فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد.
{ذلك} إشارة إلى ما مر من الإِضلال والتكفير والإِصلاح وهو مبتدأ خبره.
{بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل وَأَنَّ الذين ءآمنوا اتبعوا الحق مِن رَّبِِّهِمْ} بسبب اتباع هؤلاء الباطل واتباع هؤلاء الحق. وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها ولذلك سمي تفسيرًا.
{كذلك} مثل ذلك الضرب.
{يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ} يبين لهم.
{أمثالهم} أحوال الفريقين أوأحوال الناس. أو يضرب أمثالهم بأن جعل اتباع الباطل مثلًا لعمل الكفار والإِضلال مثلًا لخيبتهم واتباع الحق مثلًا للمؤمنين. وتكفير السيئات مثلًا لفوزهم.
{فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ} في المحاربة.
{فَضَرْبَ الرقاب} أصله فاضربوا الرقاب ضربًا فحذف الفعل وقدم المصدر. وأنيب منابه مضافًا إلى المفعول ضمًا إلى التأكيد والاختصار. والتعبير به عن القتل إشعارًا بأنه ينبغي أن يكون بضرب الرقاب حيث أمكن. وتصوير له بأشنع صورة.
{حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الثخين وهو الغليظ.
{فَشُدُّواْ الوثاق} فأسروهم واحفظوهم. والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به.
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} أي فإما تمنون منا أوتفدون فداء. والمراد التخيير بعد الأسر بين المن والإِطلاق وبين أخذ الفداء. وهو ثابت عندنا فإن الذكر الحر المكلف إذا أسر تخير الإِمام بين القتل والمن والفداء. والاسترقاق منسوخ عند الحنفية أو مخصوص بحرب بدر فإنهم قالوا يتعين القتل أو الاسترقاق. وقرىء {فدا} كعصا.
{حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا} الاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع. أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم. وقيل اثامها والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم. وهو غاية للضرب أو الشد أوللمن والفداء أوللمجموع بمعنى أن هذه الأحكام جارية فيهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم. وقيل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام {ذلك} أي الأمر ذلك. أوافعلوا بهم ذلك.
{ولويَشَاءُ اللَّهُ لأنتَصَرَ مِنْهُمْ} لا نتقم منهم بالاستئصال.
{ولكن لّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثواب العظيم والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر.
{والذين قَاتِلُواْ في سَبِيلِ الله} أي جاهدوا. وقرأ البصريان وحفص {قَتِلُواْ} أي استشهدوا.
{فَلَن يُضِلَّ أعمالهم} فلن يضيعها. وقرىء {يُضِلَّ} من ضل ويضل على البناء للمفعول.
{سَيَهْدِيهِمْ} إلى الثواب. أوسيثبت هدايتهم.
{وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ}.
{وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} وقد عرفها لهم في الدنيا حتى اشتاقوا إليها فعملوا ما استحقوها به. أوبينها لهم بحيث يعلم كل واحد منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنه منذ خلق. أوطيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة. أوحددها لهم بحيث يكون لكل جنة مفرزة.
{يَا أَيُّهَا الذين ءَآمنوا إِن تَنصُرُواْ الله} إن تنصروا دينه ورسوله.
{يَنصُرْكُمُ} على عدوكم.
{وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} في القيام بحقوق الإِسلام والمجاهدة مع الكفار.
{والذين كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُمْ} فعثورًا لهم وانحطاطًا ونقضه لما قال الأعشى:
فالتعس أولى بها من أن أقول لَعَا

وانتصابه بفعله الواجب إضماره سماعًا. والجملة خبر {الذين كَفَرُواْ} أو مفسرة لناصبه.
{وَأَضَلَّ أعمالهم} عطف عليه.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهواْ مَا أَنزَلَ الله} القرآن لما فيه من التوحيد والتكاليف المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم. وهو تخصيص وتصريح بسببه الكفر بالقرآن للتعس والإِضلال.
{فَأَحْبَطَ أعمالهم} كرره إشعارًا بأنه يلزم الكفر بالقرآن ولا ينفك عنه بحال.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} استأصل عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم.
{وللكافرين} من وضع الظاهر موضع المضمر.
{أمثالها} أمثال تلك العاقبة أو العقوبة. أو الهلكة لأن التدمير يدل عليها. أو السنة لقوله تعالى: {سُنَّةَ الله التي قَدْ خَلَتْ} {ذَلِكَ بِأَنَّ الله مولى الذين ءآمنوا} ناصرهم على أعدائهم.
{وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} فيدفع العذاب عنهم وهو لا يخالف قوله: {وَرُدُّواْ إِلَى الله مو لاهم الحق} فإن المولى فيه بمعنى المالك.
{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ} ينتفعون بمتاع الدنيا.
{وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} حريصين غافلين عن العاقبة.
{والنار مَثْوًى لَّهُمْ} منزل ومقام.
{وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هي أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ} على حذف المضاف وإجراء أحكامه على المضاف إليه. والآخراج باعتبار التسبب.
{أهلكناهم} بأنواع العذاب.
{فَلاَ ناصر لَهُمْ} يدفع عنهم العذاب وهو كالحال المحكية.
{أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ} حجة من عنده وهو القرآن. أو ما يعمه والحجج العقلية كالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
{كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} كالشرك والمعاصي.
{واتبعوا أَهواءَهُمْ} في ذلك لا شبهة لهم عليه فضلًا عن حجة.
{مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة. وقيل مبتدأ خبره: {كَمَنْ هو خالد في النار}. وتقدير الكلام أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد. أوأمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد فعري عن حرف الأنكار وحذف ما حذف استغناء يجري مثله تصويرًا لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى. بمكابرة من يسوي بين الجنة والنار. وهو على الأول خبر محذوف تقديره: أفمن هو خالد في هذه الجنة كمن هو خالد في النار. أو بدل من قوله: {كَمَن زُيّنَ} وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بينة في الآخرة تقريرًا لأنكار المساواة.
{فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاءٍ غَيْرِ ءاسِنٍ} استئناف لشرح المثل أو حال من العائد المحذوف. أو خبر لمثل و{ءاسِنٍ} من أسن الماء بالفتح إذا تغير طعمه وريحه. أوبالكسر على معنى الحدوث.
وقرأ ابن كثير {أسن}.
{وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} لم يصر قارصًا ولا حازرًا.
{وأنهار مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ للشاربين} لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار تأنيث لذ أو مصدر نعت به بإضمار ذات. أوتجوز وقرئت بالرفع على صفة الأنهار والنصب على العلة.
{وأنهار مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها. وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها. والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها.
{ولهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات} صنف على هذا القياس.
{وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ} عطف على الصنف المحذوف. أو مبتدأ خبره محذوف أي لهم مغفرة.
{كَمَنْ هو خالد في النار وَسُقُواْ مَاءً حَمِيمًا} مكان تلك الأشربة.
{فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} من فرط الحرارة.
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} يعني المنافقين كانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه فإذا خرجوا {قالواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} أي لعلماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
{مَاذَا قال ءانِفًا} ما الذي قال الساعة. استهزاء أواستعلامًا إذا لم يلقوا له اذانهم تهاونًا به. و{ءانِفًا} من قولهم أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة. ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتًا مؤتنفًا. أو حال من الضمير في {قال} وقرأ ابن كثير {أنفًا}.
{أولئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهواءَهُمْ} فلذلك استهزؤوا وتهاونوا بكلامه.
{والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} أي زادهم الله بالتوفيق والإِلهام. أو قول الرسول عليه الصلاة والسلام.
{وآتاهم تَقْوَاهُمْ} بين لهم ما يتقون أوأعانهم على تقواهم. أوأعطاهم جزاءها.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} فهل ينتظرون غيرها.
{أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} بدل اشتمال من {الساعة}. وقوله: {فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} كالعلة له. وقرىء أن تأتهم على أنه شرط مستأنف جزاؤه: {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} والمعنى أن تأتهم الساعة بغتة لأنه قد ظهر أماراتها كمبعث النبي عليه الصلاة والسلام. وانشقاق القمر فكيف لهم {ذِكْرَاهُمْ} أي تذكرهم {إِذَا جَاءتْهُمُ} الساعة بغتة. وحينئذ لا يفرغ له ولا ينفع.
{فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلا الله واستغفر لِذَنبِكَ} أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاؤة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار {لِذَنبِكِ}.
{وللْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريض على ما يستدعي غفرانهم. وفي إعادة الجار وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر. فإن الذنب له ماله تبعة ما بترك الأولى.
{والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} في الدنيا فإنها مراحل لابد من قطعها.
{وَمَثْوَاكُمْ} في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)}.
التفسير: قال أهل النظم: إن أول هذه السورة مناسب لاخر السورة كأنه قيل: كيف يهلك الفاسق إن كان له أعمال صالحة؟ فأجاب {الذين كفروا وصدوا} منعوا الناس عن الإيمان صدًا أوامتنعوا عنه صدودًا {أضل} الله {أعمالهم} أي أبطل ثوابها وكانوا يصلون الأرحام ويطعمون الطعام ويعمرون المسجد الحرام. وعن ابن عباس أنها نزلت في المطعمين يوم بدر. وقيل: هم أهل الكتاب. والأظهر العموم. قال جار الله: حقيقة إضلال الأعمال جعلها ضالة ضائعة ليس لها من يثيب عليها كالضالة من الإبل لا رب لها يحفظها. أوأراد أنه يجعلها ضالة في كفرهم ومعاصيهم مغلوبة بها كما يضل الماء في اللبن. وقيل: أراد إبطال ما عملوه من الكيد للإسلام وذويه بأن نصر المسلمين عليهم وأظهر دينه على الدين كله. وحين بيّن حال الكفار بيّن حال المؤمنين قائلًا {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} بالهجرة والنصرة وغير ذلك {وآمنوا بما نزل على محمد} يعني القرآن وهو تخصيص بعد تعميم. ولم يقتصر على هذا التخصيص الموجب للتفضيل ولكنه أكده بجملة اعتراضية هي قوله: {وهو الحق من ربهم} ولأن الحق الثابت ففيه دليل على أن دين محمد صلى الله عليه وسلم لا يرد عليه النسخ أبداَ.
وتكفير السيئات من الكريم سترها بما هي خير منها فهو في معنى قوم {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان: 7] والبال الحال والشأن لا يثنى ولا يجمع. وقيل: هو بمعنى القلب أي يصلح أمر دينهم. والحاصل أن قوله: {وآمنوا بما نزل على محمد} بإزاء قوله: {وصدّوا عن سبيل الله} فأولئك امتنعوا عن اتباع سبيل محمد صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء حثوا أنفسهم على إتباعه فلا جرم حصل لهؤلاء ضدّ ما حصل لأولئك فأضل الله حسنات أولئك وستر على سيئات هؤلاء. وقد أشير إلى هذا الحاصل بقوله: {ذلك} الإضلال والتكفير بسبب اتباع أولئك الباطل الشيطان وحزبه وأولئك الحق محمدًا والقرآن {كذلك} أي مثل ذلك الضرب {يضرب الله للناس} كلهم أمثال أنفسهم أوأمثال المذكورين من الفريقين على معنى إنه يضرب أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا بهم. وضرب المثل في الآية هو أن جعل اتباع الباطل مثلًا لعمل الكفار واتباع الحق مثلًا لعمل المؤمنين. ولا ريب أن إخباره عن الفريقين بغير تصريح مثل لحالهما وهذا حقيقة ضرب المثل. وقيل: إن الإضلال مثل لخيبة الكفار. وتكفير السيئات مثل لفوز المؤمنين. وقيل: إن قوله: {كذلك} لا يستدعي أن يكون هناك مثل مضروب. ولكنه لما بين حال الكافر وإضلال أعماله وحال المؤمن وتكفير سيئاته. وبين السبب فيهما كان ذلك نهاية الإيضاح فقال: {كذلك} أي مثل ذلك البيان يضرب الله للناس أمثالهم ويبين أحوالهم. قال أصحاب النظم: لما بيّن أن عمل الكفار ضلال والإنسان حرمته باعتبار عمله نتج من ذلك قوله: {فإذا لقيتم الذين كفروا} أي في دار الحرب أو في القتال {فضرب الرقاب} وأصله فأضربوا الرقاب ضربًا إلا أنه اختصر للتوكيد لأنه بذكر المصدر المنصوب دل على الفعل وكان كالحكم البرهاني. وليس ضرب الرقبة مقصودًا بالذات ولكنه وقع التعبير عن القتل به لأنه أغلب أنواع القتل. ولما في ذكره من التخويف والتغليظ. وفيه ردّ على من زعم أن القتل بل إيلام الحيوان قبيح مطلقًا لأنه تخريب البنيان. فبين الشرع أن أهل الكفر والطغيان يجب قتلهم لأن فيه صلاح نوع الإنسان كما أن الطبيب الحاذق يأمر بقطع العضوالفاسد إبقاء على سائر البدن {حتى إذا أثخنتموهم} أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الشيء الثخين. أوأثقلتموهم بالقتل والجراح حتى لا يمكنهم النهوض وقد مر في آخر (الأنفال).
{فشدّوا الوثاق} وهو بالفتح والكسر اسم ما يوثق به والمراد فأسروهم وشدّوهم بالحبال والسيور. فإما تمنون منًا وإما تفدون فداء. وهذا مما يلزم فيه حذف فعل المفعول المطلق لأنه وقع المفعول تفصيلاَ لأثر مضمون جملة متقدمة. وقال الشافعي: للإمام أن يختار أحد أربعة أمور هي: القتل والاسترقاق والمنّ وهو الإطلاق من غير عوض والفداء بأسارى المسلمين أوبمال.
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منّ على أبي عروة الجهني وعلى ابن أثال الحنفي. وفادى رجلًا برجلين من المشركين. وذهب بعض أصحاب الرأي أن الآية منسوخة. وأن المنّ والفداء إنما كان يوم بدر فقط وناسخها {اقتلوا المشركين} [التوبة: 5] وليس للإمام إلا القتل أو الاسترقاق. وعن مجاهد: ليس اليوم منّ ولا فداء إنما هو الإسلام أوضرب العنق. وقوله: {حتى تضع} يتعلق بالضرب والشدّ أوبالمنّ والفداء. والمراد عند الشافعي أنهم لا يزالون على ذلك أبدًا إلى أن لا يكون حرب مع المشركين وذلك إذا لم يبق لهم شوكة. وأوزار الحرب الاتها وأثقالها التي لا تقوم الحرب إلا بها. قال الأعشى: