فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن هذا الباب: نام ليلك ونحوه.
وقوله: {صدقوا الله} يحتمل أن يكون من الصدق الذي هو ضد الكذب. ويحتمل أن يكون من قولك عود صدق. والمعنى متقارب.
وقوله تعالى: {فهل عسيتم} مخاطبة لهؤلاء {الذين في قلوبهم مرض} أي قل لهم يا محمد.
وقرأ نافع وأهل المدينة {عسِيتم} بكسر السين. وقرأ أبو عمرو والحسن وعاصم وأبو جعفر وشيبة: {عسَيتم} بفتح السين. والفتح أفصح. لأنه من عسى التي تصحبها {أن}. والمعنى: فهل عسى أن تفعلوا {إن توليتم} غير {أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}. وكأن الاستفهام الداخل على عسى غير معناها بعض التغيير كما يغير الاستفهام قولك: أولوكان كذا وكذا. وقوله: {إن توليتم} معناه: إن أعرضتم عن الحق. وقال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وعصوا الرحمن.
وقرأ جمهور القراء: {إن توليتم} والمعنى: إن أعرضتم عن الإسلام. وقال كعب الأحبار ومحمد بن كعب القرظي المعنى: إن توليتم أمور الناس من الولاية. وعلى هذا قيل إنها نزلت في بني هاشم وبني أمية. ذكره الثعلبي. وروى عبد الله بن مغفل عن النبي عليه السلام: {إن وليتم} بواومضمومة ولام مكسورة. قرأ علي بن أبي طالب: {إن توليتم} بضم التاء والواو وكسر اللام المشددة على معنى: إن وليتكم ولاية الجور فملتم إلى دنياهم دون إمام العدل. أو على معنى: إن توليتم بالتعذيب والتنكيل وأفعال العرب في جاهليتها وسيرتها من الغارات والسباء. فإنما كانت ثمرتها الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم. وقيل معناها: إن تو ليكم الناس ووكلكم الله إليهم.
وقرأ جمهور الناس: {وتُقطِّعوا} بضم التاء وشد الطاء المكسورة. وقرأ أبو عمرو: {وتَقطَعوا} بفتح التاء والطاء المخففة. وهي قراءة سلام ويعقوب.
وقوله تعالى: {أولئك الذين لعنهم الله} إشارة إلى مرضى القلوب المذكورين. و: {لعنهم} معناه: أبعدهم. وقوله: {فأصمهم وأعمى أبصارهم} استعارة لعدم سمعهم فكأنهم عمي وصم.
قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن} توقيف وتوبيخ. وتدبر القرآن: زعيم بالتبيين والهدى. و: {أم} منقطعة وهي المقدرة ببل وألف الاستفهام.
وقوله تعالى: {أم على قلوب أقفالها} استعارة للرين الذي منعهم الإيمان. وروي أن وفد اليمن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم شاب. فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية. فقال الفتى عليها أقفالها حتى يفتحها الله ويفرجها. قال عمر: فعظم في عيني. فما زالت في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي الخلافة فاستعان بذلك الفتى.
وقوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم} الآية. قال قتادة: إنها نزلت في قوم من اليهود كانوا قد عرفوا من التوراة أمر محمد عليه السلام وتبين لهم الهدى بهذا الوجه. فلما باشروا أمره حسدوه فارتدوا عن ذلك القدر من الهدى. وقال ابن عباس وغيره: نزلت في منافقين كانوا أسلموا ثم نافقت قلوبهم. والآية تعم كل من دخل في ضمن لفظها غابر الدهر. و: {سول} معناه: أرجاهم سولهم وأمانيهم. وقال أبو الفتح عن أبي علي أنه بمعنى: دلاهم. مأخوذ من السول: وهو الاسترخاء والتدلي.
وقرأ جمهور القراء: {وأملى لهم} وأمال ابن كثير وشبل وابن مصرف: {أملى}. وفاعل {أملى} هنا: قال الحسن: هو {الشيطان} جعل وعده الكاذب بالبقاء كالإملاء. وذلك أن الإملاء هو الإبقاء ملاوة من الدهر. يقال مُلاوة ومَلاوة ومِلاوة بضم الميم وفتحها وكسرها. وهي القطعة من الزمن. ومنه الملوان الليل والنهار. فإذا أملى الشيطان إملاء لا صحة له إلا بطمعهم الكاذب. ويحتمل أن يكون الفاعل في {أملى} الله عز وجل. كأنه قال: الشيطان سول لهم وأملى الله لهم. وحقيقة الإملاء إنما هو بيد الله عز وجل. وهذا هو الأرجح. وقرأ الأعرج ومجاهد والجحدري والأعمش: {وأُملِي لهم} بضم الهمزة وكسر اللام وإرسال ياء المتكلم. ورواها الخفاف عن أبي عمرو {وأُمليَ} بفتح الياء على بناء الفعل للمفعول. وهي قراءة شيبة وابن سيرين والجحدري وعيسى البصري وعيسى الهمذاني. وهذا يحتمل فاعله من الخلاف ما في القراءة الأولى.
وقوله تعالى: {ذلك بأنهم قالوا} الآية. قيل إنها نزلت في بني إسرائيل الذين تقدم ذكرهم في تفسير قوله: {إن الذين ارتدوا} وروي أن قومًا من قريظة والنضير كانوا يعدون المنافقين في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلاف عليه بنصر وموازرة. وذلك قولهم {سنطيعكم في بعض الأمر}.
وقرأ جمهور القراء {أَسرارهم} بفتح الهمزة. وذلك على جمع سر. لأن أسرارهم كانت كثيرة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {إسرارهم} بكسر الهمزة. وهي قراءة ابن وثاب وطلحة والأعمش. وهو مصدر اسم الجنس.
وقوله تعالى: {فكيف إذا توفتهم} الآية. يحتمل أن يتوعدوا به على معنيين: أحدهما هذا هلعهم وجزعهم لفرض القتال وفراع الأعداء. {فكيف} فزعهم وجزعهم {إذا توفتهم الملائكة}؟ والثاني أن يريد: هذه معاصيهم وعنادهم وكفرهم. {فكيف} تكون حالهم مع الله {إذا توفتهم الملائكة}؟ وقال الطبري: المعنى {والله يعلم أسرارهم فكيف} علمه بها {إذا توفتهم الملائكة}. و{الملائكة} هنا: ملك الموت والمصرفون معه. والضمير في: {يضربون} لـ: {الملائكة}. وفي نحوهذا أحاديث تقتضي صفة الحال ومن قال إن الضمير في: {يضربون} للكفار الذين يتوفون. فذلك ضعيف. و: {ما أسخط الله} هو الكفر. والرضوان هنا: الشرع والحق المؤدي إلى رضوان. وقد تقدم القول في تفسير قوله: {أحبط أعمالهم}.
وقرأ الأعمش: {فكيف إذا توفاهم الملائكة}.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)}.
هذه الآية توبيخ للمنافقين وفضح لهم.
وقوله: {أم حسب} توقيف وهي {أم} المنقطعة. وتقدم تفسير مرض القلب. وقوله: {أن لن يخرج الله أضغانهم} أي يبديها من مكانها في نفوسهم. والضغن: الحقد. وقوله تعالى: {ولو نشاء لأريناكم} مقاربة في شهرتهم. ولكنه تعالى لم يعينهم قط بالأسماء والتعريف التام إبقاء عليهم وعلى قرأبتهم. وإن كانوا قد عرفوا بـ: {لحن القول} وكانوا في الاشتهار على مراتب كعبد الله بن أبيّ والجد بن قيس وغيرهم ممن دونهم في الشهرة. والسيما: العلامة التي كان تعالى يجعل لهم لوأراد التعريف التام بهم. وقال ابن عباس والضحاك: إن الله تعالى قد عرفه بهم في سورة براءة. في قوله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا} [التوبة: 84] وفي قوله: {قل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًا} [التوبة: 83].
قال القاضي أبو محمد: وهذا في الحقيقة ليس بتعريف تام. بل هو لفظ يشير إليهم على الإجمال لا أنه سمى أحدًا. وأعظم ما روي في اشتهارهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يومًا فأخرجت منهم جماعة من المسجد كأنه وسمهم بهذا لكنهم أقاموا على التبري من ذلك وتمسكوا بلا إله إلا الله فحقنت دماؤهم. وروي عن حذيفة ما يقتضي أن النبي عليه السلام عرفه بهم أوببعضهم. وله في ذلك كلام مع عمر رضي الله عنه. ثم أخبر تعالى أنه سيعرفهم {في لحن القول}. ومعناه في مذهب القول ومنحاه ومقصده. وهذا هو كما يقول لك إنسان معتقده وتفهم أنت من مقاطع كلامه وهيئته وقرأئن أمره أنه على خلاف ما يقول. وهذا معنى قوله: {في لحن القول} ومن هذا المعنى قول النبي عليه السلام: «فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض» الحديث أي أذهب بها في جهات الكلام. وقد يكون هذا اللحن متفقًا عليه: أن يقول الإنسان قولا يفهم السامعون منه معنى. ويفهم الذي اتفق مع المتكلم معنى آخر. ومنه الحديث الذي قال سعد بن معاذ وابن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: عضل والقارة وفي هذا المعنى قول الشاعر مالك بن أسماء: الخفيف:
وخير الحديث ما كان لحنا

أي ما فهمه عنك صاحبك وخفي على غيره. فأخبر الله محمدًا رسوله عليه السلام أن أقوالهم المحرفة التي هي على خلاف عقدهم ستتبين له فيعرفهم بها. واحتج بهذه الآية من جعل في التعريض بالقذف.
وقوله تعالى: {والله يعلم أعمالكم} مخاطبة للجميع من مؤمن وكافر. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{وَيَقول الَّذِينَ آمنوا لولا نُزِّلَتْ سُورَةٌ}.
كان المؤمنون حريصين على ظهور الإسلام وعلوكلمته وتمني قتل العدو. وكانوا يستأنسون بالوحي. ويستوحشون إذا أبطأ.
والله تعالى قد جعل ذلك بابًا ومضروبة لا يتعدى.
فمدح تعالى المؤمنين بطلبهم إنزال سورة. والمعنى تتضمن أمرنا بمجاهدة العدو. وفضح أمر المنافقين.
والظاهر أن ظاني ذلك هم خلص في إيمانهم. ولذلك قال بعد {رأيت الذين في قلوبهم مرض}.
وقال الزمخشري: كانوا يدعون الحرص على الجهاد. ويتمنونه بألسنتهم. ويقولون: {لولا نزلت سورة} في معنى الجهاد.
{فإذا أنزلت}. وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه. كاعوا وشق عليهم وسقطوا في أيديهم. كقوله: {فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس} انتهى؛ وفيه تخويف لما يدل عليه لفظ القرآن و{لولا}: بمعنى هلا؛ وعن أبي مالك: لا زائدة. والتقدير: لونزلت. وهذا ليس بشيء.
وقرىء: فإذا نزلت.
وقرأ زيد بن علي: سورة محكمة. بنصبهما. ومرفوع نزلت بضم. وسورة نصب على الحال.
وقرأ هو وابن عمر: {وذكر} مبنيًا للفاعل. أي الله.
{فيها القتال} ونصب.
الجمهور: برفع سورة محكمة على أنه مفعول لم يسم فاعله. وبناء وذكر للمفعول. والقتال رفع به. وإحكامها كونها لا تنسخ.
قال قتادة: كل سورة فيها القتال. فهي محكمة من القرآن. لا بخصوصية هذه الآية. وذلك أن القتال نسخ ما كان من المهادنة والصلح. وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة.
وقيل: محكمة بالحلال والحرام.
وقيل: محكمة أريدت مدلولات ألفاظها على الحقيقة دون المتشابه الذي أريد به المجاز. نحو قوله: {على العرش استوى} {في جنب الله} {فضرب الرقاب}.
{رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك}: أي تشخص أبصارهم جبنًا وهلعًا.
{نظر المغشي عليه}: أي نظرًا كما ينظر من أصابته الغشية من أجل حلو ل الموت.
وقيل: يفعلون ذلك. وهو شخوص البصر إلى الرسول من شدة العداوة.
وقيل: من خشية الفضيحة. فإنهم إن يخالفوا عن القتال افتضحوا وبان نفاقهم.
وأولى لهم: تقدم شرحه في المفردات.
وقال قتادة: كأنه قال: العقاب أولى لهم.
وقيل: وهم المكروه. وأولى وزنها أفعل أوأقلع على الاختلاف. لأن الاستفعال الذي ذكرناه في المفردات.
فعلى قول الجمهور: إنه اسم يكون مبتدأ. والخبر لهم.
وقيل: أولى مبتدأ. ولهم من صلته وطاعة خبر؛ وكأن اللام بمعنى الباء. كأنه قيل: فأولى بهم طاعة.
ولم يتعرض الزمخشري لإعرابه. وإنما قال: ومعناه الدعاء عليهم بأن يليه المكروه.
وعلى قول الأصمعي: أنه فعل يكون فاعله مضمرًا يدل عليه المعنى.
وأضمر لكثرة الاستعمال كأنه قال: قارب لهم هو. أي الهلاك.
قال ابن عطية: والمشهور من استعمال العرب أولى لك فقط على جهة الحذف والاختصار. لما معها من القوة. فيقول. على جهة الزجر والتوعد: أولى لك يا فلان.
وهذه الآية من هذا الباب.
ومنه قوله: {أولى لك فأولى} وقول الصديق للحسن رضي الله عنهما: أولى لك انتهى.
والأكثرون على أن: {طاعة وقول معروف} كلام مستقل محذوف منه أحد الجزأين. إما الخبر وتقديره: أمثل. وهو قول مجاهد ومذهب سيبويه والخليل؛ وإما المبتدأ وتقديره: الأمر أوأمرنا طاعة. أي الأمر المرضي لله طاعة.
وقيل: هي حكاية قولهم. أي قالوا طاعة. ويشهد له قراءة أبيّ يقولون: {طاعة وقول معروف}. وقولهم هذا على سبيل الهزء والخديعة.
وقال قتادة: الواقف على: {فأولى لهم طاعة} ابتداء وخبر. والمعنى: أن ذلك منهم على جهة الخديعة.
وقيل: طاعة صفة لسورة. أي فهي طاعة. أي مطاعة.
وهذا القول ليس بشيء لحيلولة الفصل لكثير بين الصفة والموصوف.
{فإذا عزم الأمر}: أي جد. والعزم: الجد. وهو لأصحاب الأمر.
واستعير للأمر. كما قال تعالى: {لمن عزم الأمر} وقال الشاعر:
قد جدت بهم الحرب فجدوا

والظاهر أن جواب إذًا قوله: {فلو صدقوا الله}. كما تقول: إذا كان الشتاء. فلوجئتني لكسوتك.
وقيل: الجواب محذوف تقديره: فإذا عزم الأمر هو أونحوه. قاله قتادة.
ومن حمل {طاعة وقول معروف}. على أنهم يقولون ذلك خديعة قدّرناه {عزم الأمر}. فاقفوا وتقاضوا. وقدره أبو البقاء فأصدّق. {فلو صدقوا الله} فيما زعموا من حرصهم على الجهاد. أو في إيمانهم. وواطأت قلوبهم فيه ألسنتهم. أو في قلوبهم {طاعة وقول معروف}.
{فهل عسيتم}: التفات اللذين في قلوبهم مرض. أقبل بالخطاب عليهم على سبيل التوبيخ وتوقيفهم على سوء مرتكبهم. وعسى تقدّم الخلاف في لغتها.
وفي القراءة فيها. إذا اتصل بها ضمير الخطاب في سورة البقرة. واتصال الضمير بها لغة الحجاز. وبنوتميم لا يلحقون بها الضمير.
وقال أبو عبد الله الرازي: وقد ذكروا أن عسى يتصل بها ضمير الرفع وضمير النصب. وأنها لا يتصل بها ضمير قال: وأما قول من قال: عسى أنت تقوم. وعسى أنا أقوم. فدون ما ذكرنا لك تطويل الذي فيه. انتهى.
ولا أعلم أحدًا من نقلة العرب ذكر انفصال الضمير بعد عسى. وفصل بين عسى وخبرها بالشرط. وهو أن توليتم.
وقرأ الجمهور: {إن توليتم}. ومعناه إن أعرضتم عن الإسلام.
وقال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله؟ ألم يسفكوا الدم الحرام. وقطعوا الأرحام. وعصوا الرحمن؟ يشير إلى ما جرى من الفترة بعد زمان الرسول.