فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} لأنه المقصود ببيعته.
{يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} حال أو استئناف مؤكد له على سبيل التخييل.
{فَمَن نَّكَثَ} نقض العهد.
{فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه.
{وَمَنْ أوفى بِمَا عاهد عَلَيْهِ الله} في مبايعته {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} هو الجنة، وقرئ {عهد} وقرأ حفص {عَلَيْهِ} بضم الهاء وابن كثير ونافع وابن عامر وروح {فسنؤتيه} بالنون. والآية نزلت في بيعة الرضوان.
{سَيَقول لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب} هم أسلم وجهينة ومزينة وغفار استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فتخلفوا واعتلوا بالشغل بأموالهم وأهاليهم، وإنما خلفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش إن صدوهم.
{شَغَلَتْنَا أموالنا وَأَهْلُونَا} إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم، وقرئ بالتشديد للتكثير.
{فاستغفر لَنَا} من الله على التخلف.
{يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار.
{قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ الله شَيْئًا} فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه.
{إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} ما يضركم كقتل أو هزيمة أو خلل في المال والأهل عقوبة على التخلف، وقرأ حمزة والكسائي بالضم.
{أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} ما يضاد ذلك، وهو تعريض بالرد.
{بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه.
{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} لظنكم أن المشركين يستأصلونهم، وأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على أن أصله أهلة وأما أهال فاسم جمع كليال.
{وَزُيّنَ ذَلِكَ في قُلُوبِكُمْ} فتمكن فيها، وقرئ على البناء للفاعل وهو الله أو الشيطان.
{وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} الظن المذكور، والمراد التسجيل عليه ب {السوء} أو هو وسائر ما يظنون بالله ورسوله من الأمور الزائغة.
{وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} هالكين عند الله لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم.
{وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين سَعِيرًا} وضع الكافرين موضع الضمير إيذانًا بأن من لم يجمع بين الإِيمان بالله ورسوله فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره، وتنكير سعيرًا للتهويل أو لأنها نار مخصوصة.
{وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} يدبره كيف يشاء.
{يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} إذ لا وجوب عليه.
{وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} فإن الغفران والرحمة من ذاته والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض، ولذلك جاء في الحديث الإلهي «سبقت رحمتي غضبي» {سَيَقول المخلفون} يعني المذكورين.
{إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا} يعني مغانم خيبر فإنه عليه الصلاة والسلام رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالًا كثيرة فخصها بهم.
{ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كلام الله} أن يغيروه وهو وعده لأهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر، وقيل قوله تعالى: {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا} والظاهر أنه في تبوك. والكلام اسم للتكليم غلب في الجملة المفيدة وقرأ حمزة والكسائي {كلم الله} وهو جمع كلمة.
{قُل لَّن تَتَّبِعُونَا} نفي في معنى النهي.
{كَذَلِكُمْ قال الله مِن قَبْلُ}.
من قبل تهيئهم للخروج إلى خيبر.
{فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} أن يشارككم في الغنائم، وقرئ بالكسر.
{بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ} لا يفهمون.
{إِلاَّ قَلِيلًا} إلا فهما قليلًا وهو فطنتهم لأمور الدنيا، ومعنى الإِضراب الأول رد منهم أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات للحسد، والثاني رد من الله لذلك وإثبات لجهلهم بأمور الدين.
{قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعراب} كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذم وإشعارًا بشناعة التخلف.
{سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} بني حنيفة أو غيرهم ممن ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو المشركين فإنه قال: {تقاتلونهم أَوْ يُسْلِمُونَ} أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإِسلام لا غير كما دل عليه قراءة {أو يسلموا}، ومن عداهم يقاتل حتى يسلم أو يعطي الجزية. وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه إذا لم تتفق هذه الدعوة لغيره إلا إذا صح أنهم ثقيف وهوازن فإن ذلك كان في عهد النبوة. وقيل فارس والروم ومعنى {يُسْلِمُونَ} ينقادون ليتناول تقبلهم الجزية.
{فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ الله أَجْرًا حَسَنًا} هو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة.
{وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ} عن الحديبية.
{يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} لتضاعف جرمكم.
{لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} لما أوعد على التخلف نفي الحرج عن هؤلاء المعذورين استثناء لهم عن الوعيد.
{وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهر} فصل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته، ثم جبر ذلك بالتكرير على سبيل التعميم فقال: {وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} إذ الترهيب ها هنا أنفع من الترغيب، وقرأ نافع وابن عامر {ندخله} و{نُعَذِّبُهُ} بالنون. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)}.
التفسير: الفتح في باب الجهاد هو الظفر بالبلد بصلح أو حرب لأنه منغلق ما لم يظفر به. والجمهور على أن المراد به ما جرى يوم الحديبية. عن أنس قال: لما رجعنا عن الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة، أنزل الله {إنا فتحنا} فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد أنزل عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا كلها» والحديبية بئر سمي المكان بها وكان قد غاض ماؤها فتمضمض فيها النبي صلى الله عليه وسلم فجاء بالماء حتى عمهم. وعن ابن شهاب: لم يكن في الإسلام فتح أعظم من فتح الحديبية وضعت الحرب وأمن الناس. وقال الشعبي: أصاب النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة ما لم يصب في غيرها، بويع فيها بيعة الرضوان تحت الشجرة، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وظهرت الروم على فارس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد به فصح صدقه وأطعم نخل خيبر. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة أحب أن يزور بيت الله الحرام بمكة فخرج قاصدًا نحوه في سنة ست من الهجرة، وخرج معه أولو البصيرة وتخلف من كان في قلبه مرض ظنًا منه أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدًا. واستصحب سبعين بدنة لينحرها بمكة، ولما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأحرم بالعمرة لتعلم قريش أنه لم يأت لقتال وكانوا ألفًا وثلثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة فبايعوه إلا جد بن قيس فإنه اختبأ تحت إبطي ناقته، فجاءه عروة بن مسعود لإيقاع صلح. فلما رأية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله على أني أرى وجوهًا وأسرابًا خليقًا أن يفروا ويدعوك؟ فشتمه أبو بكر فلما عاد إلى قريش قال: لقد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم من الملوك وما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا. والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم، وما يحدّون النظر إليه تفخيمًا، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها منه. فلما اتفقوا على الصلح جاء سهيل بن عمرو والمخزومي وتصالحوا على أن لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة سنته بل يعود في القابل ويقيم ثلاثة أيام ثم ينصرف، فلما كتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه «بسم الله الرحمن الرحيم». قال سهيل: ما نعرف «الرحمن الرحيم» اكتب في قضيتنا ما نعرف «باسمك اللهم».
ولما كتب «هذا ما صالح محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم». قال: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله. فتنازع المسلمون وقريش في ذلك وكادوا يتواثبون، فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالإجابة فكتب «هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشًا على أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجًا أو معتمرًا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله، ومن قدم المدينة مجتازًا إلى مصر والشام أو يبتغي من فضل الله فهو على دمه وأهله آمن، وعلى أنه من جاء محمدًا من قريش فهو إليهم ردّ، ومن جاءهم من أصحاب محمد فهو لهم» فاشتدّ ذلك على المسلمين فقال النبي صلى الله عيله وسلم: «من جاءهم منا فأبعده الله، ومن جاءنا منهم رددناه إليهم، فإن علم الله منه الإسلام جعل له مخرجًا». فلما فرغوا من الهدنة نحر النبي صلى الله عليه وسلم وحلق وفعل أصحابه ذلك فنزل عليه في طريقه في هذا الشأن {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} يريد ما كان من أمر الحديبية والفتح قد يكون بالصلح. وقيل: كان ذلك بلفظ الماضي على عادة إخبار الله. وقال ابن عيسى: الفتح الفرج المزيل للهم ومنه فتح المسألة إذا انفرجت عن بيان يؤدّي إلى الثقة. وقيل وهو قول قتادة: الفتح القضاء والحكم، والفتاح القاضي، والفتاحة الحكومة أي حكما لك بهذه المهادنة وأرشدناك إلى الإسلام ليغفر لك الله. قال أهل النظم: لأوّل هذه السورة مناسبة تامة مع آخر السورة المتقدّمة وذلك أنه قال: {ما أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا} [محمد: 38] إلى آخره فبين بعد ذلك أنه فتح لهم مكة وغنموا ديارهم وحصل لهم أضعاف ما أنفقوا ولو بخلوا لضاعت عنهم هذه الفوائد. وأيضًا لما قال: {وأنتم الأعلون} [محمد: 35] بين برهانه بصلح الحديبية أو بفتح مكة وكان في قوله: {وتدعوا إلى السلم} [محمد: 35] إشارة إلى ما جرى يوم الحديبية من أن المسلمين صبروا إلى أن طلب المشركون الصلح.
سؤال: ما المناسبة بين الفتح والمغفرة حتى جعلت غاية له؟ الجواب الغاية هي مجموع المغفرة وما ينعطف عليها كأنه قيل: يسرنا لك فتح مكة وغيره من الفتوح ليجمع لك بين عز الدارين وأغراض العاجل والآجل. ويجوز أن تكون الفتوح من حيث إنها جهاد للعدّو سببًا للغفران والثواب. قال جار الله: وقيل: تقدير الكلام إنا فتحنا لك فاستغفره ليغفر لك كقوله: {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى قوله: {واستغفروه} [النصر: 1-3] وقيل: إن فتح مكة كان سببًا لتطهير البيت من رجس الأوثان، وتطهير بيته سبب لتطهير عبده. وأيضًا بالفتح يحصل الحج وبالحج تحصل المغفرة كما ورد في الأخبار «خرج كيوم ولدته أمه».
وأيضًا إن الناس قد علموا عام الفيل أن مكة لا يتسلط عليها عدوًا لله، فلما فتحت للرسول صلى الله عليه وسلم عرف أنه حبيب الله المغفور له. أما الذنب فقيل: أراد به ذنب المؤمنين من أمته، أو أريد به ترك الأفضل والصغائر سهوًا أو عمدًا. ومعنى {ما تأخر} أي عن الفتح أو ما تقدم عن النبوّة وتأخر عنها. وقيل {ما تقدم} ذنب أبويه آدم وحواء {وما تأخر} ذنب أمته. وقيل: أراد جميع الذنوب فحدّ أوّلها وآخرها، أو هو على وجه المبالغة كما تقول: أعطى من رأى ومن لم يره. وقيل: ما تقدم من أمر مارية وما تأخر من أمر زينب وهو قول سخيف لعدم التئام الكلام ظاهرًا. والأولى أن يقال: ما تقدم النبوّة بالعفو وما تأخر عنها بالعصمة {ويتم نعمته عليك} بإعلاء دينك وفتح البلاد على يدك لقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} [المائدة: 3] ومن إتمام النعمة تكليف الحج وقد تم يومئذ ولم يبق للنبي صلى الله عليه وسلم عدوّ من قريش، فإن كثيرًا منهم وقد أهلكوا يوم بدر، والباقين آمنوا واستأمنوا يوم الفتح. وقيل: إمام النعمة في الدنيا باستجابة الدعاء في طلب الفتح وفي الآخرة بقبول الشفاعة {ويهديك صراطًا مستقيمًا} أي يثبتك ويهديك عليه فإن الفتح لا يكون إلا لمن هو على صراط الله، ولعل المراد بهذا الخطاب هو أمته. والنصر العزيز ذو العزة وهو الذي لا ذل بعده، أو هو بمعنى المعز أو الممتنع على الغير وهو النفيس الذي لا يناله كل أحد. وفي الآية تفخيم شأن الفتح والنصر من وجوه: أحدها لفظ (إنا) الدال على التعظيم. وثانيها لفظ (لك) الدال على الاختصاص. ثالثها إعادة اسم الله في الموضعين أوّلًا وآخرًا. ثم بين سبب النصر بقوله: {هو الذي أنزل السكينة} وهي السكون والوقار والطمأنينة والثقة بوعد الله كما مر في (البقرة) وفي (التوبة) {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} أي يقينًا مع يقينهم أو إيمانًا بالشرائع مع إيمانهم بالله.
وعن ابن عباس أو أول ما أتاهم به النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد، فلما آمنوا بالله وحده أنزل الصلاة ثم الزكاة ثم الجاد ثم الحج، أو ازدادوا إيمانًا استدلاليًا مع إيمانهم الفطري. وعلى هذا ففائدة قوله: {مع إيمانهم} أن الفطرة تشهد بالإيمان، فلما عرفوا صحة الإيمان بالنظر والاستدلال انضم هذا الثاني إلى الأول. وجنود السموات والأرض ملائكتهما، ويمكن أن يراد بمن في الأرض الثقلان والحيوان غير الإنسان. ويحتمل أن يراد بالجنود معنى أعم وهو الأسباب الأرضية والسماوية فيدخل فيهما الصيحة والرجفة. وظن السوء هو ظنهم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم، أو أن الله تعالى لا ينصرهم على أعدائهم، أو أن الله شريكًا، أو أنه لا يقدر على إحياء الموتى.
ومعنى دائرة السوء أن ضرر ظنهم يعود إليهم ويدور عليهم وقد مر في سورة التوبة. قال بعض العلماء: ضم المؤمنات هاهنا إلى المؤمنين بخلاف قوله: {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون: 1] {وبشر المؤمنين} [الأحزاب: 47] ونحو ذلك. والسر فيه أن كل موضع يوهم اختصاص الرجال به مع كون النساء مشاركات لهم ذكرهن صريحًا نفيًا لهذا التوهم، وكل موضع لا يوهم ذلك اكتفى فيه بذكر الرجال لأنهم الأصل في أكثر الأحكام والتكاليف. مثلًا من المعلوم أن البشارة والنذارة عامة للناس قاطبة فلم يحتج فيهما إلى ذكر النساء بخلاف هذه الآية فإن إدخال الجنة يوهم أنه لأجل الجهاد مع العدوّ والفتح على أيديهم والمرأة لا جهاد عليها، فكان يظن أنهن لا يدخلن الجنات فنفى الله تعالى هذا الوهم، وكذا الكلام في تعذيب المنافقات والمشركات. نكتة الجنود المذكورة أوّلًا هي جنود الرحمة فكانوا سببًا لإدخال المؤمنين الجنة بالإكرام والتعظيم ثم إلباسهم خلع الكرامة لقوله: {ويكفر عنهم سيئاتهم} ثم تشريفهم بالفوز العظيم من الله كما قال: {وكان ذلك عند الله فوزًا عظيمًا} وأما الكافر فعكس منه الترتيب: أخبر بتعذيبهم أوّلًا على الإطلاق، ثم فصل بأنه يغضب عليهم أوّلًا ثم يوبقهم في خبر اللعن والبعد عن الرحمة، ثم يسلط عليهم ملائكة العذاب الذين هم جنوده كما قال: {عليها ملائكة غلاظ شداد} [التحريم: 6] ولا ريب أن كل ذلك على قانون الحكمة إلا أنه قرن العلم في الأول إلى الحكمة تنبيهًا على أن إنزال السكينة وازدياد إيمان المؤمنين وترتيب الفتح على ذلك كانت كلها ثابتة في علم الله، جارية على وفق الحكمة. وقرن العز بالحكمة ثانيًا لأن العذاب والغضب وسلب الأموال والغنائم يناسب ذكر العزة والغلبة والقهر زادنا الله إطلاعًا على أسرار قرآنه الكريم وفرقانه العظيم.
ثم مدح رسول صلى الله عيله وسلم وذكر فائدة بعثته ليرتب عليه ذكر البيعة فقال: {إنا أرسلناك شاهدًا} على أمتك {ومبشرًا ونذيرًا} وقد مر في سورة الأحزاب مثله إلا أن قوله: {لتؤمنوا بالله ورسوله} قائم مقام قوله هناك {وداعيًا إلى الله بإذنه} [الآية: 46] من قرأ على الغيبة فظاهر، وأما من قرأ على الخطاب فلتنزيل خطاب النبي منزلة خطاب المؤمنين. وقوله: {وتعزروه وتوقروه} كلاهما بمعن التعظيم من العز والوقار ينوب منابه. قوله هناك {وسراجًا منيرًا} وذلك أن النور متبع والتبجيل والتعظيم دليل المتبوعية. وقال جار الله: الضمائر كلها لله عز وجل وتعظيم الله تعظيم دينه روسوله. وقوله: {وتسبحوه} من التسبيح أو من السبحة وهي صلاة التطوع. و{بكرة وأصيلًا} للدوام أو المراد صلاة الفجر والعصر وحدها أو مع الظهر قاله ابن عباس.