فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أحدهما: أنه وعيد. كأنه قال: العقاب أولى لهم. قاله قتادة.
الثاني: أولى لهم. {طَاعَةٌ وَقول مَعْرُوفٌ} من أن يجزعوا من فرض الجهاد عليهم. قاله الحسن.
وفيه وجه ثالث: أن قوله: {طَاعَةٌ وَقول مَعْرُوفٌ} حكاية من الله عنهم قبل فرض الجهاد عليهم. ذكره ابن عيسى.
والطاعة هي الطاعة لله ورسوله في الأوامر والنواهي. وفي القول المعروف وجهان:
أحدهما: هو الصدق والقبول.
الثاني: الإجابة بالسمع والطاعة.
{فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ} أي جد الأمر في القتال.
{فلو صدقوا اللَّه} بأعمالهم {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} من نفاقهم.
قوله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوليْتُم أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: فهل عسيتم إن توليتم أمور الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم. قاله الكلبي.
الثاني: فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجعلتم حكامًا أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا. قاله أبو العالية.
الثالث: فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب الله أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء الحرام.
{وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ}. قاله قتادة.
الرابع: فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام. قاله ابن جريج.
وفي هذه الآية ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه عنى بها المنافقين وهو الظاهر.
الثاني: قريشًا. قاله أبو حيان.
الثالث: أنها نزلت في الخوارج. قاله بكر بن عبد الله المزني.
قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعدما علموا في التوراة أنه نبي. قاله قتادة وابن جريج.
الثاني: المنافقون قعدوا عن القتال من بعدما علموه في القرآن. قاله السدي.
{الشَّيْطَانُ سول لَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أعطاهم سؤالهم. قاله ابن بحر.
الثاني: زين لهم خطاياهم. قاله الحسن.
{وَأَمْلَى لَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أمهلهم. قاله الكلبي ومقاتل فعلى هذا يكون الله تعالى هو الذي أملى لهم بالإمهال في عذابهم.
والوجه الثاني: أن معنى أملى لهم أي مد لهم في الأمل فعلى هذا فيه وجهان:
أحدهما: أن الله تعالى هو الذي أملى لهم في الأمل. قاله الفراء والمفضل.
الثاني: أن الشيطان هو الذي أملى لهم في مد الأمل بالتسويف. قاله الحسن.
{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالواْ لِلَّذِينَ كَرِهواْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ} وفي قائل ذلك قولان:
أحدهما: أنهم اليهود قالوا للمنافقين سنطيعكم في بعض الأمر. وفيما أرادوا بذلك وجهان:
أحدهما: سنطيعكم في ألا نصدق بشيء. من مقالته. قاله الضحاك.
الثاني: سنطيعكم في كتم ما علمنا من نبوته. قاله ابن جريج.
القول الثاني: أنهم المنافقون قالوا لليهود سنطيعكم في بعض الأمر وفيما أرادوه بذلك ثلاثة أوجه:
أحدهما: سنطيعكم في غير القتال من بغض محمد صلى الله عليه وسلم والقعود عن نصرته. قال السدي.
الثاني: سنطيعكم في الميل إليكم والمظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث: سنطيعكم في الارتداد بعد الإيمان.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما اسر بعضهم إلى بعض من هذا القول.
الثاني: ما أسروه في أنفسهم من هذا الاعتقاد.
قوله عز وجل: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: بالقتال نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: بقبض الأرواح عند الموت.
{يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارُهُمْ} يكون على احتمال وجهين:
أحدهما: يضربون وجوههم في القتال عند الطلب وأدبارهم عند الهرب.
الثاني: يضربون وجوههم عند الموت بصحائف كفرهم. وأدبارهم في القيامة عند سوقهم إلى النار.
قوله عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} فيه وجهان:
أحدهما: شك. قاله مقاتل.
الثاني: نفاق. قاله الكلبي.
{أَن لن يُخْرِجَ أَضْغَانَهُمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: غشهم. قاله السدي.
الثاني: حسدهم. قاله ابن عباس.
الثالث: حقدهم. قاله ابن عيسى.
الرابع: عدوانهم. قاله قطرب وأنشد:
قل لابن هند ما أردت بمنطق ** ساء الصديق وسر ذا الأضغان

قوله عز وجل: {ولتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول} فيه وجهان:
أحدهما: في كذب القول. قاله الكلبي.
الثاني: في فحوى كلامهم. واللحن هو الذهاب بالكلام في غير جهته. مأخوذ من اللحن في الإعراب وهو الذهاب عن الصواب ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُم لَتَحْتَكِمُونَ إِليَّ. أَحَدَكُمْ أَن يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ» أي أذهب بها في الجهات لقوته على تصريف الكلام. قال مرار الأسدي:
ولحنت لحنًا فيه غش ورابني ** صدودك ترصين الوشاة الأعاديا

قال الكلبي: فلم يتكلم بعد نزولها منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالُكُم} فيه وجهان:
أحدهما: المجاهدين في سبيل الله.
الثاني: الزاهدين في الدنيا.
{وَالصَّابِرِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: على الجهاد.
الثاني: عن الدنيا.
{وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: نختبر أسراركم.
الثاني: ما تستقبلونه من أفعالكم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَآمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول} فيه وجهان:
أحدهما: أطيعوا الله بتوحيده. وأطيعوا الرسول بتصديقه.
الثاني: أطيعوا الله في حرمة الرسول. وأطيعوا الرسول في تعظيم الله.
{ولاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَالَكُم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي. قاله الحسن.
الثاني: لا تبطلوها بالكبائر. قاله الزهري.
الثالث: لا تبطلوها بالرياء والسمعة. وأخلصوها لله. قاله ابن جريج والكلبي.
قوله عز وجل: {ولن يَتِرَكُم أَعمَالَكْم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لن ينقصكم أعمالكم. قاله مجاهد وقطرب. وأنشد قول الشاعر:
إن تترني من الإجارة شيئًا ** لا يفتني على الصراط بحقي

الثاني: لن يظلمكم. قاله قتادة. يعني أجور أعمالكم.
الثالث: ولا يستلبكم أعمالكم. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله».
قوله عز وجل: {ولاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يسألكم أموالكم لنفسه.
الثاني: لا يسألكم جميع أموالكم في الزكاة ولكن بعضها.
الثالث: لا يسألكم أموالكم وإنما يسألكم أمواله. لأنه أملك بها وهو المنعم بإعطائها.
{إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الإخفاء أخذ الجميع. قاله ابن زيد وقطرب.
الثاني: أنه الإلحاح وإكثار السؤال. مأخوذ من الحفاء وهو المشي بغير حذاء. قاله ابن عيسى.
الثالث: أن معنى فيحفكم أي فيجدكم تبخلوا. قاله ابن عيينة.
{وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يظهر بامتناعكم ما أضمرتموه من عدوانكم.
الثاني: تظهرون عند مسألتكم ما أضمرتموه من عداوتكم.
قوله عز وجل: {وَإِن تَتَولواْ يَستَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: وإن تتولوا عن كتابي. قاله قتادة.
الثاني: عن طاعتي. حكاه ابن أبي حاتم.
الثالث: عن الصدقة التي أُمرتم بها. قاله الكلبي.
الرابع: عن هذا الأمر فلا تقبلونه. قاله ابن زيد.
{يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم أهل اليمن وهم الأنصار. قاله شريح بن عبيد.
الثاني: أنهم الفرس. روى أبو هريرة قال: لما نزل {وَإِن تَتَولواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُم ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أمْثَالَكُم} كان سلمان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تو لينا يستبدلوا بنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان وقال: «هذا وَقَومُهُ. والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوأَنَّ الدِّينَ مُعَلَّقٌ بِالثُّرَيَّا لَنالَهُ رَِجَالٌ مِن أَبْنَاءِ فَارِس».
الثالث: أنهم من شاء من سائر الناس. قاله مجاهد.
{ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} فيه وجهان:
أحدهما: يعني في البخل بالإنفاق في سبيل الله. قاله الطبري.
الثاني: في المعصية وترك الطاعة.
وحكي عن أبي موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن الدُّنْيَا». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ويقول الذين آمنوا لولا نُزِّلَتْ سُورةٌ}.
قال المفسرون: سألوا ربَّهم أن يُنزل سُورةً فيها ثواب القتال في سبيل الله. اشتياقًا منهم إلى الوحي وحِرصًا على الجهاد. فقالوا: (لولا) أي: هلا؛ وكان أبو مالك الأشجعي يقول: (لا) هاهنا صلة. فالمعنى: لوأُنزلتْ سورة. شوقًا منهم إِلى الزيادة في العِلْم. ورغبةً في الثواب والأجر بالاستكثار من الفرائض.
وفي معنى {مُحكَمة} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها التي يُذْكَر فيها القتال. قاله قتادة.
والثاني: أنها التي يُذْكَر فيها الحلال والحرام.
والثالث: التي لا منسوخ فيها. حكاهما أبو سليمان الدمشقي.
ومعنى قوله: {وذُكِرَ فيها القتالُ} أي: فُرِضَ فيها الجهاد.
وفي المراد بالمرض قولان.
أحدهما: النفاق. قاله ابن عباس. والحسن. ومجاهد. والجمهور.
والثاني: الشكّ. قاله مقاتل.
قوله تعالى: {ينظُرونَ إِليك} أي: يَشْخَصون نحوك بأبصارهم ينظرون نظرًا شديدًا كما ينظُر الشاخص ببصره عند الموت. لأنهم يكرهون القتال. ويخافون إِن قعدوا أن يتبيَّن نفاقُهم.
{فأولى لهم} قال الأصمعي: معنى قولهم في التهديد: (أولى لكَ) أي: وليكَ وقارَبَك ما تَكْره.
وقال ابن قتيبة: هذا وَعِيدُ وتهديد. تقول للرجُل إذا أردتَ به سوءًا. فَفَاتَكَ أولى لكَ. ثم ابتدأ. فقال: {طاعَةٌ وقول مَعْرُوفٌ} وقال سيبويه والخليل: المعنى طاعةُ وقول معروفٌ أمثل.
وقال الفراء: الطاعةُ معروفةٌ في كلام العرب. إِذا قيل لهم: افعلوا كذلك. قالوا: سَمعٌ وطاعةٌ. فوصف اللهُ قولهم قبل أن تنزل السُّورة أنهم يقولون: سمعٌ وطاعة. فإذا نزل الأمر كرهوا.
وأخبرني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قال الله تعالى: {فأولى}. ثم قال: {لهم} أي: للذين آمنوا منهم {طاعةٌ} فصارت (أولى) وعيدًا لِمَن كَرِهها. واستأنف الطاعة بـ: {لهم}؛ والأول عندنا كلام العرب. وهذا غير مردود. يعني حديث أبي صالح.
وذكر بعض المفسرين أن الكلام متصل بما قبله؛ والمعنى: فأولى لهم أن يُطيعوا وأن يقولوا معروفًا بالإِجابة.
قوله تعالى: {فإذا عَزَمَ الأمْرُ} قال الحسن: جَدَّ الأمْرُ.
وقال غيره: جَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد. ولزِمَ فرضُ القتال. وصار الأمر معروفًا عليه.
وجواب (إذا) محذوف تقديره: فإذا عَزَمَ الأمْرُ نَكَلُوا؛ يدُلُّ على المحذوف {فلو صدقوا اللهَ} أي: في إِيمانهم وجهادهم {لكان خَيْرًا لهم} من المعصية والكراهة.
قوله تعالى: {فهل عَسَيْتُمْ إِن توليتم} في المخاطَب بهذا أربعة أقوال.
أحدها: المنافقون. وهو الظاهر.
والثاني: منافقواليهود. قاله مقاتل.
والثالث: الخوارج. قاله بكر بن عبد الله المزني.