحدهما: يعني تثبيت الأقدام بالنصر.
الثاني: يريد تثبيت القلوب بالأمن.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُمْ} فيه تسعة تأويلات:
أحدها: خزيًا لهم. قاله السدي.
الثاني: شقاء لهم. قاله ابن زيد.
الثالث: شتمًا لهم من الله. قاله الحسن.
الرابع: هلاكًا لهم. قال ثعلب.
الخامس: خيبة لهم. قاله ابن زياد.
السادس: قبحًا لهم. حكاه النقاش.
السابع: بعدائهم. قاله ابن جريج.
الثامن: رغمًا لهم. قاله الضحاك.
التاسع: أن التعس الأنحطاط والعثار. حكاه ابن عيسى.
قوله عز وجل: {وَكَأيّن مِّن قَرْيَةٍ} أي وكم من قرية. وأنشد الأخفش للبيد:
وكائن رأينا من ملوك وسوقة ** ومفتاح قيد للأسير المكبل

فيكون معناه: وكم من أهل قرية.
{هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} أي أهلها أشد قوة.
{مِّن قَرْيَتِكَ} يعني مكة.
{الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} أي أخرجك أهلها عند هجرتك منها.
{أَهْلكْنَاهُمْ} يعني بالعذاب.
{فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ} يعني فلا مانع لهم منا. وهذا وعيد.
قوله عز وجل: {أَفَمَن كَان عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبّهِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه القرآن. قاله ابن زيد.
الثاني: أنه محمد صلى الله عليه وسلم. قاله أبو العالية. والبينة الوحي.
الثالث: أنهم المؤمنون. قاله الحسن. والبينة معجزة الرسول.
الرابع: أنه الدين. قاله الكلبي.
{كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} فيه قولان:
أحدهما: عبادتهم الأوثان. قاله الضحاك.
الثاني: شركهم. قاله قتادة. وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم كافة المشركين.
الثاني: أنهم الإثنا عشر رجلًا من قريش.