فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وأملى لَهُمْ} ومَدَّ لهم في الأمانِيِّ والامالِ. وقيلَ أمهلهُم الله تعالى ولم يُعاجلْهم بالعقوبةِ. وقرىء وأُمْلِي لَهُم على صيغةِ المتكلمِ فالمعنى أي الشيطانُ يُغويهم وأنا أُنْظِرُهم فالواو للحال أوللاستئنافِ. وقرىء أُمْلِىَ لهُم على البناءِ للمفعول أي أُمْهِلُوا ومُدَّ في عمرِهم.
{ذلك} إشارةٌ إلى ما ذُكِرَ من ارتدادِهم لا إلى الإملاءِ كما نُقلَ عن الواحديِّ ولا إلى التسويلِ كما قيل لأن شيئًا منهما ليس مُسببًا عن القول الاتي وهو مبتدأٌ خبرُهُ قوله تعالى: {بِأَنَّهُمْ} أي بسببِ أنَّهم {قالواْ} يعني المنافقينَ المذكورينَ لا اليهودَ الكافرينَ به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعد ما وجدُوا نعتَهُ في التوارةِ كما قيل فإن كفرَهم به ليسَ بسببِ هذا القول ولوفُرض صدورُه عنهم سواءٌ كان المقول لهم المنافقينَ أو المشركينَ على رأي القائلِ. بل من حينِ بعثتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ {لِلَّذِينَ كَرِهواْ مَا نَزَّلَ الله} أي لليهودِ الكارهينَ لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علمِهم بأنَّه من عندِ الله تعالى حسدًا وطمعًا في نزوله عليهم لا للمشركينَ كما قيلَ فإنَّ قوله تعالى: {سَنُطِيعُكُمْ في بَعْضِ الأمر} عبارةٌ قطعًا عما حُكِيَ عنُهم بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نافقوا يَقولونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ولا نُطِيعُ فيكُمْ} وهم بنُوقريظةَ والنَّضيرِ الذين كانوا يوالونَهم ويوادُّونَهُم وأرادُوا بالبعضِ الذي أشارُوا إلى عدمِ إطاعتهم فيه إظهارَ كُفرِهم وإعلان أمرِهم بالفعلِ قبل قتالِهم وإخراجِهم من ديارِهم فإنَّهم كانوا يأبَون ذلك قبل مساسِ الحاجةِ الضروريةِ الداعيةِ إليه لِما كان لهم في إظهارِ الإيمانِ من المنافعِ الدنيويةِ. وإنما كانوا يقولون لهم ما يقولون سِرًَّا كما يُعربُ عنه قوله تعالى: {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} أي إخفاءَهُم لما يقولونَهُ لليهودِ. وقرىء أَسْرَارَهُم أي جميعَ أسرارِهم التي من جُملتها قولهم هذا. والجملةُ اعتراضٌ مقررٌ لما قبله متضمنٌ للإفشاءِ في الدنيا والتعذيبِ في الآخرة.
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)}.
الفاءُ في قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة} لترتيبِ ما بعدها على ما قبلَها. وكيفَ منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ هو العاملُ في الظرفِ كأنَّه قيلَ يفعلون في حياتِهم ما يفعلون من الحيلِ. فكيفَ يفعلونَ إذا توفَّتُهم الملائكةُ. وقيلَ مرفوعٌ على أنه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي فكيفَ حالُهم أوحياتُهم إذا توفَّتُهم الخ. وقرىء توفَّاهُم على أنَّه إما ماضٍ أو مضارعٌ قد حُذفَ إحدى تاءيهِ.
{يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} حالٌ من فاعلِ توفَّتهم أو من مفعوله. وهو تصويرٌ لتوفّيهم على أهو ل الوجوهِ وأفظعها. وعن ابن عباسٍ رضي الله عنَهُمَا لا يُتوفَّى أحدٌ على معصيةٍ إلا يضربُ الملائكةُ وجهَهُ ودبُره.
{ذلك} التَّوفِّي الهائلُ {بِأَنَّهُمْ} أي بسببِ أنَّهم {اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله} من الكفرِ والمعاصِي {وَكَرِهواْ رِضْوَانَهُ} أي ما يرضاهُ من الإيمانِ والطاعةِ حيث كفُروا بعد الإيمانِ وخرجُوا عن الطاعةِ بما صنعُوا من المعاملةِ مع اليهودِ {فَأَحْبَطَ} لأجلِ ذلكَ {أعمالهم} التي عملوها حالَ إيمانِهم من الطاعاتِ أوبعد ذلك من أعمال البرِّ التي لوعملُوها حالَ الإيمانِ لا نتفعُوا بها.
{أَمْ حَسِبَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} هم المنافقون الذين فُصِّلتْ أحوالُهم الشنيعةُ. وُصفُوا بوصفِهم السابقِ لكونِه مدارًا لِما نُعِيَ عليهم بقوله تعالى: {أَن لَّن يُخْرِجَ الله أضغانهم} فأمْ منقطعةٌ وأنْ مخففةٌ من أنَّ وضميرُ الشأنِ الذي هو اسمُها محذوفٌ ولنْ بما في حيزِها خبرُها. والأضغانُ جمعُ ضَغنِ وهو الحقدُ. أي بل أحسبَ الذين في قلوبِهم حقدٌ وعداوةٌ للمؤمنين أنه لنْ يخرجَ الله أحقادَهم ولن يُبرزَها لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنينَ فتبقى أمورُهم مستورةً والمعنى أنَّ ذلك مما لا يكادُ يدخلُ تحتَ الاحتمالِ.
{ولو نشاء} إراءتَهم {لأريناكهم} لعرّفناكَهُم بدلائلَ تعرفُهم بأعيانِهم معرفةً متاخمةٌ للرؤيةِ. والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ لإبرازِ العنايةِ بالإراءةِ {فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} بعلامتهم التي نسِمهُم بها. وعن أنسٍ رضيَ الله عنه ما خَفِيَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذهِ الآية شىءٌ من المنافقين كان يعرفُهم بسيماهم ولقد كنا في بعضِ الغزواتِ وفيها تسعةٌ من المنافقينَ يشكُوهم الناسُ فناموا ذاتَ ليلةٍ وأصبحوا وعلى كلِّ واحدٍ منهم مكتوبٌ هذا منافقٌ. واللامُ لامُ الجوابِ كُررتْ في المعطوفِ للتأكيدِ. والفاءُ لترتيبِ المعرفةِ على الإراءةِ. وأمَّا ما في قوله تعالى: {ولتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ القول} فلجوابِ قسمٍ محذوفٍ. ولحنُ القول نحوُه وأسلوبُه أوإمالتُه إلى جهةِ تعريضٍ وتوريةٍ. ومنه قيلَ للمُخطىءِ لاحنٌ لعدلِه بالكلامِ عن سمتِ الصوابِ.
{والله يَعْلَمُ أعمالكم} فيجازيكُم بسحبِ قصدِكم. وهذا وعدٌ للمؤمنين وإيذانٌ بأنَّ حالَهم بخلافِ حالِ المنافقينَ. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا القتال رَأَيْتَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت فأولى لَهُمْ}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة. أنه إذا أنزل سورة محكمة. أي متقنة الألفاظ والمعاني. واضحة الدلالة. لا نسخ فيها وذكر فيها وجوب قتال الكفار. تسبب عن ذلك. كون الذين في قلوبهم مرض أي شك ونفاق. ينظرون كنظر الإنسان الذي يغشى عليه لأنه في سياق الموت. لأن نظر من كان كذلك تدور فيه عينه ويزيغ بصره.
وهذا إنما وقع لهم من شدة الخوف من بأس الكفار المأمور بقتالهم.
وقد صرح جل وعلا بأن ذلك من الخوف المذكور في قوله: {فَإِذَا جَاءَ الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كالذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} [الأحزاب: 19].
وقد بين تعال. أن الأغنياء من هؤلاء المنافقين. إذا أنزل الله سورة. فيها الأمر بالجهاد. استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجهاد. وذمهم الله على ذلك. وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمنوا بالله وَجَاهِدُواْ مَعَ رسوله استأذنك أُولواْ الطول مِنْهُمْ وَقالواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ القاعدين رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهونَ} [التوبة: 86- 87].
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)}.
الهمزة في قوله: {أفلا يتدبرون} للأنكار. والفاء عاطفة على جملة محذوفة. على أصح القولين. والتقدير أيعرضون عن كتاب الله فلا يتدبرون القرآن كما أشار له في الخلاصة بقوله:
وحذف متبوع بدا هنا استبح

وقوله تعالى: {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} فيه منقطعة بمعنى بل. فقد أنكر تعالى عليهم إعراضهم عن تدبر القرآن. بأداة الأنكار التي هي الهمزة. وبين أن قلوبهم عليها أقفال لا تنفتح لخير. ولا لفهم قرآن.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من التوبيخ والأنكار على من أعرض عن تدبر كتاب الله. جاء موضحًا في آيات كثيرة. كقوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن ولوكَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيرًا} [النساء: 82]. وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول أَمْ جَاءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ ابَاءَهُمُ الأولين} [المؤمنون: 68]. وقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آياتهِ وليتَذَكَّرَ أُولوالألباب} [ص: 29].
وقد ذم جل وعلا المعرض عن هذا القرآن العظيم في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} [الكهف: 57] الآية. وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: 22].
ومعلوم أن كل من لم يشتغل بتدبر آيات هذا القرآن العظيم أي تصفحها وتفهمها. وإدراك معانيها والعمل بها. فإنه معرض عنها. غير متدبر لها. فيستحق الأنكار والتوبيخ المذكور في الآيات إن كان الله أعطاه فهمًا يقدر به على التدبر. وقد شكا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه من هجر قومه هذا القرآن. كما قال تعالى: {وَقال الرسول يارب إِنَّ قَوْمِي اتخذوا هذا القرآن مَهْجُورًا} [الفرقان: 30].
وهذه الآيات المذكورة تدل على أن تدبر القرآن وتفهمه وتعلمه والعمل به. أمر لابد منه للمسلمين.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المشتغلين بذلك هم خير الناس. كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» وقال تعالى: {ولكن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكتاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].
فإعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة به وبالنسبة الثابتة المبينة له. من أعظم المناكر وأشنعها. وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى.
ولا يخفى على عاقل أن القول بمنع العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. اكتفاء عنهما بالمذاهب المدونة. وانتفاء الحاجة إلى تعلمهما. لوجود ما يكفي عنهما من مذاهب الأئمة من أعظم الباطل.
وهومخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة. ومخالف لأقوال الأئمة الأربعة.
وهومخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة ومخالف لأقوال الأئمة الأربعة.
فمرتكبه مخالف لله ولرسوله ولاصحاب رسوله جميعًا وللأئمة رحمهم الله. كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى.
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة:
المسألة الأولى:
اعلم أن قول بعض متأخري الأصو ليين: إن تدبر هذا القرآن العظيم. وتفهمه والعمل به. لا يجوز إلا للمجتهدين خاصة. وأن كل من لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق بشروطه المقررة عندهم التي لم يستند اشتراط كثير منها إلى دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس جلي. ولا أثر عن الصحابة. قول لا مستند له من دليل شرعي أصلًا.
بل الحق الذي لا شك فيه. أن كل من له قدرة من المسلمين. على التعلم والتفهم. وإدراك معانى الكتاب والسنة. يجب عليه تعلمهما. والعمل بما علم منهما.
أما العمل بهما مع الجهل بما يعمل به منهما فممنوع إجماعًا.
وأما ما علمه منهما علمًا صحيحًا ناشئًا عن تعلم صحيح. فله أن يعمل به. ولوآية واحدة أوحديثًا واحدًا.
ومعلوم أن هذا الذم والأنكار على من يتدبر كتاب الله عام لجميع الناس.
ومما يوذح ذلك أن المخاطبين الأولين به الذين نزل فيهم هم المنافقون والكفار. ليس أحد منهم مستكملًا لشروط الاجتهاد المقررة عند أهل الأصو ل. بل ليس عندهم شيء منها أصلًا. فلوكان القرآن لا يجوز أن ينتفع بالعمل به. والاهتداء بهديه إلا المجتهدون بالإصلاح الأصو لي لما وبخ الله الكفار وأنكر عليهم عدم الاهتداء بهداه. ولما أقام عليهم الحجة به حتى يحصلوا شروط الاجتهاد المقررة عند متأخري الأصو ليين. كما ترى.
ومعلوم أن من المقرر في الأصو ل أن صورة سبب النزول قطعية الدخول. وإذًا فدخول الكفار والمنافقين. في الآيات المذكورة قطعي. ولوكان لا يصح الأنتفاع بهدي القرآن إلا لخصوص المتجتهدين لما أنكر الله على الكفار عدم تدبرهم كتاب الله. وعدم عملهم به.
وقد علمت أن الواقع خلاف ذلك قطعًا. ولا يخفى أن شروط الاجتهاد لا تشترط إلا فيما فيه مجال للاجتهاد. والأمور المنصوصة في نصوص صحيحة. من الكتاب والسنة. لا يجوز الاجتهاد فيها لأحد. حتى تشترط فيها شروط الاجتهاد. بل ليس فيها إلا الاتباع. وبذلك تعلم أنما ذكره صاحب مراقي السعود تبعًا للقرأفي من قوله:
من لم يكن مجتهدًا فالعمل ** منه بمعنى النص مما يحظل

لا يصح على إطلاقه بحال لمعارضته لآيات وأحاديث كثيرة من غير استناد إلى دليل.
ومن المعلوم. أنه لا يصح تخصيص عمومات الكتاب والسنة. إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
ومن المعلوم أيضًا. أن عمومات الآيات والأحاديث. الدالة على حث جميع الناس. على العمل بكتاب الله. وسنة رسوله. أكثر من أن تحصى. كقوله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي» وقوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي» الحديث. ونحوذلك مام لا يحصى.
فتخصيص جميع تلك النصوص. بخصوص المتجتهدين وتحريم الأنتفاع بهدي الكتاب والسنة على غيرهم. تحريمًا باتًا يحتاج إلى دليل من كتاب الله أوسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يصح تخصيص تلك النصوص باراء جماعات من المتأخرين المقرين على أنفسهم بأنهم من المقلدين.
ومعلوم أن المقلد الصرف. لا يجوز عده من العلماء ولا من ورثة الأنبياء. كما سرتى إيضاحه إن شاء الله.
وقال صاحب مراقي السعود. في نشر البنود. في شرحه لبيته المذكور آنفًا ما نصه: يعني أن غير المتجهد. يحظل له. أي يمنع أن يعمل بمعنى نص من كتاب أوسنة وإن صح سندها لاحتمال عوارضه. من نسخ وتقييد. وتخصيص وغير ذلك من العوارض التي لا يضبطها إلا المجتهد. فلا يخلصه من الله إلا تقليد مجتهد. قاله القرافي. اه. محل الغرض منه بلفظه.
وبه تعلم أنه لا مستند له. ولا للقرأفي الذي تبعه. في منع جميع المسلمين. غير المجتهدين من العمل بكتاب الله. وسنة رسوله. إلا مطلق احتمال العوارض. التي تعرض لنصوص الكتاب والسنة. من نسخ أوتخصيص أوتقييد ونحوذلك. وهو مردود من وجهين:
الأول: أن الأصل السلامة من النسخ حتى يثبت ورود الناسخ والعام ظاهر في العموم حتى يثبت ورود المخصص. والمطلق ظاهر في الإطلاق. حتى يثبت ورود المقيد والنص يجب العمل به. حتى يثبت النسخ بدليل شرعي. والظاهر يجب العمل به عمومًا كان أوإطلاقًا أو غيرهما. حتى يرد دليل صارف عنه إلى المحتمل المرجوح. كما هو معروف في محله.
وأول من زعم أنه لا يجوز العمل بالعام. حتى يبحث عن المخصص فلا يوجد ونحوذلك. أبو العباس بن سريج وتبعه جماعات من المتأخرين. حتى حكوا على ذلك الإجماع حكاية لا أساس لها.
وقد أوضح ابن القاسم العبادي. في الآيات البينات غلطهم في ذلك. في كلامه على شرح المحل لقول ابن السبكي في جمع الجوامع. ويتمسك بالعام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. قبل البحث عن المخصص. وكذا بعد الوفاة. خلافًا لابن سريج اه.
وعلى كل حال فظواهر النصوص. من عموم وإطلاق. ونحوذلك. لا يجوز تركها إلا لدليل يجب الرجوع إليه. من مخصص أو مقيد. لا لمجرد مطلق الاحتمال. كما هو معلوم في محله.
فادعاء كثير من المتأخرين. أنه يجب ترك العمل به. حتى يبحث عن المخصص. والمقيد مثلًا خلاف التحقيق.
الوجه الثاني: أن غير المجتهد إذا تعلم بعض آيات القرآن. أوبعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها. تعلم ذلك النص العام. أو المطلق. وتعلم معه. مخصصه ومقيده إن كان مخصصًا أو مقيدًا. وتعلم ناسخه إن كان منسوخًا وتعلم ذلك سهل جدًّا. بسؤال العلماء العارفين به. ومراجعة كتب التفسير والحديث المعتد بها في ذلك. والصحابة كانوا في العصر الأول يتعلم أحدهم آية فيعمل بها. وحديثًا فيعمل به. ولا يمتنع من العمل بذلك حتى يحصل رتبة الاجتهاد المطلق. وربما عمل الإنسان بما علم فعلمه ما لم يكن يعلم. كما يشير له قوله تعالى: