فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ثُمَّ أَنتُمْ هؤلاء} أي أنتُم أيها المخاطبونَ هؤلاء الموصوفونَ. وقوله تعالى: {تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله} استثنافٌ مقررٌ لذلكَ أوصلةٌ لهؤلاءِ على أنَّه بمَعْنى الذينَ. أي هَا أنتُم الذين تُدعَونَ ففيهِ توبيخٌ عظيمٌ وتحقيرٌ مَنْ شأنِهم. والإنفاق في سبيلِ الله يعمُّ الغزو والزكاةَ وغيرَهُما.
{فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} أي ناسٌ يبخلونَ وهو في حيزِ الدليلِ على الشرطيةِ السابقةِ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَيَقول الذين ءآمنوا لولا نُزّلَتْ سُورَةٌ}.
وذلك أنهم كانوا يأنسون بالوحي. ويستوحشون إذا أبطأ. فاشتاقوا إلى الوحي. فقالوا: لولا نزلت.
هلاّ نزلت سورة.
قال الله تعالى: {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} يعني: مبينة الحلال. والحرام {وَذُكِرَ فِيهَا القتال} يعني: أمروا فيها بالقتال.
وقال قتادة: كل سورة ذكر فيها ذكر القتال فهي محكمة.
وقال القتبي في قراءة ابن مسعود: {سورة محدثة}. وتسمى المحدثة محكمة. لأنها إذا نزلت تكون محكمة ما لم ينسخ منها شيء.
ويقال: {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} فِيها ذكر القتال. وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم فرح بها المؤمنون. وكره المنافقون. فذلك قوله: {رَأَيْتَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} يعني: الشك. والنفاق.
{يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} كراهية لنزول القرآن.
يعني: إنهم يشخصون نحوك بأبصارهم. وينظرون نظرًا شديدًا من شدة العداوة. كما ينظر المريض عند الموت.
{فأولى لَهُمْ} فهذا تهديد. ووعيد.
يعني: وليهم المكروه.
يعني: قل لهم احذروا العذاب. وقد تم الكلام.
ثم قال: {طَاعَةٌ وَقول مَّعْرُوفٌ} قال القتبي: هذا مخصوص.
يعني: قولهم قبل نزول الفرض. سمعًا لك وطاعة.
فإذا أمروا به كرهوا.
ذلك.
ويقال: معناه {طَاعَةٌ وَقول مَّعْرُوفٌ} أمثل لهم.
ويقال: معناه فإذا أنزلت سورة ذات طاعة. يؤمر فيها بالطاعة. وقول معروف {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} أي: جاء الجد. ووقت القتال. فلم يذكر في الآية جوابه.
والجواب فيه مضمر.
معناه: {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} يعني: وجب الأمر. وجد الأمر. كرهوا ذلك.
ثم ابتدأ فقال: {فلو صدقوا الله لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} يعني: لوصدقوا الله في النبي. وما جاء به. لكان خيرًا لهم من الشرك والنفاق.
قوله: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوليْتُم} يعني: لعلكم وَإِن وليتم أمر هذه الأمة {أَن تُفْسِدُواْ في الأرض} بالمعاصي.
يعني: أن تعصوا الله في الأرض {وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ}.
قال السدي: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوليْتُم أَن تُفْسِدُواْ في الأرض} بالمعاصي {وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} فإن المؤمنين إخوة.
فإذا قتلوهم. فقد قطعوا أرحامهم.
وروى جبير عن الضحاك قال: نزلت في الأمراء: {إِن تَوليْتُم} أمر الناس {أَن تُفْسِدُواْ في الأرض}.
ويقال: معناه إن أعرضتم عن دين الإسلام. وعما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء. ودفن البنات. وقطع الأرحام. {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوليْتُم} يعني: هل تريدون إذا أنتم تركتم النبي صلى الله عليه وسلم. وما أمركم به. إِلاَّ أن تعودوا إلى مثل ما كنتم عليه من الكفر. والمعاصي. وقطع الأرحام.
قرأ نافع: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} بكسر السين.
والباقون: بالنصب.
وهما لغتان. إلا أن النصب أظهر عند أهل اللغة.
قوله عز وجل: {أولئِكَ الذين لَعَنَهُمُ الله} يعني: أهل هذه الصفة خذلهم الله. وطردهم من رحمته.
قوله: {فَأَصَمَّهُمْ} عن الهدى. فلا يعقلونه {وأعمى أبصارهم} عن الهدى: فلا يبصرونه عقوبة لهم.
قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} يعني: أفلا يسمعون القرآن. ويعتبرون به. ويتفكرون فيما أنزل الله تعالى فيه. من وعد ووعيد. وكثرة عجائبه. حتى يعلموا أنه من الله تعالى. وتقدس.
{أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} يعني: بل على قلوب أقفالها.
يعني: أقفل على قلوبهم ومعناه: أن أعمالهم لغير الله ختم على قلوبهم.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم} يعني: رجعوا إلى الشرك {مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} يعني: من بعد ما ظهر لهم الإسلام.
قال قتادة: {إِنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم} وهم أهل الكتاب عرفوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم. وكفروا به.
ويقال: نزلت في المرتدين.
ثم قال عز وجل: {الشيطان سول لَهُمْ} يعني: زين لهم ترك الهدى. وزين لهم الضلالة.
{وأملى لَهُمْ ذلك} قرأ أبو عمرو: {وَأُمْلِى} بضم الألف. وكسر اللام. وفتح الياء على معنى فعل ما لم يسم فاعله.
والباقون {وأملى} بنصب اللام. والألف.
يعني: أمهل الله لهم. فلم يعاقبهم حين كذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
ويقال: زين لهم الشيطان. وأملى لهم الشيطان.
يعني: خيل لهم تطويل المدة. والبقاء.
وقرأ يعقوب الحضرمي: {وَأُمْلِى} بضم الألف. وكسر اللام. وسكون الياء.
ومعناه: أنا أملي يعني: أطو ل لهم المدة كما قال: {إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًَا} ثم قال ذلك: يعني: اللعن. والصمم. والعمى. والتزين. والإملاء.
{بِأَنَّهُمْ قالواْ لِلَّذِينَ كَرِهواْ مَا نَزَّلَ الله} وهم المنافقون. قالوا ليهود بني قريظة والنضير وهم الذين كرهوا ما نزل الله.
يعني: تركوا الإيمان بما أنزل الله من القرآن. {سَنُطِيعُكُمْ في بَعْضِ الأمر} يعني: سنغنيكم في بعض الأمر. {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} فيما قالوا فيما بينهم.
قرأ حمزة. والكسائي. وعاصم. في رواية حفص: {إِسْرَارَهُمْ} بكسر الألف.
والباقون: بالنصب.
فمن قرأ: بالنصب.
فهو جمع السر.
ومن قرأ: بالكسر. فهو مصدر أسررت إسرارًا.
ويقال: سر وأسرار.
ثم خوفهم فقال الله تعالى: {فَكَيْفَ} يعني: كيف يصنعون {إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة} يعني: تقبض أرواحهم الملائكة. ملك الموت. وأعوانه. {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} يعني: عند قبض الأرواح.
ويقال: يعني: يوم القيامة في النار.
{ذلك} أي: ذلك الضرب الذي نزل بهم عند الموت. وفي النار.
{بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله} يعني: اتبعوا الكفر. وتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَكَرِهواْ رِضْوَانَهُ} يعني: عملوا بما لم يرض الله به. وتركوا العمل بما يرضي الله تعالى.
{فَأَحْبَطَ أعمالهم} يعني: أبطل ثواب أعمالهم.
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} يعني: أيظن أهل النفاق. والشك. {أَن لَّن يُخْرِجَ الله أضغانهم} يعني: لم يظهر الله نفاقهم.
ويقال: يعني: الغش الذي في قلوبهم للمؤمنين. وعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
{ولو نشاء لأريناكهم} يعني: لعرفتك المنافقين. وأعلمتك. {فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} يعني: بعلاماتهم الخبيثة.
ويقال: {فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} إذا رأيتهم.
ويقال: لونشاء. لجعلنا على المنافقين علامة. فلعرفتهم بسيماهم.
يعني: حتى عرفتهم.
{ولتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ القول} يعني: ستعرفهم يا محمد بعد هذا اليوم {فِى لَحْنِ القول} يعني: في محأو رة الكلام.
ويقال: {فِى لَحْنِ القول} يعني: كذبهم إذا تكلموا. فلم يخفَ على النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية. منافق عنده إلا عرفه بكلامه.
ثم قال: {والله يَعْلَمُ أعمالكم} يعني: لم يخف عليه أعمالكم قبل أن تعملوها. فكيف يخفى عليه إذا عملتموها.
{ولنبلونكم} يعني: لنختبرنكم عند القتال {حتى نَعْلَمَ} أي: نميز {المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} يعني: صبر الصابرين عند القتال {وَنَبْلُوأخباركم} يعني: نختبر أعمالكم.
ويقال: أسراركم.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {وليَبْلُونَّكُم حَتَّى يَعْلَمَ وَيَبْلُوَا} الثلاثة كلها بالياء.
يعني: يختبركم الله.
والباقون الثلاثة كلها بالنون على معنى الإضافة إلى نفسه.
قوله عز وجل: {عَنْهُ وكفى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا إِنَّ الذين كَفَرُواْ} يعني: جحدوا {وَصُدُّواْ} يعني: صرفوا الناس عن دين الإسلام {عَن سَبِيلِ الله} قال مقاتل: يعني: اليهود.
وقال الكلبي: يعني: رؤساء قريش حيث شاقوا أهل التوحيد {وَشَاقُّواْ الرسول} يعني: عادوا الله تعالى. ورسوله. وخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين {مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} يعني: الإسلام. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أنه الحق {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} يعني: لن ينقصوا الله من ملكه شيئًا بكفرهم. بل يضروا بأنفسهم {وَسَيُحْبِطُ أعمالهم} يعني: يبطل ثواب أعمالهم التي عملوا في الدنيا. فلا يقبلها منهم.
قوله تعالى: {بَصِيرًا يا أيها الذين ءآمنوا أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} يعني: أطيعوه في السر. كما في العلأنية.
ويقال: {أَطِيعُواْ الله} في الفرائض {وَأَطِيعُواْ الرسول} في السنن. وفيما يأمركم من الجهاد {ولاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم} يعني: حسناتكم بالرياء.
وقال أبو العالية: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع قول لا إله إلا الله ذنب. كما لا ينفع مع الشرك عمل. حتى نزل {أعمالهم يا أيها الذين ءآمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول ولا تُبْطِلُواْ أعمالكم} فخافوا أن تبطل الذنوب الأعمال.
وقال مقاتل: نزلت في الذين يمنون عليك أن أسلموا {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} قال مقاتل: وذلك أن رجلًا سأله عن والده أنه كان محسنًا في كفره. قال: هو في النار.
فو لى الرجل يبكي. فدعاه. فقال له: «والدك ووالدي ووالد إبراهيم في النار».
فنزل: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} {ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} قال الكلبي: نزلت الآية في رؤساء أهل بدر.
قوله تعالى: {فَلاَ تَهِنُواْ} يعني: لا تضعفوا عن عدوكم {وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} يعني: إلى الصلح.
أي: لا تهنوا. ولا تدعوا إلى الصلح نظير.
قوله تعالى: {ولاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل وَتَكْتُمُواْ الحق وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42] يعني: ولا تكتموا الحق وفي هذه الآية دليل على أن أيدي المسلمين. إذا كانت عالية على المشركين. لا ينبغي لهم أن يجيبوهم إلى الصلح. لأن فيه ترك الجهاد.
وإن لم تكن يدهم عالية عليهم. فلا بأس بالصلح لقوله تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّهُ هو السميع العليم} [الأنفال: 61] يعني: إن مالوا للصلح فمل إليه.
قرأ حمزة في رواية أبي بكر: {إلى السلم} بكسر السين.
والباقون: بالنصب.
قال بعضهم: وهما لغتان.
وقال بعضهم: أحدهما صلح. والآخر استسلام.
ثم قال: {وَأَنتُمُ الأعلون} يعني: العالين يكون آخر الأمر لكم {والله مَعَكُمْ} يعني: معينكم. وناصركم. {ولن يَتِرَكُمْ أعمالكم} يعني: لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئًا.
يقال: وترتني حقي يعني: بخستني فيه.
وقال مجاهد: لن ينقصكم.
وقال قتادة: لن يظلمكم.
{إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ ولهو} يعني: باطل. وفرح.
{وَإِن تُؤْمِنُواْ} أي: تستقيموا على التوحيد {وَتَتَّقُواْ} النفاق {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} يعني: يعطكم ثواب أعمالكم {ولاَ يَسْئَلْكُمْ أموالكم} يعني: لا يسألكم جميع أموالكم. ولكن ما فضل منها {إِن يَسْئَلْكُمُوهَا} يعني: جميع الأموال {فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ} يعني: إن يلح عليكم بما يوجبه في أموالكم.
ويقال: {فَيُحْفِكُمْ} يعني: يجهدكم كثرة المسألة {تَبْخَلُواْ} بالدفع {وَيُخْرِجْ أضغانكم} يعني: يظهر بغضكم. وعدواتكم لله تعالى. ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين.
ويقال: ويخرج ما في قلوبكم من حب المال.
يقول: هذا للمسلمين.
ويقال: هذا للمنافقين.
يعني: يظهر نفاقكم.