فصل: تفسير الآيات (27- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {حمية الجاهلية} قال: حميت قريش أن يدخل عليهم محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لا يدخلها علينا أبدًا، فوضع الله الحمية عن محمد وأصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأجلح قال: كان حمزة بن عبد المطلب رجلًا حسن الشعر، حسن الهيئة، صاحب صيد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على أبي جهل فولع به وآذاه، فرجع حمزة من الصيد وامرأتان تمشيان خلفه، فقالت إحداهما لو علم ذا ما صنع بابن أخيه أقصر عن مشيته، فالتفت إليهما، فقال: وما ذاك؟ قالت: أبو جهل فعل بمحمد كذا وكذا، فدخلته الحمية فجاء حتى دخل المسجد وفيه أبو جهل فعلا رأسه بقوسه، ثم قال: ديني دين محمد إن كنتم صادقين فامنعوني، فقامت إليه قريش فقالوا يا أبا يعلى، فأنزل الله {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية} إلى قوله: {وألزمهم كلمة التقوى} قال: حمزة بن عبد المطلب.
أما قوله تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى}.
أخرج الترمذي وعبدالله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والدارقطني في الأفراد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج ابن مردويه عن سلمة بن لأكوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله: {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج ابن جرير وأبو الحسين بن مروان في فوائده عن علي رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قالا: لا إله إلا الله والله أكبر.
وأخرج أحمد عن حمران مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقًّا من قلبه إلا حرمه الله على النار فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنا أحدثكم ما هي كلمة الإِخلاص التي ألزمها الله محمدًا وأصحابه وهي كلمة التقوى التي حض عليها نبي الله عمه أبا طالب عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما {وألزمهم كلمة التقوى} قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وهي رأس كل تقوى.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن علي الأزدي قال: كنت مع ابن عمر رضي الله عنه بين مكة ومنى فسمع الناس يقولون لا إله إلا الله والله أكبر، فقال: هي هي، فقلت: ما هي هي؟ قال: {وألزمهم كلمة التقوى}.
وأخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن مجاهد وعطاء في قوله: {وألزمهم كلمة التقوى} قال أحدهما: الاخلاص، وقال الآخر: كلمة التقوى لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {وألزمهم كلمة التقوى} قال: كلمة الاخلاص.
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد والحسن وقتادة وإبراهيم التيمي وسعيد بن جبير مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء الخراساني رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الزهري رضي الله عنه {وألزمهم كلمة التقوى} قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {وكانوا أحق بها وأهلها} وكان المسلمون أحق بها، وكانوا أهلها والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآيات (27- 28):

قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قرر سبحانه وتعالى علمه بالعواقب لإحاطة علمه ووجه أسباب كفه أيدي الفريقين وبين ما فيه من المصالح وما في التسليط من المفاسد من قتل من حكم بإيمانه من المشركين وإصابة من لا يعلم من المؤمنين- وغير ذلك إلى ختم بإحاطة علمه المستلزم لشمول قدرته.
أنتج ذلك قوله لمن توقع الإخبار عن الرؤيا التي أقلقهم أمرها وكاد بعضهم أن يزلزله ذكرها على سبيل التأكيد: {لقد}.
ولما كان للنظر إلى الرؤيا اعتباران: أحدهما من جهة الواقع وهو غيب عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين: والآخر من جهة الإخبار وهو مع الرؤيا شهادة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، عبر بالصدق والحق فقال تعالى: {صدق الله} أي الملك الذي لا كفوء له المحيط بجميع صفات الكمال {رسوله} صلى الله عليه وسلم الذي هو أعز الخلائق عنده وهو غني عن الإخبار عما لا يكون أنه يكون، فكيف إذا كان المخبر رسوله {الرؤيا} التي هي من الوحي لأنه سبحانه يرى الواقع ويعلم مطابقتها في أنكم تدخلون المسجد الحرام آمنين يحلق بعض ويقصر آخرون، متلبسًا خبره ورؤيا رسوله صلى الله عليه وسلم {بالحق} لأن مضمون الخبر إذا وقع فطبق بين الواقع وبينه، وكان الواقع يطابقه لا يخرم شيء منه عن شيء منه، والحاصل أنك إذا نسبتها للواقع طابقته فكان صدقًا، وإذا نسبت الواقع إليها طابقها فكانت حقًا.
ولما أقسم لأجل التأكيد لمن كان يتزلزل، أجابه بقوله مؤكدًا بما يفهم القسم أيضًا إشارة إلى عظم الزلزال: {لتدخلن} أي بعد هذا دخولًا قد تحتم أمره {المسجد} أي الذي يطاف فيه بالكعبة ولا يكون دخوله إلى بدخول الحرم {الحرام} أي الذي أجاره الله من امتهان الجبابرة ومنعه من كل ظالم.
ولما كان لا يجب عليه سبحانه وتعالى شيء وإن وعد به، أشار إلى ذلك بقوله تأديبًا لهم أن يقول منهم بعد ذلك: ألم يقل أننا ندخل البيت ونحو ذلك، ولغيرهم أن يقول: نحن ندخل: {إن شاء الله} أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال، حال كونكم {آمنين} لا تخشون إلا الله منقسمين بحسب التحليق والتقصير إلى قسمين {محلقين رءوسكم} ولعله أشار بصيغة التفعيل إلى أن فاعل الحق كثير، وكذا {ومقصرين} غير أن التقديم يفهم أن الأول أكثر.
ولما كان الدخول حال الأمن لا يستلزم الأمن بعده قال تعالى: {لا تخافون} أي لا يتجدد لكم خوف بعد ذلك إلى أن تدخلوا عليهم عام الفتح قاهرين لهم بالنصر.
ولما كان من المعلوم أن سبب هذا الإخبار إحاطة العلم، فكان التقدير، هذا أمر حق يوثق غاية الوثوق لأنه إخبار عالم الغيب والشهادة، صدق سبحانه فيه، وما ردكم عنه هذه الكرة على هذا الوجه إلا لأمور دبرها وشؤون أحكمها وقدرها، قال عاطفًا على {صدق} مسببًا عنه أو معللًا: {فعلم} أي بسبب، أو لأنه علم من أسباب الفتح وموانعه وبنائه على الحكمة {ما لم تعلموا} أي أيها الأولياء {فجعل} أي بسب إحاطة علمه {من دون} أي أدنى رتبة من {ذلك} أي الدخول العظيم في هذا العام {فتحًا قريبًا} يقويكم به من فتح خيبر ووضع الحرب بين العرب بهذا الصلح، واختلاط بعض الناس بسبب ذلك ببعض، الموجب لإسلام بشر كثير تتقوون بهم، فتكون تلك الكثرة والقوة سبب هيبة الكفار المانعة لهم من القتال، فتقل القتلى رفقًا بأهل حرم الله تعالى إكرامًا لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن إغارة وإصابة من عنده من المسلمين المستضعفين من غير علم.
ولما أخبر بهذه الأمور الجليلة الدقيقة المبنية على إحاطة العلم، عللها سبحانه وبين الصدق فيها بقوله تعالى: {هو} أي وحده {الذي أرسل رسوله} أي الذي لا رسول أحق منه بإضافته إليه- صلى الله عليه وسلم {بالهدى} الكامل الذي يقتضي أن يستقيم به أكثر الناس، ولو أنه أخبر بشيء يكون فيه أدنى مقال لم يكن الإرسال بالهدى {ودين الحق} أي الأمر الثابت الكامل في الثبات الذي يطابقه الواقع {ليظهره} أي دينه {على الدين كله} دين أهل مكة والعرب عباد الأصنام، الذي يقتضي إظهاره عليه دخوله إليه آمنًا، وإظهاره على من سواهم من أهل الأديان الباطلة بأيدي صحابته الأبرار والتابعين لهم بإحسان إظهارًا يتكامل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام مع الرفق بالخلق والرحمة لهم، فلا يقتل إلا من لا صلاح له أصلًا، وعلى قدر الجبروت يحصل القهر، فلأجل ذلك هو يدبر أمره بمثل هذه الأمور التي توجب نصره وتعلي قدره مع الرفق بقومه وجميل الصنع لأتباعه، فلا بد أن تروا من فتوح أكثر البلاد وقهر الملوك الشداد ما تعرفون به قدرة الله سبحانه وتعالى.
ولما كان في سياق إحاطة العلم، وكان التقدير: شهد ربه سبحانه بتصديقه في كل ما قاله بإظهار المعجزات على يده، بنى عليه قوله تعالى: {وكفى بالله} أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال {شهيدًا} أي ذا رؤية وخبرة بطية كل شيء ودخلته لما له الغنى في أمره، ولا شهيد في الحقيقة إلا هو سبحانه لأنه لا إحاطة وخبرة ورقبة إلا له سبحانه، وهو يشهد بكل ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة خصوصًا وفي غيرها عمومًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} بيان لفساد ما قاله المنافقون بعد إنزال الله السكينة على رسوله وعلى المؤمنين ووقوفهم عند ما أمروا به من عدم الإقبال على القتال وذلك قولهم ما دخلنا المسجد الحرام ولا حلقنا ولا قصرنا حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أن المؤمنين يدخلون مكة ويتمون الحج ولم يعين له وقتًا فقص رؤياه على المؤمنين، فقطعوا بأن الأمر كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وظنوا أن الدخول يكون عام الحديبية، والله اعلم أنه لا يكون إلا عام الفتح فلما صالحوا ورجعوا قال المنافقون استهزاء ما دخلنا ولا حلقنا فقال تعالى: {لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق} وتعدية صدق إلى مفعولين يحتمل أن يكون بنفسه، وكونه من الأفعال التي تتعدى إلى المفعولين ككلمة جعل وخلق، ويحتمل أن يقال عدى إلى الرؤيا بحرف تقديره صدق الله رسوله في الرؤيا، وعلى الأول معناه جعلها واقعة بين صدق وعده إذ وقع الموعود به وأتى به، وعلى الثاني معناه ما أراه الله لم يكذب فيه، وعلى هذا فيحتمل أن يكون رأى في منامه أن الله تعالى يقول ستدخلون المسجد الحرام فيكون قوله: {صَدَقَ} ظاهرًا لأن استعمال الصدق في الكلام ظاهر، ويحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام رأى أنه يدخل المسجد فيكون قوله: {صَدَقَ الله} معناه أنه أتى بما يحقق المنام ويدل على كونه صادقًا يقال صدقني سن بكره مثلًا وفيما إذا حقق الأمر الذي يريه من نفسه، مأخوذ من الإبل إذا قيل له هدع سكن فحقق كونه من صغار الإبل، فإن هدع كلمة يسكن بها صغار الإبل وقوله تعالى: {بالحق} قال الزمخشري هو حال أو قسم أو صفة صدق، وعلى كونه حال تقديره صدقه الرؤيا ملتبسة بالحق وعلى تقدير كونه صفة تقديره صدقه صدقًا ملتبسًا بالحق وعلى تقدير كونه قسمًا، إما أن يكون قسمًا بالله فإن الحق من أسمائه، وإما أن يكون قسمًا بالحق الذي هو نقيض الباطل هذا ما قاله، ويحتمل أن يقال (إن) فيه وجهين آخرين:
أحدهما: أن يقال فيه تقديم تأخير تقديره: صدق الله رسوله بالحق الرؤيا، أي الرسول الذي هو رسول بالحق وفيه إشارة إلى امتناع الكذب في الرؤيا لأنه لما كان رسولًا بالحق فلا يرى في منامه الباطل والثاني: أن يقال بأن قوله: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} إن قلنا بأن الحق قسم فأمر اللام ظاهر، وإن لم يقل به فتقديره: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق، والله لتدخلن، وقوله: والله لتدخلن، جاز أن يكون تفسيرًا للرؤيا يعني الرؤيا هي: والله لتدخلن، وعلى هذا تبين أن قوله: {صَدَقَ الله} كان في الكلام لأن الرؤيا كانت كلامًا، ويحتمل أن يكون تحقيقًا لقوله تعالى: {صَدَقَ الله رَسُولَهُ} يعني والله ليقعن الدخول وليظهرن الصدق فلتدخلن ابتداء كلام وقوله تعالى: {إِن شَاءَ الله} فيه وجوه أحدها: أنه ذكره تعليمًا للعباد الأدب وتأكيدًا لقوله تعالى: {وَلاَ تَقولنَّ لِشَيْءٍ إِنّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء الله} [الكهف: 23، 24] الثاني: هو أن الدخول لما لم يقع عام الحديبية، وكان المؤمنون يريدون الدخول ويأبون الصلح قال: {لَتَدْخُلُنَّ} ولكن لا بجلادتكم ولا بإرادتكم، إنما تدخلون بمشيئة الله تعالى الثالث: هو أن الله تعالى لما قال في الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم {لَتَدْخُلُنَّ} ذكر أنه بمشيئة الله تعالى، لأن ذلك من الله وعد ليس عليه دين، ولا حق واجب، ومن وعد بشيء لا يحققه إلا بمشيئة الله تعالى وإلا فلا يلزمه به أحد، وإذا كان هذا حال الموعود به في الوحي المنزّل صريحًا في اليقظة فما ظنكم بالوحي بالمنام وهو يحتمل التأويل أكثر مما يحتمله الكلام، فإذا تأخر الدخول لم يستهزئون؟ الرابع: هو أن ذلك تحقيقًا للدخول وذلك لأن أهل مكة قالوا لا تدخلوها إلا بإرادتنا ولا نريد دخولكم في هذه السنة، ونختار دخولكم في السنة القابلة، والمؤمنون أرادوا الدخول في عامهم ولم يقع.
فكان لقائل أن يقول بقي الأمر موقوفًا على مشيئة أهل مكة إن أرادوا في السنة الآتية يتركوننا ندخلها وإن كرهوا لا ندخلها فقال لا تشترط إرادتهم ومشيئتهم، بل تمام الشرط بمشيئة الله، وقوله: {مُحَلّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تخافون} إشارة إلى أنكم تتمون الحج من أوله إلى آخره، فقوله: {لَتَدْخُلُنَّ} إشارة إلى الأول وقوله: {مُحَلِّقِينَ} إشارة إلى الآخر، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
{مُحَلّقِينَ} حال الداخلين والداخل لا يكون الآن محرمًا، والمحرم لا يكون محلقًا، فقوله: {ءَامِنِينَ} ينبىء عن الدوام فيه إلى الحلق فكأنه قال: تدخلونها آمنين متمكنين من أن تتموا الحج محلقين.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {لاَ تخافون} أيضًا حال معناه غير خائفين، وذلك حصل بقوله تعالى: {ءَامِنِينَ} فما الفائدة في إعادتها؟ نقول: فيه بيان كمال الأمن، وذلك لأن بعد الحلق يخرج الإنسان عن الإحرام فلا يحرم عليه القتال، وكان عند أهل مكة يحرم قتال من أحرم ومن دخل الحرم فقال: تدخلون آمنين، وتحلقون، ويبقى أمنكم بعد خروجكم عن الإحرام، وقوله تعالى: {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} أي من المصلحة وكون دخولكم في سنتكم سببًا لوطء المؤمنين والمؤمنات أو {فَعَلِمَ} للتعقيب، {فَعَلِمَ} وقع عقيب ماذا؟ نقول إن قلنا المراد من {فَعَلِمَ} وقت الدخول فهو عقيب صدق، وإن قلنا المراد {فَعَلِمَ} المصلحة فالمعنى علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب، والتقدير يعني حصلت المصلحة في العام القابل {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} من المصلحة المتجددة {فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} إما صلح الحديبية، وإما فتح خيبر، وقد ذكرناه وقوله تعالى: {وَكَانَ الله بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمًا} يدفع وهم حدوث علمه من قوله: {فَعَلِمَ} وذلك لأن قوله: {وَكَانَ الله بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمًا} يفيد سبق علمه العام لكل علم محدث.