فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الحسن بن الفضل: كأن الله علم أن بعض الذين كانوا بالحديبية يموت، فوقع الاستثناء لهذا المعنى.
وقال أبو عبيدة: وقوم إن بمعنى إذ، كما قيل في قوله: {وإنا أن شاء الله بكم لاحقون}.
وقيل: هو تعليق في قوله: {آمنين}، لا لأجل إعلامه بالدخول، فالتعليق مقدم على موضعه.
وهذا القول لا يخرج التعليق عن كونه معلقًا على واجب، لأن الدخول والأمن أخبر بهما تعالى، ووقعت الثقة بالأمرين وهما الدخول والأمن الذي هو قيد في الدخول.
و{آمنين}: حال مقارنة للدخول.
ومحلقين ومقصرين: حال مقدرة؛ ولا تخافون: بيان لكمال الأمن بعد تمام الحج.
ولما نزلت هذه الآية علم المسلمون أنهم يدخلونها فيما يستأنف، واطمأنت قلوبهم ودخلوها معه عليه الصلاة والسلام في ذي القعدة سنة سبع وذلك ثلاثة أيام هو وأصحابه، وصدقت رؤياه صلى الله عليه وسلم.
{فعلم ما لم تعلموا}: أي ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة، ودخول الناس فيه، وما كان أيضًا بمكة من المؤمنين الذين دفع الله بهم، قاله ابن عطية.
وقال الزمخشري: فعلم ما لم تعلموا من الحكمة والصواب في تأخير فتح مكة إلى العام القابل. انتهى.
ولم يكن فتح مكة في العالم القابل، إنما كان بعد ذلك بأكثر من عام، لأن الفتح إنما كان ثمان من الهجرة.
{فجعل من دون ذلك}: أي من قبل ذلك، أي من زمان دون ذلك الزمان الذي وعدوا فيه بالدخول.
فتحًا قريبًا، قال كثير من الصحابة: هذا الفتح القريب هو بيعة الرضوان.
وقال مجاهد وابن إسحاق: هو فتح الحديبية.
وقال ابن زيد: خيبر، وضعف قول من قال إنه فتح مكة، لأن فتح مكة لم يكن دون دخول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، بل كان بعد ذلك.
{هو الذي أرسل رسوله}: فيه تأكيد لصدق رؤياه صلى الله عليه وسلم، وتبشير بفتح مكة لقوله تعالى: {ليظهره على الدين كله}، وتقدم الكلام على معظم هذه الآية.
{وكفى بالله شهيدًا} على أن ما وعده كائن.
وعن الحسن: شهيدًا على نفسه أنه سيظهر دينك.
والظاهر أن قوله: {محمد رسول الله} مبتدأ وخبر.
وقيل: رسوله الله صفة.
وقال الزمخشري: عطف بيان، {والذين} معطوف، والخبر عنه وعنهم أشداء.
وأجاز الزمخشري أن يكون محمد خبر مبتدأ محذوف، أي هو محمد، لتقدم قوله: {هو الذي أرسل رسوله}.
وقرأ ابن عامر في رواية: {رسوله الله} بالنصب على المدح، والذين معه هم من شهد الحديبية، قاله ابن عباس.
وقال الجمهور: جميع أصحابه أشداء، جمع شديد، كقوله: {أعزة على الكافرين} {رحماء بينهم}، كقوله: {أذلة على المؤمنين} وكقوله: {وأغلظ عليهم} وقوله: {بالمؤمنين رءوف رحيم} وقرأ الحسن: {أشداء} {رحماء} بنصبهما.
قيل: على المدح، وقيل: على الحال، والعامل فيهما العامل في معه، ويكون الخبر عن المتبدأ المتقدم: {تراهم}.
وقرأ يحيى بن يعمر: {أشدا}، بالقصر، وهي شاذة، لأن قصر الممدود إنما يكون في الشعر، نحو قوله:
لا بد من صنعا وإن طال السفر

وفي قوله: {تراهم ركعًا سجدًا} دليل على كثرة ذلك منهم.
وقرأ عمرو بن عبيد: {ورضوانًا}، بضم الراء.
وقرئ: {سيمياهم}، بزيادة ياء والمد، وهي لغة فصيحة كثيرة في الشعر، قال الشاعر:
غلام رماه الله بالحسن يافعا ** له سيمياء لا تشق على البصر

وهذه السيما، قال مالك بن أنس: كانت جباههم منيرة من كثرة السجود في التراب.
وقال ابن عباس، وخالد الحنفي، وعطية: وعد لهم بأن يجعل لهم نورًا يوم القيامة من أثر السجود.
وقال ابن عباس أيضًا: السمت: الحسن وخشوع يبدو على الوجه.
وقال الحسن، ومعمر بن عطية: بياض وصفرة وبهيج يعتري الوجه من السهر.
وقال عطاء، والربيع بن أنس: حسن يعتري وجوه المصلين.
وقال منصور: سألت مجاهدًا: هذه السيما هي الأثر يكون بين عيني الرجل؟ قال: لا، وقد تكون مثل ركبة البعير، وهي أقسى قلبًا من الحجارة.
وقال ابن جبير: ذلك مما يتعلق بجباههم من الأرض عند السجود.
وقال الزمخشري: المراد بها السمة التي تحدث في جبهة السجاد من كثرة السجود.
وقوله: {من أثر السجود} يفسرها: أي من التأثير الذي يؤثره السجود.
وكان كل من العليين، علي بن الحسين زين العابدين، وعلي بن عبد الله بن العباس أبي الملوك، يقال له ذو الثفنات، لأن كثرة سجودهما أحدثت في مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير. انتهى.
وقرأ ابن هرمز: {إثر}، بكسر الهمزة وسكون الثاء، والجمهور بفتحهما.
وقرأ قتادة: {من آثار السجود}، بالجمع.
{ذلك}: أي ذلك الوصف من كونهم أشداء رحماء مبتغين سيماهم في وجوههم صفتهم في التوراة.
قال مجاهد والفراء: هو مثل واحد، أي ذلك صفتهم في التوراة والإنجيل، فيوقف على الإنجيل.
وقال ابن عباس: هما مثلان، فيوقف على {ذلك في التوراة}؛ و{كزرع}: خبر مبتدأ محذوف، أي مثلهم كزرع، أو هم كزرع.
وقال الضحاك: المعنى ذلك الوصف هو مثلهم في التوراة وتم الكلام، ثم ابتدأ {ومثلهم في الإنجيل كزرع}، فعلى هذا يكون {كزرع} خبر {ومثلهم}.
وقال قتادة: مثل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قوم ينتبون نباتًا كالزرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله: {كزرع أخرج شطأه}، كقوله: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء} وقال ابن عطية: وقوله: كزرع، هو على كلا الأقوال، وفي أي كتاب أنزل، فرض مثل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث وحده، فكان كالزرع حبة واحدة، ثم كثر المسلمون فهم كالشطء، وهو فراخ السنبلة التي تنبت حول الأصل. انتهى.
وقال ابن زيد: شطأه: فراخه وأولاده.
وقال الزجاج: نباته.
وقال قطرب: شتول السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، قاله الفراء.
وقال الكسائي والأخفش: طرفه، قال الشاعر:
أخرج الشطء على وجه الثرى ** ومن الأشجار أفنان الثمر

وقرأ الجمهور: {شطأه}، بإسكان الطاء والهمزة؛ وابن كثير، وابن ذكوان: بفتحهما؛ وكذلك: وبالمدّ، أبو حيوة وابن أبي عبلة وعيسى الكوفي؛ وبألف بدل الهمزة، زيد بن علي؛ فاحتمل أن يكون مقصورًا، وأن يكون أصله الهمز، فنقل الحركة وأبدل الهمزة ألفًا.
كما قالوا في المرأة والكمأة: المراة والكماة، وهو تخفيف مقيس عند الكوفيين، وهو عند البصريين شاذ لا يقاس عليه.
وقرأ أبو جعفر: {شطه}، بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الطاء.
ورويت عن شيبة، ونافع، والجحدري، وعن الجحدري أيضًا: {شطوه} بإسكان الطاء وواو بعدها.
وقال أبو الفتح: هي لغة أو بدل من الهمزة، ولا يكون الشط إلا في البر والشعير، وهذه كلها لغات.
وقال صاحب اللوامح: شطأ الزرع وأشطأ، إذا أخرج فراخه، وهو في الحنطة والشعير وغيرهما.
وقرأ ابن ذكوان: {فأزره} ثلاثيًا؛ وباقي السبعة: {فآزره}، على وزن أفعله.
وقرئ: {فازّره}، بتشديد الزاي.
وقول مجاهد وغيره: آزره فاعله خطأ، لأنه لم يسمع في مضارعه إلا يؤزر، على وزن يكرم؛ والضمير المنصوب في آزره عائد على الزرع، لأن الزرع أول ما يطلع رقيق الأصل، فإذا خرجت فراخه غلظ أصله وتقوى، وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أقلة ضعفاء، فلما كثروا وتقووا قاتلوا المشركين.
وقال الحسن: آزره: قواه وشدّ أزره.
وقال السدي: صار مثل الأصل في الطول.
{فاستغلظ}: صار من الرقة إلى الغلظ.
{فاستوى}: أي تم نباته.
{على سوقه}: جمع ساق، كناية عن أصوله.
وقرأ ابن كثير: {على سؤقه} بالهمز.
قيل: وهي لغة ضعيفة يهمزون الواو الذي قبلها ضمة، ومنه قول الشاعر:
أحب المؤقدين إليّ مؤسي

{يعجب الزراع}: جملة في موضع الحال؛ وإذا أعجب الزراع، فهو أحرى أن يعجب غيرهم لأنه لا عيب فيه، إذ قد أعجب العارفين بعيوب الزرع، ولو كان معيبًا لم يعجبهم، وهنا تم المثل.
و{ليغيظ}: متعلق بمحذوف يدل عليه الكلام قبله تقديره: جعلهم الله بهذه الصفة {ليغيظ بهم الكفار}.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ليغيظ بهم الكفار تعليل لماذا؟ قلت: لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوّة، ويجوز أن يعلل به.
{وعد الله الذين آمنوا}: لأن الكفار إذا سمعوا بما أعدّ لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك.
ومعنى: {منهم}: للبيان، كقوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} وقال ابن عطية: وقوله منهم، لبيان الجنس وليست للتبعيض، لأنه وعد مدح الجميع.
وقال ابن جرير: منهم يعني: من الشطء الذي أخرجه الزرع، وهم الداخلون في الإسلام بعد الزرع إلى يوم القيامة، فأعاد الضمير على معنى الشطء لا على لفظة.
والأجر العظيم: الجنة.
وذكر عند مالك بن أنس رجل ينتقص الصحابة، فقرأ مالك هذه الآية وقال: من أصبح بين الناس في قلبه غيظ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أصابته هذه الآية، والله الموفق. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا}.
رَأَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبلَ خروجِه إلى الحُديبيةِ كأنَّه وأصحابَهُ قد دخلُوا مكةَ آمنينَ وقد حلقُوا رؤوسَهُم وقصَّروا فقصَّ الرؤيا على أصحابهِ ففرحوا واستبشرُوا وحسبُوا أنَّهم داخلُوها في عامِهم فلمَّا تأخرَ ذلكَ قال عبدُ اللَّهِ بنُ أُبيَ وعبدُ اللَّهِ بن نُفيلٍ ورفاعةُ بنُ الحارثِ والله ما حلقنَا ولا قصَّرنَا ولا رأينا المسجد الحرامَ فنزلتْ أي صدَقه صلى الله عليه وسلم في رُؤياهُ كَما في قولهم صَدَقنِي سِنُّ بَكْرِهِ وتحقيقُه أراهُ الرؤيا الصادقةَ. وقوله تعالى: {بالحق} إما صفةٌ لمصدرٍ مؤكدٍ محذوفٍ أي صدقًا ملتبسًا بالحقِّ أي بالغرضِ الصحيحِ والحكمةِ البالغةِ التي هيَ التمييزُ بين الراسخِ في الإيمانِ والمتزلزلِ فيه، أو حالٌ من الرُّؤيا أي ملتبسةً بالحقِّ ليستْ من قبيلِ أضغاثِ الأحلامِ وقد جُوِّزَ أن يكونَ قسمًا بالحقِّ الذي هُو من أسماءِ الله تعالى أو بنقيضِ الباطلِ. وقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} جوابُه وهو عَلى الأولينِ جوابُ قسمٍ محذوفٍ أيْ والله لتدخلنَّ إلخ. وقوله تعالى: {إِن شَاء الله} تعليقٌ للعِدَة بالمشيئةِ لتعليمِ العبادِ للإشعارِ بأنَّ بعضَهُم لا يدخلونَهُ لموتٍ أو غَيبةٍ أو غيرِ ذلكَ أو هيَ حكايةٌ لما قالهُ ملكُ الرُّؤيا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أو لما قاله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأصحابِه {ءامِنِينَ} حالٌ من فاعلِ لتدخُلنَّ والشرطُ معترضٌ وكذا قوله تعالى: {مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ} أي مُحلِّقًا بعضُكم ومُقصِّرًا آخرونَ، وقيلَ: مُحلِّقينَ حالٌ منْ ضميرِ آمنينَ فتكون متداخلةً {لاَ تخافون} حالٌ مؤكدةٌ من فاعلِ لتدخُلنَّ إو آمنينَ أو محلِّقينَ أو مقصِّرينَ، أو استئنافٌ أيْ لا تخافونَ بعدَ ذلكَ {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} عطفٌ على صدقَ، والمرادُ بعلمِه تعالى العلمُ الفعليُّ المتلعقُ بأمرٍ حادثٍ بعد المعطوفِ عليه، أي فعلمَ عَقيبَ ما أراهُ الرؤيا الصادقةَ ما لم تعلمُوا منَ الحكمةِ الداعيةِ إلى تقديمِ ما يشهدُ بالصدقِ علمًا فعليًا {فَجَعَلَ} لأجلِه {مِن دُونِ ذَلِكَ} أي من دونِ تحققِ مصداقِ ما أراهُ من دخولِ المسجدِ الحرامِ إلخ {فَتْحًا قَرِيبًا} وهُو فتحُ خيبرَ، والمرادُ بجعلِه وعدُه وإنجازُه من غير تسويفٍ ليستدل به على صدقِ الرُّؤيا حسبمَا قال ولتكونَ آيةً للمؤمنينَ. وأمَّا جعلُ ما في قوله تعالى ما لم تعلمُوا عبارةً عن الحكمةِ في تأخيرِ فتحِ مكةَ إلى العامِ القابلِ كما جنحَ إليه الجمهورُ فتأباه الفاءُ فإن علمَه تعالى بذلكَ متقدمٌ على إراءةِ الرؤيا قطعًا.
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} أي ملتبسًا به أو بسببهِ ولأجلِه {وَدِينِ الحق} وبدينِ الإسلامِ {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} ليُعْليه على جنسِ الدينِ بجميعِ أفرادِه التي هي الأديانُ المختلفةُ بنسخِ ما كان حقًا من بعضِ الأحكامِ المتبدلةِ بتبدلِ الأعصارِ وإظهارِ بُطلانِ ما كانَ باطلًا أو بتسليطِ المسلمينَ على أهلِ سائرِ الأديانِ إذْ مَا من أهلِ دينٍ إلا وقَد قهرهُم المسلمونَ، وفيه فضل تأكيد لما وعد من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على أنه سبحانه سيفتحُ لهم من البلادِ ويتيحُ لهم من الغلبةِ على الأقاليمِ ما يستقلُّون إليه فتحَ مكةَ {وكفى بالله شَهِيدًا} على أنَّ ما وعده كائنٌ لا محالةَ أو على نبوتِه عليه الصلاةُ والسلامُ بإظهارِ المعجزاتِ.
{مُحَمَّدٌ} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ. وقوله تعالى: {رَسُولِ الله} بدلٌ أو بيانٌ أو نعتٌ، أيْ ذلكَ الرسولُ المرسلُ بالهُدَى ودينِ الحقِّ محمدٌ رسولُ الله، وقيلَ: محمدٌ، مبتدأ، رسولُ الله خبرُهُ والجملةُ مبينةٌ للمشهودِ بهِ. وقوله تعالى: {والذين مَعَهُ} مبتدأٌ خبرُهُ {أَشِدَّاء عَلَى الكفار رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} وأشداءُ جمعُ شديدٍ، ورحماءُ جمع رحيمٍ، والمعنى أنَّهم يُظهرونَ لمن خالفَ دينَهُم الشدةَ والصَّلابةَ ولمن وافقَهُم في الدِّينِ الرحمةَ والرأفةَ، كقوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} وقرئ {أشداءَ} و{رحماءَ} بالنَّصبِ على المدحِ أو على الحالِ من المستكنِّ في معه لوقوعِه صلةً فالخبرُ حينئذٍ قوله تعالى: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} أي تشاهدُهم حالَ كونِهم راكعينَ ساجدينَ لمواظبتِهم على الصَّلواتِ، وهُو على الأولِ خبرٌ آخرُ، أو استئنافٌ. وقوله تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّنَ الله وَرِضْوَانًا} أي ثوابًا ورضًا إما خبرٌ آخرُ، أو حالٌ من ضميرِ تراهُم أو من المستترِ في ر كَّعًا سُجَّدًا أو استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأَ من بيانِ مواظبتِهم على الركوعِ والسجودِ كأنَّه قيلَ ماذَا يردونَ بذلكَ فقيلَ يبتغُون فضلًا من الله إلخ {سيماهم} أي سَمْتُهم. وقرئ س{يماؤُهم} بالياءِ بعد الميمِ والمدِّ وهما لغتانِ، وفيها لغةٌ ثالثةٌ هي السيماءُ بالمدِّ وهُو مبتدأٌ خبرُهُ {فِى وُجُوهِهِمْ} أيْ في جِبَاهِهم. وقوله تعالى: {مّنْ أَثَرِ السجود} حالٌ من المستكنِّ في الجارِّ أي من التأثيرِ الذي يُؤثره كثرةُ السجودِ وما رُويَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من قوله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «لا تقلبوا صورَكم» أي لا تَسِمُوها إنَّما هُو فيما إذا اعتمدَ بجبهته على الأرضِ ليحدثَ فيها تلكَ السمةَ وذلك محضُ رياءٍ ونفاقٍ والكلامُ فيما حدثَ في جبهةِ السَّجَّادِ الذي لا يسجدُ إلا خالصًا لوجهِ الله عزَّ وجلَّ وكان الإمامُ زينُ العابدينَ وعليٌّ بنُ عبد اللَّهِ بنِ العباسِ رضيَ الله عنهُمَا يقال لهما ذُو الثفناتِ لما أحدثتْ كثرةُ سجودِهما في مواقعهِ منهما أشباهَ ثفناتِ البعيرِ قال قائلُهم: