فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن فرق الضمائر فقد أبعد وقال غيره: الكنايات في قوله ويعزروه ويوقروه راجعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعندها تم الكلام فالوقف عليّ ويوقروه وقف تام ثم يبتدئ بقوله ويسبحوه {بكرة وأصيلًا} على أن الكناية في ويسبحوه راجعة إلى الله تعالى يعني ويصلوا الله أو يسبحوا بالغداة والعشي.
قوله: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} يعني إن الذين يبايعونك يا محمد بالحديبية على أن لا يفروا إنما يبايعون الله لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة وأصل البيعة: العقد الذي يعقده الإنسان على نفسه من بذل الطاعة للإمام، والوفاء بالعهد الذي التزمه له، والمراد بهذه البيعة بيعة الرضوان بالحديبية، وهي قرية ليست بكبيرة بينها وبين مكة أقل من مرحلة أو مرحلتين سميت ببئر هناك.
قوله تعالى: {سيقول لك المخلفون من الأعراب} قال ابن عباس ومجاهد يعني أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع والنخع وأسلم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرًا، استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرًا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فأحرم بالعمرة وساق الهدى ليعلم الناس أنه لا يريد حربًا، فتثاقل عنه كثير من الأعراب، وتخلفوا، واعتلّوا بالشغل، فأنزل الله تعالى فيهم سيقول لك يا محمد المخلفون من الأعراب الذين خلفهم الله عن صحبتك، إذا رجعت إليهم من عمرتك هذه وعاتبتهم على التخلف عنك {شغلتنا أموالنا وأهلونا} يعني النساء والذراري.
يعني: لم يكن لنا من يخلفنا فيهم: فلذا تخلفنا عنك {فاستغفر لنا} أي إنا مع عذرنا معترفون بالإساءة فاستغفر لنا بسبب تخلفنا عنك فأكذبهم الله تعالى فقال الله تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} يعني أنهم في طلب الاستغفار كاذبون لأنهم لا يبالون استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أم لا {قل فمن يملك لكم من الله شيئًا إن أراد بكم ضرًا} يعني سوءًا {أو أراد بكم نفعًا} وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر أو يجعل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم فأخبرهم الله أنه إن أراد شيئًا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه {بل كان الله بما تعملون خبيرًا} يعني من إظهاركم الاعتذار وطلب الاستغفار وإخفائكم النفاق {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدًا} يعني ظننتم أن العدو يستأصلهم فلا يرجعون إلى أهليهم {وزين ذلك في قلوبكم} يعني زيَّن الشيطان ذلك الظن عندكم حتى قطعتم به، حتى صار الظن يقينًا عندكم، وذلك أن الشيطان قد يوسوس في قلب الإنسان بالشيء ويزينه له حتى يقطع به {وظننتم ظن السوء} يعني وظننتم أن الله يخلف وعده وذلك أنهم قالوا: إن محمدًا وأصحابه أكلة رأس، يريدون بذلك قتلهم فلا يرجعون فأين تذهبون معهم انظروا ما يكون من أمرهم {وكنتم قومًا بورًا} يعني وصرتم بسبب ذلك الظن الفاسد قومًا بائرين هالكين {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرًا}.
لما بين الله تعالى حال المخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حال ظنهم الفاسد وإن ذلك يفضي بصاحبه إلى الكفر حرضهم على الإيمان والتوبة من ذلك الظن الفاسد فقال تعالى: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله} وظن أن الله يخلف وعده فإنه كافر وإنا أعتدنا للكافرين سعيرًا {ولله ملك السموات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} لما ذكر الله تعالى حال المؤمنين المبايعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحال الظانين ظن السوء أخبر أن له ملك السموات والأرض ومن كان كذلك فهو يغفر لمن يشاء بمشيئته ويعذب من يشاء ولكن غفرانه ورحمته أعم وأشمل وأتم وأكمل وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا} قوله: {سيقول المخلفون} يعني الذين تخلفوا عن الحديبية {إذا انطلقتم} يعني إذا سرتم وذهبتم أيها المؤمنون {إلى مغانم لتأخذوها} يعني غنائم خيبر وذلك أن المؤمنين لما انصرفوا من الحديبية على صلح من غير قتال ولم يصيبوا من الغنائم شيئًا وعدهم الله فتح خيبر وجعل غنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضًا عن غنائم أهل مكة حيث انصرفوا عنهم ولم يصيبوا منهم شيئًا {ذرونا نتبعكم} يعني إلى خيبر فنشهد معكم قتال أهلها وفي هذا بيان كذب المتخلفين عن الحديبية حيث قالوا: شغلتنا أموالنا وأهلونا إذ لم يكن لهم هناك طمع في غنيمة وهنا قالوا: ذرونا نتبعكم حيث كان لهم طمع في الغنيمة {يريدون أن يبدلوا كلام الله} يعني يريدون أن يغيروا ويبدلوا مواعيد الله لأهل الحديبية حيث وعدهم غنيمة خيبر لهم خاصة وهذا قول جمهور المفسرين.
قوله: {قل للمخلفين من الأعراب} لما قال الله للنبي صلى الله عليه وسلم: {قل لن تتبعونا}، وكان المخلفون جمعًا كثيرًا من قبائل متشعبة، وكان فيهم من ترجى توبته وخيره بخلاف الذين مردوا على النفاق واستمروا عليه، فجعل الله لقبول توبتهم علامة، وهي أنهم يدعون إلى قوم أولى بأس شديد، فإن أطاعوا، كانوا من المؤمنين ويؤتيهم الله أجرًا حسنًا وهو الجنة، وإن تولوا وأعرضوا عما دعوا إليه، كانوا من المنافقين ويعذبهم عذابًا أليمًا.
واختلفوا في المشار إليهم بقوله: {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} من هم فقال ابن عباس ومجاهد: هم أهل فارس.
وقال كعب: هم الروم.
وقال الحسن: هم فارس والروم.
وقال سعيد بن جبير: هوازن وثقيف.
وقال قتادة: هوازن وغطفان يوم حنين.
وقال الزهري وجماعة: هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب.
وقال رافع بن خديج: كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم.
وقال ابن جريج: دعاهم عمر إلى قتال فارس.
وقال أبو هريرة: لم يأت تأويل هذه الآية بعد، وأقوى هذه الأقوال، قول من قال إنهم هوازن وثقيف، لأن الداعي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبعدها قول من قال إنهم بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب أما الدليل على صحة القول الأول فهو أن العرب كان قد ظهر أمرهم في آخر الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا مؤمن تقي طاهر أو كافر مجاهر.
وأما المنافقون، فكان قد علم حالهم لامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليهم، وكان الداعي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حرب من خالفه من الكفار.
وكانت هوازن وثقيف من أشد العرب بأسًا وكذلك غطفان فاستنفر النبي صلى الله عليه وسلم العرب لغزوة حنين وبني المصطلق، فصح بهذا البيان أن الداعي هو النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: هذا ممتنع لوجهين: أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لن تتبعونا، وقال: لن تخرجوا معي أبدًا، فكيف كانوا يتبعونه مع هذا النهي؟ الوجه الثاني: قوله: {أولي بأس شديد}، ولم يبق للنبي صلى الله عليه وسلم حرب مع قوم أولي بأس شديد، لأن الرعب كان قد دخل قلوب العرب كافة فنقول: الجواب عن الوجه الأول من وجهين: أحدهما: أن يكون قوله: قل لن تتبعونا ولن تخرجوا معي أبدًا مقيد بقيد وهو أن يكون تقديره: قل لن تتبعونا ولن تخرجوا معي أبدًا ما دمتم على ما أنتم عليه من النفاق والمخالفة وهذا القيد لا بد منه لأن من أسلم وحسن إسلامه وجب عليه الجهاد ولا يجوز منعه من الخروج إلى الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: في الجواب عن الوجه الأول أن المراد من قوله لن تتبعونا ولن تخرجوا معي أبدًا يعني في غزوة خيبر لأنها كانت مخصوصة بمن شهد بيعة الرضوان بالحديبية دون غيرهم.
ثم نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يدعهم إلى الجهاد معه أو منعهم من الخروج إلى الجهاد معهما لامتنع أبو بكر وعمر من الإذن لهم في الخروج إلى الجهاد معهما كما امتنعا من أخذ الزكاة من ثعلبة لامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من أخذها وأما الجواب عن الوجه الثاني وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق له حرب مع قوم أولي بأس شديد فغير مسلم لأن الحرب كانت باقية مع قريش وغيرهم من العرب وهم أولو بأس شديد فثبت بهذا البيان أن الداعي للمخلفين هو النبي صلى الله عليه وسلم وأما قول من قال إن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب وإن عمر دعاهم إلى قتال فارس والروم فظاهر في الدلالة وفيه دليل على صحة خلافتهما لأن الله تعالى وعد على طاعتهما الجنة وعلى مخالفتهما النار.
وقوله تعالى: {تقاتلونهم أو يسلمون} فيه إشارة إلى وقوع أحد الأمرين إما الإسلام أو القتل {فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرًا حسنًا} يعني الجنة {وإن تتولوا} يعني تعرضوا عن الجهاد {كما توليتم من قبل} يعني عام الحديبية {يعذبكم عذابًا اليمًا} يعني النار ولما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة والأعذار كيف حالنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} يعني في التخلف عن الجهاد وهذه أعذر ماهرة في جواز ترك الجهاد، لأن أصحابها لا يقدرون على الكر والفر، لأن الأعمى لا يمكنه الإقدام على العدو والطلب، ولا يمكنه الاحتراز منه والهرب، وكذلك الأعرج، والمريض.
وفي معنى الأعرج: الزمن المقعد والأقطع.
وفي معنى المريض: صاحب السعال الشديد والطحال الكبير.
والذين لا يقدرون على الكر والفر: فهذه أعذار مانعة من الجهاد ظاهرة ومن وراء ذلك أعذار أخر دون ما ذكر وهي: الفقر الذي لا يمكن صاحبه أن يستصحب معه ما يحتاج إليه من مصالح الجهاد والاشغال التي تعوق عن الجهاد كتمريض المريض الذي ليس له من قوم مقامه عليه ونحو ذلك وإنما قدم الأعمى على الأعرج، لأن عذر الأعمى مستمر لا يمكن الانتفاع به في حرس ولا غيره بخلاف الأعرج لأنه يمكن الانتفاع به في الحراسة ونحوها وقدم الأعرج على المريض لأن عذره أشد من عذر المريض لإمكان زوال المرض عن قريب {ومن يطع الله ورسوله} يعني في أمر الجهاد وغيره {يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول} يعني يعرض عن الساعة ويستمر على الكفر والنفاق {يعذبه عذابًا أليمًا} يعني في الآخرة. اهـ.

.قال النسفي:

{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.
الفتح الظفر بالبلد عنوة أو صلحًا بحرب أو بغير حرب، لأنه مغلق ما لم يظفر به فإذا ظفر به فقد فتح، ثم قيل هو فتح مكة وقد نزلت مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة عام الحديبية عدة له بالفتح.
وجيء به على لفظ الماضي لأنها في تحققها بمنزلة الكائنة وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر عنه وهو الفتح ما لا يخفى.
وقيل: هو فتح الحديبية ولم يكن فيه قتال شديد ولكن ترامٍ بين القوم بسهام وحجارة، فرمى المسلمون المشركين حتى أدخلوهم ديارهم وسألوا الصلح فكان فتحًا مبينًا وقال الزجاج: كان في فتح الحديبية آية للمسلمين عظيمة، وذلك أنه نزح ماؤها ولم يبق فيها قطرة فتمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مجه في البئر فدرت بالماء حتى شرب جميع الناس.
وقيل: هو فتح خيبر.
وقيل: معناه قضينا لك قضاء بينًا على أهل مكة أن تدخلها أنت وأصحابك من قابل لتطوفوا بالبيت من الفتاحة وهي الحكومة.
{لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} قيل: الفتح ليس بسبب للمغفرة والتقدير: إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا فاستغفر ليغفر لك الله ومثله {إِذَا جَاء نَصْرُ الله والفتح} إلى قوله: {فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ واستغفره} [النصر: 1، 3] ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سببًا للغفران.
وقيل: الفتح لم يكن ليغفر له بل لإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز، ولكنه لما عدد عليه هذه النعم وصلها بما هو أعظم النعم كأنه قيل: يسرّنا لك فتح مكة أو كذا لنجمع لك بين عز الدارين وأغراض العاجل والآجل {مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} يريد جميع ما فرط منك أو ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بإعلاء دينك وفتح البلاد على يدك {وَيَهْدِيَكَ صراطا مُّسْتَقِيمًا} ويثبتك على الدين المرضي {وَيَنصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا} قويًا منيعًا لا ذل بعده أبدًا.
{هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة في قُلُوبِ المؤمنين لِيَزْدَادُوآ إيمانا مَّعَ إيمانهم} السكينة للسكون كالبهيتة للبهتان أي أنزل الله في قلوبهم السكون والطمأنينة بسبب الصلح ليزدادوا يقينًا إلى يقينهم.
وقيل: السكينة الصبر على ما أمر الله والثقة بوعد الله والتعظيم لأمر الله {وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزًا عَظِيمًا وَيُعَذِّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} أي ولله جنود السماوات والأرض يسلط بعضها على بعض كما يقتضيه علمه وحكمته، ومن قضيته أن سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ووعدهم أن يفتح لهم، وإنما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة الله فيه ويشكروها فيثيبهم ويعذب الكافرين والمنافقين لما غاظهم من ذلك وكرهوه {الظآنين بالله ظَنَّ السوء} وقع السوء عبارة عن رداءة الشيء وفساده.
يقال: فعل سوء أي مسخوط فاسد، والمراد ظنهم أن الله تعالى لا ينصر الرسول والمؤمنين ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهرًا {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} مكي وأبو عمرو أي ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم، والسوء الهلاك والدمار وغيرهما {دَائِرَة السوء} بالفتح إلا أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه من كل شيء، وأما السوء فجارٍ مجرى الشر الذي هو نقيض الخير {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} جهنم {وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض} فيدفع كيد من عادى نبيه عليه السلام والمؤمنين بما شاء منها {وَكَانَ الله عَزِيزًا} غالبًا فلا يرد بأسه {حَكِيمًا} فيما دبر.
{إِنَّآ أرسلناك شَاهِدًا} تشهد على أمتك يوم القيامة وهذه حال مقدرة {وَمُبَشِّرًا} للمؤمنين بالجنة {وَنَذِيرًا} للكافرين من النار {لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته {وَتُعَزِّرُوهُ} وتقووه بالنصر {وَتُوَقِّرُوهُ} وتعظموه {وَتُسَبِّحُوهُ} من التسبيح أو من السبحة، والضمائر لله عز وجل.
والمراد بتعزيز الله تعزيز دينه ورسوله، ومن فرق الضمائر فجعل الأولين للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أبعد {لِيُؤْمِنُواْ} مكي وأبو عمرو والضمير للناس وكذا الثلاثة الأخيرة بالياء عندهما {بُكْرَةً} صلاة الفجر {وَأَصِيلًا} الصلوات الأربع {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ} أي بيعة الرضوان.
ولما قال: {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} أكده تأكيدًا على طريقة التخييل فقال: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يريد أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله والله منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما كقوله: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80] و{إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} خبر (إن) {فَمَن نَّكَثَ} نقض العهد ولم يف بالبيعة {فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه.
قال جابر بن عبد الله: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على الموت وعلى أن لا نفر فما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس وكان منافقًا اختبأ تحت بطن بعيره ولم يسر مع القوم {وَمَنْ أوفى بِمَا عاهد} يقال: وفيت بالعهد وأوفيت به ومنه قوله: {أَوْفُواْ بالعقود} [المائدة: 1] {والموفون بِعَهْدِهِمْ} [البقرة: 177] {عَلَيْهِ الله} حفص {فَسَيُؤْتِيهِ} وبالنون حجازي وشامي {أَجْرًا عَظِيمًا} الجنة.