فصل: تفسير الآيات (20- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فصل:
قال: الدرجة الثالثة: علم لدني إسناده وجوده وإدراكه عيانه ونعته حكمه ليس بينه وبين الغيب حجاب يشير القوم بالعلم اللدني إلى ما يحصل للعبد من غير واسطة بل بإلهام من الله وتعريف منه لعبده كما حصل للخضر عليه السلام يغير واسطة موسى قال الله تعالى: {آتَيْنَاه رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65].
وفرق بين الرحمة والعلم وجعلهما من عنده ومن لدنه إذ لم ينلهما على يد بشر وكان من لدنه أخص وأقرب من عنده ولهذا قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80] فـ: السلطان النصير الذي من لدنه سبحانه: أخص وأقرب مما عنده ولهذا قال تعالى واجعل لي من لدنك سلطانانصيراوهوالذي أيده به والذي من عنده: نصره بالمؤمنين كما قال تعالى: {هوالَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62] والعلم اللدني ثمرة العبودية والمتابعة والصدق مع الله والإخلاص له وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله وكمال الأنقياد له فيفتح له من فهم الكتاب والسنة بأمر يخصه به كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس فقال:
لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه فهذا هو العلم اللدني الحقيقي وأما علم من أعرض عن الكتاب والسنة ولم يتقيد بهما: فهو من لدن النفس والهوى والشيطان فهو لدني لكن من لدن من وإنما يعرف كون العلم لدنيا رحمانيا: بموافقته لما جاء به الرسول عن ربه عز وجل فالعلم اللدني نوعان: لدني رحماني ولدني شيطاني بطناوي والمحك: هو الوحي ولا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قصة موسى مع الخضر عليهما السلام: فالتعلق بها في تجويز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني إلحاد وكفر مخرج عن الإسلام موجب لإراقة الدم والفرق: أن موسى لم يكن مبعوثا إلى الخضر ولم يكن الخضر مأمورا بمتابعته ولوكان مأمورا بها لوجب عليه أن يهاجر إلى موسى ويكون معه ولهذا قال له: أنت موسى نبي بني إسرائل قال: نعم ومحمد مبعوث إلى جميع الثقلين فرسالته عامة للجن والإنس في كل زمان ولوكان موسى وعيسى عليهما السلام حيين لكانا من أتباعه وإذا نزل عيسى ابن مريم عليهما السلام فإنما يحكم بشريعة محمد فمن ادعى أنه مع محمد كالخضر مع موسى أوجوز ذلك لأحد من الأمة: فليجدد إسلامه وليتشهد شهادة الحق فإنه بذلك مفارق لدين الإسلام بالكلية فضلا عن أن يكون من خاصة أولياء الله وإنما هو من أولياء الشيطان وخلفائه ونوابه وهذا الموضع مقطع ومفرق بين زنادقة القوم وبين أهل الاستقامة منهم فحرك تره.
قوله: إسناده وجوده يعني: أن طريق هذا العلم: هو وجدانه كما أن طريق غيره: هو الإسناد وإدراكه عيانه أي إن هذا العلم لا يؤخذ بالفكر والاستنباط وإنما يؤخذ عيانا وشهودا ونعته حكمه يعني: أن نعوته لا يوصل إليها إلا به فهي قاصرة عنه يعني أن شاهده منه ودليله وجوده وإنيته لميته فبرهان الأن فيه هو برهان اللم فهو الدليل وهو المدلو ل ولذلك لم يكن بينه وبين الغيوب حجاب بخلاف ما دونه من العلوم فإن بينه وبين العلوم حجابا والذي يشير إليه القوم: هو نور من جناب المشهود يمحوقوى الحواس وأحكامها ويقوم لصاحبها مقامها فهو المشهود بنوره ويفني ما سواه بظهوره وهذا عندهم معنى الأثر الإلهي: فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع له وبصره الذي يبصر به فبي يسمع وبي يبصر والعلم اللدني الرحماني: هو ثمرة هذه الموافقة والمحبة التي أوجبها التقرب بالنوافل بعد الفرائض واللدني الشيطاني: ثمرة الإعراض عن الوحي وتحكيم الهوى والشيطان والله المستعان اهـ.

.تفسير الآيات (20- 21):

قوله تعالى: {وَيَقول الَّذِينَ آمنوا لولا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأولى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقول مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فلو صدقوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان دليل على إحاطة العلم. علم ما أبطنه الإنسان ولاسيما إن كان مخالفًا لما أظهره. قال دالًا على إحاطة علمه بإظهار أسرار المنافقين عاطفًا على {ومنهم من يستمع إليك}: {ويقول} على سبيل التجديد المستمر {الذين آمنوا} أي ادعوا ذلك بألسنتهم وفيهم الصادق والمنافق دالين على صدقهم في إيمانهم بالتحريض على طلب الخير بتجدد الوحي الذي هو الروح الحقيقي: {لولا نزلت} على سبيل التدريج. وبناه للمفعول دلالة على إظهار أنهم صاروا في صدقهم في الإيمان اعتقادهم أن التنزيل لا يكون إلا من الله بحيث لا يحتاجون إلى التصريح به {سورة} أي سورة كانت لنسر بسماعها ونتعبد بتلاوتها ونعمل بما فيها كائنًا ما كان. ويستمر الوحي فينا متجددًا مع تجدد الزمان ليكون ذلك أنشط لنا وأدخل في تحريك عزائمنا {فإذا أنزلت سورة} أي قطعة من القرآن تكامل نزولها كلها تدريجًا أوجملة. وزادت على مطلوبهم بالحس بأنها {محكمة} أي مبينة لا يلبس شيء منها بنوع إجمال ولا ينسخ لكونه جامعًا للمحاسن في كل زمان ومكان {وذكر فيها القتال} بأيّ ذكر كان. والواقع أنه لا يكون إلا ذكرًا مبينًا أنه لا يزداد إلا وجوبًا وتأكدًا حتى تضع الحرب أوزارها. قال البغوي: وكل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين.
وهومروي عن قتادة {رأيت} أي بالعين والقلب {الذين في قلوبهم مرض} أي ضعف في الدين أونفاق من الذين أقروا بالإيمان وطلبوا تنزيل القرآن وكانوا قد أقسموا بالله جهد أيمانهم: لئن أمرتهم ليخرجن {ينظرون إليك} كراهة لما نزل عليك بعد أن حرضوا على طلبه {نظر المغشي عليه} ولما كان للغشي أسباب. بين أن هذا أشدها فقال تعالى: {من الموت} الذي هو نهاية الغشي فهو لا يطرف بعينه بل هو شاخص لا يطرف كراهة للقتال من الجبن والخور.
ولما كان هذا أمرًا منابذًا للأنسانية لأنه مباعد للدين والمروءة. سبب عنه أعلى التهديد فقال متوعدًا لهم بصورة الدعاء بأن يليهم المكروه: {فأولى} أي أشد ميل وويل وانتكاس وعثار موضع لهم في الهلكة كائن {لهم} أي خاص بهم. وفسرته بذلك لما تقدم في آخر الأنفال من أن مادة (ولى) تدور على الميل. فإذا كانت على صيغة أفعل التفضيل- وهو قول الأكثر- جاءت الشدة. قال الأصمعي: إنه فعل ماضٍ أي قاربهم ما يهلكهم وأولادهم الله الهلاك. وقال الرضي في باب المعرفة والنكرة: إنه علم للوعيد وفيه وزن الفعل فلذا منع من الصرف. وليس بأفعل تفضيل ولا أفعل فلًا ولا اسم فعل لأن أبا زيد حكى لحاق تاء التأنيث له فقالوا: أولاة الأن- كأرملة وهو من وله الشر أي قرنه حال. وقبوله للتاء لا يضر الوزن. لأن ذلك في علم آخر.
ولما علم بما ذكر من التسبب أن هذا الدعاء عليهم لما تقدم من سوء أدبهم في مقالهم. وقبح ما ظهر من فعالهم. حصل التشوف إلى ما ينبغي لهم. فقال تعالى على طريق النشر المشوش: {طاعة} أي منهم {وقول معروف} أي بالتسليم والإذعان وحسن الأنقياد خير لهم مما أظهروا من المحبة في الطاعة وما كشف حالهم عنه من الكراهة. ونكر الاسمين ليكونا صالحين للتعظيم وما دونه. ثم سبب عنهما قوله مسندًا إلى الأمر ما هو لأهله تأكيدًا لمضمون الكلام: {فإذا عزم الأمر} أي فإذا أمر بالقتال الذي ذكر في أول السورة وغيره من الأوامر أمرًا مجزومًا به معزومًا عليه {فلو صدقوا الله} أي الملك الأعظم المحيط قدرة وعلمًا في قولهم الذي قالوه في طلب التنزيل {لكان} صدقهم له {خيرًا لهم} أي من تعللهم وتسللهم عنه لواذًا على تقدير التنزيل في تسليم أن في جماحهم عن الأمر وتقاعدهم عنه نوع خير. ويجوز أن يكون (خير) اسمًا لا للتفضيل ليفهم أن كذبهم شر لهم. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{وتقطعوا} بالتخفيف من القطع: سهل ويعقوب. والآخرون: بالتشديد من التقطيع {وأملى لهم} مبنيًا للمفعول ماضيًا: أبو عمرو ويعقوب {وأملى} مضارعًا مبنيًا للفاعل: سهل ورويس. الباقون: ماضيًا مبنيًا للفاعل {إسرارهم} بكسر الهمز على المصدر: حمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد {وليبلونكم حتى يعلم} {ويبلوا} بالياءات: أبو بكر وحماد. الآخرون: بالنون في الكل. وقرأ يعقوب {ونبلو} بالنون مرفوعًا {السلم} بكسر السين: حمزة وخلف وأبو بكر وحماد.

.الوقوف:

{والمؤمنات} ط {ومثواكم} o {نزلت سورة} ج للشرط مع الفاء {القتال} لا {الموت} ط للابتداء بالدعاء عليهم {لهم} o ج لاحتمال أن يكون الأولى بمعنى الأقرب كما يجيء {معروف} قف {الأمر} ز لاحتمال أن التقدير فإذا عزم الأمر كذبوا وخالفوا {خيرًا لهم} o ج لابتداء الاستفهام مع الفاء {أرحامكم} o {أبصارهم} o {أقفالها} o {الهدى} لا لأن الجملة بعده خبر إن {سول لهم} ط لأن فاعل {وأملى} ضمير اسم الله ويجوز الوصل على جعله حالًا وقد أملى. أو على أن فاعله ضمير الشيطان من حيث أنه يمنيهم ويعدهم. والوقف أجوز واعزم. والحال على قراءة {وأملى} بفتح الياء أجوز والوقف به جائز. ومن سكن الياء فالوقف به أليق لأن المستقبل لا ينعطف على الماضي. ومع ذلك لوجعل حالًا على تقدير وأنا أملي جاز {لهم} o {الأمر} ج لأن ما بعده يصلح استئنافًا وحالًا والوقف أجوز لأن الله يعلم الأسرار في الأحوال كلها {إسرارهم} o {وأدبارهم} o {أعمالهم} o {أضغانهم} o {بسيماهم} ط للابتداء بما هو جواب القسم {القول} ط {أعمالكم} o {والصابرين} ط لمن قرأ {ونبلو} بسكون الواوأي ونحن نبلو {أخباركم} o {الهدى} لا لأن ما بعده خبر إن {شيئًا} ط {أعمالهم} o {أعمالكم} o {لهم} o {إلى السلم} قف قد قيل: على أن قوله: {وأنتم} مبتدأ. وجعله حالًا أولى {الأعلون} قف كذلك {أعمالكم} o قف {ولهو} ط {أموالكم} o {أضغانكم} o {سبيل الله} ج لأنقطاع النظم مع الفاء {من يبخل} ج لابتداء الشرط مع العطف {عن نفسه} ط {الفقراء} o للشرط مع العطف {غيركم} لا للعطف {أمثالكم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَقول الَّذِينَ آمنوا لولا نُزِّلَتْ سُورَةٌ}.
لما بيّن الله حال المنافق والكافر والمهتدي المؤمن عند استماع الآيات العلمية من التوحيد والحشر وغيرهما بقوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [محمد: 16] وقوله: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] بين حالهم في الآيات العملية. فإن المؤمن كان ينتظر ورودها ويطلب تنزيلها وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول هلا أمرت بشيء من العبادة خوفًا من أن لا يؤهل لها. والمنافق إذا نزلت السورة أو الآية وفيها تكليف شق عليه. ليعلم تباين الفريقين في العلم والعمل. حيث لا يفهم المنافق العلم ولا يريد العمل. والمؤمن يعلم ويحب العمل وقولهم: {لولا نُزِّلَتْ سُورَةٌ} المراد منه سورة فيها تكليف بمحن المؤمن والمنافق.
ثم إنه تعالى أنزل سورة فيها القتال فإنه أشق تكليف وقوله: {سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} فيها وجوه: أحدها: سورة لم تنسخ ثانيها: سورة فيها ألفاظ أُريدت حقائقها بخلاف قوله: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] وقوله: {فِى جَنبِ الله} [الزمر: 56] فإن قوله تعالى: {فَضَرْبَ الرقاب} [محمد: 4] أراد القتل وهو أبلغ من قوله: {فاقتلوهم} [البقرة: 191] وقوله: {واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [النساء: 91] صريح وكذلك غير هذا من آيات القتال وعلى الوجهين فقوله: {مُّحْكَمَةٌ} فيها فائدة زائدة من حيث إنهم لا يمكنهم أن يقولوا المراد غير ما يظهر منه. أو يقولوا هذه آية وقد نسخت فلا نقاتل. وقوله: {رَأَيْتَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} أي المنافقين {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت} لأن عند التكليف بالقتال لا يبقى لنفاقهم فائدة. فإنهم قبل القتال كانوا يترددون إلى القبيلتين وعند الأمر بالقتال لم يبق لهم إمكان ذلك {فأولى لَهُمْ} دعاء كقول القائل فويلٌ لهم. ويحتمل أن يكون هو خبر لمبتدأ محذوف سبق ذكره وهو الموت كأن الله تعالى لما قال: {نَظَرَ المغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} قال فالموت أولى لهم. لأن الحياة التي لا في طاعة الله ورسوله الموت خير منها. وقال الواحدي يجوز أن يكون المعنى فأولى لهم طاعة أي الطاعة أولى لهم.
ثم قال تعالى: {طَاعَةٌ وَقول مَّعْرُوفٌ}.
كلام مستأنف محذوف الخبر تقديره خير لهم أي أحسن وأمثل. لا يقال طاعة نكرة لا تصلح للابتداء. لأنا نقول هي موصوفة بدل عليه قوله: {وَقول مَّعْرُوفٌ} فإنه موصوف فكأنه تعالى قال: {طَاعَةٌ} مخلصة {وَقول مَّعْرُوفٌ} خير. وقيل معناه قالوا {طَاعَةٌ وَقول مَّعْرُوفٌ} أي قولهم أمرنا {طَاعَةٌ وَقول مَّعْرُوفٌ} ويدل عليه قراءة أُبي {يَقولونَ طَاعَةٌ وَقول مَّعْرُوفٌ}.
وقوله: {فَإِذَا عَزَمَ الأمر فلو صدقوا الله لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ}.
جوابه محذوف تقديره {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} خالفوا وتخلفوا. وهو مناسب لمعنى قراءة أُبي كأنه يقول في أول الأمر قالوا سمعًا وطاعة. وعند آخر الأمر خالفوا وأخلفوا موعدهم. ونسب العزم إلى الأمر والعزم لصاحب الأمر معناه: فإذا عزم صاحب الأمر.
هذا قول الزمخشري. ويحتمل أن يقال هو مجاز كقولنا جاء الأمر وو لى فإن الأمر في الأول يتوقع أن لا يقع وعند إظلاله وعجز الكاره عن إبطاله فهو واقع فقال: {عَزَمَ} والوجهان متقاربان. وقوله تعالى: {فلو صدقوا} فيه وجهان على قولنا المراد من قوله طاعة أنهم قالوا طاعة فمعناه لوصدقوا في ذلك القول وأطاعوا {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} وعلى قولنا {طَاعَةٌ وَقول مَّعْرُوفٌ} خير لهم وأحسن. فمعناه {لَوصَدَقُواْ} في إيمانهم واتباعهم الرسول {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَيَقول الذين آمنوا} أي المؤمنون المخلصون.
{لولا نُزِّلَتْ سُورَةٌ} اشتياقا للوَحْي وحرصًا على الجهاد وثوابه.
ومعنى {لولا} هلا.
{فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} لا نسخ فيها.
قال قتادة: كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي مُحْكمة. وهي أشدّ القرآن على المنافقين.
وفي قراءة عبد الله {فَإذَا أنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْدَثَةٌ} أي محدثة النزول.
{وَذُكِرَ فِيهَا القتال} أي فرض فيها الجهاد.
وقرىء {فَإذَا أنْزِلَتْ سُورَةٌ وذَكَر فِيهَا الْقِتَالَ} على البناء للفاعل ونصب القتال.
{رَأَيْتَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} أي شك ونفاق.
{يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت} أي نظر مغموصين مغتاظين بتحديد وتحديق؛ كمن يشخص بصره عند الموت؛ وذلك لجبنهم عن القتال جزعًا وهلعًا. ولميلهم في السر إلى الكفار.