فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال تعالى: {هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ وكفى بالله شَهِيدًا}.
تأكيدًا لبيان صدق الله في رسوله الرؤيا، وذلك لأنه لما كان مرسلًا لرسوله ليهدي، لا يريد ما لا يكون مهديًا للناس فيظهر خلافه، فيقع ذلك سببًا للضلال، ويحتمل وجوهًا أقوى من ذلك، وهو أن الرؤيا بحيث توافق الواقع تقع لغير الرسل، لكن رؤية الأشياء قبل وقوعها في اليقظة لا تقع لكل أحد فقال تعالى: {هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} وحكى له ما سيكون في اليقظة، ولا يبعد من أن يريه في المنام ما يقع فلا استبعاد في صدق رؤياه، وفيها أيضًا بيان وقوع الفتح ودخول مكة بقوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} أي من يقويه على الأديان لا يستبعد منه فتح مكة له و(الهدى) يحتمل أن يكون هو القرآن كما قال تعالى: {أُنزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لّلنَّاسِ} [البقرة: 185] وعلى هذا {دِينَ الحق} هو ما فيه من الأصول والفروع، ويحتمل أن يكون الهدى هو المعجزة أي أرسله بالحق أي مع الحق إشارة إلى ما شرع، ويحتمل أن يكون الهدى هو الأصول و{دِينَ الحق} هو الأحكام، وذلك لأن من الرسل من لم يكن له أحكام بل بين الأصول فحسب، والألف واللام في الهدى يحتمل أن تكون للاستغراق أي كل ما هو هدى، ويحتمل أن تكون للعهد وهو قوله تعالى: {ذلك هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء} [الزمر: 23] وهو إما القرآن لقوله تعالى: {كتابا متشابها مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ} [الزمر: 23] إلى أن قال: {ذلك هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء} [الزمر: 23] وإما ما اتفق عليه الرسل لقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] والكل من باب واحد لأن ما في القرآن موافق لما اتفق عليه الأنبياء وقوله تعالى: {وَدِينِ الحق} يحتمل وجوهًا: أحدها: أن يكون الحق اسم الله تعالى فيكون كأنه قال: بالهدى ودين الله، وثانيها: أن يكون الحق نقيض الباطل فيكون كأنه قال: ودين الأمر الحق وثالثها: أن يكون المراد به الانقياد إلى الحق والتزامه {لِيُظْهِرَهُ} أي أرسله بالهدى وهو المعجز على أحد الوجوه {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} أي جنس الدين، فينسخ الأديان دون دينه، وأكثر المفسرين على أن الهاء في قوله: {لِيُظْهِرَهُ} راجعة إلى الرسول، والأظهر أنه راجع إلى دين الحق أي أرسل الرسول بالدين الحق ليظهره أي ليظهر الدين الحق على الأديان، وعلى هذا فيحتمل أن يكون الفاعل للاظهار هو الله، ويحتمل أن يكون هو النبي أي ليظهر النبي دين الحق، وقوله تعالى: {وكفى بالله شَهِيدًا} أي في أنه رسول الله وهذا مما يسلي قلب المؤمنين فإنهم تأذوا من رد الكفار عليهم العهد المكتوب، وقالوا لا نعلم أنه رسول الله فلا تكتبوا محمد رسول الله بل اكتبوا محمد بن عبد الله، فقال تعالى: {وكفى بالله شَهِيدًا} في أنه رسول الله، وفيه معنى لطيف وهو أن قول الله مع أنه كاف في كل شيء، لكنه في الرسالة أظهر كفاية، لأن الرسول لا يكون إلا بقول المرسل، فإذا قال ملك هذا رسولي، لو أنكر كل من في الدنيا أنه رسول فلا يفيد إنكارهم فقال تعالى أي خلل في رسالته بإنكارهم مع تصديقي إياه بأنه رسولي. اهـ.

.قال القرطبي:

{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ}.
قال قتادة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يدخل مكة على هذه الصفة؛ فلما صالح قريشًا بالحُدَيْبِيَة ارتاب المنافقون حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يدخل مكة؛ فأنزل الله تعالى: {لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق} فأعلمهم أنهم سيدخلون في غير ذلك العام، وأن رؤياه صلى الله عليه وسلم حق.
وقيل: إن أبا بكر هو الذي قال إن المنام لم يكن مؤقتًا بوقت، وأنه سيدخل.
وروي أن الرؤيا كانت بالحديبية، وأنّ رؤيا الأنبياء حق.
والرؤيا أحد وجوه الوحي إلى الأنبياء.
{لَتَدْخُلُنَّ} أي في العام القابل {المسجد الحرام إِن شَاءَ الله} قال ابن كيسان: إنه حكاية ما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في منامه؛ خوطب في منامه بما جرت به العادة؛ فأخبر الله عن رسوله أنه قال ذلك ولهذا استثنى؛ تأدّب بأدب الله تعالى حيث قال تعالى: {وَلاَ تَقولنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} [الكهف: 23].
وقيل: خاطب الله العباد بما يحب أن يقولوه، كما قال: {وَلاَ تَقولنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}.
وقيل: استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون، قاله ثعلب.
وقيل: كان الله علم أنه يميت بعض هؤلاء الذين كانوا معه بالحديبية فوقع الاستثناء لهذا المعنى، قاله الحسين بن الفضل.
وقيل: الاستثناء من {آمِنِينَ}، وذلك راجع إلى مخاطبة العباد على ما جرت به العادة.
وقيل: معنى {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} إن أمركم الله بالدخول.
وقيل: أي إن سهل الله.
وقيل: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} أي كما شَاء الله.
وقال أبو عبيدة: {إِنْ} بمعنى (إذ) أي إذ شاء الله، كقوله تعالى: {اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الربا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] أي إذ كنتم.
وفيه بعد، لأن (إذ) في الماضي من الفعل، و(إذا) في المستقبل، وهذا الدخول في المستقبل، فوعدهم دخول المسجد الحرام وعلّقه بشرط المشيئة، وذلك عام الحديبية؛ فأخبر أصحابه بذلك فاستبشروا؛ ثم تأخر ذلك عن العام الذي طمعوا فيه فساءهم ذلك واشتدّ عليهم وصالحهم ورجع؛ ثم أذن الله في العام المقبل فأنزل الله: {لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق}.
وإنما قيل له في المنام: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَاءَ الله} فحكى في التنزيل ما قيل له في المنام؛ فليس هنا شك كما زعم بعضهم أن الاستثناء يدل على الشك، والله تعالى لا يشك، و{لَتَدْخُلُنَّ} تحقيق فكيف يكون شك.
ف (إن) بمعنى (إذا).
{آمِنِينَ} أي من العدوّ.
{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} والتحليق والتقصير جميعًا للرجال، ولذلك غلب المذكر على المؤنث.
والحلق أفضل، وليس للنساء إلا التقصير.
وقد مضى القول في هذا في (البقرة).
وفي الصحيح أن معاوية أخذ من شعر النبي صلى الله عليه وسلم على المَرْوَة بمِشْقَص.
وهذا كان في العمرة لا في الحج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق في حجته.
{لاَ تَخَافُونَ} حال من المحلقين والمقصِّرين، والتقدير: غير خائفين.
{فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} أي علم ما في تأخير الدخول من الخير والصلاح ما لم تعلموه أنتم.
وذلك أنه عليه السلام لما رجع مضى منها إلى خَيْبر فافتتحها، ورجع بأموال خيبر وأخذ من العدة والقوة أضعاف ما كان فيه في ذلك العام، وأقبل إلى مكة على أهبة وقوّة وعُدَّة بأضعاف ذلك.
وقال الكلبي: أي علم أن دخولها إلى سنة ولم تعلموه أنتم.
وقيل: علم أن بمكة رجالًا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم.
{فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} أي من دون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فتح خيبر؛ قاله ابن زيد والضحاك.
وقيل فتح مكة.
وقال مجاهد: هو صلح الحديبية؛ وقاله أكثر المفسرين.
قال الزهري: ما فتح الله في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية؛ لأنه إنما كان القتال حين تلتقي الناس، فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها وأمن الناس بعضهم بعضًا؛ فالتقوا وتفاوضوا الحديث والمناظرة.
فلم يُكَلَّم أحد بالإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثلُ ما كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر.
يدلّك على ذلك أنهم كانوا سنة ستٍّ يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة، وكانوا بعد عام الحديبية سنة ثمان في عشرة آلاف.
قوله تعالى: {هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ}.
يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم {بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ} أي يُعْليه على كل الأديان.
فالدين اسم بمعنى المصدر، ويستوي لفظ الواحد والجمع فيه.
وقيل: أي ليظهر رسوله على الدين كله؛ أي على الدين الذي هو شَرْعه بالحجة ثم باليد والسيف؛ ونسخ ما عداه.
{وكفى بالله شَهِيدًا} {شَهِيدًا} نصب على التفسير، والباء زائدة؛ أي كفى الله شهيدًا لنبيّه صلى الله عليه وسلم؛ وشهادته له تبيّن صحة نبوّته بالمعجزات.
وقيل: {شَهِيدًا} على ما أرسل به؛ لأن الكفار أبَوْا أن يكتبوا: «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله». اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله سبحانه: {لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق} الآية: «رُوِيَ في تفسيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في مَنَامِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْعُمْرَةِ أَنَّهُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، بَعْضُهُمْ مُحَلِّقُونَ، وَبَعْضُهُمْ مُقَصِّرُونَ» وقال مجاهد: رأى ذلك بالحديبية فأخبر الناسَ بهذه الرؤيا، فَوَثِقَ الجميعُ بأَنَّ ذلك يكون في وجهتهم تلك، وقد كان سَبَقَ في علم اللَّه أنَّ ذلك يكون، لكن ليس في تلك الوجهة، فَلَمَّا صَدَّهُمْ أهلُ مَكَّةَ قال المنافقون: وأين الرؤيا؟ ووقع في نفوس بعض المسلمين شيء من ذلك، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأَنْ قال: «وَهَلْ قُلْتُ لَكُمْ: يَكُونُ ذَلِكَ فِي عَامِنَا هَذَا»، أَوْ كَمَا قال، ونطق أبو بكر قبل ذلك بنحوه، ثم أنزل اللَّه عز وجل: {لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق} الآية، واللام في: {لَتَدْخُلُنَّ} لامُ القَسَمِ.
وقوله: {إِن شَاءَ الله} اخْتُلِفَ في هذا الاستثناء، فقال بعض العلماء: إنَّما استثنى من حيثُ إنَّ كل واحد من الناس متى رَدَّ هذا الوعد إلى نفسه، أمكن أَنْ يتمّ الوعد فيه وأَلاَّ يتمّ؛ إذ قد يموت الإنسان أو يمرض لحينه، فلِذلك استثنى عز وجل في الجملة؛ إذ فيهم ولا بُدَّ مَنْ يموتُ أو يمرض.
ت: وقد وقع ذلك حسبما ذكر في السِّيَرِ، وقال آخرون: هو أخذ من اللَّه تعالى على عباده بأدبه في استعمال الاستثناء في كل فعل.
ت: قال ثعلب: استثنى اللَّه تعالى فيما يعلم؛ ليستثنيَ الخَلْقُ فيما لا يعلمون، وقيل غير هذا، ولما نزلت هذه الآية عَلِمَ المسلمون أَنَّ تلك الرؤيا ستخرج فيما يستأنفونه من الزمان، فكان كذلك، فخرج صلى الله عليه وسلم في العام المُقْبِلِ واعتمر.
وقوله سبحانه: {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} يريد ما قَدَّرَهُ من ظهور الإسلام في تلك المدة ودخول الناس فيه.
وقوله: {مِن دُونِ ذَلِكَ} أي: من قبل ذلك، وفيما يدنو إليكم، واختلف في الفتح القريب، فقال كثير من العلماء: هو بيعة الرضوان وصُلْحُ الحديبية، وقال ابن زيد: هو فتح خيبر. اهـ.

.قال الألوسي:

{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرءيا}.
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام قبل خروجه إلى الحديبية، وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد أنه عليه الصلاة والسلام رأي وهو في الحديبية والأول أصح أنه هو وأصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم داخلوها في عامهم وقالوا: إن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فلما تأخر ذلك قال على طريق الاعتراض عبد الله بن أبي وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحرث: والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام فنزلت.
وقد روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال نحوه على طريق الاستكشاف ليزداد يقينه، وفي رواية أن رؤياه صلى الله عليه وسلم أنما كانت إن ملكًا جاءه فقال له: {لَتَدْخُلُنَّ} الخ، والمعنى لقد صدقه سبحانه في رؤياه على أنه من باب الحذف والإيصال كما في قولهم: صدقني سن بكره، وتحقيقه أنه تعالى أراه الرؤيا الصادقة.
وقال الراغب: الصدق يكون بالقول ويكون بالفعل وما في الآية صدق بالفعل وهو التحقيق أي حقق سبحانه رؤيته.
وفي شرح الكرماني كذب يعتدي إلى مفعولين يقال: كذبني الحديث وكذا صدق كما في الآية، وهو غريب لتعدي المثقل لواحد والمخفف لمفعولين انتهى.
وفي البحر صدق يتعدى إلى اثنين الثاني منهما بنفسه وبحرف الجر تقول صدق يتعدى إلى اثنين الثاني منهما بنفسه وبحرف الجر تقول صدقت زيدًا الحديث وصدقته في الحديث، وقد عدها بعضهم في أخوات استغفر.
وأمر والمشهور ما أشرنا إليه أولًا {بالحق} صفة لمصدر محذوف أي صدقًا ملتبسًا بالحق أي بالفرض الصحيح والحكمة البالغة وهو ظهور حال المتزلزل في الإيمان والراسخ فيه، ولأجل ذلك أخر وقوع الرؤيا إلى العام القابل أو حال من الرؤيا أي ملتبسة بالحق ليست من قبيل أضغاث الأحلام، وجوز كونه حالًا من الاسم الجليل وكونه حالًا من {رَسُولِهِ} وكونه ظرفًا لغوًا لصدق وكونه قسمًا بالحق الذي هو من أسمائه عز وجل أو بنقيض الباطل، وقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} عليه جواب القسم والوقف على {الرءيا} وهو على جميع ما تقدم جواب قسم مقدر والوقف على {الحق} أي والله لتدخلن الخ، وقوله سبحانه: {إِن شَاء الله} تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد، وبه ينحل ما يقال: إنه تعالى خالق للأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها فكيف وقع التعليق منه سبحانه بالمشيئة، وفي معنى ما ذكر قول ثعلب: استثنى سبحانه وتعالى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون.
وفيه تعريض بأن وقوع الدخول من مشيئته تعالى لا من جلادتهم وتدبيرهم، وذكر الخفاجي أنه قد وضع فيه الظاهر موضع الضمير وأصله لتدخلنه لا محالة إلا إن شاء عدم الدخول فهو وعد لهم عدل به عن ظاهره لأجل التعريض بهم والإنكار على المعترضين على الرؤيا فيكون من باب الكناية انتهى.
وقد أجيب عن السؤال بغير ذلك فقيل: الشك راجع إلى المخاطبين، وفيه شيء ستعلمه قريبًا إن شاء الله تعالى؛ وقال الحسين بن الفضل: إن التعليق راجع إلى دخولهم جميعًا وحكى ذلك عن الجبائي، وقيل: إنه ناظر إلى الأمن فهو مقدم من تأخير أي لتدخلنه حال كونكم {ءامِنِينَ} من العدو إن شاء الله.
وردهما في الكشف فقال: أما جعله قيد دخولهم بالأسر أو الأمن ففيه أن السؤال بعد باق لأن الدخول المخصوص أيضًا خبر من الله تعالى وهو يناف يالشك، وليس نظير قول يوسف عليه السلام: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} [يوسف: 99] إذ لا يبعد أن لا يعرف عليه السلام مستقر الأمر من الأمن أو الخوف فأما أن يؤول بأن الشك راجع إلى المخاطبين أو بأنه تعليم، والثاني أولى لأن تغليب الشاكين لا يناسب هذا المساق بل الأمر بالعكس.
ودفع وروده على الحسين بأن المراد أنه في معنى ليدخلنه من شاء الله دخوله منكم فكيون كناية عن أن منهم من لا يدخله لأن أجله يمنعه منه فلا يلزم الرجوع لما ذكر.