فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولذلك عطف عليه {ويكفر عنهم سيئاتهم}.
والفوز: مصدر، وهو الظفر بالخير والنجاح.
و{عند الله} متعلّق بـ {فوزًا}، أي فازوا عند الله بمعنى: لقوا النجاح والظفر في معاملة الله لهم بالكرامة وتقديمه على متعلقه للاهتمام بهذه المعاملة ذات الكرامة.
{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}.
الحديث عن جنود الله في معرض ذكر نصر الله يقتضي لا محالة فريقًا مهزومًا بتلك الجنود وهم العدو، فإذا كان النصر الذي قدره الله معلولًا بما بشر به المؤمنين فلا جرم اقتضى أنه مَعلول بما يسوء العدوّ وحزبه، فذكر الله من عِلة ذلك النصر أنّه يعذّب بسببه المنافقين حزبَ العدو، والمشركين صميم العدوّ، فكان قوله: {ويعذب المنافقين} معطوفًا على {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات} [الفتح: 5].
والمراد: تعذيب خاص زائد على تعذيبهم الذي استحقوه بسبب الكفر والنفاق وقد أومأ إلى ذلك قوله بعده {عليهم دائرة السوء}.
والابتداء بذكر المنافقين في التعذيب قبل المشركين لتنبيه المسلمين بأن كفر المنافقين خفيّ فربما غفل المسلمون عن هذا الفريق أو نسوه.
كان المنافقون لم يخرج منهم أحد إلى فتح مكة ولا إلى عمرة القضية لأنهم لا يحبون أن يراهم المشركون متلبسين بأعمال المسلمين مظاهرين لهم ولأنهم كانوا يحسبون أن المشركين يدافعون المسلمين عن مكة وأنه يكون النصر للمشركين.
والتعذيب: إيصال العذاب إليهم وذلك صادق بعذاب الدنيا بالسيف كما قال تعالى: {يعذبْهم الله بأيديكم} [التوبة: 14] وقال: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} [التوبة: 73]، وبالوَجل، وحذَر الافتضاح، وبالكمد من رؤية المؤمنين منصورين سالمين قال تعالى: {قل موتوا بغيظكم} [آل عمران: 119] وقال: {إن تصبك حسنة تسوءهم} [التوبة: 50] وصادق بعذاب الآخرة وهو ما خص بالذكر في آخر الآية بقوله: {وأعد لهم جهنم}.
وعطف {المنافقات} نظير عطف {المؤمنات} [الفتح: 5] المتقدم لأن نساء المنافقين يشاركنهم في أسرارهم ويحضون ما يبيتونه من الكيد ويهيئون لهم إيواء المشركين إذا زاروهم.
وقوله: {الظانين} صفة للمذكورين من المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات فإن حق الصفة الواردة بعد متعدد أن تعود إلى جميعه ما لم يكن مانع لفظي أو معنوي.
والسَّوء بفتح السين في قوله: {ظن السوء} في قراءة جميع العشرة، وأما في قولهم {عليْهم دائرة السوء} فهو في قراءة الجمهور بالفتح أيضًا.
وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وحده بضمّ السّين.
والمفتوح والمضموم مترادفان في أصل اللغة ومعناهما المكروه ضد السرور، فهما لغتان مثل: الكَره والكُره، الضَّعف والضُعف، والضَّر والضُّر، والبَأس والبُؤس.
هذا عن الكسائي وتبعه الزمخشري وبينه الجوهري بأن المفتوح مصدر والمضموم اسم مصدر، إلا أن الاستعمال غلب المفتوح في أن يقع وصفًا لمذموم مضافًا إليه موصوفه كما وقع في هذه الآية وفي قوله: {ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السَّوء} في سورة براءة (98)، وغلب المضموم في معنى الشيء الذي هو بذاته شرّ.
فإضافة الظن إلى السوء من إضافة الموصوف إلى الصفة.
والمراد: ظنهم بالله أنهم لم يَعد الرسول بالفتح ولا أمره بالخروج إلى العمرة ولا يقدر للرسول النصر لقلة أتباعه وعِزة أعدائه، فهذا ظن سوء بالرسول، وهذا المناسب لقراءته بالفتح.
وأمَّا {دائرة السَّوء} في قراءة الجمهور فهي الدائرة التي تسُوء أولئك الظانين بقرينة قوله: {عليهم}، ولا التفات إلى كونها محمودة عند المؤمنين إذ ليس المقام لبيان ذلك والإضافة مثل إضافة {ظن السوء}، وأما في قراءة ابن كثير وأبي عمرو فإضافة {دائرة} المضموم من إضافة الأسماء، أي الدائرة المختصة بالسوء والملازمة له لا من إضافة الموصوف.
وليس في قراءتهما خصوصية زائدة على قراءة الجمهور ولكنها جمعت بين الاستعمالين ففتح السوء الأول متعيّن وضم الثاني جائز وليس براجح والاختلاف اختلاف في الرواية.
وجملة {عليهم دائرة السوء} دعاء أو وعيد، ولذلك جاءت بالاسمية لصلوحيتها لذلك بخلاف جملة {وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم} فإنها إخبار عما جنوه من سوء فعلهم فالتعبير بالماضي منه أظهر.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)}.
هذا نظير ما تَقدم آنفًا إلا أن هذا أوثر بصفة عزيز دون عليم لأن المقصود من ذكر الجنود هنا الإنذار والوعيد بهزائم تحل بالمنافقين والمشركين فكما ذكر {ولله جنود السماوات والأرض} فيما تقدم للإشارة إلى أنّ نصر النبي صلى الله عليه وسلم يكون بجنود المؤمنين وغيرهما ذكر ما هنا للوعيد بالهزيمة فمناسبة صفة عزيز، أي لا يغلبه غالب. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)}.
قال قوم فيما حكى الزهراوي {فتحنا لك} يريد به فتح مكة، وحكاه الثعلبي أيضًا، ونسبه النقاش إلى الكلبي. وأخبره تعالى به على معنى: قضينا به. والفتاح: القاضي بلغة اليمن، وقيل المراد: {إنا فتحنا لك} بأن هديناك إلى الإسلام ليغفر. وقال جمهور الناس: والصحيح الذي تعضده قصة الحديبية أن قوله: {إنا فتحنا لك} إنما معناه: إن ما يسر الله لك في تلك الخرجة فتح مبين تستقبله، ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين، لأنهم كانوا استوحشوا من رد قريش لهم ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي عليه السلام فنزلت السورة مؤنسة لهم في صدهم عن البيت ومذهبه: ما كان في قلوبهم، ومنه حديث عمر الشهير وما قاله للنبي عليه السلام ولأبي بكر واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة أنه هادن عدوه ريثما يتقوى هو، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية حيث وضع فيه سهمه وثاب الماء حتى كفى الجيش، واتفقت بيعة الرضوان وهي الفتح الأعظم، قاله جابر بن عبد الله والبراء بن عازب. وبلغ هديه محله، قاله الشعبي واستقبل فتح خيبر، وامتلأت أيدي المؤمنين خيرًا، ولم يفتحها إلا أهل الحديبية ولم يشركهم فيها أحد.
قال القاضي أبو محمد: وفيه نظر، لأن أصحاب السفينة مع جعفر بن أبي طالب شاركوهم في القسم، فينبغي أن يقال لم يشاركهم أحد من المتخلفين عن الحديبية، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس ظهرت فيها الروم، فكانت من جملة الفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسر بها هو والمؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس وانخضاد الشوكة العظمة من الكفر.
ثم عظم الله أمر نبيه بأن نبأه أنه غفر له {ما تقدم} من ذنبه {وما تأخر}، فقوله: {ليغفر} هي لام كي، لكنها تخالفها في المعنى والمراد هنا أن الله فتح لك لكي يجعل ذلك أمارة وعلامة لغفرانه لك، فكأنها لام صيرورة، ولهذا قال عليه السلام: «لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة هي أحب إليّ من الدنيا». وقال الطبري وابن كيسان المعنى: {إنا فتحنا لك} فسبح بحمد ربك واستغفره ليغفر لك، وبنيا هذه الآية مع قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] السورة إلى آخرها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف من وجهين أحدهما: أن سورة، {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] إنما نزلت من أخر مدة النبي عليه السلام ناعية له نفسه حسبما قال ابن عباس عندما سأل عمر عن ذلك. والآخر: أن تخصيص النبي عليه السلام بالتشريف كان يذهب، لأن كل أحد من المؤمنين هو مخاطب بهذا الذي قال الطبري، أي سبح واستغفر لكي يغفر الله، ولا يتضمن هذا أن الغفران قد وقع، وما قدمناه أولًا يقتضي وقوع الغفران للنبي عليه السلام، ويدل على ذلك قول الصحابة له حين قام حتى تورمت قدماه: أتفعل هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» فهذا نص في أن الغفران قد وقع. وقال منذر بن سعيد المعنى: مجاهدتك بالله المقترنة بالفتح هي ليغفر. وحكى الثعلبي عن الحسن بن الفضل أن المعنى: {إنا فتحنا لك} فاستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات {ليغفر لك} الآية، وهذا نحو قول الطبري.
وقوله: {ما تقدم من ذنبك وما تأخر} قال سفيان الثوري: {ما تقدم} يريد قبل النبوءة.
{وما تأخر} كل شيء لم تعلمه وهذا ضعيف، وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب البتة، وأجمع العلماء علىعصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل، وجوز بعضهم الصغائر التي ليست برذائل، واختلفوا هل وقع ذلك من محمد عليه السلام أو لم يقع، وحكى الثعلبي عن عطاء الخراساني أنه قال: {ما تقدم} هو ذنب آدم وحواء، أي ببركتك {وما تأخر} هي ذنوب أمتك بدعائك. قال الثعلبي: الإمامية لا تجوز الصغائر على النبي ولا على الإمام، والآية ترد عليهم. وقال بعضهم: {وما تقدم} هو قوله يوم بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد».
{وما تأخر} هو قوله يوم حنين: «لن نغلب اليوم من قلة».
قال القاضي أبو محمد: وإتمام النعمة عليه، هو إظهاره وتغلبه على عدوه والرضوان في الآخرة.
وقوله تعالى: {ويهديك صراطًا مستقيمًا} معناه: إلى صراط، فحذف الجار فتعدى الفعل، وقد يتعدى هذا بغير حرف جر، والنصر العزيز: هو الذي معه غلبة العدو والظهور عليه، والنصر غير العزيز: هو الذي مضمنه الحماية ودفع العدو فقط. وإنزال السكينة في قلوب المؤمنين: وهي فعلية من السكون هو تسكينها لتلك الهدنة مع قريش حتى اطمأنت، وعلموا أن وعد الله على لسان رسوله حق فازدادوا بذلك إيمانًا إلى إيمانهم الأول وكثر تصديقهم. قال ابن عباس: لما آمنوا بالتوحيد زادهم العبادات شيئًا شيئًا. فكانوا يزيدون إيمانًا حتى قال لهم: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فمنحهم أكمل إيمان أهل السماوات والأرض لا إله إلا الله. وفسر ابن عباس {السكينة} بالرحمة.
وقوله: {ولله جنود السماوات والأرض} إشارة إلى تسكين النفوس أيضًا وأن تكون مسلمة، لأنه ينصر متى شاء وعلى أي صورة شاء مما لا يدبره البشر، ومن جنده: {السكينة} التي أنزلها في قلوب أصحاب محمد فثبت بصائرهم.
وقوله تعالى: {وكان الله} أي كان ويكون، فهي دالة على الوجود بهذه الصفة لا معينة وقتًا ماضيًا. والعلم والإحكام: صفتان مقتضيتان عزة النصر لمن أراد الموصوف بهما نصره.
قوله تعالى: {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} [الفتح: 4] معناه: فازدادوا وتلقوا ذلك. فتمكن بعد ذلك قوله: {ليدخل المؤمنين} أي بتكسبهم القبول لما أنزل الله عليهم. ويروى في معنى هذه الآية أنه لما نزلت: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} [الأحقاف: 9] تكلم فيها أهل الكتاب وقالوا: كيف نتبع من لا يدري ما يفعل به وبالناس معه؟ فبين الله في هذه السورة ما يفعل به بقوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2] فلما سمعها المؤمنون، قالوا: هنيئًا مريئًا، هذا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار} إلى قوله: {وساءت مصيرًا} فعرفه الله تعالى ما يفعل به وبالمؤمنين والكافرين. وذكر النقاش أن رجلًا من عك قال: هذه لك يا رسول الله، فما لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي لي ولأمتي كهاتين» وجمع بين أصبعيه.
وقوله: {ويكفر عنهم سيئاتهم} فيه ترتيب الجمل في السرد لا ترتيب وقوع معانيها، لأن تكفير السيئات قبل إدخالهم الجنة.
وقوله: {الظانين بالله ظن السوء} قيل معناه من قولهم: {لن ينقلب الرسول} [الفتح: 12]، فكأنهم ظنوا بالله ظن السوء في جهة الرسول والمؤمنين، وقيل: ظنوا بالله ظن سوء، إذ هم يعتقدونه بغير صفاته، فهي ظنون سوء من حيث هي كاذبة مؤدية إلى عذابهم في نار جهنم.
وقوله تعالى: {عليهم دائرة السوء} كأنه يقوي التأويل الآخر، أي أصابهم ما أرادوه بكم، وقرأ جمهور القراء: {دائرة السَوء} كالأول، ورجحها الفراء، وقال: قل ما تضم العرب السين. قال أبو علي: هما متقاربان، والفتح أشد مطابقة في اللفظ. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {ظن السَوء} بفتح السين. و: {دائرة السُوء} بضم السين، وهو اسم، أي {دائرة السُوء} الذي أرادوه بكم في ظنهم السوء. وقرأ الحسن: بضم السين في الموضعين، وروى ذلك عن أبي عمرو ومجاهد، وسمى المصيبة التي دعا بها عليهم: {دائرة}، من حيث يقال في الزمان إنه يستدير، ألا ترى أن السنة والشهر كأنها مستديرات، تذهب على ترتيب، وتجيء من حيث هي تقديرات للحركة العظمى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» فيقال الأقدار والحوادث التي هي في طي الزمان دائرة، لأنها تدور بدوران الزمان، كأنك تقول: إن أمرًا كذا يكون في يوم كذا من سنة كذا، فمن حيث يدور ذلك اليوم حتى يبرز إلى الوجود تدور هي أيضًا فيه، وقد قالوا: أربعاء لا تدور، ومن هذا قول الشاعر: الرجز:
ودائرات الدهر قد تدور

ومنه قول الآخر: الطويل:
ويعلم أن النائبات تدور

وهذا كثير ويحسن أن تسمى المصيبة دائرة من حيث كمالها أن تحيط بصاحبها كما يحيط شكل الدائرة على السواء من النقطة، وقد أشار النقاش إلى هذا المعنى {وغضب الله} تعالى متى قصد به الإرادة فهو صفة ذات، ومتى قصد به ما يظهر من الأفعال على المغضوب عليه فهي صفة فعل.
{ولعنهم} معناه: أبعدهم من رحمته، وقال تعالى في هذه {وكان الله عزيزًا حكيمًا} فذكر صفة العزة من حيث تقدم الانتقام من الكفار، وفي التي قبل قرن بالحكمة والعلم من حيث وعده بمغيبات، وقرن باللفظتين ذكر جنود الله تعالى التي منها السكينة ومنها نقمة من المنافقين والمشركين، فلكل لفظ وجه من المعنى، وقال ابن المبارك في كتاب النقاش: جنود الله في السماء، الملائكة، وفي الأرض الغزاة في سبيل الله. قال عبد الحق: وهذا بعض من كل. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.
اختلف في تعيين هذا الفتح، فقال الأكثر: هو صلح الحديبية، والصلح قد يسمى فتحًا.
قال الفراء: والفتح قد يكون صلحًا، ومعنى الفتح في اللغة: فتح المنغلق، والصلح الذي كان مع المشركين بالحديبية كان مسدودًا متعذرًا حتى فتحه الله.
قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام.
قال الشعبي: لقد أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية ما لم يصب في غزوة، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرّضوان، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس.
وقال قوم: إنه فتح مكة.
وقال آخرون: إنه فتح خيبر.
والأوّل أرجح، ويؤيده ما ذكرناه قبل هذا من أن السورة أنزلت في شأن الحديبية.
وقيل: هو جميع ما فتح الله لرسوله من الفتوح، وقيل: هو ما فتح له من النبوّة، والدعوة إلى الإسلام، وقيل: فتح الروم، وقيل: المراد بالفتح في هذه الآية: الحكم والقضاء.