فصل: تفسير الآيات (14- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وما ذكرنا من أنه مبشر للمؤمنين ونذير للكافرين أوضحه في قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المتقين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} [مريم: 97].
وقد أوضحنا هذا في أول سورة الكهف، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة، ذكره وزيادة في سورة الأحزاب في قوله تعالى: {يا أيها النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} [الأحزاب: 45- 46].
وقله هنا: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} حال مقدرة. وقوله: مبشرًا ونذيرًا كلاهما حال معطوف على حال.
قوله تعالى: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا}.
أمر الله جل وعلا نبيه أن يقول للمنافقين الذين تخلفوا عنه واعتذروا بأعذار كاذبة: {فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعا} أي لا أحد يملك دفع الضر الذي أراد الله إنزاله بكم ولا منع النفع الذي أراد نفعكم به فلا نافع إلا هو ولا ضار إلا هو تعالى، ولا يقدر أحد على دفع ضر أراده ولا منع نفع أراده.
وهذا الذي تضمنته هذه الآية الكريمة، ما جاء موضحًا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في الأحزاب {قُلْ مَن ذَا الذي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سواءا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} [الأحزاب: 17].
وقوله تعالى في آخر يونس: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] الآية.
وقوله في الأنعام: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} [الأنعام: 17].
وقوله تعالى في المائدة: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} [فاطر: 2] الآية.
وقوله تعالى في الملك: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الكافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الملك: 28].
وقد ذكرنا بعض الآيات الدالة على هذا في أول سورة فاطر في الكلام على قوله تعالى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَة} الآية. وفي سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئًا} [الأحقاف: 8]. اهـ.

.تفسير الآيات (14- 15):

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقول الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قال الله مِنْ قَبْلُ فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما انقضى حديث الجنود عامة ثم خاصة من المنتدبين والمخلصين وختم بعذاب الكافرين، وكان المتصرف في الجنود ربما كان بعض خواص الملك، فلا يكون تصرفه فيهم تامًا، وكان الملك قد لا يقدر على عذاب من أراد من جنوده، وكان إذا قدر قد لا يقدر على العذاب بكل ما يريده من السعير الموصوف وغيره لعدم عموم ملكه قال تعالى عاطفًا على آية الجنود: {ولله} أي الملك الأعظم وحده {ملك السماوات والأرض} أي من الجنود وغيرها، يدبر ذلك كله كيف يشاء لا راد لحكمه ولا معقب.
ولما لم يكن في هؤلاء من عذب بما عذب الأمم الماضية من الريح وغيرها، لم يذكر ما بين الخافقين، وذكر نتيجة التفرد بالملك بما يقتضيه الحال من الترغيب والترهيب: {يغفر لمن يشاء} أي لا اعتراض لأحد عليه بوجه ما {ويعذب من يشاء} أي لأنه لا يجب عليه شيء ولا يكافيه شيء، وليس هو كالملوك الذين لا يتمكنون من مثل ذلك لكثرة الأكفاء المعارضين لهم في الجملة، وعلم من هذا التقسيم المبهم أيضًا أن منهم من يرتد فيعذبه، ومنهم من يثبت على الإسلام فيغفر له لأنه لا يعذب بغير ذنب وإن كان له أن يفعل ذلك، لأنه لا يسأل عما يفعل وملكه تام، فتصرفه فيه عدل كيفما كان.
ولما كان من يفعل الشيء في وقت قد لا يستمر على وصف القدرة عليه قال تعالى: {وكان الله} أي المحيط بصفات الكمال أزلًا وأبدًا، لم يتجدد له شيء لم يكن.
ولما ابتدأ الآية بالمغفرة ترغيبًا في التوبة، ختم بذلك لأن المقام له، وزاد الرحمة تشريفًا لنبي المرحمة بالترغيب والدلالة على أن رحمته غلبت غضبه فقال: {غفورًا} أي لذنوب المسيئين {رحيمًا} أي مكرمًا بعد الستر بما لا تسعه العقول، وقدرته على الإنعام كقدرته على الانتقام.
ولما ذم المخلفين بما منه- أي من الذم- أنهم هالكون بعد أن قدم أنه لعنهم، وكان قد وعد سبحانه أهل الحديبية فتح خيبر جبرًا لهم بما منعهم من الاستيلاء على مكة المشرفة لما له في ذلك من الحكم البالغة الدقيقة، وختم بأنه نافذ الأمر، وكان ذلك مستلزمًا لإحاطة العلم، دل على كلا الأمرين بقوله استئنافًا، جوابًا لمن كأنه قال: هل يغفر للمخلفين حتى يكونوا كأنهم ما تخلفوا؟: {سيقول} أي بوعد لا خلف فيه.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا مطمع لأحد في أن يظفر منه بشيء من خلاف الأمر الله، أسقط ما عبر به في ذكرهم أولًا من خطابه وقال: {المخلفون} أي لمن يطمعون فيه من الصحابة أن يسعى في تمكينهم من المسير في جيشه صلى الله عليه وسلم لخفاء الحكم عليه ونحو ذلك، ولم يقيدهم بالأعراب ليعم كل من كان يتخلف من غيرهم {إذا انطلقتم} بتمكين الله لكم {إلى مغانم}.
ولما أفهم اللفظ الأخذ، والتعبير بصيغة منتهى الجموع كثرتها، صرح بالأول رفعًا للمجاز فقال: {لتأخذوها} أي من خيبر {ذرونا} أي على أي حالة شئتم من الأحوال الدنية {نتبعكم} ولما كان يلزم من تمكينهم من ذلك إخلاف وعد الله بأنها تخص أهل الحديبية، وأنه طرد المنافقين وخيب قصدهم، علل تعالى قولهم بقوله: {يريدون} أي بذهابكم معكم {أن يبدلوا كلام الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا في الإخبار بلعنهم وإبارتهم، وأن فتح خيبر مختص بأهل الحديبية، لا يشركهم فيه إلا من وافقهم في النية والهجرة، ليتوصلوا بذلك إلى تشكيك أهل الإسلام فيه، والمراد أن فعلهم فعل من يريد ذلك، ولا يبعد أن يكونوا صنفين: منهم من يريد ذلك، ومنهم من لم يرده ولكن فعل من يريده.
ولما كان السامع جديرًا بأن يسأل عما يقال لهم، قال مخاطبًا لأصدق الخلق عليه الصلاة والسلام: {قل} أي يا حبيب لهم إذا بلغك كلامهم أنت بنفسك، فإن غيرك لا يقوم مقامك في هذا الأمر المهم، قولا مؤكدًا: {لن تتبعونا} وإن اجتهدتم في ذلك، وساقه مساق النفي وإن كان المراد به النهي، لأنه مع كونه آكد يكون علمًا من أعلام النبوة، وهو أزجر وأدل على الاستهانة.
ولما أذن هذا التأكيد أنه من عند من لا يخالف أصلًا في مراده، بينه تعالى بقوله: {كذلكم} أي مثل هذا القول البديع الشأن العلي الرتبة {قال الله} أي الذي لا يكون إلا ما يريد وليس هو كالملوك الذين لا قدرة لهم على الغفران لمن شاؤوا والعقاب لمن شاؤوا {من قبل} هذا الوقت، وهو الذي لا يمكن الخلف في قوله، فإنه قضى أن لا يحضر (خيبر) المرادة بهذه الغنائم إلا من حضر الحديبية، وأمر بذلك فكان ما قال بعد اجتهاد بعض المخلفين في إخلافه فإنهم غيّرهم الطمع بعد سماعهم قول الله هذا، فطلبوا أن يخرجوا معه صلى الله عليه وسلم فمنعوا فلم يحضرها غيرهم أحد، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست، فأقام إلى أثناء محرم سنة سبع، وخرج بأهل الحديبية إلى خيبر ففتحها الله عليه، وأخذ جميع أموالها من المنقولات والعقارات، وأتى إليه صلى الله عليه وسلم وهو بها بعد فتحها ابن عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وبعض من معهم من مهاجرة الحبشة، فأشركهم النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل الحديبية لأنهم لم يكونوا مخلفين بل كانوا متخلفين لعذر عدم الإدراك.
ولما كانوا منافقين لا يعتقدون شيئًا من هذه الأقوال، بل يظنون أنها حيل على التوصل إلى المرادات الدنيوية، سبب عن قولهم له ذلك تنبيهًا على جلافتهم وفساد ظنونهم: {فسيقولون}: ليس الأمر كما ذكر مما ادعى أنه قول الله {بل} إنما ذلكم لأنكم {تحسدوننا} فلا تريدون أن يصل إلينا من مال الغنائم شيء.
ولما كان التقدير: وليس الأمر كما زعموا، رتب عليه قوله: {بل كانوا} أي جبلة وطبعًا {لا يفقهون} أي لا يفهمون فهم الحاذق الماهر {إلا قليلًا} في أمر دنياهم، ومن ذلك إقرارهم بالإيمان لأجلها، وأما أمور الآخرة فلا يفهمون منها شيئًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}.
بعد ما ذكر من له أجر عظيم من المبايعين ومن له عذاب أليم من الظانين الضالين، أشار إلى أنه يغفر للأولين بمشيئته ويعذب الآخرين بمشيئته، وغفرانه ورحمته أعم وأشمل وأتم وأكمل، وقوله تعالى: {ولِلَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} يفيد عظمة الأمرين جميعًا لأن من عظم ملكه يكون أجره وهبته في غاية العظم وعذابه وعقوبته كذلك في غاية النكال والألم.
{سَيَقول الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ}.
ثم قال تعالى: {سَيَقول المخلفون إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ}.
أوضح الله كذبهم بهذا حيث كانوا عندما يكون السير إلى مغانم يتوقعونها يقولون من تلقاء أنفسهم {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} فإذا كان أموالهم وأهلوهم شغلتهم يوم دعوتكم إياهم إلى أهل مكة، فما بالهم لا يشتغلون بأموالهم يوم الغنيمة، والمراد من المغانم مغانم أهل خيبر وفتحها وغنم المسلمون ولم يكن معهم إلا من كان معه في المدينة، وفي قوله: {سَيَقول المخلفون} وعد المبايعين الموافقين بالغنيمة والمتخلفين المخالفين بالحرمان.
وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كلام الله قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كذلكم قال الله مِن قَبْلُ}.
يحتمل وجوهًا أحدها: هو ما قال الله إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية وعاهد بها لا غير وهو الأشهر عند المفسرين، والأظهر نظرًا إلى قوله تعالى: {كذلكم قال الله مِن قَبْلُ}، ثانيها: يريدون أن يبدلوا كلام الله وهو قوله: {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} [الفتح: 6] وذلك لأنهم لو اتبعوكم لكانوا في حكم بيعة أهل الرضوان الموعودين بالغنيمة فيكونون من الذين رضي الله عنهم كما قال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة} [الفتح: 18] فلا يكونون من الذين غضب الله عليهم فيلزم تبديل كلام الله ثالثها: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تخلف القوم أطلعه الله على باطنهم وأظهر له نفاقهم وأنه يريد أن يعاقبهم وقال للنبي صلى الله عليه وسلم {فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تقاتلوا مَعِيَ عَدُوّا} [التوبة: 83] فأرادوا أن يبدلوا ذلك الكلام بالخروج معه، لا يقال فالآية التي ذكرتم واردة في غزوة تبوك لا في هذه الواقعة، لأنا نقول قد وجد هاهنا بقوله: {لَّن تَتَّبِعُونَا} على صيغة النفي بدلًا عن قوله: لا تتبعونا، على صيغة النهي معنى لطيف وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على إخبار الله تعالى عنهم النفي لوثوقه وقطعه بصدقه فجزم وقال: {لَّن تَتَّبِعُونَا} يعني لو أذنتكم ولو أردتم واخترتم لا يتم لكم ذلك لما أخبر الله تعالى.
ثم قال تعالى: {فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا}.
ردًا على قوله تعالى: {كذلكم قال الله مِن قَبْلُ} كأنهم قالوا: ما قال الله كذلك من قبل، بل تحسدوننا، وبل للاضراب والمضروب عنه محذوف في الموضعين، أما هاهنا فهو بتقدير ما قال الله وكذلك، فإن قيل بماذا كان الحسد في اعتقادهم؟ نقول كأنهم قالوا نحن كنا مصيبين في عدم الخروج حيث رجعوا من الحديبية من غير حاصل ونحن استرحنا، فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا.
ثم قال تعالى ردًا عليهم كما ردوا {بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلًا} أي لم يفقهوا من قولك لا تخرجوا إلا ظاهر النهي ولم يفهموا من حكمه إلا قليلًا فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
أي هو غنيٌّ عن عباده، وإنما ابتلاهم بالتكليف ليثيب من آمن ويعاقب من كفر وعصى.
قوله تعالى: {سَيَقول المخلفون إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا}.
يعني مغانم خيبر؛ لأن الله عز وجل وعد أهل الحديبِية فتح خَيْبَر، وأنها لهم خاصّةً من غاب منهم ومن حضر.
ولم يَغِب منهم عنها غير جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كَسَهْمِ مَن حضر.
قال ابن إسحاق: وكان المتولّي للقسمة بخيبر جَبّار بن صخر الأنصاري من بني سلمة، وزيد بن ثابت من بني النجار؛ كانا حاسبين قاسمين.
{ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} أي دعونا.
تقول: ذَرْه، أي دعه.
وهو يَذَرُه، أي يَدَعُه.
وأصله وذِرَه يَذَرُه مثالُ وسِعَه يَسَعُه.
وقد أُمِيت صدره، لا يقال: وذَره ولا واذر، ولكن تركه وهو تارك.
قال مجاهد: تخلفوا عن الخروج إلى مكة، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ قومًا ووجّه بهم قالوا ذَرُونا نتّبعكم فنقاتل معكم.
{يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ الله} أي يغيّروا.
قال ابن زيد: هو قوله تعالى: {فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83] الآية.
وأنكر هذا القول الطبري وغيره؛ بسبب أن غزوة تَبُوك كانت بعد فتح خَيْبَر وبعد فتح مكة.
وقيل: المعنى يريدون أن يغيّروا وعد الله الذي وعد لأهل الحُدَيْبِيَة؛ وذلك أن الله تعالى جعل لهم غنائم خيبر عِوَضًا عن فتح مكة إذ رجعوا من الحديبية على صلح؛ قاله مجاهد وقتادة، واختاره الطبري وعليه عامة أهل التأويل.
وقرأ حمزة والكسائي {كَلِمَ} بإسقاط الألف وكسر اللام جمع كلمة؛ نحو سَلِمة وسَلِم.
الباقون {كَلاَمَ} على المصدر.
واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، اعتبارا بقوله: {إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} [الأعراف: 144].
والكلام: ما استقل بنفسه من الجمل.
قال الجوهري: الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير.
والكَلِم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة؛ مثل نَبِقة ونَبِق.
ولهذا قال سيبويه: هذا بابُ عِلْم مَا الكَلِمُ من العربية ولم يقل ما الكلام؛ لأنه أراد نفس ثلاثة أشياء: الاْسم والفعل والحرف؛ فجاء بما لا يكون إلا جمعًا، وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة.