فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إنّ الذين كفروا} أي: غطوا ما دلتهم عليه عقولهم من ظاهر آيات الله لاسيما بعد إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بواضح المعجزات {وصدّوا} أي امتنعوا ومنعوا غيرهم زيادة في كفرهم {عن سبيل الله} أي الطريق الواضح الذي نهجه الملك الأعظم {وشاقوا الرسول} أي: الكامل في الرسالة المعروف غاية المعرفة.
{من بعد ما تبين} أي: غاية البيان بالمعجز {لهم الهدى} بحيث صار ظاهرًا بنفسه غير محتاج ما أظهره الرسول من الآيات الظاهرة وهم قريظة والنضير والمطعمون يوم بدر {لن يضروا الله} أي ملك الملوك {شيئًا} بما هم عليه من الكفر والصدّ أولن يضرّوا رسوله صلى الله عليه وسلم بمشاقته وحذف المضاف لتعظيمه وتفظيع مشاقته {وسيحبط} أي: يفسد فيبطل بوعد لا خلف فيه {أعمالهم} من المحاسن لبنائها على غير أساس.
{يا أيها الذين آمنوا} أي: أقرّوا بألسنتهم {أطيعوا الله} أي: الملك الأعظم تصديقًا لدعواكم طاعة لشدّة الاجتهاد فيها أنها خالصة. وعظم الرسول صلى الله عليه وسلم بإفراده فقال تعالى: {وأطيعوا الرسول} لأن طاعته من طاعة الذي أرسله. فإذا فعلتم ذلك حصنتم أنفسكم وأعمالكم. فتكون صحيحة ببنائها على الطاعة بتصحيح النيات وتصفيتها مع الإحسان للصورة في الظاهر. ليستكمل العمل صورة وروحًا {ولا تبطلوا أعمالكم} قال عطاء بالشك والنفاق. وقال الكلبي: بالرياء والسمعة. وقال الحسن: بالمعاصي والكبائر. وقال أبو العالية: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضرّ مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل. فنزلت هذه الآية فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال. وقال مقاتل: لا تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبطلوا أعمالكم نزلت في بني أسد. قال تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}.
وعن حذيفة فخافوا أن تحبط الكبائر أعمالهم. وعن ابن عمر: كنا نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبو لا حتى {نزل ولا تبطلوا أعمالكم} فقلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر الموجبات والفواحش. حتى نزل {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
فكففنا عن القول في ذلك. فكنا نخاف على من أصاب الكبائر ونرجولمن لم يصبها. وعن قتادة: رحم الله عبدًا لم يحبط عمله الصالح بعمله السيء. وعن ابن عباس: لا تبطلوا بالرياء والسمعة أعمالكم. وعنه أيضًا: بالشك والنفاق. وقيل بالعجب. فإنّ العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
{إن الذين كفروا} أي: أوقعوا الكفر بفعلهم فعل الساتر لما دل عليه العقل من آيات الله المرئية والمسموعة {وصدّوا عن سبيل الله} أي: الملك الأعلى عن الواضح المستقيم الموصل إلى كل ما ينبغي أن يقصد كل من أراد بتماديهم على باطلهم وأذاهم لمن خالفهم {ثم ماتوا} بعد المدّ لهم في مضمارهم بالتطويل في أعمارهم {وهم} أي: والحال أنهم {كفار فلن يغفر الله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال الذي يمنع من تسوية المسيء بالمحسن {لهم} فلا يمحوذنوبهم ولا يستر عيوبهم. بل يفضح سرائرهم ويردّهم على أعقابهم في كل ما يتقلبون فيه. لأنهم قد أبطلوا أعمالهم بالخروج عن دائرة الطاعة فلم يبق لهم ما يغفر لهم تسببه. وقد دلت هذه الآية على ما دلت عليه آية البقرة من أنّ إحباط العمل في المرتدّ مشروط بالموت على الكفر قيل: نزلت في أصحاب القليب قال الزمخشريّ: والظاهر العموم ثم رغب تعالى في لزوم الجهاد محذرًا من تركه بقوله تعالى: {فلا تهنوا} أي: تضعفوا ضعفًا يؤدّي بكم إلى الهوان والذلّ {وتدعوا} أعداءكم {إلى السلم} أي: المسالمة وهي الصلح {وأنتم} أي: والحال أنكم {الأعلون} أي: الظاهرون الغالبون قال الكلبي: آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات. وأصل الأعلون الأعليون فأعلّ وقرأ حمزة وشعبة بكسر السين والباقون بفتحها ثم عطف على الحال قوله تعالى: {والله} أي: الملك الأعظم الذي لا يعجزه شيء ولا كفء له {معكم} أي: بنصره ومعونته وجميع ما يفعله الكريم إذا كان مع عبده ومن علم أنه سيده وعلم أنه قادر على ما يريد لم يبال بشيء أصلًا {ولن يتركم} أي: ينقصكم {أعمالكم} أي: ثوابها كما يفعل مع أعدائكم في إحباط أعمالهم. لأنكم لم تبطلوا أعمالكم بجعل الدنيا محط أمركم.
{إنما الحياة} وأشار إلى دناءتها تنفيرًا عنها بقوله: {الدنيا} أي: الاشتغال بها {لعب} أي: أعمال ضائعة سافلة تزيد في السرور ما يسرع اضمحلاله فيبطل من غير ثمرة {ولهو} أي: مشغلة يطلب بها إثارة اللذة كالغناء {وإن تؤمنوا وتتقوا} أي: تخافوا فتجعلوا بينكم وبين غضبه سبحانه وتعالى وقاية من جهاد أعدائه. وذلك من أعمال الآخرة {يؤتكم} أي: الله سبحانه الذي فعلتم ذلك من أجله في الدار الآخرة {أجوركم} أي: ثواب كل أعمالكم ببنائها على الأساس. ولأنه غنيّ لا ينقصه الإعطاء {ولا يسألكم} أي: الله في الدنيا {أموالكم} أي: لنفسه ولا كلها لغيره. بل يقتصر على جزء يسير مما تفضل به عليكم كربع العشر وعشره.
{إن يسألكموها} أي: كلها {فيحفكم} أي: يبالغ في سؤالكم ويبلغ فيه الغاية حتى يستأصلها فيجهدكم بذلك. فالإحفاء المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء يقال: أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئًا من الإلحاح. وأحفى شاربه استأصله {تبخلوا} فلا تعطوا شيئًا {ويخرج أضغانكم} أي: ما تضغنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم والضمير في يخرج لله تعالى أو الرسول أو السؤال. أو البخل. واقتصر عليه الجلال المحلي. قال قتادة: علم الله تعالى أنّ في مسألة الأموال خروج الأضغان يعني ما طلبها ولوطلبها وألح عليكم في الطلب لبخلتم كيف وأنتم تبخلون باليسير فكيف لا تبخلون بالكثير.
{هاأنتم} وحقر أمرهم بقوله تعالى: {هؤلاء} أي: أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون. وقوله تعالى: {تدعون لتنفقوا في سبيل الله} أي: الملك الأعظم الذي يرجى خيره ولا يخشى غيره استئناف مقرّر لذلك أوصلة لهؤلاء على أنه بمعنى الذين وهو يعم نفقة الغزو والزكاة وغيرها {فمنكم من يبخل} أي: ناس يبخلون. وحذف القسم الآخر وهو ومنكم من يجود. لأن المراد الاستدلال على ما قبله من البخل ولما كان بخله عمن أعطاه المال بجزء يسير منه إنما طلبه لينفع المطلوب منه فقط زاد العجب بقوله تعالى: {ومن} أي: والحال أنه من {يبحل} بذلك {فإنما يبخل} بماله بخلا ضارًّا {عن نفسه} فإن نفع الإنفاق وضر البخل عائدان إليه والبخل يعدى بعن وعلى لتضمنه معنى الإمساك والتعدّي فإنه إمساك عمن يستحق {والله} أي: الملك الأعظم الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال {الغني} وحده عن نفقتكم {وأنتم} أيها المكلفون خاصة {الفقراء} لاحتياجكم في جميع أحوالكم إليه {وإن تتولوا} عطف على {وإن تؤمنوا وتتقوا} {يستبدل قومًا غيركم} أي: يخلق قومًا سواكم على خلاف صفتكم راغبين في الإيمان والتقوى {ثم لا يكونوا أمثالكم} في التو لي عنه والزهد في الإيمان كقوله تعالى: {ويأت بخلق جديد} قيل: هم الملائكة. وقيل الأنصار وعن ابن عباس: كندة والنخع وعن الحسن: العجم وعن عكرمة: فارس والروم وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القوم وكان سلمان إلى جنبه فضرب على فخذه وقال: هذا وقومه والذي نفسي بيده لوكان الإيمان منوطًا بالثريا لتناوله رجال من فارس رواه الترمذي والحاكم وصححاه وما رواه البيضاويّ تبعًا للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة محمد كان حقًا على الله تعالى أن يسقيه من أنهار الجنة» حديث موضوع. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله}.
المراد بهؤلاء: هم المنافقون. وقيل: أهل الكتاب. وقيل: هم المطعمون يوم بدر من المشركين. ومعنى صدّهم عن سبيل الله: منعهم للناس عن الإسلام. واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم معنى {شَاقُّواْ الرسول}: عادوه وخالفوه {مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} أي: علموا أنه صلى الله عليه وسلم نبيّ من عند الله بما شاهدوا من المعجزات الواضحة. والحجج القاطعة {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} بتركهم الإيمان وإصرارهم على الكفر. وما ضرّوا إلاّ أنفسهم {وَسَيُحْبِطُ أعمالهم} أي: يبطلها. والمراد بهذه الأعمال: ما صورته صورة أعمال الخير كإطعام الطعام. وصلة الأرحام. وسائر ما كانوا يفعلونه من الخير. وإن كانت باطلة من الأصل. لأن الكفر مانع. وقيل: المراد بالأعمال: المكائد التي نصبوها لإبطال دين الله. والغوائل التي كانوا يبغونها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أمر سبحانه عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله. فقال: {يا أيها الذين ءآمنوا أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} فيما أمرتم به من الشرائع المذكورة في كتاب الله وسنة رسوله؛ ثم نهاهم عن أن يبطلوا أعمالهم. كما أبطلت الكفار أعمالها بالإصرار على الكفر. فقال: {ولاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم} قال الحسن أي: لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي.
وقال الزهري: بالكبائر.
وقال الكلبي. وابن جريج: بالرياء والسمعة.
وقال مقاتل: بالمنّ.
والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلأن الأعمال كائنًا ما كان من غير تخصيص بنوع معين.
ثم بيّن سبحانه أنه لا يغفر للمصرّين على الكفر. والصدّ عن سبيل الله. فقال: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} فقيد سبحانه عدم المغفرة بالموت على الكفر؛ لأن باب التوبة وطريق المغفرة لا يغلقان على من كان حيًا. وظاهر الآية العموم وإن كان السبب خاصًا.
ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن والضعف. فقال: {فَلاَ تَهِنُواْ} أي: تضعفوا عن القتال. والوهن: الضعف {وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} أي: ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداءً منكم. فإن ذلك لا يكون إلاّ عند الضعف.
قال الزجاج: منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح. وأمرهم بحربهم حتى يسلموا.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (وتدّعوا) بتشديد الدال من ادّعى القوم وتداعوا.
قال قتادة: معنى الآية: لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها.
واختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة. أو منسوخة؟ فقيل: إنها محكمة. وإنها ناسخة لقوله: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا} [الأنفال: 61] وقيل: منسوخة بهذه الآية.
ولا يخفاك أنه لا مقتضى للقول بالنسخ. فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعوا إلى السلم ابتداءً. ولم ينه عن قبو ل السلم إذا جنح إليه المشركون. فالآيتان محكمتان. ولم يتواردا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ. أو التخصيص. وجملة {وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ} في محل نصب على الحال. أو مستأنفة مقرّرة لما قبلها من النهي. أي: وأنتم الغالبون بالسيف والحجة.
قال الكلبي: أي: آخر الأمر لكم. وإن غلبوكم في بعض الأوقات. وكذا جملة قوله: {والله مَعَكُمْ} في محل نصب على الحال. أي: معكم بالنصر. والمعونة عليهم {ولن يَتِرَكُمْ أعمالكم} أي: لن ينقصكم شيئًا من ثواب أعمالكم. يقال: وتره يتره وترًا: إذا نقصه حقه. وأصله من وترت الرجل: إذا قتلت له قريبًا. أونهبت له مالًا. ويقال فلان مأتور: إذا قتل له قتيل. ولم يؤخذ بدمه.
قال الجوهري: أي: لن ينقصكم في أعمالكم. كما تقول دخلت البيت. وأنت تريد في البيت.
قال الفراء: هو مشتق من الوتر وهو الدخل. وقيل: مشتق من الوتر وهو الفرد. فكأن المعنى: ولن يفردكم بغير ثواب.
{إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ ولهو} أي: باطل وغرور لا أصل لشيء منها. ولا ثبات له ولا اعتداد به {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} أي: إن تؤمنوا بالله. وتتقوا الكفر والمعاصي يؤتكم جزاء ذلك في الآخرة. والأجر: الثواب على الطاعة {ولاَ يَسْئَلْكُمْ أموالكم} أي: لا يأمركم بإخراجها جميعها في الزكاة وسائر وجوه الطاعات. بل أمركم بإخراج القليل منها. وهو الزكاة.
وقيل: المعنى: لا يسألكم أموالكم إنما يسألكم أمواله؛ لأنه أملك لها. وهو المنعم عليكم بإعطائها.
وقيل: لا يسألكم أموالكم أجرًا على تبليغ الرسالة. كما في قوله: {ومَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الشعراء: 109] والأول أولى.
{إِن يَسْئَلْكُمُوهَا} أي: أموالكم كلها {فَيُحْفِكُمْ} قال المفسرون: يجهدكم. ويلحف عليكم بمسألة جميعها. يقال: أحفى بالمسألة وألحف وألح بمعنى واحد. والمحفي: المستقصي في السؤال. والإحفاء: الاستقصاء في الكلام. ومنه إحفاء الشارب. أي: استئصاله. وجواب الشرط قوله: {تَبْخَلُواْ} أي: إن يأمركم بإخراج جميع أموالكم تبخلوا بها. وتمتنعوا من الامتثال {وَيُخْرِجْ أضغانكم} معطوف على جواب الشرط. ولهذا قرأ الجمهور {يخرج} بالجزم وروي عن يعقوب الحضرمي أنه قرأ بالنون. وقرأ ابن عباس. ومجاهد. وابن محيصن. وحميد بالفوقية المفتوحة مع ضم الراء.
وعلى قراءة الجمهور. فالفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه. أو إلى البخل المدلو ل عليه بتبخلوا.
والأضغان: الأحقاد. والمعنى: أنها تظهر عند ذلك.
قال قتادة: قد علم الله أن في سؤال المال خروج الأضغان.
{هَاأَنتُمْ هَؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله} أي: ها أنتم هؤلاء أيها المؤمنون تدعون؛ لتنفقوا في الجهاد وفي طريق الخير {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} بما يطلب منه. ويدعى إليه من الإنفاق في سبيل الله. وإذا كان منكم من يبخل باليسير من المال. فكيف لا تبخلون بالكثير وهو جميع الأموال؟ ثم بيّن سبحانه أن ضرر البخل عائد على النفس فقال: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} أي: يمنعها الأجر والثواب ببخله. وبخل يتعدى بعلى تارة وبعن أخرى.
وقيل: إن أصله أن يتعدى بعلى. ولا يتعدى بعن إلاّ إذا ضمن معنى الإمساك {والله الغنى} المطلق المتنزّه عن الحاجة إلى أموالكم {وَأَنتُمُ الفقراء} إلى الله. وإلى ما عنده من الخير والرحمة. وجملة: {وَإِن تَتَولواْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} معطوفة على الشرطية المتقدّمة. وهي: {وإن تؤمنوا}. والمعنى: وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى. يستبدل قومًا آخرين يكونون مكانكم هم أطوع لله منكم {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} في التو لي عن الإيمان والتقوى.
قال عكرمة: هم فارس. والروم.
وقال الحسن: هم العجم.
وقال شريح بن عبيد: هم أهل اليمن. وقيل: الأنصار. وقيل: الملائكة. وقيل: التابعون.
وقال مجاهد: هم من شاء الله من سائر الناس.
قال ابن جرير: والمعنى: {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} في البخل بالإنفاق في سبيل الله.
وقد أخرج عبد بن حميد. ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة. وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضرّ مع لا إله إلاّ الله ذنب. كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول ولا تُبْطِلُواْ أعمالكم} فخافوا أن يبطل الذنب العمل. ولفظ عبد بن حميد: فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم.
وأخرج ابن نصر. وابن جرير. وابن مردويه عن ابن عمر قال: كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلاّ مقبو ل حتى نزلت: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول ولا تُبْطِلُواْ أعمالكم} فلما نزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش. فكنا إذا رأينا من أصاب شيئًا منها قلنا: قد هلك. حتى نزلت هذه الآية: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48] فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك.