فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

ومعنى الطمأنينة حينئذ سكون القلب عن الجولان في كيفيات الإحياء المحتملة بظهور التصوير المشاهد، وعدم حصول هذه الطمأنينة قبل لا ينافي حصول الإيمان بالقدرة على الإحياء على أكمل الوجوه، ولا أرى رؤية الكيفية زادت في إيمانه المطلوب منه عليه السلام شيئًا وإنما أفادت أمرًا لا يجب الإيمان به، ومن هنا تعلم أن عليًا كرم الله تعالى وجهه لم يثبت لنفسه مرتبة في الإيمان أعلى من مرتبة الخليل فيه بقوله: لو كشفت لي الغطاء ما ازددت يقينًا كما ظنه جهلة الشيعة وكثير من أصحابنا لما لم يقف على ما حررنا تجشم لدفع ما عسى أن يتوهم من كلامي الخليل والأمير من أفضلية الثاني على الأول فبعض دفعه بأن اليقين يتصور أن يطرأ عليه الجحود لقوله تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14] والطمأنينة لا يتصور طرو ذلك عليها ونسب هذا لحجة الإسلام الغزالي وفي القلب منه شيء، وبعض قرر في دفعه أن مقام النبوة مغاير لمقام الصديقية، فلمقام النبوة طمأنينة وعدم طمأنينته بحسبه، ولمقام الصديقية طمأنينة وعدم طمأنينته بحسبه أيضًا، وطمأنينة مقام النبوة كانت لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم كما كشف عنها بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} [الفرقان: 45] على ما يعرفه أهل الذوق من الآية وكان الاستعداد من إبراهيم وكذا من موسى عليهما السلام متوجهًا إلى ابتغاء تلك الطمأنينة كما أبانا عن أنفسهما ب {رَبّ أَرِنِى كَيْفَ يُحْيِىَ الموتى} و{رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] وطمأنينة مقام الصديقية كانت للصديقين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما أبدى عن نفسه إمام الصديقين كرم الله تعالى وجهه بقوله: لو كشف الخ، وكان الاستعداد في صدِّيقي سائر الأنبياء متوجهًا إلى ابتغاء تلك الطمأنينة فثبتت الفضيلة لمحمد صلى الله عليه وسلم على سائر إخوانه من الأنبياء والصديقية على سائر الصديقين من أممهم ولم يثبت لصديقيه لوجدانهم طمأنينتهم الفضيلة على الأنبياء عند فقدانهم طمأنينتهم لأن ما فقدوه من الطمأنينة غير ما وجده الصديقون منها لأنهم إنما يفقدون الطمأنينة اللائقة بمقام النبوة والصديقون لم يجدوا مثل تلك الطمأنينة وإنما وجدوا طمأنينة لائقة بمقام الصديقين ولو رضي النبيون بمثله لكان حاصلًا لهم، وأجل من ذلك بعدة مراتب ولقد اعترف الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه بهذا التخلف حين بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لأسهو» فقال: يا ليتني كنت سهو محمد صلى الله عليه وسلم إذ علم أن ما يعده رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه الكريمة سهوًا فوق أعلى يقظان الصديق إذ حسنات الأبرار سيآت المقربين وحسنات المقربين سيآت النبيين، وهذا أولى مما سبق، وبعض من المتصوفة كجهلة الشيعة التزموا ظاهر كل من الكلامين وزعموا أن أولياء هذه الأمة وصديقهم أعلى كعبًا من الأنبياء ولو نالوا مقام الصديقية محتجين بما روي عن الإمام الرباني سيدي وسندي عبد القادر الكيلاني قدس سره أنه قال: يا معشر الأنبياء الفرق بيننا وبينكم بالألقاب وأوتينا ما لم تؤتوه، وببعض عبارات للشيخ الأكبر قدس سره ينطق بذلك، وأنت تعلم أن التزام ذلك والقول به خرق لإجماع المسلمين ومصادم للأدلة القطعية على أفضلية الأنبياء على سائر الخلق أجمعين، ويوشك أن يكون القول به كفرًا بل قد قيل به، وما روي عن الشيخ عبد القادر قدس سره فمما لم يثبت نقله عنه في كتاب يعول عليه، وما يعزى إلى الشيخ الأكبر قدس سره فتعارضه عبارات له أخر مثل قوله قدس سره وهو الذي تعلم ترجمته لنفسه وعده إياها من أكبر الصديقين بل خاتم الولاية الخاصة والمقام المحمدي فتح لي قدر خرم إبرة من مقام النبوة تجليًّا لا دخولًا فكدت أحترق، وبتقدير تسليم ما نقل عمن نقل والقول بعدم قوة المعارض لنا أن نقول: إن ذلك القول صدر عن القائل عند فنائه في الحقيقة المحمدية والذات الأحمدية فاللسان حينئذ لسانها والقول قولها ولم يصدر ذلك منه حين رؤية نفسه، والوقوف عند رتبته وهذا غير ما ذهب إليه الشيعة وبعيد عنه بمراحل، ولعل النوبة تفضي إلى تحقيقه بأتم من هذا إن شاء الله تعالى، فخزائن الفكر ولله الحمد مملوءة، ولكل مقام مقال، هذا وذكر الزمخشري أن المراد بالطمأنينة هنا العلم الذي لا مجال للتشكيك فيه وهو علم الضرورة المخالف لعلم الاستدلال حيث يجوز معه ذلك، واعترض بأن العلم الموقوف على سبب لا يتصور فيه تشكيك ما دام سببه مذكورًا في نفس العالم وإنما الذي قبل التشكيك قبولًا مطلقًا هو الاعتقاد وإن كان صحيحًا وسببه باق في الذكر وبهذا ينحط الاعتقاد الصحيح عن العلم، وأجيب بأن هذا مبني على تفسير العلم بأنه صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض بوجه على ما ذكره ابن الحاجب في مختصره وقد قيل عليه ما قيل فتدبر. اهـ.

.قال أبو حيان:

الطير اسم جمع لما لا يعقل، يجوز تذكيره وتأنيثه، وهنا أتى مذكرًا لقوله تعالى: {وخذ أربعة من الطير} وجاء على الأفصح في اسم الجمع في العدد حيث فصل: بمن، فقيل: أربعة من الطير يجوز الإضافة، كما قال تعالى: {تسعة رهط} ونص بعض أصحابنا على أن الإضافة لاسم الجمع في العدد نادرة لا يقاس عليها، ونص بعضهم على أن اسم الجمع لما لا يعقل مؤنث، وكلا القولين غير صواب. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطير} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أخذ طاوسًا ونسرًا وغرابًا وديكًا، وفي قول مجاهد وابن زيد رضي الله عنهما: حمامة بدل النسر، وهاهنا أبحاث:
البحث الأول:
أنه لما خص الطير من جملة الحيوانات بهذه الحالة ذكروا فيه وجهين الأول: أن الطيران في السماء، والارتفاع في الهواء، والخليل كانت همته العلو والوصول إلى الملكوت فجعلت معجزته مشاكلة لهمته.
والوجه الثاني: أن الخليل عليه السلام لما ذبح الطيور وجعلها قطعة قطعة، ووضع على رأس كل جبل قطعًا مختلطة، ثم دعاها طار كل جزء إلى مشاكله، فقيل له كما طار كل جزء إلى مشاكله كذا يوم القيامة يطير كل جزء إلى مشاكله حتى تتألف الأبدان وتتصل به الأرواح، ويقرره قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} [القمر: 7].
البحث الثاني:
أن المقصود من الإحياء والإماتة كان حاصلًا بحيوان واحد، فلم أمر بأخذ أربع حيوانات، وفيه وجهان الأول: أن المعنى فيه أنك سألت واحدًا على قدر العبودية وأنا أعطي أربعًا على قدر الربوبية والثاني: أن الطيور الأربعة إشارة إلى الأركان الأربعة التي منها تركيب أبدان الحيوانات والنباتات والإشارة فيه أنك ما لم تفرق بين هذه الطيور الأربعة لا يقدر طير الروح على الارتفاع إلى هواء الربوبية وصفاء عالم القدس.
البحث الثالث:
إنما خص هذه الحيوانات لأن الطاوس إشارة إلى ما في الإنسان من حب الزينة والجاه والترفع، قال تعالى: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} [آل عمران: 14] والنسر إشارة إلى شدة الشغف بالأكل والديك إشارة إلى شدة الشغف بقضاء الشهوة من الفرج والغراب إشارة إلى شدة الحرص على الجمع والطلب، فإن من حرص الغراب أنه يطير بالليل ويخرج بالنهار في غاية البرد للطلب، والإشارة فيه إلى أن الإنسان ما لم يسع في قتل شهوة النفس والفرج وفي إبطال الحرص وإبطال التزين للخلق لم يجد في قلبه روحًا وراحة من نور جلال الله. اهـ.

.قال أبو حيان:

وما أبدوه في تخصيص الأربعة وفي تعيينها لا تكاد تظهر حكمته فيما ذكروه، وما أجراه الله تعالى لأنبيائه من الخوارق مختلف، وحكمة اختصاص كل نبي بما أجرى الله له منها مغيبة عنا.
ألا ترى خرق العادة لموسى في أشياء، ولعيسى في أشياء غيرها، ولرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم في أشياء لا يظهر لنا سر الحكمة في ذلك؟ فكذلك كون هذه الأربعة من الطير، لا يظهر لنا سر حكمته في ذلك. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ حمزة {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} بكسر الصاد، والباقون بضم الصاد، أما الضم ففيه قولان:
الأول: أن من صرت الشيء أصوره إذا أملته إليه ورجل أصور أي مائل العنق، ويقال: صار فلان إلى كذا إذا قال به ومال إليه، وعلى هذا التفسير يحصل في الكلام محذوف، كأنه قيل: أملهن إليك وقطعهن، ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ، فحذف الجملة التي هي قطعهن لدلالة الكلام عليه كقوله: {أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} على معنى: فضرب فانفلق لأن قوله: {ثُمَّ اجعل على كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جزءًا} يدل على التقطيع.
فإن قيل: ما الفائدة في أمره بضمها إلى نفسه بعد أن يأخذها؟.
قلنا: الفائدة أن يتأمل فيها ويعرف أشكالها وهيآتها لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء، ولا يتوهم أنها غير تلك.
والقول الثاني: وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد {صرهن إليك} معناه قطعهن، يقال: صار الشيء يصوره صورًا، إذ قطعه، قال رؤبة يصف خصمًا ألد: صرناه بالحكم، أي قطعناه، وعلى هذا القول لا يحتاج إلى الإضمار، وأما قراءة حمزة بكسر الصاد، فقد فسّر هذه الكلمة أيضًا تارة بالإمالة، وأخرى بالتقطيع، أما الإمالة فقال الفرّاء: هذه لغة هذيل وسليم: صاره يصيره إذا أماته، وقال الأخفش وغيره {صرهن} بكسر الصاد: قطعهن.
يقال: صاره يصيره إذا قطعه، قال الفرّاء: أظن أن ذلك مقلوب من صرى يصري إذا قطع، فقدمت ياؤها، كما قالوا: عثا وعاث، قال المبرّد: وهذا لا يصح، لأن كل واحد من هذين اللفظين أصل في نفسه مستقل بذاته، فلا يجوز جعل أحدهما فرعًا عن الآخر. اهـ.
وقال الفخر:
أجمع أهل التفسير على أن المراد بالآية: قطعهن، وأن إبراهيم قطع أعضاءها ولحومها وريشها ودماءها، وخلط بعضها على بعض، غير أبي مسلم فإنه أنكر ذلك، وقال: إن إبراهيم عليه السلام لما طلب إحياء الميت من الله تعالى أراه الله تعالى مثالا قرب به الأمر عليه، والمراد بصرهن إليك الإمالة والتمرين على الإجابة، أي فعود الطيور الأربعة أن تصير بحيث إذا دعوتها أجابتك وأتتك، فإذا صارت كذلك، فاجعل على كل جبل واحدًا حال حياته، ثم ادعهن يأتينك سعيًا، والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة وأنكر القول بأن المراد منه: فقطعهن.
واحتج عليه بوجوه:
الأول: أن المشهور في اللغة في قوله: {فَصُرْهُنَّ} أملهن وأما التقطيع والذبح فليس في الآية ما يدل عليه، فكان إدراجه في الآية إلحاقًا لزيادة بالآية لم يدل الدليل عليها وأنه لا يجوز والثاني: أنه لو كان المراد بصرهن قطعهن لم يقل إليك، فإن ذلك لا يتعدى بإلي وإنما يتعدى بهذا الحرف إذا كان بمعنى الإمالة.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن.
قلنا: التزام التقديم والتأخير من غير دليل ملجئ إلى التزامه خلاف الظاهر والثالث: أن الضمير في قوله: {ثُمَّ ادعهن} عائد إليها لا إلى أجزائها، وإذا كانت الأجزاء متفرقة متفاصلة وكان الموضوع على كل جبل بعض تلك الأجزاء يلزم أن يكون الضمير عائدًا إلى تلك الأجزاء لا إليها، وهو خلاف الظاهر، وأيضًا الضمير في قوله: {يَأْتِينَكَ سَعْيًا} عائدًا إليها لا إلى إجزائها وعلى قولكم إذا سعى بعض الأجزاء إلى بعض كان الضمير في {يَأْتِينَكَ} عائدًا إلى أجزائها لا إليها، واحتج القائلون بالقول المشهور بوجوه:
الأول: أن كل المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم أجمعوا على أنه حصل ذبح تلك الطيور وتقطيع أجزائها، فيكون إنكار ذلك إنكارًا للإجماع والثاني: أن ما ذكره غير مختص بإبراهيم صلى الله عليه وسلم، فلا يكون له فيه مزية على الغير.
والثالث: أن إبراهيم أراد أن يريه الله كيف يحيي الموتى، وظاهر الآية يدل على أنه أجيب إلى ذلك، وعلى قول أبي مسلم لا تحصل الإجابة في الحقيقة.
والرابع: أن قوله: {ثُمَّ اجعل على كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جُزْءا} يدل على أن تلك الطيور جعلت جزأ جزأ، قال أبو مسلم في الجواب عن هذا الوجه: أنه أضاف الجزء إلى الأربعة فيجب أن يكون المراد بالجزء هو الواحد من تلك الأربعة والجواب: أن ما ذكرته وإن كان محتملًا إلا أن حمل الجزء على ما ذكرناه أظهر والتقدير: فاجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزأً أو بعضًا. اهـ.
وقال الفخر:
ظاهر قوله: {على كُلّ جَبَلٍ} جميع جبال الدنيا، فذهب مجاهد والضحاك إلى العموم بحسب الإمكان، كأنه قيل: فرقها على كل جبل يمكنك التفرقة عليه، وقال ابن عباس والحسن وقتادة والربيع أربعة جبال على حسب الطيور الأربعة وعلى حسب الجهات الأربعة أيضًا أعني المشرق والمغرب والشمال والجنوب، وقال السدي وابن جريج: سبعة من الجبال لأن المراد كل جبل يشاهده إبراهيم عليه السلام حتى يصح منه دعاء الطير، لأن ذلك لا يتم إلا بالمشاهدة، والجبال التي كان يشاهدها إبراهيم عليه السلام سبعة. اهـ.