فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأعددت للحرب أوزارها ** رماحًا طوالًا وخيلًا ذكورًا

فإذا أنقضت الحرب فكأنها وضعت أسبابها. وقيل: أوزارها اثامها والمضاف محذوف أي حتى يترك أهل الحرب. وهم المشركون شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا. وعلى هذا جاز أن يكون الحرب جمع حارب كالصحب جمع صاحب فلا يحتاج إلى تقدير المضاف. وفسر بعضهم وضع الحرب أوزارها بنزول عيسى عليه السلام. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى عليه السلام إمامًا هاديًا وحكمًا عدلًا يكسر الصليب ويقتل الخنزير وتضع الحرب أوزارها حتى تدخل كلمة الإخلاص كل بيت من وبر ومدر» وعند أبي حنيفة: إذا علق بالضرب والشدّ فالمعنى أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار. وذلك إذا لم تبق شوكة للمشركين. وإذا علق بالمنّ والفداء فالحرب معهودة وهي حرب بدر. ثم بين أنه منزه في الأنتقام من الكفار عن الاستعانة بأحد فقال: {ذلك ولويشاء الله لأنتصر منهم} بغير قتال أوبتسليط الملائكة أوأضعف خلقه عليهم {ولكن} أمركم بقتالهم {ليبلوبعضكم ببعض} فيمتحن المؤمنين بالكافرين هل يجاهدون في سبيله حق الجهاد أم لا. ويبتلي الكافرين بالمؤمنين هل يذعنون للحق أم لا إلزامًا للحجة وقطعًا للمعاذير. ومعنى الابتلاء من الله سبحانه قد مر مرارًا أنه مجاز أي يعاملهم معاملة المختبر. أوليظهر الأمر لغيره من الملائكة أو الثقلين.
ثم وعد الشهداء والمجاهدين بقوله: {والذين قتلوا} أوقاتلوا على القراءتين {فلن يضل أعمالهم} خلاف الكفرة {سيهديهم} إلى الثواب ويثبتهم على الهداية {ويصلح بالهم} أمر معاشهم في المعاد أو في الدنيا. وكرر لأن الأول سبب النعيم. والثاني نفس النعيم {ويدخلهم الجنة عرّفها لهم} جعل كل واحد بحيث يعرف ماله في الجنة كأنهم كانوا سكانها منذ خلقوا. وعن مقاتل: يعرفها لهم الحفظة وعسى أنه عرفها بوصفها في القرآن. وقيل: طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة. ثم حث على نصرة دين الله بقوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله} أي دينه أو رسوله {ينصركم} على عدوّكم ويفتح لكم {ويثبت أقدامكم} في مواقف الحرب أو على جادّة الشريعة {والذين كفروا} حالهم بالضد.
يقال: تعسًا له في الدعاء عليه بالعثار والتردّي. عن ابن عباس: هو في الدنيا القتل. وفي الآخرة الهويّ في جهنم. وهو من المصادر التي يجب حذف فعلها سماعًا والتقدير: أتعسهم الله فتعسوا تعسًا ولهذا عطف عليه قوله: {وأضل أعمالهم} ثم بين سبب بقائهم على الكفر والضلال بقوله: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله} من القرآن والتكاليف لألفهم بالإهمال وإطلاق العنان {فأحبط أعمالهم} التي لا استناد لها إلى القرآن أو السنة. ثم هدّدهم بحال الأقدمين وهو ظاهر. ودمر عليه ويقال دمره فالثاني الأهلاك مطلقًا. والأول إهلاك ما يختص به من نفسه وماله وو لده وغيره {وللكافرين أمثالها} الضمير للعاقبة أو العقوبة. والأول مذكور. والثاني مفهو م بدلالة التدمير فإن كان المراد الدعاء عليهم فاللام للعهد وهم كفار قريش ومن ينخرط في سلكهم. وإن كان المراد الإخبار جاز أن يراد هؤلاء. والقتل والأسر نوع من التدمير وجاز أن يراد الكفار الأقدمون {ذلك} النصر والتعس {بأن الله مولى الذين آمنوا} أي وليهم وناصرهم {وأن الكافرين لا مولى لهم} بمعنى النصرة والعناية. وأما بمعنى الربوبية والمالكية فهو مولى الكل لقوله: {وردّوا إلى الله مو لاهم الحق} [يونس: 30] ثم برهن على الحكم المذكور وهو أن ولايته مختصة بالمؤمنين فقال: {إن الله يدخل} الآية. فشبه الكافرين بالأنعام من جهة أن الكافر غرضه من الحياة التنعم والأكل وسائر الملاذ لا التقوى والتوسل بالغذاء إلى الطاعة وعمل الآخرة. ومن جهة أنه لا يستدل بالنعم على خالقها. ومن جهة غفلتهم عن مال حالهم وأن النار مثوى لهم. ثم زاد في تهديد قريش بقوله: {وكأين من قرية} أي أهل قرية هم {أشدّ قوّة من} أهل {قريتك التي أخرجتك} تسببوا لخروجك. وقوله: {فلا ناصر لهم} حكاية تلك الحال كقوله: {وكلبهم باسط} [الكهف: 18] ثم بين الفرق بين أهل الحق وحزب الشيطان بقوله على طريق الأنكار {أفمن كان على بينة} معجزة ظاهرة وحجة باهرة {من ربه} يريد محمدًا وأمته قوله: {وأتبعوا} محمول على معنى (من) وهو تأكيد للتزيين كما أن كون البينة من الرب تأكيد لها. وحين أثبت الفرق بين الفريقين أراد أن يبين الفرق بين جزائهما فقال: {مثل الجنة} أي صفتها العجيبة الشأن. وفي إعرابه وجهان: أحدهما ما مر في الوقوف. والثاني قول الزمخشري في الكشاف أنه على حذف حرف الاستفهام. والتقدير: أمثل الجنة وأصحابها كمثل جزاء من هو خالد في النار. أوكمثل من هو خالد؟ وفائدة التعرية عن حروف الاستفهام زيادة تصوير مكابرة من يسوّي بين الفريقين. وقوله: {فيها أنهار} كالبدل من الصلة أو حال. والاسن المتغير اللون أو الريح أو الطعم ومصدره الأسون والنعت آسن مقصورًا. واللذة صفة أو مصدر وصف به كما مر في (الصافات). والباقي ظاهر.
قال بعض علماء التأويل: لا شك أن الماء أعم نفعًا للخلائق من اللبن والخمر والعسل فهو بمنزلة العلوم الشرعية لعموم نفعها للمكلفين كلهم. وأما اللبن فهو ضروري للناس كلهم ولكن في أول التربية والنماء فهو بمنزلة العلوم الغريزية الفطرية. وأما الخمر والعسل فليسا من ضرورات التعيش فهما بمنزلة العلوم الحقيقية السببية إلا أن الخمر يمكن أن تخص بالعلوم الذوقية. والعسل بسائرها وقد يدور في الخلد أن هذه الأنهار الأربعة يمكن أن تحمل على المراتب الإنسانية الأربع. فالعقل الهيو لأني بمنزلة الماء لشموله وقبوله الآثار. والعقل بالملكة بمنزلة اللبن لكونه ضروريًا في أول النشوء والتربية. والعقل بالفعل بمنزلة الخمر فإن حصو له ليس بضروري لجميع الإنسان إلا أنه إذا حصل وكان الشخص ذاهلًا عنه غير ملتفت إليه كان كالخمر الموجب للغفلة وعدم الحضور. والعقل المستفاد بمنزلة العسل من جهة لذته ومن جهة شفائه لمرض الجهل ومن قبل ثباته في المذاق للزوجته ودسومته والتصاقه والله تعالى أعلم بمراده. وقوله: {ومغفرة من ربهم} إن قدر ولهم مغفرة من الله قبل ذلك فلا إشكال. وإن قدر لهم فيها مغفرة أمكن أن يقال: إنهم مغفورون قبل دخول الجنة فما معنى الغفران بعد ذلك؟ والجواب أن المراد رفع التكليف يأكلون من غير حساب ولا تبعة وافة بخلاف الدنيا فإن حلالها حساب وحرامها عذاب. ثم ذكر نوعًا آخر من قبيح خصال الكافرين وقيل أراد المنافقين فقال: {ومنهم من يستمع إليك} كانوا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وسلم والجمعات ويسمعون كلامه ولا يعونه كما يعيه المسلم {حتى إذا خرجوا} انصرفوا وخرج المسلمون {من عندك} يا محمد قال المنافقون للعلماء وهم بعض الصحابة كابن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء: أيّ شيء قال محمد {آنفًا} أي في ساعتنا هذه. وأنف كل شيء ما تقدمه ومنه قولهم (استأنفت الأمر) ابتدأته. ولا يستعمل منه فعل ثلاثي بهذا المعنى. وإنما توجه الذم عليهم لأن سؤالهم سؤال استهزاء وإعلام أنهم لم يلتفتوا إلى قوله. ولوكان سؤال بحث عما لم يفهموه لم يكن كذلك. على أن عدم الفهم دليل قلة الاكتراث بقوله. ثم مدح أهل الحق بقوله: {والذين اهتدوا} بالإيمان الله {هدى} بالتوفيق والتثبيت وشرح الصدر ونور اليقين {وآتاهم تقواهم} أعانهم عليها أوأعطاهم جزاء تقواهم. وعن السدي: بين لهم ما يتقون. وقيل: الضمير في للاستهزاء أولقول الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم خوف أهل الكفر والنفاق باقتراب القيامة. وقوله: {أن تأتيهم} بدل اشتمال من {الساعة} وأشراط الساعة إماراتها من انشقاق القمر وغيره. ومنه مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فإنه نبي آخر الزمان ولهذا قال «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى {فأنى لهم} من أين لهم {إذا جاءتهم} الساعة {ذكراهم} أي لا ينفعهم تذكرهم وإيمانهم حينئذ فالذكرى مبتدأ و{أنى لهم} الخبر. وقيل: فاعل {جاءتهم} ضمير يعود إلى {الذكرى}. وجوّز أن يرتفع {الذكرى} بالفعل والمبتدأ مقدر أي من أين لهم التذكر إذا جاءتهم الذكرى؟ والقول هو الأول ولله المرجع والماب وإليه المصير. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة محمد صلى الله عليه وسلم مكية وتسمى القتال والذين كفروا وهي: ثمان وثلاثون آية. وخمسمائةوتسع وثلاثون كلمة. وألفان وثلثمائة وتسعة وأربعون حرفًا.
{بسم الله} الملك الأعظم الذي أقام جنده للذب عن حماه {الرحمن} الذي عمت رحمته تارة بالبرهان. وتارة بالسيف واللسان {الرحيم} الذي خص حزبه بالحفظ في طريق الجنان. واختلف في قوله تعالى: {الذين كفروا} من هم؟ فقيل: هم الذين كانوا يطعمون الجيش يوم بدر منهم أبو جهل والحارث ابنا هشام. وعقبة. وشيبة ابنا ربيعة. وغيرهم. وقيل: كفار قريش وقيل: أهل الكتاب وقيل: كل كافر لأنهم ستروا أنوار الأدلة وضلوا على علم {وصدّوا} أي: امتنعوا بأنفسهم. ومنعوا غيرهم لعراقتهم في الكفر. {عن سبيل الله} أي: الطريق الرحب المستقيم الذي شرعه الملك الأعظم. {أضلّ} أي: أبطل إبطالًا عظيمًا يزيل العين والأثر. {أعمالهم} كإطعام الطعام. وصلة الأرحام. وفك الأسارى. وحفظ الجوار. وغير ذلك. فلا يرون لها في الآخرة ثوابًا ويجزي عليها في الدنيا من فضله تعالى.
تنبيه: أول هذه السورة مناسب لاخر السورة المتقدمة.
ولما ذكر تعالى أهل الكفر معبرًا عنهم بأدنى طبقاتهم ليشمل من فوقهم. ذكر أضدادهم كذلك؛ ليعمّ من كان منهم من جميع الفرق بقوله تعالى: {والذي آمنوا} أي: أقرّوا بالإيمان باللسان {وعملوا} تصديقًا لدعواهم {الصالحات} أي: الأعمال الكاملة في الصلاح. بتأسيسها على الإيمان. ولما كان هذا الوصف لا يخص أتباع محمد صلى الله عليه وسلم خصهم بقوله تعالى: {وآمنوا} أي: مع ذلك {بما نزل} أي: ممن لا منزل إلا هو. منجمًا مفرقًا ليجدّدوا بعد الإيمان به إجمالًا الإيمان بكل نجم منه {على محمد} النبيّ الأميّ العربيّ القرشيّ المكيّ المدنيّ الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والأنجيل صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {وهو} أي: هذا الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم موصوف بأنه {الحق} أي: الكامل في الحقيقة ينسخ ولا ينسخ كائنًا {من ربهم} أي: المحسن إليهم بإرساله أما إحسانه إلى أمّته فواضح وأمّا سائر الأمم فبكونه هو الشافع فيهم الشفاعة العظمى يوم القيامة. وأمّته هي الشاهدة لهم جملة معترضة وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائيّ {وهو} بسكون الهاء والباقون بضمّها {كفر عنهم سيئاتهم} أي: ستر أعمالهم السيئة بالإيمان. وعملهم الصالح {وأصلح بالهم} أي: حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد.
{ذلك} أي: الأمر العظيم الذي ذكر هنا من جزاء الطائفتين.
{بأن} أي: بسبب أن {الذين كفروا} أي: ستروا مرائي عقولهم {اتبعوا} أي: بغاية جهدهم ومعالجتهم {الباطل} من العمل الذي لا حقيقة له في الخارج تطابقه وذلك هو الابتداع والميل مع الهوى فضلوا {وأن الذين آمنوا} أي: ولوكانوا في أقل درجات الإيمان {اتبعوا} أي بغاية جهدهم {الحق} أي الذي له واقع يطابقه وذلك هو الحكمة وهو العلم بموافقة العمل وهو معرفة المعلوم على ما هو عليه {من ربهم} أي: الذي أحسن إليهم بإيجادهم وما سببه من حسن اعتقادهم فاهتدوا {كذلك} أي: مثل هذا الضرب العظيم الشأن {يضرب الله} أي: الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال {للناس} أي: كل من فيه قوّة الاضطراب والحركة {أمثالهم} أي: أمثال أنفسهم. أوأمثال الفريقين المتقدّمين. أوأمثال جميع الأشيئاء التي يحتاجون إلى بيان أمثالها. مبينًا لها مثل هذا البيان. ليأخذ كل أحد من ذلك جزاء حاله. فقد علم من هذا المثل أنّ من اتبع الباطل أضلّ الله تعالى عمله. ووفر سيئاته. وأفسد باله ومن اتبع الحق عمل به ضد ذلك كائنًا من كان. وهو غاية الحث على طلب العلم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بها.
ولما بين تعالى أنّ الذين كفروا أضلّ أعمالهم. وأن اعتبار الإنسان بالعمل. ومن لا عمل له فهو همج إعدامه خير من وجوده سبب عنه.
قوله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا} أيها المؤمنون في المحاربة. وقوله تعالى: {فضرب الرقاب} أصله: فاضربوا الرقاب ضربًا فحذف الفعل وقدم المصدر فأنيب منابه مضافًا إلى المفعول. ضمًا إلى التأكيد الاختصار والحكمة في اختيار ضرب الرقبة دون غيرها من الأعضاء. لأن المؤمن هنا ليس بدافع إنما هو رافع. وذلك لأن من يدفع الصائل لا ينبغي أولا أن يقصد مقتله بل يتدرج ويضرب غير المقتل. فإن اندفع فذاك. ولا يرقى إلى درجة الأهلاك فأخبر تعالى أنه ليس المقصود دفعهم عنكم بل المقصود رفعهم من وجه الأرض؛ فإذًا ينبغي أن يكون قصدكم أولا إلى قتلهم. بخلاف دفع الصائل. فالرقبة أظهر المقاتل وقطع الحلقوم والأوداج مستلزم للموت لكن في الحرب لا يتهيأ ذلك والرقبة ظاهرة في الحرب. ففي ضربها حز العنق. وهو مستلزم للموت. بخلاف سائر المواضع. ولاسيما في الحرب وفي قوله تعالى: {لقيتم} ما ينبىء عن مخالفتهم الصائل؛ لأن قوله تعالى: {لقيتم} يدل على أنّ القصد من جانبهم. بخلاف قولنا: لقيكم ولذلك؛ قال تعالى في غير هذا الموضع {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}.
{حتى إذا أثخنتموهم} أي: أكثرتم فيهم القتل. وهذه غاية الأمر بضرب الرقاب. لا لبيان غاية القتل.
{فشدّوا} أي: فأمسكوا عن القتل وأسروهم {الوثاق} أي: ما يوثق به الأسرى وقوله تعالى: {فإما منًا بعد} أي: في جميع أزمان ما بعد الأسر {وإما فداء} فيه وجهان أشهرهما: أنهما منصوبان على المصدر بفعل لا يجوز إظهاره. لأن المصدر متى سيق تفصيلًا لعاقبة جملة. وجب نصبه بإضمار فعل لا يجوز إظهاره. والتقدير: فإما أن تمنوا منًا أي: بإطلاقهم من غير شيء. وإما أن تفدوا فداء أي: تفادوهم بمال أوأسرى مسلمين ومثل هذا قول القائل:
لأحمدنّ فإما درء واقعة ** تخشى وإما بلوغ السؤل والأمل

والثاني: قاله أبو البقاء أنهما مفعولأن بهما لعامل مقدّر تقديره: أولوهم مَنًَّا. واقبلوا منهم فداء قال أبو حيان: وليس بإعراب نحوي وقوله تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها} أي: أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكافر. أو يدخل في العهد. مجاز وقيل: هو من مجاز الحذف أي: أهل الحرب وهو غاية للقتل والأسر. والمعنى أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى تدخل الملل كلها في الإسلام. ويكون الدين كله لله. فلا يكون بعده جهاد ولا قتال وذلك عند نزول عيسى عليه السلام وجاء في الحديث: «الجهاد حاضر منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال» وقال الفراء حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم.
تنبيه:
اختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم هي منسوخة بقوله تعالى: {فإمّا تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم}.
وبقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
وإليه ذهب قتادة والضحاك والسدّي وابن جريج وهو قول الأوزاعي. وأصحاب الرأي وقالوا: لا يجوز المّن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء وذهب آخرون إلى أنّ الآية محكمة والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم. أو يسترقهم أو يمنّ عليهم فيطلقهم بغير عوض. أو يفاديهم بالمال أوبأسارى المسلمين وإليه ذهب ابن عمر. وبه قال الحسن وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قال ابن عباس رضى الله عنهما لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله تعالى في الأسارى {فإما منًا بعدوا ما فداء} وهذا هو الأصح والاختيار لأنه عمل به صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده. روى البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم خيلًا قبل نجد. فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال. فربطوه في سارية من سواري المسجد. فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا ذم وإن تنعم تنعم على شاكر. وإن كنت تريد المال فسل ما شئت. حتى كان الغد فقال له صلى الله عليه وسلم ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى إذا كان بعد الغد. قال: ما عندك يا ثمامة قال: عندي ما قلت لك؟. قال: أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل. ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك. فأصبح دينك أحبّ الدين إليّ. والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك. فقد أصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ. وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكة. قال له قائل: صبوت قال: لا. ولكن أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم.