فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن مجاهد: ليس اليوم منّ ولا فداء إنما هو الإسلام أوضرب العنق.
أوالمراد بالمن أن يمن عليهم بترك القتل ويسترقوا. أو يمن عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية وبالفداء أن يفادى بأسراهم أسارى المسلمين فقد رواه الطحاوي مذهبًا عن أبي حنيفة رحمه الله وهو قولهما. والمشهور أنه لا يرى فداءهم لا بمال ولا بغيره لئلا يعودوا حربًا علينا. وعند الشافعي رحمه الله تعالى: للإمام أن يختار أحد الأمور الأربعة: القتل والاسترقاق والفداء بأسارى المسلمين والمن.
{حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} أثقالها والاتها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع.
وقيل: {أوزارها} اثامها يعني حتى يترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم بأن يسلموا وحتى لا يخلومن أن يتعلق بالضرب والشد أوبالمن والفداء. فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رحمه الله أنهم لا يزالون على ذلك أبدًا إلى أن لا يكون حرب مع المشركين. وذلك إذا لم يبق لهم شوكة.
وقيل: إذا نزل عيسى عليه السلام.
وعند أبي حنيفة رحمه الله: إذا علق بالضرب والشد فالمعنى أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار. وذلك حين لا تبقى شوكة للمشركين.
وإذا علق بالمن والفداء فالمعنى أنه يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها إلا أن يتأول المن والفداء بما ذكرنا من التأويل {ذلك} أي الأمر ذلك فهو مبتدأ وخبر أوافعلوا بهم ذلك فهو في محل النصب {ولويَشَاءُ اللَّهُ لأنتَصَرَ مِنْهُمْ} لأنتقم منهم بغير قتال ببعض أسباب الهلاك كالخسف أو الرجفة أو غير ذلك {ولكن} أمركم بالقتال {لِّيَبْلُوبَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} أي المؤمنين بالكافرين تمحيصًا للمؤمنين وتمحيقًا للكافرين {والذين قُتِلُواْ} بصري وحفص.
{قَاتَلُواْ} غيرهم {فِى سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أعمالهم سَيَهْدِيهِمْ} إلى طريق الجنة أو إلى الصواب في جواب منكر ونكير {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} يرضى خصماءهم ويقبل أعمالهم {وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} عن مجاهد: عرفهم مساكنهم فيها حتى لا يحتاجون أن يسألوا أوطيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة.
{يأَيُّهَا الذين ءَآمنوا إِن تَنصُرُواْ الله} أي دين الله ورسوله {يَنصُرْكُمْ} على عدوكم ويفتح لكم {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} في مواطن الحرب أو على محجة الإسلام {والذين كَفَرُواْ} في موضع رفع بالابتداء والخبر {فَتَعْسًا لَّهُمْ} وعطف قوله: {وَأَضَلَّ أعمالهم} على الفعل الذي نصب {تعسا} لأن المعنى فقال تعسًا لهم والتعس العثور.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: يريد في الدنيا القتل وفي الآخرة التردي في النار.
{ذلك} أي التعس والضلال {بِأَنَّهُمْ كَرِهواْ مَا أَنزَلَ الله} أي القرآن {فَأَحْبَطَ أعمالهم أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض} يعني كفار أمتك {فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} أهلكهم هلاك استئصال {وللكافرين} مشركي قريش {أمثالها} أمثال تلك الهلكة لأن التدمير يدل عليها {ذلك} أي نصر المؤمنين وسوء عاقبة الكافرين {أَنَّ الله مولى الذين ءَآمنوا} وليهم وناصرهم {وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} أي لا ناصر لهم فإن الله مولى العباد جميعًا من جهة الاختراع وملك التصرف فيهم. ومولى المؤمنين خاصة من جهة النصرة {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءَآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ} ينتفعون بمتاع الحياة الدنيا أيامًا قلائل {وَيَأْكُلُونَ} غافلين غير متفكرين في العاقبة {كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} في معالفها ومسارحها غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} منزل ومقام.
{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} أي وكم من قرية للتكثير وأراد بالقرية أهلها ولذلك قال: {أهلكناهم} {هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ} أي وكم من قرية أشد قوة من قومك الذين أخرجوك أي كانوا سبب خروجك {أهلكناهم فَلاَ ناصر لَهُمْ} أي فلم يكن لهم من ينصرهم ويدفع العذاب عنهم {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبّهِ} أي على حجة من عنده وبرهان وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم {كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} هم أهل مكة الذين زين لهم الشيطان شركهم وعداوتهم لله ورسوله.
وقال سوء عمله {واتبعوا أَهواءَهُمْ} للحمل على لفظ من ومعناه {مَّثَلُ الجنة} صفة الجنة العجيبة الشأن {التى وُعِدَ المتقون} عن الشرك {فِيهَا أَنْهَارٌ} داخل في حكم الصلة كالتكرير لها ألا ترى إلى صحة قولك التي فيها أنهار. أو حال أي مستقرة فيها أنهار {مِّن مَّاءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ} غير متغير اللون والريح والطعم.
يقال: أسن الماء إذا تغير طعمه وريحه {أسِن} مكي {وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة وغيرها {وأنهار مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ} تأنيث لذ وهو اللذيذ {لِّلشَّارِبِينَ} أي ما هو الا التلذذ الخالص ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع ولا افة من آفات الخمر {وأنهار مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع وغيره {ولهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبِّهِمْ} {مَثَلُ} مبتدأ خبره {كَمَنْ هو خالد في النار وَسُقُواْ مَاءً حَمِيمًا} حارًا في النهاية {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} والتقدير: أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد في النار؟ وهو كلام في صورة الإثبات ومعناه النفي لانطوائه تحت حكم كلام مصدّر بحرف الأنكار ودخوله في حيزه وهو قوله: {أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ}.
وفائدة حذف حرف الأنكار زيادة تصوير لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع لهواه وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها تلك الأنهار وبين النار التي يسقى أهلها الحميم.
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قالواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قال ءَانِفًا} هم المنافقون كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون له بالًا تهاونًا منهم. فإذا خرجوا قالوا لأولي العلم من الصحابة: ماذا قال الساعة على جهة الاستهزاء {أولئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهواءَهُمْ}.
{والذين اهتدوا} بالإيمان واستماع القرآن {زَادَهُمْ} الله {هُدًى} أي بصيرة وعلمًا أوشرح صدورهم {وءاتاهم تقواهم} أعانهم عليها أوآتاهم جزاء تقواهم أوبين لهم ما يتقون {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} أي ينتظرون {أَن تَأْتِيهُم} أي إتيانها فهو بدل اشتمال من {الساعة} {بَغْتَةً} فجأة {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} علاماتها وهو مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وإنشقاق القمر والدخان.
وقيل: قطع الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} قال الأخفش: التقدير فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم {فاعلم أَنَّهُ} أن الشأن {لا إله إِلاَّ الله واستغفر لِذَنبِكَ وللْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} والمعنى فاثبت على ما أنت عليه من العلم بوحدانية الله وعلى التواضع وهضم النفس باستغفار ذنبك وذنوب من على دينك.
وفي شرح التأويلات جاز أن يكون له ذنب فأمره بالاستغفار له ولكنا لا نعلمه. غير أن ذنب الأنبياء ترك الأفضل دون مباشرة القبيح. وذنوبنا مباشرة القبائح من الصغائر والكبائر.
وقيل: الفاات في هذه الآيات لعطف جملة على جملة بينهما اتصال {والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} في معايشكم ومتاجركم {وَمَثْوَاكُمْ} ويعلم حيث تستقرون من منازلكم أو متقلبكم في حياتكم ومثوا كم في القبور. أو متقلبكم في أعمالكم ومثوا كم في الجنة والنار. ومثله حقيق بأن يتقى ويخشى وأن يستغفره وسئل سفيان ابن عيينة عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلائَ الله واستغفر لِذَنبِكَ} فأمر بالعمل بعد العلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة محمد صلى الله عليه وسلم:
{الذين كَفَرُواْ}.
يعني كفار قريش. وعموم اللفظ يعم كل كافر. كما أن قوله بعد هذا: {والذين آمنوا} يعني الصحابة. وعموم اللفظ يصلح لكل مؤمن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} يحتمل أن يكون صدُّوا بمعنى؛ أعرضوا فيكون غير متعد أو يكون بمعنى صدوا الناس فيكون متعديًا. وسبيل الله: الإسلام والطاعة {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي أبطلها وأحبطها. وقيل: المراد بأعمالهم هنا ما أنفقوا في غزوة بدر؛ فإن هذه الآية نزلت بعد بدر. واللفظ أعم من ذلك {وَآمنوا بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} هذا تجريد للاختصاص والاعتناء. بعد عموم قوله: {آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} ولذلك أكده بالجملة الاعتراضية. وهو قوله: {وهو الحق مِن رَّبِّهِمْ} {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} قيل: معناه أصلح حالهم وشأنهم. وحقيقة البال الخاطر الذي في القلب. وإذا صلح القلب صلح الجسد كله. فالمعنى إصلاح دينهم بالإيمان والإخلاص والتقوى.
{فَضَرْبَ الرقاب} أصله فاضربوا الرقاب ضربًا. ثم حذف الفعل وأقام المصدر مقامه. والمراد. اقتلوهم. ولكن عبّر عنه بضرب الرقاب. لأنه الغالب في صفة القتل {حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} أي هزتموهم. والإثخان أن يكثر فيهم القتل والأسر {فَشُدُّواْ الوثاق} عبارة معن الأسر {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} المن: العتق. والفداء: فك الأسير بمال. وهما جائزان فإن مذهب مالك أن الإمام مخيّر في الأسارى بين خمسة أشيئاء: وهي: المن والفداء والقتل والاسترقاق وضرب الجزية. وقيل: لا يجوز المنّ ولا الفداء لأن الآية منسوخة بقوله: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] فلا يجوز على هذا إلا قتلهم. والصحيح أنها محكمة وانتصب منَّا وفِداء على المصدرية. والعامل فيهما فعلأن مضمران {حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} الأوزار في اللغة: الأثقال. فالمعنى حتى تذهب وتزو ل أثقالها. وهي الاتها وقيل: الأوزار: الاثام. لأن الحرب لابد أن يكون فيها إثم في أحد الجانبين. واختلف في الغاية المرادة هنا فقيل: حتى يسلموا جميعًا؛ فحينئذ تضع الحرب أوزارها وقيل: حتى تقتلوهم وتغلبوهم. وقيل: حتى ينزل عيسى ابن مريم: قال ابن عطية: ظاهر اللفظ أنها استعارة يراد بها التزام الأمر أبدًا. كما تقول: أنا فاعل ذلك إلى يوم القيامة {ذَلِكَ} تقديره: الأمر ذلك {ولويَشَاءُ اللَّهُ لأنتَصَرَ مِنْهُمْ} أولوشاء الله لأهلك الكفار بعذاب من عنده. ولكنه تعالى أراد اختبار المؤمنين. وأن يبلو بعض الناس ببعض.
{عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي جعلهم يعرفون منازلهم فيها. فهو من المعرفة وقيل: معناه طيِّبها لهم فهو من العَرْف وهو طيب الرائحة. وقيل: معناه شرَّفها ورفعها. فهو في الأعراف التي هي الجبال.
{فَتَعْسًا لَّهُمْ} أي عثارًا وهلاكًا. وانتصابه على المصدرية. والعامل فيه فعل مضمر. وعلى هذا عَطَفَ وأضلَّ أعمالهم.
{وللْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} أي لكفار قريش أمثال عاقبة الكفار المتقدمين من الدمار والهلاك.
{مولى الذين آمنوا} أي وليهم وناصرهم وكذلك {وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} معناه: لا ناصر لهم. ولا يصح أن يكون المولى هنا بمعنى السيد. لأن الله مولى المؤمنين والكافرين بهذا المعنى ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله: و{ردوا إلى الله مَو لاَهُمُ الحق} [الأنعام: 62] لأن معنى المولى مختلف في الموضعين؛ فمعنى {مَو لاَهُمُ الحق}: ربهم وهذا على العموم في جميع الخلق بخلاف قوله: {مولى الذين آمنوا} فإنه خاص بالمؤمنين لأنه معنى الولي والناصر.
{وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} عبارة عن كثرة أكلهم. وعن غفلتهم عن النظر كالبهائم.
{مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ} يعني مكة. وخروجه صلى الله عليه وسلم من وقت الهجرة. ونسب الآخراج إلى القرية. والمراد بأهلها. لأنهم اذوه حتى خرج {أَهْلَكْنَاهُمْ} الضمير للقرى المتقدمة المذكورة في قوله: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} وجمعه حملًا على المعنى والمراد أهلكنا: أهلها.
{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} أي على حجة ويعني به النبي صلى الله عليه وسلم. كما يعني قريشًا بقوله: {كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ} واللفظ أعم من ذلك.
{مَّثَلُ الجنة} ذكر في [الرعد: 35] {غَيْرِ آسن} أي غير متغير {كَمَنْ هو خَالِدٌ فِي النار} تقديره: أمثلُ أهل الجنة المذكورة كمن هو خالد في النار؟ فحذف هذا على التقدير والمراد به النفي. وإنما حذف لدلالة التقدير المتقدم وهو قوله: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ}.
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} يعني المنافقين. وجاء يستمعون بلفظ الجمع رعيًا لمعنى من {قالواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} روي أنه عبد الله بن مسعود {مَاذَا قال آنفًا} كانوا يقولون ذلك على أحد وجهين: إما احتقارًا لكلامه. كأنهم قالوا: أي فائدة فيه. وإما جهلًا منهم ونسيانًا لأنهم كانوا وقت كلامه معرضين عنه. وانفًا معناه الساعة الماضية قريبًا. وأصله من: استأنفت الشيء إذا ابتدأته.
{والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} يعني المؤمنين والضمير في زادهم الله تعالى أوللكلام الذي قال فيه المنافقون: ماذا قال آنفًا. وقيل: يعني بالذين اهتدوا قومًا من النصارى آمنوا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فاهتداؤهم هو إيمانهم بعيسى وزيادة هداهم إسلامهم.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} الضمير للمنافقين. والمعنى هل ينتظرون إلا الساعة قريبة {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} أي علاماتها والذي كان قد جاء من ذلك مبعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. لأنه قال: «أنا من أشراط الساعة. وبثعت أنا والساعة كهاتين» {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} أي كيف لهم الذكرى إذا جاءتهم الساعة بغتة؟ فلا يقدرون على عمل ولا تنفعهم التوبة. ففاعل جاءتهم الساعة. وذكراهم مبتدأ وخبره الاستفهام المتقدم. والمراد به الاستبعاد.
{فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ الله} أي دُمْ على العلم بذلك. واستدل بعضهم بهذه الآية على أن النظر والعلم قبل العمل. لأنه قدم قوله: {فاعلم} على قوله: {واستغفر} {والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} قيل: {متقلبكم} تصرفكم في الدنيا. {ومثواكم} إقامتكم في القبور. وقيل: {متقلبكم} تصرفكم في اليقظة. {ومثواكم} منامكم. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة محمد صلى الله عليه وسلم:
وتسمى سورة القتال وهي مدنية وقيل مكية وآيها سبع أو ثمان وثلاثون أو أربعون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله}.
امتنعوا عن الدخول في الإِسلام وسلوك طريقه. أو منعوا الناس عنه كالمطعمين يوم بدر. أوشيئاطين قريش أو المصريين من أهل الكتاب. أو عام في جميع من كفر وصد.
{أَضَلَّ أعمالهم} جعل مكارمهم كصلة الرحم وفك الأسارى وحفظ الجوار ضالة أي ضائعة محيطة بالكفر. أو مغلوبة مغمورة فيه كما يضل الماء في اللبن. أوضلال حيث لم يقصدوا به وجه الله. أوأبطل ما عملوه من الكيد لرسوله والصد عن سبيله بنصر رسوله وإظهار دينه على الدين كله.
{والذين ءَآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} يعم المهاجرين والأنصار والذين آمنوا من أهل الكتاب وغيرهم.
{وَءَآمنوا بِمَا نُزّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} تخصيص للمنزل عليه مما يجب الإيمان به تعظيمًا له وإشعارًا بأن الإيمان لا يتم دونه. وأنه الأصل فيه ولذلك أكده بقوله: {وهو الحق مِن رَّبّهِمْ} اعتراضًا على طريقة الحصر. وقيل حقيقته بكونه ناسخًا لا ينسخ. وقرىء {نَزَّلَ} على البناء للفاعل و{أنزل} على البناءين و{نَزَلَ} بالتخفيف.
{كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} سترها بالإِيمان وعملهم الصالح.