فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي (متن المواهب) وادخل أي محمد الجد والحفدة وهو الظاهر عنهما. وذكر أن مثل الجد الجدة وقد يقال: إن عدم دخول الوالدين والولد في ذلك وكذا الجد والحفدة عند من يقول بعدم دخولهم ليس لأن اللفظ لا يصدق عليهم لغة بل لأنه لا يصدق عليهم عرفًا وهم اعتبروا العرف كما قال الطحطاوي في أكثر مسائل الوصية.
وفي جامع الفصولين أن مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف. وما ذكره في المعراج من خبر من سمى والده قريبًا عقه لا يدل على أنه ليس قريبًا لغة بل هو بيان حكم شرعي مبناه أن في ذلك إيذاء للوالد وحطًا من قدره عرفًا. وهذا كما لوناداه باسمه وكان يكره ذلك. وأمر العطف في الآية الكريمة سهل لجواز عطف العام على الخاص كعطف الخاص على العام. فالذي يترجح عندي أن الأرحام كما صرحوا به الأقارب بالقرابة الغير السببية والمراد بهم ما يقابل الأجانب ويدخل فيهم الأصو ل والفروع والحواشي من قبل الأب أو من قبل الأم وحرمة قطع كل لا شك فيها لأنه على ما قلنا رحم. والآية ظاهرة في حرمة قطع الرحم.
وحكى القرطبي في تفسيره اتفاق الأمة على حرمة قطعها ووجوب صلتها. ولا ينبغي التوقف في كون القطع كبيرة. والعجب من الرافعي عليه الرحمة كيف توقف في قول صاحب الشامل: إنه من الكبائر. وكذا تقرير النووي قدس سره له على توقفه. واختلف في المراد بالقطيعة فقال أبوزرعة: ينبغي أن تختص بالإساءة. وقال غيره: هي ترك الإحسان ولوبدون إساءة لأن الأحاديث امرة بالصلة ناهية عن القطيعة ولا واسطة بينهما. والصلة إيصال نوع من أنواع الإحسان كما فسرها بذلك غير واحد فالقطيعة ضدها فهي ترك الإحسان.
ونظر فيه الهيثمي بناء على تفسير العقوق بأن يفعل مع أحد أبويه ما لوفعله مع أجنبي كان محرمًا صغيرة فينتقل بالنسبة إلى أحدهما كبيرة وإن الأبوين أعظم من بقية الأقارب ثم قال: فالذي يتجه ليوافق كلامهم وفرقهم بين العقوق وقطع الرحمن أن المراد بالأول أن يفعل مع أحد الأبوين ما يتأذى به فإن كان التأذي ليس بالهين عرفًا كان كبيرة وإن لم يكن محرمًا لوفعله مع الغير وبالثاني قطع ما ألف القريب منه من سابق الوصلة والإحسان بغير عذر شرعي لأن قطع ذلك يؤدي إلى إيحاش القلوب وتأذيها. فلوفرض أن قريبه لم يصل إليه إحسان ولا إساءة قط لم يفسق بذلك لأن الأبوين إذا فرض ذلك في حقهما من غير أن يفعل معهما ما يقتضي التأذي العظيم لغناهما مثلًا لم يكن كبيرة فأولى بقية الأقارب؛ ولوفرض أن الإنسان لم يقطع عن قريبه ما ألفه منه من الإحسان لكنه فعل معه محرمًا صغيرة أوقطب في وجهه أولم يقم له في ملأ ولا عبأ به لم يكن ذلك فسقًا بخلافه مع أحد الأبوين لأن تأكد حقهما اقتضى أن يتميزا على بقية الأقارب بما لا يوجد نظيره فيهم وعلى ضبط الثاني بما ذكرته فلا فرق بين أن يكون الإحسان الذي ألفه منه قريبه مالًا أو مكاتبة أو مراسلة أوزيارة أو غير ذلك فقطع ذلك كله بعد فعله لغير عذر كبيرة. وينبغي أن يراد بالعذر في المال فقد ما كان يصله به أوتجدد احتياجه إليه أوأن يندبه الشارع إلى تقديم غير القريب عليه لكونه أحوج أوأصلح. فعدم الإحسان إلى القريب أوتقديم الأجنبي عليه لهذا العذر يرفع عنه وإن انقطع بسبب ذلك ما ألفه منه القريب لأنه إنما راعى أمر الشارع بتقديم الأجنبي عليه. وواضح أن القريب لوألف منه قدرًا معينًا من المال يعطيه إياه كل سنة مثلًا فنقصه لا يفسق بذلك بخلاف ما لوقطعه من أصله لغير عذر. وأما عذر الزيارة فينبغي ضبطه بعذر الجمعة لجامع أن كلا فرض عين وتركه كبيرة؛ وأما عذر ترك المكاتبة والمراسلة فهو أن لا يجد من يثق به في أداء ما يرسله معه. والظاهر أنه إذا ترك الزيادة التي ألفت منه في وقت مخصوص لعذر لا يلزمه قضاؤها في غير ذلك الوقت. والأولاد والأعمام من الأرحام وكذا الخالة فيأتي فيهم وفيها ما تقرر من الفرق بين قطعهم وعقوق الوالدين. وأما قول الزركشي: صح في الحديث أن الخالة بمنزلة الأم وأن عم الرجل صنوأبيه وقضيتهما أنهما مثل الأب والأم حتى في العقوق فبعيد جدًّا ويكفي مشابهتهما في أمر ما كالحضانة تثبت للخالة كما تثبت للأم وكذا المحرمية وكالإكرام في العم والمحرمية وغيرهما مما ذكر انتهى المراد منه. ولوقيل: إن الصغيرة تعد كبيرة لوفعلت مع القريب لكنها دون ما لوفعلت مع أحد الأبوين لم يبعد عندي لتفاوت قبح السيئات بحسب الإضافات بل لا يبعد على هذا أن يكون قبح قطع الرحم متفاوتًا باعتبار الشخص القاطع وباعتبار الشخص المقطوع ومتى سلم التفاوت فليقل به في العقوق ويكون عقوق الأم أقبح من عقوق الأب وكذا عقوق الولد الذي يعبأ به أقبح من عقوق الولد الذي لا يعبأ به ويتفرع من ذلك ما يتفرع مما لا يخفى على فقيه. واستدل بالآية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على منع بيع أم الولد.
روى الحاكم في (المستدرك) وصححه وابن المنذر عن بريدة قال: كنت جالسًا عند عمر إذ سمع صائحًا فسأل فقيل: جارية من قريش تباع أمها فأرسل يدعوالمهاجرين والأنصار فلم تمض ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فهل تعلمونه كان مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم القطيعة قالوا: لا قال: فإنها قد أصبحت فيكم فاشية ثم قرأ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوليْتُم أَن تُفْسِدُواْ في الأرض وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] ثم قال: وأي قطيعة أقطع من أن تباع أم امرىء فيكم قالوا فاصنع ما بدا لك فكتب في الافاق أن لا تباع أم حر فإنها قطيعة رحم وأنه لا يحل واستدل بها أيضًا على جواز لعن يزيد عليه من الله تعالى ما يستحق نقل البرزنجي في الإشاعة والهيثمي في الصواعق إن الإمام أحمد لما سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد قال كيف لا يلعن من لعنه الله تعالى في كتابه فقال عبد الله قد قرأت كتاب الله عز وجل فلم أجل فيه لعن يزيد فقال الإمام إن الله تعالى يقول: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوليْتُم أَن تُفْسِدُواْ في الأرض وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أولئِكَ الذين لَعَنَهُمُ الله} [محمد: 22] الآية وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد انتهى.
وهو مبني على جواز لعن العاصي المعين من جماعة لعنوا بالوصف. وفي ذلك خلاف فالجمهور. على أنه لا يجوز لعن المعين فاسقًا كان أوذميًا حيًا كان أو ميتًا ولم يعلم موته على الكفر لاحتمال أن يختم له أو يختم له أوختم له بالإسلام بخلاف من علم موته على الكفر كأبي جهل.
وذهب شيخ الإسلام السراج البلقيني إلى جواز لعن العاصي المعين لحديث الصحيحين «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح» وفي رواية «إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح» واحتمال أن يكون لعن الملائكة عليهم السلام إياها ليس بالخصوص بل بالعموم بأن يقولوا: لعن الله من باتت مهاجرة فراش زوجها بعيد وإن بحث به معه ولده الجلال البلقيني.
وفي (الزواجر) لواستدل لذلك بخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم مر بحمار وسم في وجهه فقال: «لعن الله من فعل هذا» لكان أظهر إذ الإشارة بهذا صريحة في لعن معين إلا أن يؤول بأن المراد الجنس وفيه ما فيه انتهى.
وعلى هذا القول لا توقف في لعن يزيد لكثرة أوصافه الخبيثة وارتكابه الكبائر في جميع أيام تكليفه ويكفي ما فعله أيام استيلائه بأهل المدينة ومكة فقد روى الطبراني بسند حسن «اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل» والطامة الكبرى ما فعله بأهل البيت ورضاه بقتل الحسين على جده وعليه الصلاة والسلام واستبشاره بذلك وإهانته لأهل بيته مما تواتر معناه وإن كانت تفاصيله احادًا. وفي الحديث «ستة لعنتهم وفي رواية لعنهم الله وكل نبي مجاب الدعوة المحرف لكتاب الله وفي رواية الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله والمستحل من عترتي والتارك لسنتي» وقد جزم بكفره وصرح بلعنه جماعة من العلماء منهم الحافظ ناصر السنة ابن الجوزي وسبقه القاضي أبويعلى. وقال العلامة التفتازاني: لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه. وممن صرح بلعنه الجلال السيوطي عليه الرحمة وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب (الوافي بالوفيات) أن السبي لما ورد من العراق على يزيد خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرية علي والحسين رضي الله تعالى عنهما والرؤس على أطراف الرماح وقد أشرفوا على ثنية جيرون فلما رآهم نعب غراب فأنشأ يقول:
لما بدت تلك الحمول وأشرفت ** تلك الرؤس على شفا جيرون

نعب الغراب فقلت قل أولا تقل ** فقد اقتضيت من الرسول ديوني

يعني أنه قتل بمن قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر كجدة عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما وهذا كفر صريح فإذا صح عنه فقد كفر به ومثله تمثله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه:
ليت أشياخي

الأبيات. وأفتى الغزالي عفا الله عنه بحرمة لعنه وتعقب السفاريني من الحنابلة نقل البرزنجي والهيثمي السابق عن أحمد رحمه الله تعالى فقال: المحفوظ عن الإمام أحمد خلاف ما نقلا. ففي الفروع ما نصه ومن أصحابنا من أخرج الحجاج عن الإسلام فيتوجه عليه يزيد ونحوه ونص أحمد خلاف ذلك وعليه الأصحاب. ولا يجوز التخصيص باللعنة خلافًا لأبي الحسين وابن الجوزي وغيرهما. وقال شيخ الإسلام: يعني والله تعالى أعلم ابن تيمية ظاهر كلام أحمد الكراهة. قلت: والمختار ما ذهب إليه ابن الجوزي وأبو حسين القاضي ومن وافقهما انتهى كلام السفاريني وأبو بكر بن العربي المالكي عليه من الله تعالى ما يستحق أعظم الفرية فزعم أن الحسين قتل بسيف جده صلى الله عليه وسلم وله من الجهلة موافقون على ذلك.
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقولونَ إِلاَّ كَذِبًا} [الكهف: 5].
قال ابن الجوزي: عليه الرحمة في كتابه السر المصون من الاعتقادات العامة التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة أن يقولوا: إن يزيد كان على الصواب وأن الحسين رضي الله تعالى عنه أخطأ في الخروج عليه ولونظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة وألزم الناس بها ولقد فعل في ذلك كل قبيح ثم لوقدرنا صحة عقد البيعة فقد بدت منه بواد كلها توجب فسخ العقد ولا يميل إلى ذلك إلا كل جاهل عامي المذهب يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة.
هذا ويعلم من جميع ما ذكره اختلاف الناس في أمره فمنهم من يقول: هو مسلم عاص بما صدر منه مع العترة الطاهرة لكن لا يجوز لعنه. ومنهم من يقول: هو كذلك ويجوز لعنه مع الكراهة أوبدونها ومنهم من يقول: هو كافر ملعون. ومنهم من يقول: إنه لم يعص بذلك ولا يجوز لعنه وقائل هذا ينبغي أن ينظم في سلسلة أنصار يزيد وأنا أقول: الذي يغلب على ظني أن الخبيث لم يكن مصدقًا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأن مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل حرم نبيه عليه الصلاة والسلام وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر؛ ولا أظن أن أمره كان خافيًا على أجلة المسلمين إذ ذاك ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لم يسعهم إلا الصبر ليقضي الله أمرًا كان مفعولا. ولوسلم أن الخبيث كان مسلمًا فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان. وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين ولولم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين. والظاهر أنه لم يتب. واحتمال توبته أضعف من إيمانه. ويلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة فلعنة الله عز وجل عليهم أجمعين. وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومن مال إليهم إلى يوم الدين ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسين. ويعجبني قول شاعر العصر ذوالفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصل وقد سئل عن لعن يزيد اللعين:
يزيد على لعني عريض جنابه ** فاغدوبه طول المدى ألعن اللعنا

ومن كان يخشى القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الضليل فليقل: لعن الله عز وجل من رضي بقتل الحسين ومن اذى عترة النبي صلى الله عليه وسلم بغير حق ومن غصبهم حقهم فإنه يكون لاعنًا له لدخوله تحت العمو ل دخولا أوليًا في نفس الأمر. ولا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى ابن العربي المار ذكره وموافقيه فإنهم على ظاهر ما نقل عنهم لا يجوزون لعن من رضي بقتل الحسين رضي الله تعالى عنه. وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد.
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} أي لا يلاحظونه ولا يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} تمثيل لعدم وصو ل الذكر إليها وانكشاف الأمر لها فكأنه قيل: أفلا يتدبرون القرآن إذ وصل إلى قلوبهم أم لم يصل إليها فتكون أم متصلة على مذهب سيبويه. وظاهر كلام بعض اختياره.
وذهب أبو حيان وجماعة إلى أنها منقطعة وما فيها من معنى بل للأنتقال من التوبيخ بترك التدبر إلى التوبيخ بكون قلوبهم مقفلة لا تقبل التدبر والتفكر. والهمزة للتقرير. وتنكير القلوب لتهويل حالها وتفظيع شأنها وأمرها في القساوة والجهالة كأنه قيل: على قلوب منكرة لا يعرف حالها ولا يقادر قدرها في القساوة وقيل: لأن المراد قلوب بعض منهم وهم المنافقون فتنكيرها للتبعيض أوللتنويع كما قيل. وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أنها أقفال مخصوصة بها مناسبة لها غير مجانسة لسائر الأقفال المعهودة. وقرىء {أَقْفَالُهَا} بكسر الهمزة. وهو مصدر من الأفعال و{أقفلها} بالجمع على أفعل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوليْتُم أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)}.
مقتضى تناسق النظم أن هذا مفرع على قوله: {فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم} [محمد: 21] لأنه يفهم منه أنه إذا عزم الأمر تولوا عن القتال وانكشف نفاقهم فتكون إتمامًا لما في الآية السابقة من الأنباء بما سيكون من المنافقين يوم أُحُد.
وقد قال عبد الله بن أبي: عَلاَم نقتل أنفسنا ها هنا؟ وربما قال في كلامه: وكيف نقاتل قريشًا وهم من قومنا. وكان لا يرى على أهل يثرب أن يقاتلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ويرى الاقتصار على أنهم أو وه.
والخطاب موجّه إلى الذين في قلوبهم مرض على الالتفات.
والاستفهام مستعمل في التكذيب لما سيعتذرون به لأنخزالهم ولذلك جيء فيه بـ {هل} الدالة على التحقيق لأنها في الاستفهام بمنزلة (قد) في الخبر. فالمعنى: أفيتحقق إن توليتم أنكم تفسدون في الأرض وتقطعون أرحامكم وأنتم تزعمون أنكم توليتم إبقاء على أنفسكم وعلى ذوي قرابة أنسابكم على نحو قوله تعالى: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا} [البقرة: 246] وهذا توبيخ كقوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم} [البقرة: 85].
والمعنى: أنكم تقعون فيما زعمتم التّفادي منه وذلك بتأييد الكفر وإحداث العداوة بينكم وبين قومكم من الأنصار.
فالتو لي هنا هو الرجوع عن الوجهة التي خرجوا لها كما في قوله تعالى: {فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلًا منهم} [البقرة: 246] وقوله: {أفرأيت الذي تو لى} [النجم: 33] وقوله: {فتو لى فرعون فجمع كيده ثم أتى} [طه: 60].