فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: هو حكاية لما قاله ملك الرؤيا له صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب ابن كيسان أو لما قاله هو عليه الصلاة والسلام لأصحابه.
ورد صاحب التقريب بأنه كيف يدخل في كلامه تعالى ما ليس منه بدون حكاية.
ودفع بأن المراد أن جواب القسم بيان للرؤيا وقائلها في المنام الملك وفي اليقظة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي في حكم المحكي في دقيق النظر كأنه قيل: وهي قول الملك أو الرسول لتدخلن الخ، وأنت تعلم أن هذا وإن صحح النظم الكريم لا يدفع البعد، وقد اعترض به على ذلك (صاحب الكشف) لكنه ادعى إن كونه حكاية ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام أقل بعدًا من جعله من قول الملك، وقال أبو عبيدة وقوم من النحاة: {إن} بمعنى إذ وجعلوا من ذلك قوله تعالى: {وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] وقوله صلى الله عليه وسلم في زيادة القبور: «أنتم السابقون وأنا إن شاء الله بكم لاحقون» والبصريون لا يرتضون ذلك، وقوله تعالى: {مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ} حال كآمنين من الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين من قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ} إلا أن آمنين حال مقارنة وهذا حال مقدرة لأن الدخول في حال الإحرام لا في حال الحلق والتقصير، وجوز أن يكون حالًا من ضمير {ءامِنِينَ} والمراد محلقًا بعضكم رأس بعض ومقصرًا آخرون ففي الكلام تقدير أو فيه نسبة ما للجزء إلى الكل، والقرينة عليه أنه لا يجتمع الحلق وهو معروف والتقصير وهو أخذ بعض الشعر فلا بد من نسبة كل منهما لبعض منهم، وقوله تعالى: {لاَ تخافون} حال من فاعل {لَتَدْخُلُنَّ} أيضًا لبيان الأمن بعد تمام الحج و{ءامِنِينَ} فيما تقدم لبيان الأمن وقت الدخول فلا تكرار أو حال من الضمير المستتر في {ءامِنِينَ} فإن أريد به معنى آمنين كان حالًا مؤكدة، وإن أريد لا تخافون تبعة في إلحاق أو التقصير ولا نقص ثواب فهو حال مؤسسة، ولا يخفى الحال إذا جعل حالًا من الضمير في {مُحَلّقِينَ} أو {مقصرين}، وجوز أن يكون استئنافًا بيانيًا في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فكيف الحال بعد الدخول؟ فقيل: لا تخافون أي بعد الدخول.
واستدل بالآية على أن الحلق غير متعين في النسك بل يجزىء عنه التقصير، وظاهر تقديمه عليه أنه أفضل منه وهو الذي دلت عليه الأخبار في غير النساء.
أخرج الشيخان وأحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم اغفر للمحلقين» قالوا: يا رسول الله والمقصرين قال: «اللهم اغفر للمحلقين» ثلاثًا قالوا: يا رسول الله والمقصرين قال: «والمقصرين».
وأما في النساء فقد أخرج أبو داود والبيهقي في (سننه) عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير» والسنة في الحاق أن يبدأ بالجانب الأيمن، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال للحلاق هكذا وأشار بيده إلى جانب الأيمن وإن يبلغ به إلى العظمين كما قال عطاء.
وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا عن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهما كانا يقولان للحلاق أبدأ بالأيمن وأبلغ بالحلق العظمين، واستدل بالآية أيضًا على أن التقصير بالرأس دون اللحية وسائر شعر البدن إذ الظاهر أن المراد ومقصرين رؤسكم أي شعرها لظهور أن الرؤس أنفسها لا تقصر {فَعَلِمَ مَا لَمْ} الظاهر عطفه على {عَلِيمًا لَّقَدْ صَدَقَ} فالترتيب باعتبار التعلق الفعلي بالمعلوم أي فعلم عقيب ما أراه الرؤيا الصادقة ما لم تعلموا من الحكمة الداعية لتقديم ما يشهد للصدق علمًا فعليًا، وقيل: الفاء للتركيب الذكري {فَجَعَلَ} لأجل هذا العلم {مِن دُونِ ذَلِكَ} أي من دون تحقق مصداق ما أراه من دخول المسجد الحرام آمنين الخ، وقيل: أي من دون فتح مكة، والأول أظهر، وهذا أنسب بقوله تعالى: {فَتْحًا قَرِيبًا} وهو فتح خيبر كما قال ابن زيد وغيره، والمراد بجعله وعده تعالى وإنجازه من غير تسويف ليستدل به على صدق الرؤيا وتستروح قلوب المؤمنين إلى تيسر وقوعها.
وقال في الكشاف: {مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ} أي من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل، وفيه أمران:
الأول: أن فتح مكة لم يقع في العام الذي قاله بل في السنة الثامنة، والتجوز في العام القابل أو تأويل الفتح بدخول المؤمنين مكة معتمرين لا يخفى حاله.
الثاني: إباء الفاء عما ذكر لأن علمه تعالى بذلك متقدم على إراءة الرؤيا قطعًا.
وأجيب عن هذا بالتزام كون الفاء للترتيب الذكري أو كون المراد فأظهر معلومه لكم وهو الحكمة فتدبر.
ونقل عن كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن الفتح القريب في الآية هو بيعة الرضوان، وقال مجاهد وابن إسحاق: هو فتح الحديبية، ومن الغريب ما قيل: إن المراد به فتح مكة مع أنه لم يكن دخول الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه دون مكة على أنه مناف للسياق كما لا يخفى.
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} أي ملتبسًا به على أن الباء للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال من المفعول، والتباسه بالهدي بمعنى أنه هاد، وقيل: أي مصاحبًا للهدي، والمراد به الدليل الواضح والحجة الساطعة أو القرآن، وجوز أن تكون الباء للسببية أو للتعليل وهما متقاربان، والجار والمجرور متعلق بأرسل أي أرسله بسبب الهدي أو لأجله {وَدِينِ الحق} وبدين الإسلام، والظاهر أن المراد به ما يعم الأصول والفروع، وجوز أن يراد بالهدي الأصول وبدين الحق الفروع فإن من الرسل عليهم السلام من لم يرسل بالفروع وإنما أرسل بالأصول وتبيانها، والظاهر أن المراد بالحق نقيض الباطل، وجوز أن يراد به ما هو من أسمائه تعالى أي ودين الله الحق، وجوز الإمام غير ذلك أيضًا {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} ليعليه على جنس الدين بجميع أفراده أي ما يدان به من الشرائع والملل فيشمل الحق والباطل، وأصل الإظهار جعل الشيء على الظهر فلذا كني به عن الإعلاء وعن جعله باديًا للرائي ثم شاع في ذلك حتى صار حقيقة عرفية، وإظهاره على الحق بنسخ بعض أحكامه المتبدلة بتبدل الاعصار، وعلى الباطل ببيان بطلانه، وجوز غير واحد ولعله الأظهر بحسب المقام أن يكون إظهاره على الدين بتسليط المسلمين على جميع أهل الأديان وقالوا: ما من أهل دين حاربوا المسلمين إلا وقد قهرهم المسلمون، ويكفي في ذلك استمرار ما ذكر زمانًا معتدًا به كما لا يخفى على الواقفين على كتب التواريخ والوقائع، وقيل: إن تمام هذا الإعلاء عند نزول عيسى عليه السلام وخروج المهدي رضي الله تعالى عنه حيث لا يبقى حينئذ دين سوى الإسلام، ووقوع خلاف ذلك بعد لا يضر إما لنحو ما سمعت وإما لأن الباقي من الدنيا إذ ذاك كلا شيء، وفي الجملة فضل تأكيد لما وعد الله تعالى به من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على أنه تعالى سيفتح لهم من البلاد ويتيح لهم من الغلبة على الأقاليم ما يستقلون بالنسبة إليه فتح مكة {وكفى بالله شَهِيدًا} على أن ما عده عز وجل من إظهار دينه على جميع الأديان أو الفتح كائن لا محالة أو كفى بالله شهيدًا على رسالته صلى الله عليه وسلم لأنه عليه الصلاة والسلام ادعاها وأظهر الله تعالى المعجزة على يده وذلك شهادة منه تعالى عليها، واقتصر على هذا الوجه الرازي وجعل ذلك تسلية عما وقع من سهيل بن عمرو إذ لم يرض بكتابة محمد رسول الله وقال ما قال.
وجعل بعض الأفاضل إظهار المعجزة شهادة منه تعالى على تحقق وعده عز وجل أيضًا ولا يظهر إلا بضم إخبار عليه الصلاة والسلام به. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ}.
استئناف بياني ناشىء عن قوله: {فأنزل اللَّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [الفتح: 26] ودحض ما خامر نفوس فريق من الفشل أو الشك أو التحير وتبيين ما أنعم الله به على أهل بيعة الرضوان من ثواب الدنيا والآخرة إلى كشف شبهة عرضت للقوم في رؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا قبل خروجه إلى الحديبية، أو وهو في الحديبية: كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين وحَلَقوا وقصَّروا.
هكذا كانت الرؤيا مُجملة ليس فيها وقوع حجّ ولا عمرة، والحلاق والتقصير مناسب لكليهما.
وقصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤياه على أصحابه فاستبشروا بها وعبَّروها أنهم داخلون إلى مكة بعمرتهم التي خرجوا لأجلها، فلما جرى الصلح وتأهب الناس إلى القفول أثار بعض المنافقين ذكر الرؤيا فقالوا: فأين الرؤيا فوالله ما دخلنا المسجد الحرام ولا حلقنا وقصرنا؟ فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه: إن المنام لم يكن موقتا بوقت وأنه سيدخل وأنزل الله تعالى هذه الآية.
والمعنى أن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حق وأن الله أوحى إليه بها وأنها وإن لم تقع في تلك القضية فستحقق بعد ذلك وكأنَّ الحكمة في إراءة الله رسوله صلى الله عليه وسلم لك الرؤيا أيامئذٍ وفي إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بها: أن الله أدخل بذلك على قلوبهم الثقة بقوتهم وتربية الجراءة على المشركين في ديارهم فتسلم قلوبهم من ماء الجبن فإن الأمراض النفسية إذا اعترت النفوس لا تلبث أن تترك فيها بقايا الداء زمانًا كما تبقى آثار المرض في العضو المريض بعد النقاهة زمانًا حتى ترجع إلى العضو قوته الأولى بعد مدة مناسبة.
وتوكيد الخبر بحرف (قد) لإبطال شبهة المنافقين الذين قالوا: فأين الرؤيا؟
ومعنى {صدق اللَّه رسوله الرؤيا} أنه أراه رؤيا صادقة لأن رؤيا الأنبياء وحي فآلت إلى معنى الخبر فوصفت بالصدق لذلك.
وهذا تطْمين لهم بأن ذلك سيكون لا محالة وهو في حين نزول الآية لمَّا يحصل بقرينة قوله: {إن شاء اللَّه}.
وتعدية {صدق} إلى منصوب ثان بعد مفعوله من النصب على نزع الخافض المسمّى بالحذف والإيصال، أي حذف الجار وإيصال الفعل إلى المجرور بالعمل فيه النصب.
وأصل الكلام: صدق الله رسوله في الرؤيا كقوله تعالى: {صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23].
والباء في {بالحق} للملابسة وهو ظرف مستقر وقع صفة لمصدر محذوف، أي صدقًا ملابسا الحق، أو وقوع حالا صفة لمصدر محذوف، أي صدقا ملابسًا وقع حالًا من الرؤيا.
والحق: الغرض الصحيح والحكمة، أي كانت رؤيا صادقة وكانت مَجْعُولة محكمة وهي ما قدمناه آنفًا.
وجملة {لتدخلن المسجد الحرام} إلى آخرها يجوز أن يكون بيانًا لجملة {صدق اللَّه} لأن معنى {لتدخلن} تحقيق دخول المسجد الحرام في المستقبل فيعلم منه أن الرؤيا إخبار بدخول لم يعين زمنه فهي صادقة فيما يتحقق في المستقبل.
وهذا تنبيه للذين لم يتفطنوا لذلك فجزموا بأن رؤيا دخول المسجد تقتضي دخولهم إليه أيامئذٍ وما ذلك بمفهوم من الرؤيا وكان حقهم أن يعلموا أنها وعد لم يعين إبان موعوده وقد فهم ذلك أبو بكر إذ قال لهم: إن المنام لم يكن موقتًا بوقت وأنه سيدخل.
وقد جاء في سورة يوسف (100) {وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} وليست هذه الجملة بيانًا للرؤيا لأن صيغة القسم لا تلائم ذلك.
والأحسن أن تكون جملة {لتدخلن المسجد الحرام} استئنافًا بيانيًا عن جملة {صدق اللَّه رسوله} أي سيكون ذلك في المستقبل لا محالة فينبغي الوقف عند قوله: {بالحق} ليظهر معنى الاستئناف.
وقوله: {إن شاء اللَّه} من شأنه أن يذيل به الخبر المستقبل إذا كان حصوله متراخيًا، ألا ترى أن الذي يقال له: افعل كذا، فيقول: أفعل إن شاء الله، لا يفهم من كلامه أنه يفعل في الحال أو في المستقبل القريب بل يفعله بعد زمن ولكن مع تحقيق أنه يفعله.
ولذلك تأولوا قوله تعالى في سورة يوسف (99) {وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين أنّ إن شاء اللَّه} للدخول مع تقدير الأمن لأنه قال ذلك حين قد دخلوا مصر.
أما ما في هذه الآية فهو من كلام الله فلا يناسبه هذا المحمل.
وليس المقصود منه التنصل من التزام الوعد، وهذا من استعمالات كلمة {إن شاء اللَّه}.
فليس هو مثل استعمالها في اليمين فإنها حينئذٍ للثُّنْيا لأنها في موضع قولهم: إلا أن يشاء الله، لأن معنى: إلا أن يشاء الله: عدم الفعل، وأما إن شاء الله، التي تقع موقع: إلا أن يشاء الله، فمعناه إن شاء الله الفعلَ.
والموعود به صادق بدخولهم مكة بالعمرة سنة سبع وهي عمرة القضية، فإنهم دخلوا المسجد الحرام آمنين وحَلق بعضهم وقصّر بعض غير خائفين إذ كان بينهم وبين المشركين عهد، وذلك أقرب دخول بعد هذا الوعد، وصادق بدخولهم المسجد الحرام عام حجة الوداع، وعدمُ الخوف فيه أظهر.
وأما دخولهم مكة يوم الفتح فلم يكونوا فيه محرمين.
قال مالك في (الموطأ) بعد أن ساق حديث قتل ابن خطل يومَ الفتح: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ محرمًا والله أعلم.
و{محلقين رؤوسكم} حال من ضمير {آمنين} وعطف عليه {ومقصرين} والتحليق والتقصير كناية عن التمكن من إتمام الحج والعمرة وذلك من استمرار الأمن على أن هذه الحالة حكت ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤياه، أي يحلق من رام الحلق ويقصر من رام التقصير، أي لا يعجلهم الخوف عن الحلق فيقتصروا على التقصير.
وجملة {لا تخافون} في موضع الحال فيجوز أن تكون مؤكدة ل {آمنين} تأكيدًا بالمرادف للدلالة على أن الأمن كامل محقق، ويجوز أن تكون حالًا مؤسسة على أن {آمنين} معمول لفعل {تدخلُنّ} وأن {لا تخافون} معمول ل {ءامنين}، أي آمنين أمن مَن لا يخاف، أي لا تخافون غدرًا.
وذلك إيماء إلى أنهم يكونون أشد قوة من عدوّهم الذي أمنهم، وهذا يُومِىءُ إلى حكمة تأخير دخولهم مكة إلى عام قابل حيث يزدادون قوة واستعدادًا وهو أظهر في دخولهم عام حجة الوداع.
والفاء في قوله: {فعلم ما لم تعلموا} لتفريع الأخبار لا لتفريع المخبر به لأن علم الله سابق على دخولهم وعلى الرؤيا المؤذنة بدخولهم كما تقدم في قوله: {فعلم ما في قلوبهم} [الفتح: 18].
وفي إيثار فعل {جعل} في هذا التركيب دون أن يقول: فتح لكم من دون ذلك فتحًا قريبًا أو نحوه إفادة أن هذا الفتح أمره عجيب ما كان ليحصل مثله لولا أن الله كونه.
وصيغة الماضي في {جعل} لتنزيل المستقبل المحقق منزلة الماضي، أو لأن {جعل} بمعنى قدر.
ودون هنا بمعنى غير، ومِن (م) ابتدائية أو بيانية.
والمعنى: فجعل فتحًا قريبًا لكم زيادة على ما وعدكم من دخول مكة آمنين.
وهذا الفتح أوله هو فتح خيبر الذي وقع قبل عمرة القضية وهذا القريب من وقت الصلح.
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)}.
زيادة تحقيق لصدق الرؤيا بأن الذي أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين ما كان ليريه رؤيا صادقة.
فهذه الجملة تأكيد للتحقيق المستفاد من حرف (قد) ولام القسم في قوله: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} [الفتح: 27].
وبهذا يظهر لك حسن موقع الضمير والموصوللِ في قوله: {هو الذي أرسل رسوله} لأن الموصول يفيد العلم بضمون الصلة غالبًا.
والضمير عائد إلى اسم الجلالة في قوله: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا}، وهم يعلمون أن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله فهو يذكرهم بهاتين الحقيقتين المعلومتين عندهم حين لم يجروا على موجَب العلم بهما فخامرتهم ظنون لا تليق بمن يعلم أن رؤيا الرسول وحي وأن الموحي له هو الذي أرسله فكيف يريه رؤيا غير صادقة.