فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم بين أنه كيف يأمركم بإخراج كل المال وقد دعاكم إلى إنفاق البعض {فمنكم من يبخل} و(ها) للتنبيه وكرر مع أولاء للتوكيد وأنتم أولاء جملة مستقلة أي أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون. ثم استأنف وصفهم كأنهم قالوا وما وصفنا فقيل {تدعون لتنفقوا في سبيل الله} وهو الزكاة أو الغزو. فمنكم ناس يبخلون به. وقيل: {هؤلاء} موصول صلته {تدعون} وهو مذهب الكوفيين وقد سلف في (البقرة) و(آل عمران).
ثم قبح أمر البخل بقوله: {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه} أي وباله على نفسه أو عن داعي ربه. قال في الكشاف: يقال بخلت عليه وعنه. وفيه نظر لأن البخل عن النفس لا يصح بهذا التفسير. نعم لوقال عن ماله كان تفسيره مطابقًا. ثم مدح نفسه بالغنى المطلق وبين بقوله: {وأنتم الفقراء} أنه لا يأمر بالإنفاق لحاجته ولكن لفقركم إلى الثواب. ثم هددهم بقوله: {وإن تتولوا} وهو معطوف على {وإن تؤمنوا} ومعنى {يستبدل قومًا غيركم} يخلق قومًا سواكم راغبين فيما ترغبون عنه من الإيمان والتقوى كقوله: {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} [فاطر: 61] ومعنى (ثم) التراخي في الرتبة أي لا يكونون أشباهكم في حال تو ليكم. وقيل: في جميع الأحوال. وعن الكلبي: شرط في الاستبدال تو ليهم لكنهم لم يتولوا فلم يستبدل قومًا وهم العرب أهل اليمن أو العجم. قاله الحسن وعكرمة لما روي أو رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه وقال: هذا وقومه. والذي نفسي بيده لوكان الإيمان منوطًا بالثريا لتناوله رجال من فارس والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

{ويقول الذين آمنوا} طلبًا للجهاد.
{لولا} أي: هلا. ولا التفات إلى قول بعضهم أن لا زائدة والأصل لو {نزلت سورة} أي سورة كانت. نسرّ بسماعها. ونتعبد بتلاوتها. ونعمل بما فيها {فإذا أنزلت سورة} أي: قطعة من القرآن. تكامل نزولها كلها تدريجًا. أوجملة وزادت على مطلوبهم في الحسن بأنها {محكمة} أي: مبينة. لا يلتبس شيء منها بنوع إجمال. ولا ينسخ لكونه جامعًا للمحاسن في كل زمان ومكان وقال قتادة: كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة. وهي أشدّ القرآن على المنافقين {وذكر فيها القتال} أي: الأمر به {رأيت الذين في قلوبهم مرض} أي: شك وهم المنافقون.
{ينظرون إليك} شررًا بتحديق شديد. كراهية منهم للجهاد. وجبنا منهم عن لقاء العدو {نظر المغشيّ} والأصل نظرًا مثل نظر المغشي {عليه من الموت} الذي هو: نهاية الغشي فهو لا يطرف بعينه. بل شاخص لا يطرف كراهية القتال؛ من الجبن والخوف. والمعنى: أنّ المؤمن كان ينتظر نزول الأحكام والتكاليف ويطلب تنزيلها. وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول هلا أمرت بشيء من العبادة خوفًا من أن لا يؤهل لها وأمّا المنافق. فإذا أنزلت السورة أو الآية وفيها تكليف شق عليه ذلك فحصل التباين بين الفريقين في العلم والعمل وقوله تعالى: {فأولى لهم} وعيد بمعنى فويل لهم وهو أفعل من الولي وهو القرب ومعناه الدعاء عليه بأن يليهم المكروه.
وقوله تعالى: {طاعة وقول معروف} مستأنف. أي: طاعة ومعروف خير لهم وأمثل. أي: لوأطاعوا وقالوا قولا معروفًا لكان أمثل وأحسن. وساغ الابتداء بالنكرة لأنها وصفت بدليل قوله تعالى: {وقول معروف} فإنه موصوف فكأنه تعالى قال: طاعة مخلصة وقول معروف خير. وقيل: يقول المنافقون قبل نزول السورة المحكمة طاعة رفع على الحكاية. أي: أمرنا طاعة أو منا طاعة وقول معروف حسن. وقيل: متصل بما قبله واللام في قوله تعالى: {لهم} بمعنى الباء أي فأولى بهم طاعة الله ورسوله. وقوله: {معروف} بالإجابة أولى بهم. وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء. ثم سبب عنهما قوله تعالى مسندًا إلى الأمر ما هو لأهله تأكيدًا لمضمون الكلام: {فإذا عزم الأمر}. أي: فإذا أمر بالقتال الذي ذكر في أول السورة وغيره من الأوامر أمرًا مجزومًا به مقروحًا عليه {فلو صدقوا الله} أي: الملك الأعظم في قولهم الذي قالوه في طلب التنزيل {لكان} أي: صدقهم له {خيرًا لهم} أي: من تعللهم. وجملة لوجواب إذا. نحو: إذا جاءني طعام فلوجئتني لأطعمتك. وقيل: محذوف. وتقديره: فاصدق كذا قدّره أبو البقاء وعزم الأمر على سبيل المجاز. كقوله: قد جدّت الحرب فجدوا. أو يكون على حذف مضاف أي عزم أهل الأمر.
وقوله تعالى: {فهل عسيتم} فيه التفات عن الغيبة. أي: لعلكم {إن توليتم} أي: أعرضتم عن الإيمان والجهاد {أن تفسدوا} أي: توقعوا الإفساد العظيم الذي يستمر تجدّده {في الأرض} بالمعصية والبغي وسفك الدماء الذي يسخط الله تعالى. ويغضبه أشدّ غضب على فاعله. وتكونوا في غاية الجراءة عليه وترجعوا إلى الفرقة بعدما جمعكم الله بالإسلام. وقرأ نافع بكسر السين والباقون بفتحها {وتقطعوا} أي: تقطيعًا كثيرًا {أرحامكم} أي: تعودوا إلى أمر الجاهلية في الإغارة من بعض على بعض وغير ذلك. قال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله تعالى ألم يسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وعصوا الرحمن. وقال بعضهم: هو من الولاية. قال الفراء: يقول فهل عسيتم إن توليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم نزلت في بني أمية وبني هاشم.
{أولئك} أي: المفسدون {الذين لعنهم الله} أي: طردهم أشدّ الطرد الملك الأعظم لما ذكر من إفسادهم وتقطيعهم. ثم سبب عن لعنهم قوله تعالى: {فأصمهم} أي: عن الأنتفاع بما سمعوه {وأعمى أبصارهم} أي عن الأنتفاع بما يبصرون فليس سماعهم سماع إدراك. ولا إبصارهم إبصار اعتبار. فلا سماع ولا إبصار.
{أفلا يتدبرون} بقلوب منفتحة منشرحة ليهتدوا إلى كل خير {القرآن} أي: يجهدوا أنفسهم في أن يتفكروا في الكتاب الجامع لكل خير. الفارق بين الحق والباطل. حتى لا يجسروا على المعاصي.
فإن قيل قال تعالى: {فأصمهم وأعمى أبصارهم} فكيف يمكنهم التدبر في القرآن؟ وهو كقول القائل للأعمى: أبصر وللأصم اسمع. أجيب بثلاثة أوجه مترتبة بعضها أحسن من بعض؛ الأول: تكليف ما لا يطاق جائز. والله تعالى أمر من علم منه بأنه لا يؤمن أن يؤمن فلذلك جاز أن يصمهم. ويعميهم. ويذمهم على ترك التدبر.
الثاني: أن قوله: {أفلا يتدبرون القرآن} المراد منه الناس.
الثالث: أن يقال أنّ هذه الآية وردت محققة لمعنى الآية المتقدّمة. كأنه تعالى قال: {أولئك الذين لعنهم الله} أي: أبعدهم عنه. أو عن الصدق. أو الخير. أو غير ذلك من الأمور الحسنة فأصمهم لا يسمعون حقيقة الكلام. وأعماهم لا يبصرون طريقة الإسلام فإذا هم بين أمرين: إمّا لا يتدبرون القرآن. فيبعدون عنه لأن الله تعالى لعنهم وأبعدهم عن الخير والصدق. والقرآن منها هو الصنف الأعلى بل النوع الأشرف.
وإمّا يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة تقديره أفلا يتدبرون القرآن لكونهم ملعونين مبعدين {أم} أي: بل {على قلوب} أي: من قلوب الفاعلين لذلك {أقفالها} فلا تعي شيئًا ولا تفهم أمرًا. ولا تزداد إلا غباوة وعنادًا لأنها لا تقدر على التدبير قال القشيري: فلا يدخلها زواجر التنبيه. ولا ينبسط عليها شعاع العلم. فلا يحصل لهم فهم الخطاب. والباب إذا كان مغلقًا فكما لا يدخل فيه شيء لا يخرج ما فيه فلا كفرهم يخرج. ولا الإيمان الذي يدعون إليه يدخل. اهـ. فإن قيل ما الفائدة في تنكير القلوب.
أجاب الزمخشري بقوله: يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون للتنبيه على كونه موصوفًا. لأن النكرة بالوصف أولى من المعرفة كأنه قال أم على قلوب قاسية أو مظلمة.
الثاني: أن تكون للتبعيض كأنه قال أم على بعض القلوب لأن النكرة لا تعم تقول: جاءني رجال فيفهم البعض. وجاءني الرجال فيفهم الكل. والتنكير في القلوب للتنبيه على الأنكار الذي في القلوب. وذلك لأن القلب إذا كان عارفًا كان معروفًا. لأن القلب خلق للمعرفة فإذا لم تكن فيه المعرفة. فكأنه لا يعرف قلبًا فلا يكون قلبًا يعرف. كما يقال للأنسان المؤذي: هذا ليس بإنسان فكذلك يقال: هذا ليس بقلب. هذا حجر. وإذا علم هذا. فالتعريف إمّا بالألف واللام. وإما بالإضافة بأن يقال على قلوبهم أقفالها. وهي لعدم عود فائدة إليهم كأنها ليست لهم.
فإن قيل قد قال تعالى: {ختم الله على قلوبهم}.
وقال تعالى: {فويل للقاسية قلوبهم}.
أجيب بأنّ الأقفال أبلغ من الختم. فترك الإضافة لعدم انتفاعهم رأسًا.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: {أقفالها} بالإضافة؟ ولم يقل أقفال كما قال: {قلوب}.
أجيب بأنّ الأقفال كأنها ليست إلا لها ولم يضف القلوب إليهم لعدم نفعها إياهم. وأضاف الأقفال إليها لكونها مناسبة لها. أو يقال: أراد به أقفالًا مخصوصة هي أقفال الكفر والعناد ولما أخبر تعالى بأقفال قلوبهم بين منشأ ذلك.
فقال تعالى: {إنّ الذين ارتدوا} أي: من أهل الكتاب وغيرهم {على أدبارهم} أي: رجعوا كفارا {من بعدما تبين} أي: غاية البيان {لهم الهدى} أي: بالدلائل التي هي من شدة ظهورها غنية عن بيان مبين {الشيطان سول لهم} أي: زين وسهل لهم اقتراف الكبائر {وأملى} أي: ومدّ الشيطان {لهم} في الامال والأماني بإرادته تعالى فهو المضل لهم وقرأ أبو عمرو: بضم الهمزة وكسر اللام وفتح الياء والباقون: بفتح الهمزة واللام وسكون الألف المنقلبة وأمالها حمزة والكسائي محضة. وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين. والباقون بالفتح قال في الكشاف: فإن قلت: من هؤلاء؟ قلت: اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعدما تبين لهم الهدى وهو نعته في التوراة وقيل: هم المنافقون.
{ذلك} أي: إضلالهم {بأنهم} أي: بسبب أنهم {قالوا} أي: المنافقون {للذين كرهوا} أي: وهم المشركون {ما} أي: جميع ما {نزل الله} أي: الملك الأعظم على التدريج بحسب الوقائع. تنزيلًا في إعجاز الخلق في بلاغة التركيب مع فصاحة المفردات وجزالتها. مع السهو لة في النطق. والعذوبة في السمع. والملاءمة للطبع {سنطيعكم في بعض الأمر} أي: أمر المعاونة على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيط الناس عن الجهاد معه قالوا ذلك سرًا. فأظهره الله تعالى. {والله} أي: قالوا ذلك والحال أن الملك الأعظم المحيط بكل شيء علما وقدرة {يعلم} أي: على ممر الأوقات {أسرارهم} أي: كلها؛ هذا الذي أفشاه عليهم. وغيره مما في ضمائرهم مما لم يبرز على ألسنتهم ولعلهم لم يعلموه فضلًا عن أقوالهم التي تحدثت بها أنفسهم فبان بذلك أنه لا أديان لهم ولا عقول ولا مروءات. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر الهمزة مصدرًا والباقون بفتحها جمع سر.
{فكيف} أي: حالهم {إذا توفتهم الملائكة} أي: قبضت رسلنا. وهم ملك الموت وأعوانه أرواحهم كاملة وقوله تعالى: {يضربون وجوههم وأدبارهم} تصوير لتوفيهم بما يخافون منه ويجبنون عن القتال له وعن ابن عباس: لا يتوفى أحد على معصية إلا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره. وقوله تعالى: {ذلك} إشارة إلى التوفي الموصوف {بأنهم} أي: بسبب أنهم {اتبعوا} أي: عالجوا فطرتهم الأولى في أن اتبعوا {ما أسخط الله} أي: الملك الأعظم. وهو الكفر وكتمان نعت الرسول صلى الله عليه وسلم وعصيان الأمر {وكرهوا} بالإشراك {رضوانه} بكراهتهم أعظم أسباب رضاه وهو الإيمان. فهم لما دونه بالقعود عن الطاعات أكره؛ لأن ذلك ظاهر غاية الظهور في أنّ فاعله غير معذور في ترك النظر فيه.
{فأحبط} أي: فلذلك تسبب عنه أنه أفسد.
{أعمالهم} أي: الصالحة فأسقطها بحيث لم يبق لها وزن أصلًا لتضييع الأساس من مكارم الأخلاق؛ من القرى والأخذ بيد الضعيف والتصدّق والإعتاق وغير ذلك من وجوه الإرفاق.
{أم حسب الذين} وكان الأصل أم حسبوا لضعف عقولهم كما أفهمه التعبير بالحسبان ولكنه عبر تعالى بما دلّ على الافة التي أدّتهم إلى ذلك بقوله تعالى: {في قلوبهم} أي: التي إذا أفسدت فسد جميع أجسادهم {مرض} أي: افة لا طب لها حسبانًا هو في غاية الثبات كما دل عليه التأكيد في قوله تعالى: {أن لن يخرج الله} أي يبرز من هو محيط بصفات الكمال للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على سبيل التجديد والاستمرار وقوله تعالى: {أضغانهم} جمع ضغن. وهي الأحقاد أي أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى تعرفوا نفاقهم وكانت صدورهم تغلي حنقًا عليهم.
{ولو نشاء لأريناكهم} من رؤية البصر وجاء على الأفصح من اتصال الضميرين ولوجاء على أريناك إياهم جاز وقال الرازي الإراءة هنا بمعنى التعريف وقوله تعالى: {فلعرفتهم} عطف على جواب لو {بسيماهم} أي: بسبب علاماتهم التي نجعلها غالبة عليهم عالية لهم في إظهار ضمائرهم غلبة لا يقدرون على مدافعتها بوجه ولم يذكرهم سبحانه بأسمائهم إبقاء على قرأباتهم المخلصين من الفتن وقوله تعالى: {ولتعرفنهم} جواب قسم محذوف {في لحن القول} أي: الصادر منهم. ولحنه فحواه أي معناه وما يدل عليه ويلوح عليه من ميله عن حقائقه إلى عواقبه. وما يؤول إليه أمره مما يخفى على غيرك قال أنس: ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم. وعن ابن عباس: لحن القول هو قولهم ما لنا إن أطعنا من الثواب ولا يقولون ما علينا إن عصينا وقيل اللحن أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحومن الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية قال:
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا ** اللحن يعرفه ذو والألباب

وقيل للمخطىء: لاحن. لأنه يعدل بالكلام عن الصواب. وقال أبو حيان: كانوا اصطلحوا على ألفاظ يخاطبون بها الرسول صلى الله عليه وسلم مما ظاهره حسن ويعنون به القبيح {والله} أي: بما له من الكمال {يعلم أعمالكم} كلها الفعلية والقولية جليها وخفيها علمًا ثابتًا غيبيًا وعلمًا راسخًا شهوديًا يتجدّد بحسب تجدّدها مستمرًّا باستمرار ذلك.
{ولنبلونكم} أي: نعاملكم معاملة المبتلى. بأن نخالطكم بما لنا من العظمة بالأوامر الشديدة على النفوس والنواهي الكريهة إليها.
{حتى نعلم} أي: بالابتلاء علمًا شهوديًا يشهده غيرنا مطابقًا لما كنا نعلمه علمًا غيبيًا. فنستخرج من سرائركم ما جبلناكم عليه مما لا يعلمه أحد منكم بل ولا تعلمونه حق علمه {المجاهدين منكم} في القتال وفي سائر الأعمال والشدائد والأهوال امتثالًا للأمر بذلك {والصابرين} أي: على شدائد الجهاد وغيره من الأنكاد قال القشيري: فبالابتلاء والامتحان تتبين جواهر الرجال فيظهر المخلص ويفتضح المماذق وينكشف المنافق. اهـ.
وعن الفضيل: أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم لا تبلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا {ونبلوأخباركم} أي: نخالطها بأن: نسلط عليها من يحرفها فيجعل حسنها قبيحًا وقبيحها حسنا ليظهر للناس العامل لله والعامل للشيطان. فإنّ العامل لله إذا سمى قبيحه باسم الحسن علم أنّ ذلك إحسان من الله تعالى إليه فيستحي منه ويرجع. وإذا سمى حسنه باسم القبيح وأشهر به علم أنّ ذلك لطف من الله تعالى به لكي لا يدركه العجب أو يهاجمه الرياء فيزيد في إحسانه. والعامل للشيطان يزداد في القبائح. لأن شهرته عند الناس محط نظره ويرجع عن الحسن لأنه لم يوصله إلى ما أراد به من ثناء الناس عليه بالخير.