فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم إن الله تعالى لم يوجب ذلك في رأس المال بل أوجب ذلك في الربح الذي هو من فضل الله وعطائه. وإن كان رأس المال أيضًا كذلك لكن هذا المعنى في الربح أظهر. ولما كان المال منه ما ينفق للتجارة فيه ومنه ما لا ينفق. وما أنفق منه للتجارة أحد قسميه وهو يحتمل أن تكون التجارة فيه رابحة. ويحتمل أن لا تكون رابحة فصار القسم الواحد قسمين فصار في التقدير كان الربح في ربعه فأوجب (ربع) عشر الذي فيه الربح وهو عشر فهو ربع العشر وهو الواجب. فعلم أن الله لا يسألكم أموالكم ولا الكثير منه.
{إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)}.
الفاء في قوله: {فَيُحْفِكُمْ} للإشارة إلى أن الإحفاء يتبع السؤال بيانًا لشح الأنفس. وذلك لأن العطف بالواوقد يكون للمثلين وبالفاء لا يكون إلا للمتعاقبين أو متعلقين أحدهما بالآخر فكأنه تعالى بيّن أن الإحفاء يقع عقيب السؤال لأن الإنسان بمجرد السؤال لا يعطي شيئًا وقوله: {تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أضغانكم} يعني ما طلبها ولوطلبها وألح عليكم في الطلب لبخلتم. كيف وأنتم تبخلون باليسير لا تبخلون بالكثير وقوله: {وَيُخْرِجْ أضغانكم} يعني بسببه فإن الطالب وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يطلبونكم وأنتم لمحبة المال وشح الأنفس تمتنعون فيفضي إلى القتال وتظهر به الضغائن.
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ}.
يعني: قد طلبت منكم اليسير فبخلتم فكيف لوطلبت منكم الكل وقوله: {هؤلاء} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون موصولة كأنه قال: أنتم هؤلاء الذين تدعون لتنفقوا في سبيل الله وثانيهما: {هؤلاء} وحدها خبر {أَنتُمْ} كما يقال أنت هذا تحقيقًا للشهرة والظهور أي ظهر أثركم بحيث لا حاجة إلى الإخبار عنكم بأمر مغاير ثم يبتدىء {تَدْعُونَ} وقوله: {تَدْعُونَ} أي إلى الإنفاق إما في سبيل الله تعالى بالجهاد. وإما في صرفه إلى المستحقين من إخوانكم. وبالجملة ففي الجهتين تخذيل الأعداء ونصرة الأولياء {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ}. ثم بيّن أن ذلك البخل ضرر عائد إليه فلا تظنوا أنهم لا ينفقونه على غيرهم بل لا ينفقونه على أنفسهم فإن من يبخل بأجرة الطبيب وثمن الدواء وهو مريض فلا يبخل إلا على نفسه. ثم حقق ذلك بقوله: {والله الغني} غير محتاج إلى مالكم وأتمه بقوله: {وَأَنتُمُ الفقراء} حتى لا تقولوا إنا أيضًا أغنياء عن القتال. ودفع حاجة الفقراء فإنهم لا غنى لهم عن ذلك في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فلانه لولا القتال لقتلوا. فإن الكافر إن يغز يغز. والمحتاج إن لم يدفع حاجته يقصده. لاسيما أباح الشارع للمضطر ذلك. وأما في الآخرة فظاهر فكيف لا يكون فقيرًا وهو موقوف مسؤو ل يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ثم قال تعالى: {وَإِن تَتَولواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} بيان الترتيب من وجهين: أحدهما: أنه ذكره بيانًا للاستغناء. كما قال تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [إبراهيم: 19] وقد ذكر أن هذا تقرير بعد التسليم. كأنه تعالى يقول: الله غني عن العالم بأسره فلا حاجة له إليكم.
فإن كان ذاهب يذهب إلى أن ملكه بالعالم وجبروته يظهر به وعظمته بعباده. فنقول هب أن هذا الباطل حق لكنكم غير متعينين له. بل الله قادر على أن يخلق خلقًا غيركم يفتخرون بعبادته. وعالمًا غير هذا يشهد بعظمته وكبريائه وثانيهما: أنه تعالى لما بيّن الأمور وأقام عليها البراهين وأوضحها بالأمثلة قال إن أطعتم فلكم أجوركم وزيادة وإن تتولوا لم يبق لكم إلا الأهلاك فإن ما من نبي أنذر قومه وأصروا على تكذيبه إلا وقد حق عليهم القول بالأهلاك وطهر الله الأرض منهم وأتى بقوم آخرين طاهرين. وقوله: {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} فيه مسألة نحوية يتبين منها فوائد عزيزة وهي: أن النحاة قالوا: يجوز في المعطوف على جواب الشرط بالواو والفاء وثم. الجزم والرفع جميعًا. قال الله تعالى ههنا {وَإِن تَتَولواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} بالجزم. وقال في موضع آخر.
{وَإِن يقاتلوكم يُولوكُمُ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} [آل عمران: 111] بالرفع بإثبات النون وهو مع الجواز. ففيه تدقيق: وهو أن ههنا لا يكون متعلقًا بالتو لي لأنهم إن لم يتولوا يكونون ممن يأتي بهم الله على الطاعة وإن تولوا لا يكونون مثلهم لكونهم عاصين. كون من يأتي بهم مطيعين. وأما هناك سواء قاتلوا أولم يقاتلوا لا ينصرون. فلم يكن للتعليق هناك وجه فرفع بالابتداء. وههنا جزم للتعليق.
وقوله: {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون المراد {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} في الوصف ولا في الجنس وهو لائق الوجه الثاني: وفيه وجوه أحدها: قوم من العجم ثانيها: قوم من فارس روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن يستبدل بهم إن تولوا وسلمان إلى جنبه فقال: «هذا وقومه» ثم قال: «لوكان الإيمان منوطًا بالثريا لناله رجال من فارس» وثالثها: قوم من الأنصار. والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين. وصلاته على خير خلقه محمد النبي واله وصحبه وعترته وال بيته أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا امين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ ولهو}.
تقدّم في (الأنعام).
{وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} شرط وجوابه {ولاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} أي لا يأمركم بإخراج جميعها في الزكاة؛ بل أمر بإخراج البعض؛ قاله ابن عُيينة وغيره.
وقيل: {لاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} لنفسه أولحاجة منه إليها؛ إنما يأمركم بالإنفاق في سبيله ليرجع ثوابه إليكم.
وقيل: {لاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} إنما يسألكم أمواله؛ لأنه المالك لها وهو المنعم بإعطائها.
وقيل: ولا يسألكم محمد أموالكم أجرًا على تبليغ الرسالة.
نظيره: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان: 75] الآية.
{إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} يلحّ عليكم؛ يقال: أحفى بالمسألة وألحف وألحّ بمعنًى واحد.
والحَفِيّ المستقصِي في السؤال؛ وكذلك الإحفاء الاستقصاء في الكلام والمنازعة.
ومنه أحفى شاربه أي استقصى في أخذه.
{تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} أي يخرج البخل أضغانكم.
قال قتادة: قد علم الله أن في سؤال المال خروج الأضغان.
وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن مُحَيصِن وحميد {وتَخرُج} بناء مفتوحة وراء مضمومة.
{أَضْغَانُكُمْ} بالرفع لكونه الفاعل.
وروى الوليد عن يعقوب الحضرميّ {ونخرج} بالنون.
وأبو معمر عن عبد الوارث عن أبي عمرو {ويخرج} بالرفع في الجيم على القطع والاستئناف والمشهور عنه {ويُخْرِج} كسائر القراء. عطف على ما تقدّم.
قوله تعالى: {هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ} أي هأنتم هؤلاء أيها المؤمنون تدعون {لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} أي في الجهاد وطريق الخير.
{فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} أي على نفسه؛ أي يمنعها الأجر والثواب.
{والله الغني} أي إنه ليس بمحتاج إلى أموالكم.
{وَأَنتُمُ الفقراء} إليها.
{وَإِن تَتَولواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} أي أطوع لِلّه منكم.
روى الترمذيّ عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {وَإِن تَتَولواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم} قالوا: ومن يُستبدل بنا؟ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكِب سلمان ثم قال: هذا وقومه.
هذا وقومه قال: حديث غريب في إسناده مقال.
وقد روى عبد الله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني أيضًا هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله. من هؤلاء الذين ذكر الله إن تَو لينا استبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ سلمان. قال: هذا وأصحابه.
والذي نفسي بيده لوكان الإيمان مَنُوطًا بالثُّرَيَّا لتناوله رجال من فارس وقال الحسن: هم العجم.
وقال عكرمة: هم فارس والروم.
قال المحاسبيّ: فلا أحد بعد العرب من جميع أجناس الأعاجم أحسنُ دِينًا. ولا كانت العلماء منهم إلا الفرس.
وقيل: إنهم اليمن. وهم الأنصار؛ قاله شريح بن عبيد.
وكذا قال ابن عباس: هم الأنصار.
وعنه أنهم الملائكة.
وعنه هم التابعون.
وقال مجاهد: إنهم من شاء من سائر الناس.
{ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم} قال الطبريّ: أي في البخل بالإنفاق في سبيل الله.
وحكي عن أبي موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هي أحبّ إليّ من الدنيا. والله أعلم. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله سبحانه: {إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ ولهو}.
تحقير لأمر الدنيا.
وقوله: {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} معناه: هذا هو المطلوب منكم. لا غيره؛ لا تُسْأَلُون أموالكم. ثم قال سبحانهُ مُنَبِّهًا على خُلق ابن آدم: {إِن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ} والإحفاء هو أشدُّ السؤال. وهو الذي يَسْتَخْرِجُ ما عند المسؤو ل كرهًا.
ت: وقال الثعلبيُّ: {فيحفكم} أي: يجهدكم ويلحف عليكم.
وقوله: {تبخلوا} جزمًا على جواب الشرط {ويخرج أضغانكم} أي: يخرج اللَّه أضغانكم. وقرأ يعقوب: {وَنُخْرِجْ} بالنون. والأضغان: مُعْتَقَدَاتُ السوء. وهو الذي كان يخاف أنْ يعترِيَ المسلمين. ثم وقف اللَّه تعالى عباده المؤمنين على جهة التوبيخ لبعضهم بقوله: {هَأَنْتُمْ هَؤُلاءِ} وكرر (هاء) التنبيه؛ تأكيدًا.
وقوله تعالى: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} أي: بالثواب {والله الغنى} أي: عن صدقاتكم {وَأَنتُمُ الفقراء} إلى ثوابها.
ت: هذا لفظ الثعلبيِّ.
قال ع: يقال: بَخِلْتُ عليك بكذا. وبخلت عنك بمعنى أمسكت عنك. وروى التِّرْمِذِيُّ عن أبي هريرةَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ. قَرِيبٌ مِنَ الجَنَّةِ. قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ. بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ. وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ. بَعِيدٌ مِنَ الجَنَّةِ. بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ. قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ. ولجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ». قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. غريب. انتهى.
وقوله سبحانه: {وَإنْ تَتَولوا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} قالت فرقة: هذا الخطاب لجميعِ المسلمين والمشركين والعرب حينئذٍ. والقوم الغير هم فارس. وروى أبو هريرةَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ هذا وَكَانَ سَلْمَانُ إلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَقال: «قَوْمُ هَذَا؛ لَو كَانَ الدِّينُ في الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ». وقوله سبحانه: {ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} معناه: في الخلاف والتو لى والبُخْلِ بالأموال ونحوهذا. وحكى الثعلبيُّ قولا أَنَّ القوم الغير هم الملائكة.
ت: وليس لأحد مع الحديث: إذا صَحَّ نظر. ولولا الحديثُ لاحتمل أن يكون الغير ما يأتي من الخَلَفِ بعد ذهاب السَّلَفِ. على ما ذكر في غير هذا الموضع. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ ولهو}.
لا ثبات لها ولا اعتداد بها {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} أي ثواب إيمانكم وتقواكم من الباقيات الصالحات التي يتنافس فيها المتنافسون {ولاَ يَسْئَلْكُمْ} عطف على الجزاء والإضافة للاستغراق. والمعنى إن تؤمنوا لا يسألكم جميع أموالكم كما يأخذ من الكافر جميع ماله. وفيه مقابلة حسنة لقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} كأنه قيل: يعطكم كل الأجور ويسألكم بعض المال وهو ما شرعه سبحانه من الزكاة. وقول سفيان بن عيينة أي لا يسألكم كثيرًا من أموالكم إنما يسألكم ربع العشر فطيبوا أنفسكم بيان لحاصل المعنى. وقيل: أي لا يسألكم ما هو مالكم حقيقة وإنما يسألكم ماله عز وجل وهو المالك لها حقيقة وهو جل شأنه المنعم عليكم بالأنتفاع بها. وقيل: أي لا يسألكم أموالكم لحاجته سبحانه إليها بل ليرجع إنفاقكم إليكم. وقيل: أي لا يسألك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئًا من أموالكم أجرًا على تبليغ الرسالة كما قال تعالى: {قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} [ص: 86] ووجه العليق عليها غير ظاهر وفي بعضها أيضًا ما لا يخفى.
{إِن يَسْئَلْكُمُوهَا} أي أموالكم {فَيُحْفِكُمْ} فيجهدكم بطلب الكل فإن الإحفاء والإلحاف المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء يقال: أحفاه في المسئلة إذا لم يترك شيئًا من الإلحاح وأحفى شاربه استأصله وأخذه أخذًا متناهيًا. وأصل ذلك على ما قال الراغب: من أحفيت الدابة جعلته حافيًا أي منسحج الحافر والبعير جعلته منسحج الفرسن من المشي حتحتى يرق {تَبْخَلُواْ} جواب الشرط. والمراد بالبخل هنا ترك الإعطاء إذ هو على المعنى المشهور أمر طبيعي لا يترتب على السؤال {وَيُخْرِجْ أضغانكم} أي أحقادكم لمزيد حبكم للمال وضمير {يَخْرُجُ} لله تعالى ويعضده قراءة يعقوب.
ورويت أيضًا عن ابن عباس {وَنُخْرِجُ} بالنون مضمومة. وجوز أن يكون للسؤال أوللبخل فإنه سبب إخراج الأضغان والإسناد على ذلك مجازي. وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو {وَيُخْرِجْ} بالرفع على الاستئناف. وجوز جعل الجملة حالًا بتقدير وهو يخرج وحكاها أبو حاتم عن عيسى. وفي (اللوامح) عن عبد الوارث عن أبي عمرو {وَيُخْرِجْ} بالياء التحتية وفتحها وضم الراء والجيم {أضغانكم} بالرفع على الفاعلية.
وقرأ ابن عباس. ومجاهد. وابن سيرين. وابن محيصن. وأيوب بن المتوكل. واليماني {وَتُخْرِجُ} بتاء التأنيث ورفع {أضغانكم}. وقرىء {وَيُخْرِجْ} بضم الياء التحتية وفتح الراء {أضغانكم} رفعًا على النيابة عن الفاعل وهي مروية عن عيسى إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن فالواو عاطفة على مصدر متصيد أي يكن بخلكم وإخراج أضغانكم.