فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتتركون أمر الله ورسوله، وتقعدون طلبًا للسلامة، ولو أراد بكم الضرر لا ينفعكم قعودكم من الله شيئًا، أو معناه أنكم تحترزون عن ضرر القتال والمقاتلين وتعتقدون أن أهليكم وبلادكم تحفظكم من العدو، فهب أنكم حفظتم أنفسكم عن ذلك، فمن يدفع عنكم عذاب الله في الآخرة، مع أن ذلك أولى بالاحتراز، وقد ذكرنا في سورة ياس في قوله تعالى: {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ} [ياس: 23] أنه في صورة كون الكلام مع المؤمن أدخل الباء على الضر، فقال: {إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرّ} [الزمر: 38] وقال: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ} [الأنعام: 17] وفي صورة كون الكلام مع الكافر أدخل الباء عل الكافر، فقال هاهنا {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} وقال: {مَن ذَا الذي يَعْصِمُكُمْ مّنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا} [الأحزاب: 17] وقد ذكرنا الفرق الفائق هناك، ولا نعيده ليكون هذا باعثًا على مطالعة تفسير سورة يّس، فإنها درج الدرر اليتيمة، {بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} أي بما تعملون من إظهار الحرب وإضمار غيره.
{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا}.
يعني لم يكن تخلفكم لما ذكرتم {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ} وأن مخففة من الثقيلة، أي ظننتم أنهم لا ينقلبون ولا يرجعون، وقوله: {وزين ذلك في قلوبكم} يعني ظننتم أولًا، فزين الشيطان ظنكم عندكم حتى قطعتم به، وذلك لأن الشبهة قد يزينها الشيطان، ويضم إليها مخايلة يقطع بها الغافل، وإن كان لا يشك فيها العاقل، وقوله تعالى: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون هذا العطف عطفًا يفيد المغايرة، فقوله: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} غير الذي في قوله: {بَلْ ظَنَنْتُمْ} وحينئذ يحتمل أن يكون الظن الثاني معناه: وظننتم أن الله يخلف وعده، أو ظننتم أن الرسول كاذب في قوله وثانيهما: أن يكون قوله: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} هو ما تقدم من ظن أن لا ينقلبوا، ويكون على حد قول القائل: علمت هذه المسألة وعلمت كذا، أي هذه المسألة لا غيرها، وذلك كأنه قال: بل ظننتم ظن أن لن ينقلب.
وظنكم ذلك فاسد، وقد بينا التحقيق في ظن السوء، وقوله تعالى: {وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} يحتمل وجهين أحدهما: وصرتم بذلك الظن بائرين هالكين وثانيها: أنتم في الأصل بائرون وظننتم ذلك الظن الفاسد.
{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)}.
على قولنا: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} [الفتح: 12] ظن آخر غير ما في قوله: {بَلْ ظَنَنْتُمْ} ظاهر، لأنا بينا أن ذلك ظنهم بأن الله يخلف وعده أو ظنهم بأن الرسول كاذب فقال: {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ} ويظن به خلفًا وبرسوله كذبًا فإنا أعتدنا له سعيرًا، وفي قوله: {للكافرين} بدلًا عن أن يقول فإنا أعتدنا له فائدة وهي التعميم كأنه تعالى قال: ومن لم يؤمن بالله فهو من الكافرين وإنا أعتدنا للكافرين سعيرًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {سَيَقول لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب}.
قال مجاهد وابن عباس: يعني أعراب غِفار ومُزَيْنة وجُهينة وأَسْلم وأشْجَع والدِّيل؛ وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة؛ تخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد السفر إلى مكة عام الفتح، بعد أن كان استنفرهم ليخرجوا معه حَذَرًا من قريش، وأحرم بعُمْرَةٍ وساق معه الهَدْيَ؛ ليعلم الناس أنه لا يريد حربًا فتثاقلوا عنه واعتلّوا بالشّغل؛ فنزلت.
وإنما قال: {الْمُخَلّفُونَ} لأن الله خلّفهم عن صحبة نبيّه.
والمخلَّف المتروك.
وقد مضى في (براءة).
{شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} أي ليس لنا من يقوم بهما.
{فاستغفر لَنَا} جاءوا يطلبون الاْستغفار واعتقادهم بخلاف ظاهرهم؛ ففضحهم الله تعالى بقوله: {يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} وهذا هو النفاق المحض.
{قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} قرأ حمزة والكسائي {ضُرًّا} بضم الضاد هنا فقط؛ أي أمرًا يضركم.
وقال ابن عباس: الهزيمة.
الباقون بالفتح؛ وهو مصدر ضررته ضَرًّا.
وبالضم اسم لما ينال الإنسان من الهزال وسوء الحال.
والمصدر يؤدّي عن المرّة وأكثر.
واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، قالا: لأنه قابله بالنفع وهو ضدّ الضرّ.
وقيل: هما لغتان بمعنًى؛ كالفَقْر والفُقْر والضَّعْف والضُّعْف.
{أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} أي نصرًا وغَنِيمة.
وهذا ردّ عليهم حين ظنوا أن التخلف عن الرسول يدفع عنهم الضر ويعجِّل لهم النفع.
قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا}.
وذلك أنهم قالوا: إن محمدًا وأصحابه أَكَلَة رأس لا يرجعون.
{وَزُيِّنَ ذَلِكَ} أي النفاق.
{فِي قُلُوبِكُمْ} وهذا التزيين من الشيطان؛ أو يخلق الله ذلك في قلوبهم.
{وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} أن الله لا ينصر رسوله.
{وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} أي هَلْكَى؛ قاله مجاهد.
وقال قتادة: فاسدين لا يصلحون لشيء من الخير.
قال الجَوْهرِيّ: البور: الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه.
قال عبد الله بن الزِّبَعْرى السَّهْمِي:
يا رسول المليك إن لساني ** راتِق ما فَتَقْتُ إذ أنا بُور

وامرأة بُور أيضًا؛ حكاه أبو عبيد.
وقوم بُورٌ هَلْكَى.
قال تعالى: {وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} وهو جمع بائر؛ مثل حائل وحُول.
وقد بار فلان أي هلك.
وأباره الله أي أهلكه.
وقيل: {بُورًا} أشرارًا؛ قاله ابن بحر.
وقال حسان بن ثابت:
لا ينفع الطُّول من نُوكِ الرجال وقد ** يهدي الإله سبيل المَعْشَر البور

أي الهالك.
{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)}.
وعيد لهم، وبيان أنهم كفروا بالنفاق. اهـ.

.قال الألوسي:

{سَيَقول لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب}.
قال مجاهد. وغيره ودخل كلام بعضهم في بعض المخلفون من الأعراب هم جهينة ومزينة وغفار وأشجع والديل وأسلم استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرًا ليخرجوا معه حذرًا من قريش أني عرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت وأحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدى ليعلم أنه لا يريد حربًا ورأى أولئك الأعراب أنه عليه الصلاة والسلام يستقبل عددًا عظيمًا من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورين مكة وهم الأحابيش ولم يكن الإيمان تمكن من قلوبهم فقعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخلفوا وقالوا: نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم وقالوا: لن يرجع محمد عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه من هذه السفرة ففضحهم الله تعالى في هذه الآية وأعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم فكان كذلك، و{المخلفون} جمع مخلف، قال الطبرسي: هو المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد مأخوذ من الخلف وضده المقدم، و{الأعراب} في المشهور سكان البادية من العرب لا واحد له أي سيقول لك المتروكون الغير الخارجين معك معتذرين إليك {شَغَلَتْنَا} عن الذهاب معك {أموالنا وَأَهْلُونَا} إذ لم يكن لنا من يقوم بحفظ ذلك ويحميه عن الضياع، ولعل ذكر الأهل بعد الأموال من باب الترقي لأن حفظ الأهل عند ذوي الغيرة أهم من حفظ الأموال.
وقرأ إبراهيم بن نوح بن بازان {شَغَلَتْنَا} بتشديد الغين المعجمة للتكثير {فاستغفر لَنَا} الله تعالى ليغفر لنا تخلفنا عنك حيث لم يكن عن تكاسل في طاعتك بل لذلك الداعي {يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} أي إن كلامهم من طرف اللسان غير مطابق لما في الجنان، وهو كناية عن كذبهم، فالجملة استئناف لتكذيبهم وكونها بدلًا من {سَيَقول} غير ظاهر، والكذب راجع لما تضمنه الكلام من الخبر عن تخلفهم بأنه لضرورة داعية له وهو القيام بمصالحهم التي لا بد منها وعدم من يقوم بها لو ذهبوا معه عليه الصلاة والسلام، وكذا راجع لما تضمنه {أَسْتَغْفِرُ} الإنشاء من اعترافهم بأنهم مذنبون وأن دعاءه صلى الله عليه وسلم لهم يفيدهم فائدة لازمة لهم، أو تسمية ذلك كذبًا ليس لعدم مطابقة نسبة الاعتقاد على ما ذهب إليه النظام بل لعدم مطابقته الواقع بحسب الاعتقاد وفرق بين الأمرين {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} أمر له صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم بذلك عند اعتذارهم بتلك الأباطيل، والملك إمساك بقوة لأنه بمعنى الضبط وهو حفظ عن حزم، ومنه لا أملك رأس البعير وملكت العجيب إذا شددت عجنته، وملكت الشيء إذا دخل تحت ضبطك دخولًا تامًا، وإذا قلت: لا أملك كان نفيًا للاستطاعة والطاقة إمساكًا ومنعًا، فأصل المعنى هنا فمن يستطيع لكم إمساك شيء من قدرة الله تعالى إن أراد بكم الخ، واللام من {لَكُمْ} إما للبيان أو من صلة الفعل لأن هذه الاستطاعة مختصة بهم ولأجلهم، و{مِنَ الله} حال من النكرة أعني شيئًا مقدمة، وتفسير الملك بالمنع بيان لحاصل المعنى لأنه إذا لم يستطع أحد الإمساك والدفع فلا يمكنه المنع وليس ذلك لجعله مجازًا عنه أو مضمنًا إياه واللام زائدة كما في {رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72] و{مِنْ} متعلقة بيملك كما قيل، والمراد بالضر والنفع ما يضر وما ينفع فهما مصدران مراد بهما الحاصل بالمصدر أو مؤولان بالوصف.
وقرأ حمزة والكسائي {ضَرّا} بضم الضاد وهو لغة فيه، وحاصل معنى الآية قل لهم إذ لا أحد يدفع ضره ولا نفعه تعالى فليس الشغل بالأهل والمال عذرًا فلا ذاك يدفع الضر إن أراده عز وجل ولا مغافصة العدو تمنع النفع إن أراد بكم نفعًا، وهذا كلام جامع في الجواب فيه تعريض بغيرهم من المبطلين وبجلالة محل المحقين ثم ترقى سبحانه منه إلى ما يتضمن تهديدًا بقوله تعالى: {بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} أي بكل ما تعملونه {خَبِيرًا} فيعلم سبحانه تخلفكم وقصدكم فيه ويجازيكم على ذلك، ثم ختم جل وعلا بمكنون ضمائرهم ومخزون ما أعد لهم عنده تعالى بقوله سبحانه: {بَلْ ظَنَنْتُمْ} إلى قوله تعالى: {بُورًا} وفي الانتصاف أن في قوله تعالى: {فَمَن يَمْلِكُ} [الفتح: 11] الخ لفًا ونشرًا والأصل فمن يملك لكم من الله شيئًا إن أراد بكم ضرًا أو من يحرمكم النفع أن أراد بكم نفعًا لأن من يملك يستعمل في الضر كقوله تعالى: {فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح} [المائدة: 17] {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئًا} [المائدة: 41] {فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ الله شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} [الأحقاف: 8]، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في بعض الحديث: «إني لا أملك لكم شيئًا» يخاطب عشيرته وأمثاله كثير، وسر اختصاصه بدفع المضرة أن الملك مضاف في هذه المواضع باللام ودفع المضرة نفع يضاف للمدفوع عنه وليس كذلك حرمان المنفعة فإنه ضرر عائد عليه لا له فإذا ظهر ذلك فإنما انتظمت الآية على هذا الوجه كذلك لأن القسمين يشتركان في أن كل واحد منهما نفى لدفع المقدور من خير وشر فلما تقاربا أدرجا في عبارة واحدة؛ وخص عبارة دفع الضر لأنه هو المتوقع لهؤلاء إذ الآية في سياق التهديد والوعيد الشديد وهي نظير قوله تعالى: {قُلْ مَن ذَا الذي يَعْصِمُكُمْ مّنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: 17] فإن العصمة إنما تكون من السوء لا من الرحمة، فهاتان الآيتان توأمتان في التقرير المذكور انتهى، والوجه ما ذكرناه أولًا في الآية، وفي تسمية مثل هذا لفًا ونشرًا نظر، ثم إن الظاهر عموم الضر والنفع، وقال شيخ الإسلام أبو السعود: المراد بالضر ما يضر من هلاك الأهل والمال وضياعهما وبالنفع ما ينفع من حفظ المال والأهل وتعميمهما يرده قوله تعالى: {بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [الفتح: 11] فإنه إضراب عما قالوه وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدقه انتهى، وهو كلام أو هي من بيت العنكبوت لأن في التعميم إفادة لما ذكر وزيادة تفيد قوة وبلاغة، والظاهر أن كلًا من الإضرابات الثلاثة مقصودة، وقال شيخ الإسلام: إن قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ} الخ بدل من {كَانَ الله} الخ مفسر لما فيه من الإبهام.
وفي (البحر) أنه بيان للعلة في تخلفهم أي بل ظننتم {أَن لَّن يَنقَلِبَ} أي لن يرجع من ذلك السفر {الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ} أي عشائرهم وذوي قرباهم {أَبَدًا} بأن يستأصلهم المشركون بالمرة فحسبتم إن كنتم معهم أن يصيبكم ما يصيبهم فلأج ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة.
والأهلون جمع أهل وجمعه جمع السلامة على خلاف القياس لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل ويجمع على أهلات بملاحظة تاء التأنيث في مفرده تقديرًا فيجمع كتمرة وتمرات ونحوه أرض وأرضات، وقد جاء على ما في (الكشاف) أهلة بالتاء ويجوز تحريك عينه أيضًا فيقال: اهلات بفتح الهاء، وكذا يجمع على أهال كليال، وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع؛ وقيل: وهو إطلاق منه في الجمع الوارد على خلاف القياس وإلا فاسم الجمع شرطه عند النحاة أن يكون على وزن المفردات سواء كان له مفرد أم لا.
وقرأ عبد الله {إلى أَهْلِهِمْ} بغير ياء، والآية ظاهرة في أن {لَنْ} ليست للتأبيد ومن زعم إفادتها إياه جعل {أَبَدًا} للتأكيد {وَزُيّنَ} أي حسن {ذلك} أي الظن المفهوم من ظننتم {فِي قُلُوبِكُمْ} فلم تسعوا في إزالته فتمكن فيكم فاشتغلتم بشأن أنفسكم غير مبالين بالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ وقيل: الإشارة إلى المظنون وهو عدم انقلاب الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين إلى أهليهم أبدًا أي حسن ذلك في قلوبكم فأحببتموه والمراد من ذلك تقريعهم ببغضهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والمناسب للسياق ما تقدم.
وقرئ {زُيّنَ} بالبناء للفاعل بإسناده إلى الله تعالى أو إلى الشيطان {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} وهو ظنهم السابق فتعريفه للعهد الذكرى وأعيد لتشديد التوبيخ والتسجيل عليه بالسوء أو هو عام فيشمل ذلك الظن وسائر ظنونهم الفاسدة التي من جملتها الظن بعدم رسالته عليه الصلاة والسلام فإن الجازم بصحتها لا يحوم فكره حول ما ذكر من الاستئصال فذكر ذلك للتعميم بعد التخصيص.
{وَكُنتُمْ} في علم الله تعالى الأزلي {قَوْمًا بُورًا} أي هالكين لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم مستوجبين سخطه تعالى وعقابه جل شأنه، وقيل: أي فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم، والظاهر على ما في (البحر) أن بورًا في الأصل مصدر كالهلك ولذا وصف به المفرد المذكر في قول ابن الزبعرى:
يا رسول المليك إن لساني ** راتق ما فتقت إذ أنا بور

والمؤنث حكى أبو عبيدة امرأة بور والمثنى والمجموع، وجوز أن يكون جمع بائر كحائل وحول وعائذ وعوذ وبازل وبزل، وعلى المصدرية هو مؤول باسم الفاعل، وجوز أن تكون كان بمعنى صار أي وصرتم بذلك الظن قومًا هالكين مستوجبين السخط والعقاب والظاهر إبقاؤها على بابها والمضي باعتبار العلم كما أشرنا إليه، وقيل: أي كنتم قبل الظن فاسدين.