فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما السكينة في نفسها وإن كانت حسنة لكن الإضافة إلى الله فيها من الحسن ما لا يبقى معه لحسن اعتبار، فقال: {سَكِينَتَهُ} اكتفاه بحسن الإضافة الثالثة: قوله: {فَأنزَلَ} بالفاء لا بالواو إشارة إلى أن ذلك كالمقابلة تقول أكرمني فأكرمته للمجازاة والمقابلة ولو قلت أكرمني وأكرمته لا ينبىء عن ذلك، وحينئذ يكون فيه لطيفة: وهي أن عند اشتداد غضب أحد العدوين فالعدو الآخر إما أن يكون ضعيفًا أو قويًا، فإن كان ضعيفًا ينهزم وينقهر، وإن كان قويًا فيورث غضبه فيه غضبًا، وهذا سبب قيام الفتن والقتال فقال في نفس الحركة عند حركتهم ما أقدمنا وما انهزمنا، وقوله تعالى: {فَأَنزَلَ الله} بالفاء يدل تعلق الإنزال بالفاء على ترتيبه على شيء، نقول فيه وجهان:
أحدهما: ما ذكرنا من أن إذ ظرف كأنه قال أحسن الله {إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ} وقوله: {فَأنزَلَ} تفسير لذلك الإحسان كما يقال أكرمني فأعطاني لتفسير الإكرام.
وثانيهما: أن تكون الفاء للدلالة على أن تعلق إنزال السكينة بجعلهم الحمية في قلوبهم على معنى المقابلة، تقول أكرمني فأثنيت عليه، ويجوز أن يكونا فعلين واقعين من غير مقابلة، كما تقول جاءني زيد وخرج عمرو، وهو هنا كذلك لأنهم لما جعلوا في قلوبهم الحمية فالمسلمون على مجرى العادة لو نظرت إليهم لزم أن يوجد منهم أحد الأمرين: إما إقدام، وإما انهزام لأن أحد العدوين إذا اشتد غضبه فالعدو الآخر إن كان مثله في القوة يغضب أيضًا وهذا يثير الفتن، وإن كان أضعف منه ينهزم أو ينقاد له فالله تعالى أنزل في مقابلة حمية الكافرين على المؤمنين سكينته حتى لم يغضبوا ولم ينهزموا بل يصبروا، وهو بعيد في العادة فهو من فضل الله تعالى، قوله تعالى: {على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين} فإنه هو الذي أجاب الكافرين إلى الصلح، وكان في نفس المؤمنين أن لا يرجعوا إلا بأحد الثلاثة بالنحر في المنحر، وأبوا أن لا يكتبوا محمدًا رسول الله وبسم الله، فلما سكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن المؤمنون، وقوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} فيه وجوه أظهرها أنه قول لا إله إلا الله فإن بها يقع الاتقاء عن الشرك، وقيل هو بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله فإن الكافرين أبوا ذلك والمؤمنون التزموه، وقيل هي الوفاء بالعهد إلى غير ذلك ونحن نوضح فيه ما يترجح بالدليل فنقول {وَأَلْزَمَهُمْ} يحتمل أن يكون عائدًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين جميعًا يعني ألزم النبي والمؤمنين كلمة التقوى، ويحتمل أن يكون عائدًا إلى المؤمنين فحسب، فإن قلنا إنه عائد إليهما جميعًا نقول هو الأمر بالتقوى فإن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {يا أيها النبي اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين} [الأحزاب: 1] وقال للمؤمنين: {يا أيها الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] والأمر بتقوى الله حتى تذهله تقواه عن الالتفات إلى ما سوى الله، كما قال في حق النبي صلى الله عليه وسلم {اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين} وقال تعالى: {وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه} [الأحزاب: 77] ثم بيّن له حال من صدقه بقوله: {الذين يُبَلّغُونَ رسالات الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ الله} [الأحزاب: 39] أما في حق المؤمنين فقال: {يا أيها الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} وقال: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخشوني} [البقرة: 150] وإن قلنا بأنه راجع إلى المؤمنين فهو قوله تعالى: {وَمَا ءاتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7] ألا ترى إلى قوله: {واتقوا الله} [الحجرات: 1] وهو قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ} وفي معنى قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} على هذا معنى لطيف وهو أنه تعالى إذا قال: (اتقوا) يكون الأمر واردًا ثم إن من الناس من يقبله بتوفيق الله ويلتزمه ومنهم من لا يلتزمه، ومن التزمه فقد التزمه بإلزام الله إياه فكأنه قال تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} وفي هذا المعنى رجحان من حيث إن التقوى وإن كان كاملًا ولكنه أقرب إلى الكلمة، وعلى هذا فقوله: {وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} معناه أنهم كانوا عند الله أكرم الناس فألزموا تقواه، وذلك لأن قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} [الحجرات: 13] يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون معناه أن من يكون تقواه أكثر يكرمه الله أكثر والثاني: أن يكون معناه أن من سيكون أكرم عند الله وأقرب إليه كان أتقى، كما في قوله: «والمخلصون على خطر عظيم» وقوله تعالى: {هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57] وعلى الوجه الثاني يكون معنى قوله: {وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا} لأنهم كانوا أعلم بالله لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] وقوله: {وَأَهْلَهَا} يحتمل وجهين أحدهما: أنه يفهم من معنى الأحق أنه يثبت رجحانًا على الكافرين إن لم يثبت الأهلية، كما لو اختار الملك اثنين لشغل وكل واحد منهما غير صالح له ولكن أحدهما أبعد عن الاستحقاق فقال في الأقرب إلى الاستحقاق إذا كان ولا بد فهذا أحق، كما يقال الحبس أهون من القتل مع أنه لاهين هناك فقال: {وَأَهْلَهَا} دفعًا لذلك الثاني: وهو أقوى وهو أن يقال قوله تعالى: {وَأَهْلَهَا} فيه وجوه نبينها بعد ما نبين معنى الأحق، فنقول هو يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون الأحق بمعنى الحق لا للتفضيل كما في قوله تعالى: {خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: 73] إذ لا خير في غيره والثاني: أن يكون للتفضيل وهو يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون بالنسبة إلى غيرهم أي المؤمنون أحق من الكافرين والثاني: أن يكون بالنسبة إلى كلمة التقوى من كلمة أخرى غير تقوى، تقول زيد أحق بالإكرام منه بالإهانة، كما إذا سأل شخص عن زيد إنه بالطب أعلم أو بالفقه، نقول هو بالفقه أعلم أي من الطب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ} وهي الحديبية.
{مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} روى يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم من جبل التَّنعيم متسلحين يريدون غِرّة النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فأخذناهم سَلْمًا فاستحييناهم؛ فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24].
وقال عبد الله بن مُغَفّل المُزَني: كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن؛ فبينما نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابًا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأبصارهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل جئتم في عهد أحد أو هل جعل لكم أحد أمانًا».
قالوا: اللهم لا، فخلّى سبيلهم فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} الآية.
وذكر ابن هشام عن وكيع: وكانت قريش قد جاء منهم نحو سبعين رجلًا أو ثمانين رجلًا للإيقاع بالمسلمين وانتهاز الفرصة في أطرافهم؛ ففطن المسلمون لهم فأخذوهم أسرى، وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الصلح، فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين يُسَمَّوْنَ العُتَقاء، ومنهم معاوية وأبوه.
وقال مجاهد: أقبل النبيّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَمِرًا، إذ أخذ أصحابه ناسًا من الحرم غافلين فأرسلهم النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فذلك الإظفار ببطن مكة.
وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له زُنيم، اطلع الثَنِيّة من الحديبية فرماه المشركون بسهم فقتلوه؛ فبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم خيلًا فأتوا باثني عشر فارسًا من الكفار، فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هل لكم عليّ ذمّة»؟ قالوا لا؟ فأرسلهم فنزلت.
وقال ابن أبزى والكلبي: هم أهل الحديبية، كفّ الله أيديهم عن المسلمين حتى وقع الصلح، وكانوا خرجوا بأجمعهم وقصدوا المسلمين، وكف أيدي المسلمين عنهم.
وقد تقدّم أن خالد بن الوليد كان في خيل المشركين.
قال القشيري: فهذه رواية، والصحيح أنه كان مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت.
وقد قال سلمة بن الأكْوَع: كانوا في أمر الصلح إذ أقبل أبو سفيان، فإذا الوادي يسير بالرجال والسلاح، قال: فجئت بستة من المشركين أسوقهم متسلحين لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا؛ فأتيت بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عمر قال في الطريق: يا رسول الله، نأتي قومًا حَرْبًا وليس معنا سلاح ولا كُراع؟ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من الطريق فأتوه بكل سلاح وكراع كان فيها، وأخبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عكرمة بن أبي جَهْل خرج إليك في خمسمائة فارس؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد: «هذا ابن عمك أتاك في خمسمائة».
فقال خالد: أنا سيف الله وسيف رسوله، فيومئذ سُمِّي بسيف الله، فخرج ومعه خيل وهزم الكفار ودفعهم إلى حوائط مكة.
وهذه الرواية أصح، وكان بينهم قتال بالحجارة، وقيل بالنَّبل والظُّفْر.
وقيل: أراد بكف اليد أنه شرط في الكتاب أن من جاءنا منهم فهو رَدٌّ عليهم، فخرج أقوام من مكة مسلمون وخافوا أن يردّهم الرسول عليه السلام إلى المشركين فلحقوا بالساحل، ومنهم أبو بَصير، وجعلوا يغيرون على الكفار ويأخذون عيرهم، حتى جاء كبار قريش إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقالوا: اضممهم إليك حتى نأمن؛ ففعل.
وقيل: هَمَّت غَطَفان وأسد منع المسلمين من يهود خَيْبر؛ لأنهم كانوا حلفاءهم فمنعهم الله عن ذلك؛ فهو كف اليد.
{بِبَطْنِ مَكَّةَ} فيه قولان: أحدهما يريد به مكة.
الثاني الحديبية، لأن بعضها مضاف إلى الحرم.
قال الماوردي: وفي قوله: {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} بفتح مكة.
وتكون هذه نزلت بعد فتح مكة، وفيها دليل على أن مكة فُتحت صلحًا، لقوله عز وجل: {كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم}.
قلت: الصحيح أن هذه الآية نزلت في الحديبية قبل فتح مكة، حسب ما قدمناه عن أهل التأويل من الصحابة والتابعين.
وروى الترمذي قال: حدثنا عبد بن حُميد قال حدثني سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: أن ثمانين هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جبل التَّنعيم عند صلاة الصبح وهم يريدون أن يقتلوه؛ فأخِذوا أخذًا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم} الآية.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد تقدّم.
وأما فتح مكة فالذي تدل عليه الأخبار أنها إنما فُتحت عنوة، وقد مضى القول في ذلك في (الحج) وغيرها.
{وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}.
قوله تعالى: {هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام والهدي مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {هُمُ الذين كَفَرُواْ} يعني قريشًا، منعوكم دخول المسجد الحرام عامَ الحُدَيْبِيَة حين أحرم النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بعُمْرة، ومنعوا الهَدْيَ وحبسوه عن أن يبلغ مَحِلّه.
وهذا كانوا لا يعتقدونه، ولكنه حملتهم الأنَفة ودعتهم حَمِيَّة الجاهلية إلى أن يفعلوا ما لا يعتقدونه دِينًا، فوبّخهم الله على ذلك وتوعّدهم عليه، وأدخل الأُنس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيانه ووعده.
الثانية قوله تعالى: {والهدي مَعْكُوفًا} أي محبوسًا.
وقيل موقوفًا.
وقال أبو عمرو بن العلاء: مجموعًا.
الجوهري: عكفه أي حبسه ووقفه، يَعْكِفه ويَعْكُفه عَكْفًا؛ ومنه قوله تعالى: {والهدي مَعْكُوفًا}؛ يقال: ما عكفك عن كذا.
ومنه الاْعتكاف في المسجد وهو الاحتباس.
{أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} أي منحره؛ قاله الفراء.
وقال الشافعي رضي الله عنه: الحَرَم.
وكذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه، المُحْصَر محلّ هَدْيه الحَرَم.
والمَحِلّ (بكسر الحاء): غاية الشيء.
(وبالفتح): هو الموضع الذي يحله الناس.
وكان الهَدْيُ سبعين بَدَنة، ولكن الله بفضله جعل ذلك الموضع له مَحِلًا.
وقد اختلف العلماء في هذا على ما تقدّم بيانه في (البقرة) عند قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] والصحيح ما ذكرناه.
وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: نَحَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ الحديبية البَدَنَة عن سبعة، والبقرةَ عن سبعة.
وعنه قال: اشتركنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج والعُمْرة كلُّ سبعة في بدنة.
فقال رجل لجابر: أَيُشْتَرَك في البدنة ما يشترك في الجَزُور؟ قال: ما هي إلا من البُدْن.
وحضر جابر الحديبية قال: ونحرنا يومئذ سبعين بدنة، اشتركنا كل سبعة في بدنة.
وفي البخاري عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرين؛ فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنة وحلق رأسه.
قيل: إن الذي حلق رأسه يومئذ خِراش بن أميّة بن أبي العيص الخزاعي، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينحروا ويحلّوا؛ ففعلوا بعد توقُّف كان منهم أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت له أم سلمة: لو نحرت لنحروا؛ فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هَدْيه ونحروا بنحره، وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا للمُحَلِّقين ثلاثًا وللمقصِّرين مرة.
ورأى كعب بن عُجْرَة والقَمْل يسقط على وجهه؛ فقال: «أيؤذيك هوامّك»؟ قال نعم؛ فأمره أن يحلق وهو بالحديبية خرجه البخاري والدَّارَقُطْنِي.
وقد مضى في (البقرة).
الثالثة قوله تعالى: {والهدي} الْهَدْيُ والهَدِيّ لغتان.
وقرئ {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُّ مَحِلّه} بالتخفيف والتشديد؛ الواحدة هَدْيّة.
وقد مضى في (البقرة) أيضًا.
وهو معطوف على الكاف والميم من {صَدُّوكُمْ}.
و{مَعْكُوفًا} حال، وموضع {أنْ} من قوله: {أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} نصب على تقدير الحمل على {صَدُّوكُمْ} أي صدّوكم وصدّوا الهَدْي عن أن يبلغ.
ويجوز أن يكون مفعولًا له؛ كأنه قال: وصَدُّوا الهَدْي كراهية أن يبلغ محله.
أبو علي: لا يصح حمله على العكف؛ لأنّا لا نعلم (عكف) جاء متعدّيًا، ومجيء {مَعْكُوفًا} في الآية يجوز أن يكون محمولًا على المعنى؛ كأنه لما كان حَبْسًا حُمِل المعنى على ذلك، كما حُمِل الرَّفَث على معنى الإفضاء فَعُدِّيَ بإلى، فإن حُمل على ذلك كان موضعه نصبًا على قياس قول سيبويه، وجَرًّا على قياس قول الخليل.