فصل: قال الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ}، مفسر في كتاب (التأويل).
26- {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى}: قول (لا إله إلا اللّه).
29- {ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ} أي صفتهم.
ثم استأنف، فقال: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ}: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ}.
قال أبو عبيدة: (شطء الزرع: فراخه وصغاره، يقال: قد أشطأ الزرع فهو مشطىء، إذا أفرخ).
قال الفراء: (شطئه: السّنبل تنبت الحبة عشرا وسبعا وثمانيا).
{فَآزَرَهُ} أي أعانه وقواه، {فَاسْتَغْلَظَ} أي غلظ، {فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ}: جمع (ساق). مثل دور ودار. ومنه يقال: (قام كذا على سوقه وعلى السوق)، لا يراد به السوق: التي يباع فيها ويشتري. إنما يراد: انه قد تناهي وبلغ الغاية، كما ان الزرع إذا قام على السوق. فقد استحكم.
وهذا مثل ضربه اللّه للنبي- صلى الله عليه وسلم: إذ خرج وحده، فأيده بأصحابه، كما قوّى الطاقة من الزرع بما نبت منها، حتى كثرت وغلظت واستحكمت. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة الفتح:
1 {إِنَّا فَتَحْنا}: صلح الحديبية. (الحديبية) بوزن (تريقية) تصغير (ترقوة).
ويدل على هذا القول ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 44، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} عن أنس رضي اللّه عنه قال: (الحديبية)، وأخرج البخاري أيضا في صحيحه: 5/ 62، كتاب المغازي، باب (غزو الحديبية) عن البراء بن عازب رضي اللّه عنه قال: (تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية...).
وعد اللّه فتح مكة عند اللفاية منها، وهي بئر وفيها تمضمض صلى الله عليه وسلم وقد غارت ففارت بالعذب للرواء، وعندها بويع بيعة الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وظهرت الرّوم على فارس، فيكون معنى (الفتح المبين) القضاء الفصل في مهادنة أهل مكة. وقيل: هو فتح المشكلات عليه في الدين، كقوله: {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ} فيكون معنى {لِيَغْفِرَ} لتهتدي أنت والمسلمون وعلى المعنى الظاهر لم يكن الفتح ليغفر له بل لينصره نصرا عزيزا، ولكنه لما عدّ عليه هذه النعمة وصله بما هو أعظم النعم.
2 {ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ}: ما كان قبل الفتح، أو قبل البعثة.
وغفران الصّغيرة مع أنها مكفّرة: سترها سترا دائما ودفع الضّرر عليها.
4 {أَنْزَلَ السَّكِينَةَ}: الثقة بوعد اللّه والصّبر على حكم اللّه.
{لِيَزْدادُوا إِيمانًا}: يقينا.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ}: أي: لو شاء نصركم بها عاجلا ودمّر على من منعكم الحرم، لكنه أنزل السكينة عليكم ليكون ظهور كلمته بجهادكم وثوابه لكم.
9 {تُعَزِّرُوهُ}: تنصروه، {وَتُسَبِّحُوهُ}: تنزهوه من كلّ ذمّ وعيب، أو تصلّوا عليه.
10 {إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ}: هي بيعة الرضوان على أن تنصروا ولا تفروا.
وسمّيت بيعة لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، ولأنها في تواجب الجنة بالشّهادة كالبيع.
10 {يَدُ اللَّهِ}: أي: في الثواب، {فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}: في النّصر. أو منّة اللّه عليهم بالهداية فوق طاعتهم، أو عقد اللّه في هذه البيعة فوق عقدهم، لأنّهم بايعوا اللّه ببيعة نبيّه.
{سَيَقول لَكَ الْمُخَلَّفُونَ}: لما أراد النّبيّ صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة عام الحديبية استنفر من حول المدينة.
{مِنَ الْأَعْرابِ}: جهينة ومزينة.
{شَغَلَتْنا أَمْوالُنا}: ليس لنا من يقوم بأموالنا ومن يخلفنا في أهلينا.
12 {ظَنَّ السَّوْءِ}: أنّ الرسول لا يرجع.
15 {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ}: وعده أهل الحديبية أنّ غنيمة خيبر لهم خاصة.
16 {سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ}: الرّوم وفارس. وقيل: بني حنيفة مع مسيلمة.
18 {إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}: وهي سمرة، وكانوا ألفا وخمسمائة.
{وَأَثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}: فتح خيبر.
21 {وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها}: فارس وروم.
{قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها}: قدر عليها، أو علمها، بل المعنى: جعلهم بمنزلة ما قد أدير حولهم فيمنع أن يفلت أحد منهم، وهذه غاية في البلاغة ليس وراءها.
24 {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ}: بعث المشركون أربعين رجلا ليصيبوا من المسلمين، فأتي بهم النّبي صلى الله عليه وسلم أسرى فخلّاهم.
25 {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا}: مجموعا موقوفا، وكان ساق أربعين بدنة.
{مَعَرَّةٌ}: إثم، أو شدّة.
{تَزَيَّلُوا}: تميّزوا حتى لا يختلط بمشركي مكة مسلم.
26 {فَأنْزل الله سَكِينَتَهُ}: لما أرادهم سهيل بن عمرو أن يكتبوا: باسمك اللّهم.
{كَلِمَةَ التَّقْوى}: سمعنا وأطعنا. وقيل: شهادة أن لا إله إلّا اللّه.
27 {إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}: الاستثناء للتأديب على مقتضى الدين، يعني: لتدخلنه بمشيئة اللّه. أو الاستثناء في دخول جميعهم، إذ ربّما يموت بعضهم، أو (إن) بمعنى: إذ شاء اللّه.
29 {مَثَلُهُمْ}: صفتهم.
{شَطْأَهُ}: الشّطأ والشّفاء والبهمى: شوك السّنبل. وقيل: فراخه الذي يخرج في جوانبه من شاطئ النّهر.
{فَآزَرَهُ}: قوّاه وشدّ أزره، أي: شدّ فراخ الزّرع أصوله.
{فَاسْتَغْلَظَ}: قوي باجتماع الفراخ مع الأصول.
{عَلى سُوقِهِ}: السّاق: قصبه الذي يقوم عليه.
{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}: أهل مكة، وهذا مثل المؤمنين إذ كانوا أقلاء فكثروا وأذلاء فعزوا.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ}: قاموا على الإيمان.
{مِنْهُمْ مَغْفِرَةً}: ومنهم لتخليص الجنس، كقولك: أنفق من الدراهم لا من الدنانير. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة الفتح:
عدد 25- 111 و63.
نزلت بالمدينة بعد الجمعة عدا الآيات من 10 إلى 27 فإنها نزلت في الطّريق عند الانصراف من الحديبية فتعد مدنية أيضا، لأن إقامة الرّسول كانت في المدينة وكلّ ما نزل بعد الهجرة يعد مدنيا وهي تسع وعشرون آية وخمسمائة وستون كلمة وألفان وأربعمائة حرف، وقد بينا السّورة المبدوءة بما بدئت به في سورة الكوثر ج 1 ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به ومثلها في عدد الآي التكوير والحديد فقط.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ} يا سيد الرّسل بما أمرناك به من مجاهدة أعدائك بعد حادثة الحديبية وقبول الصّلح فيها لأنها مقدمة لافتتاح مكة والبلاد المقدر فتحها على يديك حيث تلاها فتح خيبر وأعقبها بحادثة الأحزاب والفتوحات الأخرى من بلاد قريظة وبني النّضير وغيرها، ومن هذا يعلم أن مقدمة الفتوح هو صلح الحديبية الذي صعب وتعذر واشتد الضّيق فيه على المسلمين حتى يسره اللّه تعالى بمنه وكرمه وسهله والهم رسوله قبول الشّروط المجحفة التي اقترحها المشركون وكرهها أصحاب رسول اللّه إذ كان ظاهرها الغبن والحيف على المؤمنين، ولم يعلموا أنها باطنا تنطوي على الرّيح والفوز لهم، إذ سبب اختلاط المشركين بالمسلمين فاطلعوا على محاسن الإسلام ومكارم الدّين الحنيف وما يأمر به من مكارم الأخلاق وفواضل الآداب فملأ قلوبهم حبه، وشارفوا على مزايا حضرة الرسول فرغبوا في صحبته ودخل منهم في دينه خلق كثير قبل الفتح.
والمراد بهذا الفتح المشار إليه في هذه السّورة فتح مكة شرفها اللّه وأعزها كما روى عن أنس رضي اللّه عنه.
وقال مجاهد هو فتح خيبر الواقع عقب الحديبية.

.مطلب قصة الفتح وأعني بالفتح فتح مكة لا غير وبيان الّذين هدر دمهم رسول اللّه وما وقع فيه وسببه:

ومن قال بأن الفتح هو صلح الحديبية تكلف بأن يعدل إلى خلاف الظّاهر فضلا عن أن صلح الحديبية كان سنة ستّ وهذه السّورة نزلت في السّنة الثامنة إذ وقع فيها فتح مكة كما سيأتي، ومما يؤيد أن المراد بهذا الفتح فتح مكة قوله تعالى: {فَتْحًا مُبِينًا} ظاهرا واضحا ولم يكن فتح الحديبية بغاية الظّهور المشار إليه في هذه الآية، ولا فتح خيبر، ولا غيرها أيضا ولا يصح إطلاقه إلّا على فتح مكة، لأن كلّ فتح دونها ليس بشيء إذ ذاك، ولأن كلمة الإسلام إنما علت بفتحها وما رفع شأن المؤمنين إلّا بعد فتحها الذي صار قاطعا للكفر، ما حيا آثاره، معلنا كلمة الإسلام، معظما أهله، خضعت فهى صناديد قريش وطلبوا الأمان من سيد الأكوان، واستسلموا لحكمه خاشعين خاضعين.
ومن قال إن المراد بهذا الفتح فتح بلاد الرّوم إذا غلبت فارس فليس بشيء أيضا وهو خلاف الظّاهر ولا علاقة لفتح الرّوم بظهور الإسلام، وكذلك القول إن المراد بالفتح فتح الإسلام بالحجة والبرهان والسّيف والعنان، لأن هذا تابع للفتح الفعلي لمكة، وقد كان والحمد للّه مصداقا لقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} الآية الخامسة من سورة الحديد، وقوله: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} الآية 139 من آل عمران المارتين، وخلاصة هذه القصة هو أنه لما صالح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قريشا عام الحديبية كما تقدم في الآية 10 من سورة الممتحنة دخلت بنو بكر في عهد قريش وخزاعة فيه عهد محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم إن بني بكر عدت على خزاعة وهم على ماء لهم يسمى الوتير وأصابوا منهم رجلا وتحاربوا فيما بينهم، وكان من قريش أنها ردفت بني بكر بالسلاح وقاتلت معهم، وبهذا انتقض ما كان بين قريش وحضرة الرّسول من الميثاق بسبب ما استحلوه من خزاعة حليفته، ولهذا قدم عميدهم عمرو بن سالم الخزاعي على رسول اللّه في المسجد وخاطبه على ملأ من النّاس بقوله:
يا رب إني ناشد محمدا ** خلف أبينا وأبيه الأتلدا

قد كنتم ولدا وكنا ولدا ** ثمة أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر هداك اللّه نصرا أعتدا ** وادع عباد اللّه يأتوا مددا

فيهم رسول اللّه قد تجردا ** إن تمّ حسنا وجهه تريدا

في فيلق كالبحر يجري مزيدا ** إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا ** وجعلوا لي في كداء رصدا

وزعموا أن لست أدعوا أحدا ** وهم أذل وأقل عددا

هم بيتونا في الوتير هجدا ** وقتلونا ركعا وسجدا

فانصر هداك اللّه نصرا أيدا

فقال صلى الله عليه وسلم «قد نصرت».
وعرض صلى الله عليه وسلم إلى عنان السّماء وقال مشيرا إليه لتشهد بنصر بني كعب رهط عمرو بن سالم، ثم جاء بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة وعرضوا لرسول اللّه بما أصابهم من مظاهرة قريش بني بكر، فقال صلى الله عليه وسلم للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم يشدّد في العقد ويزيد في المدة رهبا من الذي صنعوا فلم يحسوا إلّا وأبو سفيان بالمدينة، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم ومن الغيب الذي أطلعه اللّه عليه، وقد دخل على بنته أم حبيبة رضي اللّه عنها فأراد أن يجلس على فراش رسول اللّه فطرته من أمامه وقالت له أنت رجل نجس لا أحب أن تجلس على فراش رسول اللّه الطّاهر المطهر، فقال لها واللّه لقد أصابك بعدي شرّ، فتركها ثم أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه، فذهب إلى أبي بكر وكلمه بأن يكلم له محمدا، فقال ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر فكلمه بذلك فقال أنا أشفع لك لا واللّه، لو لم أجد إلّا الذي لجاهدتكم بها ثم اتى عليا وعنده فاطمة والحسن يدب بين يديهما واسترحمه أن يشفع له فقال ويحك يا أبا سفيان لقد أدى عزم الرسول على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فالتفت إلى فاطمة واستشفعها وقال تأمري بنيك هذا فيجيرني بين النّاس فيكون سيد العرب إلى آخر الدّهر، فقالت ما يجير أحد على رسول اللّه.
فقام أبو سفيان في المسجد بمشورة من علي وقال أيها الناس إني قد أجرت بين النّاس وانما فعل هذا وهو لم يجره أحد ليعلم النّاس أنه قد أجير فلا يتعدى عليه أحد وإنما أمره علي بذلك لما رأى- كرم اللّه وجهه- من تلبّكه، فأرشده إلى ذلك ليأمن على نفسه إذ رأى ممن أراد أن يستجير بهم قلب الجن، فاعتراه خوف ورعب وذل وهوان، الجأه إلى فعل ما فعل، ولأنه استجار بابنه الحسن وهو طفل فأبت مروءته إن لم يجره ان يدله على ما إذا قاله ظن النّاس أنه قد أجير، وكان ذلك، ثم رجع إلى مكة آيسا مما كان يتوخاه مبلسا مما رآه.
ولما وصل قصّ على قومه ما لاقاه، ثم أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاد، وأعلمهم بأنه سائر إلى مكة، وقال: «اللّهم خذ العيون والأخبار من قريش حتى نبغتها في بلادها»، وإذ ذاك كتب حاطب بن أبي بلتعة الكتاب إلى قريش يعلمهم بمقدم رسول اللّه وأصحابه، كما تقدمت قصته أول سورة الممتحنة المارة واستخلف رسول اللّه على المدينة أبا دهم كلثوم بن حصين بن عيبنة بن خلف الغفاري، وخرج صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف، وقيل اثنى عشر الفا، ولم يتخلف عنه أحد من المهاجرين والأنصار لعشر يقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة، حتى نزل بحر الظهران، وقد أعمى اللّه الأخبار عن قريش، ولقى العباس مهاجرا بأهله في الطريق وهو آخر من هاجر، فحمله رسول اللّه على بغلته وقال ووا صباح قريش واللّه لئن دخل رسول اللّه مكة عنوة ليكون إهلاكا لقريش إلى آخر الدّهر.
قال العباس فجئت الأراك لعلي أجد من يخبر أهل مكة بمكان رسول اللّه ليستأمنوه إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، فقلت أبا حنظلة: فقال أبا الفضل فقلت نعم، قال ما بالك فداك أبي وأمي؟ فقلت ويحك يا أبا سفيان جاءك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بما لا قبل لكم به، واللّه ليضربن عنقك، قال فما الحيلة؟ قلت اركب عجز هذه البغلة حتى آتيك به فاستأمنه لك، فركب، قال العباس فدخلت به على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقلت هذا أبو سفيان، فجاء عمر وقال دعني أضرب عنقه يا رسول اللّه، فقال له العباس قد أجزته، فقال صلى الله عليه وسلم «ويحك يا أبا سفيان»، قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك يا رسول اللّه وأكرمك، قال: «ألم يأن لك أن تعلم إني رسول اللّه حقا، وإن اللّه وحده لا شريك له، وإن البعث حق»، قال بأبي وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك الرّحم. أما هذه فإن في النّفس منها حتى الآن شيئا، فقال له العباس قلها قبل أن يضرب عنقك فقالها وأسلم.
ثم قال العباس يا رسول اللّه انه يحب الفخر فاجعل له شيئا قال: «فليناد عند دخول الجيش المبارك مكة شرفها اللّه من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه ببابه فهو آمن».