فصل: (سورة الفتح: الآيات 10- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



3- الإسناد المجازي: وذلك في قوله تعالى: {وينصرك اللّه نصرا عزيزا} فقد أسند العزّ والمنعة إلى النصر وهو للمنصور فإن صيغة فعيل هنا للنسبة فالعزيز بمعنى ذي العزة.
4- التكرير: فقد قال تعالى أولا {وكان اللّه عليما حكيما} وقال ثانيا {وكان اللّه عزيزا حكيما} لأنه ذكر قبل الآية الأولى {وللّه جنود السموات والأرض} ولما كان فيهم من هو أهل للرحمة ومن هو أهل للعذاب ناسب أن يكون خاتمة الأولى {وكان اللّه عليما حكيما} ولما بالغ تعالى في تعذيب المنافق والكافر وشدّته ناسب أن يكون خاتمة الثانية {وكان اللّه عزيزا حكيما} فالأولى دلّت على أنه المدبّر لأمر المخلوقات بمقتضى حكمته والثانية دلّت على التهديد والوعيد وأنهم في قبضة المنتقم وقد حاول بعضهم أن ينفي التكرير ولا داعي لذلك لأن للتكرير أسرارا مرّ بعضها وسيأتي منها ما هو أوغل في الإعجاب وأدعى إلى التأمل.

.[سورة الفتح: الآيات 10- 12]:

{إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقول لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)}.

.اللغة:

{يُبايِعُونَكَ} يعاهدونك، سمّيت المعاهدة بالمبايعة التي هي مبادلة المال بالمال تشبيها لها بالمبايعة في اشتمال كل واحدة منهما على معنى المبادلة لأن المعاهدة أيضا مشتملة على المبادلة بين التزام الثبات في محاربة الكافرين وبين ضمانه عليه السلام لمرضاة اللّه عنهم وإثابته إياهم بجنّات النعيم في مقابلة محاربة الكافرين وسيأتي مزيد من التفصيل في باب البلاغة.
{بُورًا} البور الهلاك وهو يحتمل أن يكون مصدرا أخبر به عن الجمع ويجوز أن يكون جمع بائر كحائل وحول وبازل وبزل والأول أرجح ويوصف به المفرد المذكر والمفردة المؤنثة والمثنى والجمع منهما قال ابن الزبعرى:
يا رسول المليك إن لساني ** راتق ما فتقت إذ أنا بور

والبور من الأرض ما لم يزرع.

.الإعراب:

{إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ} كلام مستأنف مسوق لبيان أن من بايع الرسول عليه الصلاة والسلام صورة فقد بايع اللّه حقيقة.
وإن واسمها وجملة {يبايعونك} صلة الموصول و{إنما} كافّة ومكفوفة وجملة {إنما يبايعون اللّه} خبران والمراد بهذه البيعة بيعة الرضوان في الحديبية.
{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} {يد اللّه} مبتدأ و{فوق أيديهم} ظرف متعلق بمحذوف خبر {يد اللّه} والجملة خبر ثان لإن ويجوز أن تكون حالية من ضمير الفاعل في {يبايعونك} ويجوز أن تكون مستأنفة أيضا، {فمن}: الفاء استئنافية ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ و{نكث} فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة وإنما كافّة ومكفوفة و{ينكث} فعل مضارع مرفوع والفاعل مستتر تقديره هو و{على نفسه} متعلقان بينكث والجملة في محل جزم جواب الشرط.
{وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} الواو حرف عطف و{من} اسم شرط جازم مبتدأ و{أوفى} فعل الشرط وهو بمعنى وفي يقال وفى بالعهد وأوفى به وهي لغة تهامة و{بما} متعلقان بأوفى وجملة {عاهد} صلة و{عليه} متعلقان بعاهد وضمّت الهاء مع أنها تكسر بعد الهاء لمجيء سكون بعدها فيجوز الضم والكسر ولفظ الجلالة مفعول به والفاء رابطة لجواب الشرط ويؤتيه فعل وفاعل مستتر ومفعول به و{أجرا} مفعول به ثان و{عظيما} نعت.
{سَيَقول لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا} السين حرف استقبال ويقول فعل مضارع مرفوع و{لك} متعلقان بيقول و{المخلفون} فاعل و{من الأعراب} حال وجملة {شغلتنا أموالنا} مقول القول {وأهلونا} عطف على {أموالنا} وعلامة رفعه الواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم أي عن الخروج معك، {فاستغفر} الفاء عاطفة واستغفر فعل أمر و{لنا} متعلقان باستغفر ومفعول استغفر محذوف أي اللّه.
{يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} الجملة مقول قوله تعالى و{يقولون} فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل و{بألسنتهم} متعلقان بيقولون و{ما} مفعول به و{ليس} فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هو و{في قلوبهم} خبر والجملة صلة {ما}.
{قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعًا} {قل} فعل أمر والفاء عاطفة ومن اسم استفهام معناه النفي في محل رفع مبتدأ و{يملك} فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو والجملة خبر من والجملة مقول {قل} و{لكم} متعلقان بيملك و{من اللّه} حال و{شيئا} مفعول {يملك} و{إن} حرف شرط و{أراد} فعل الشرط والجواب محذوف دلّ عليه ما قبله أي فمن يملك و{بكم} متعلقان بأراد و{خيرا} مفعول {أراد} وجملة {أو أراد بكم نفعا} عطف على الجملة السابقة.
{بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} {بل} حرف إضراب انتقالي من موضوع إلى آخر وكان واسمها و{بما} متعلقان بخبيرا وجملة {تعملون} صلة و{خبيرا} خبر كان.
{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} {بل} حرف إضراب انتقالي أيضا، أضرب عن بيان بطلان اعتذارهم إلى بيان الحامل لهم على التخلّف، و{ظننتم} فعل وفاعل و{أن} وما في حيزها سدّت مسدّ مفعولي {ظننتم} و{أن} مخفّفة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن و{لن} حرف نفي ونصب واستقبال و{ينقلب} فعل مضارع منصوب بلن و{الرسول} فاعل....

.البلاغة:

1- في قوله: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه} استعارة تصريحية.
إن أراد بكم نفعا لأن مثل هذا النظم يستعمل في الضرّ وقد ورد في الكتاب العزيز مطّردا كذلك قال: {فمن يملك من اللّه شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم} وقوله: {ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئا} ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في بعض الحديث «إنني لا أملك شيئا» يخاطب عشيرته وسرّ اختصاصه بدفع المضرّة أن الملك مضاف في هذه المواضع باللام ودفع المضرّة نفع يضاف للمدفوع عنه وليس كذلك حرمان المنفعة فإنه ضرر عائد عليه لا له، فإذا ظهر ذلك فإنما انتظمت الآية على هذا الوجه لأن القسمين يشتركان في أن كل واحد منهما نفي لدفع المقدّر من خير وشر فلما تقاربا أدرجهما في عبارة واحدة وخصّ عبارة دفع الضرّ لأنه هو المتوقع لهؤلاء إذ الآية في سياق التهديد أو الوعيد الشديد وهي نظير قوله: {قل من ذا الذي يعصمكم من اللّه إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة} فإن العصمة إنما تكون من السوء لا من الرحمة.

.الفوائد:

الأهلون: جمع أهل ويقال أهلات على تقدير تاء التأنيث كأرض وأرضات، والذي حسن جمع أهل هذا الجمع كونه يرد بمعنى الوصف كقولهم الحمد للّه أهل الحمد وكونه في الواقع للعقلاء.

.[سورة الفتح: الآيات 13- 16]:

{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقول الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قال الله مِنْ قَبْلُ فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذابًا أَلِيمًا (16)}.

.الإعراب:

{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيرًا} الواو عاطفة لتقرير بوارهم وبيان كيفيته، و{من} اسم شرط جازم أو موصولة في محل رفع مبتدأ و{لم} حرف نفي وقلب وجزم و{يؤمن} فعل مضارع مجزوم بلم و{باللّه} متعلقان بيؤمن {ورسوله} عطف على اللّه وجواب الشرط محذوف أي فإنه كافر والفاء عاطفة على الجواب وإن واسمها وجملة {أعتدنا} خبر إن و{للكافرين} متعلقان بأعتدنا و{سعيرا} مفعول به وجملة الشرط والجواب خبر من إن كانت شرطية وجملة {فإنّا أعتدنا} هي الخبر إن كانت موصولة ودخلت الفاء لما في الموصول من معنى الشرط.
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} الواو عاطفة و{للّه} خبر مقدم و{ملك السموات والأرض} مبتدأ مؤخر وجملة {يغفر} حالية، و{لمن} متعلقان بيغفر وجملة {يشاء} صلة {ويعذب من يشاء} عطف على جملة الصلة وكان واسمها وخبراها. {سَيَقول الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ} السين حرف استقبال ويقول {المخلفون} فعل مضارع وفاعل و{إذا} ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بيقول أي سيقولون وقت انطلاقكم وجملة {انطلقتم} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{إلى مغانم} متعلقان بانطلقتم وجملة {ذرونا} مقول قولهم أي دعونا وقد تقدم أن العرب ماتوا ماضيه ومصدره واسم فاعله، و{نتبعكم} فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب.
{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} جملة {يريدون} حالية من الفاعل وهو المخلفون ولك أن تجعلها مستأنفة وجعلها أبو البقاء حالا من ضمير المفعول به في ذرونا وفيه تكلّف وبعد، و{أن} وما بعدها مفعول {يريدون} و{كلام اللّه} مفعول {يبدلوا} وفي قراءة {كلم اللّه} جمع كلمة.
{قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قال الله مِنْ قَبْلُ} {قل} فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{لن} حرف نفي ونصب واستقبال و{تتبعونا} فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل ونا مفعول به والجملة مقول القول و{كذلكم} نعت لمصدر محذوف أي قولا مثل هذا القول الصادر عنّي وهو {لن تتبعونا}.
{فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} الفاء عاطفة والسين حرف استقبال ويقولون فعل مضارع مرفوع و{بل} حرف إضراب أو عطف والإضراب عن أن يكون حكم اللّه أن لا يتبعوهم وإثبات ما هو شر من ذلك وهو الحسد، و{تحسدوننا} عطف على {سيقولون} وهو فعل مضارع مرفوع وفاعل ومفعول به و{بل} إضراب ثان عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى ما أطمّ منه وهو الجهل وقلة الفقه، وسيأتي مزيد منه في باب البلاغة، وكان واسمها وجملة {لا يفقهون} خبرها و{إلا} أداة حصر و{قليلا} نعت لمصدر محذوف أي إلا فهما قليلا فلا معنى لقول الجلال {إلا قليلا منهم} لأنهم جميعا مشتركون في الوصف بالغباء والبلادة.
{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} {قل} فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{للمخلفين} متعلقان بقل و{من الأعراب} حال وجملة {ستدعون} مقول القول، وسيأتي سرّ التكرير، و{إلى قوم} متعلقان بتدعون و{أولي بأس شديد} نعت لقوم وجملة {تقاتلونهم} نعت ثان أو حال ولك أن تجعلها مستأنفة و{أو} حرف عطف و{يسلمون} عطف على {تقاتلونهم} ولك أن ترفع الفعل المضارع على الاستئناف والتقدير أو هم يسلمون أي ينقادون.
{فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا} الفاء عاطفة وإن شرطية و{تطيعوا} فعل الشرط وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل و{يؤتكم} جواب الشرط والكاف مفعول به أول و{اللّه} فاعل و{أجرا} مفعول به ثان و{حسنا} نعت لأجرا.
{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذابًا أَلِيمًا} الواو عاطفة و{إن} شرطية و{تتولوا} فعل الشرط وكما نعت لمصدر محذوف وما مصدرية وقد تقدم هذا الإعراب كثيرا وإن جنح سيبويه إلى إعراب الكاف في مثل هذا التركيب حالا، و{من قبل} متعلقان بتوليتم وبنى {قبل} على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى و{يعذبكم} جواب الشرط والكاف مفعوله و{عذابا} مفعول مطلق و{أليما} نعت لعذابا.

.البلاغة:

1- المبالغة: في قوله تعالى: {فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا} فالإضراب الأول معروف وهو ديدنهم ودليل لجاجهم وتماديهم في التعنّت والإصرار على السفه، أما الإضراب الثاني فهو الذي تتجسد فيه بلادتهم وغباؤهم لأن الإضراب الأول فيه نسبة إلى جهل في شيء مخصوص وهو نسبتهم الحسد إلى المؤمنين والثاني فيه نسبة إلى جهل عام على الإطلاق.
2- التكرير: وكرر ذكر القبائل الذين تخلفوا بهذا الاسم مبالغة في الذم وإظهارا لبشاعة التخلف كأن الذم يتوالى عليهم كلما تكرر ذكرهم به ووسمهم بميسمه، واختلف المفسرون في هؤلاء القوم الذين دعوا إلى محاربتهم والموصوفين بالبأس الشديد، فقيل هم هوازن ومن حارب الرسول في حنين، وقيل هم الروم الذين خرج إليهم عام تبوك، وقيل هم أهل الردّة الذين حاربهم أبو بكر. والتفاصيل يرجع إليها في مظانها.

.[سورة الفتح: الآيات 17- 21]:

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذابًا أَلِيمًا (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرًا (21)}.

.الإعراب:

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} كلام مستأنف مسوق لبيان حكم الزمنى وذوي العاهات بالنسبة للجهاد ونفي الحرج عنهم في التخلّف عنه. و{ليس} فعل ماض ناقص و{على الأعرج} خبر {ليس} المقدم و{حرج} اسمها المؤخر وما بعده عطف عليه وقد روعي في الترتيب أي هؤلاء أولى برفع الحرج عنه فقدّم {الأعمى} لأن عذره واضح مستمر والانتفاع منه معدوم البتة وقدّم {الأعرج} على {المريض} لأن عاهة العرج قد يمكن الانتفاع منها في حالات معينة كالحراسة ونحوها أما المريض فإن إمكان زوال المرض عنه متوقع في كل وقت.
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} الواو حرف عطف و{من} شرطية في محل رفع مبتدأ و{يطع اللّه ورسوله} فعل الشرط و{يدخله} جوابه و{جنات} مفعول به ثان على السعة وجملة {تجري من تحتها الأنهار} صفة لجنات.
{وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذابًا أَلِيمًا} عطف على ما تقدم.
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} كلام مستأنف لتقرير الرضا عن المبايعين ولذلك سمّيت بيعة الرضوان وتفاصيلها في كتب السير والتاريخ، واللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق و{رضي اللّه} فعل وفاعل و{عن المؤمنين} متعلقان برضي و{إذ} ظرف ماض متعلق برضي وجملة {يبايعونك} مضاف إليها الظرف، وكان مقتضى المقام أن يأتي بالماضي ولكنه عدل عنه لسر يأتي في باب البلاغة، و{تحت الشجرة} ظرف متعلق بيبايعونك.