فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وعن عكرمة: أخرج شطأه بأبى بكر، فآزره بعمر، فاستغلظ بعثمان، فاستوى على سوقه بعلىّ. وهذا مثل ضربه اللّه لبدء أمر الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوى واستحكم، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم، قام وحده. ثم قوّاه اللّه بمن آمن معه كما يقوى الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها حتى يعجب الزرّاع. فإن قلت: قوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} تعليل لما ذا؟ قلت: لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوّة، ويجوز أن يعلل به {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} لأنّ الكفار إذا سمعوا بما أعدّ لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك. ومعنى {مِنْهُمْ} البيان، كقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ}.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم «من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد فتح مكة». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {لَقَدْ رِضِي اللَّهُ عَنِ الْمُؤمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجرَةِ}.
كانت سبب هذه البيعة وهي بيعة الرضوان تأخر عثمان رضي الله عنه بمكة حين أنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية رسولًا إلى الإسلام فأبطأ وأرجف بقتله، فبايع أصحابه وبايعوه على الصبر والجهاد، وكانوا فيما رواه ابن عباس ألفًا وخمسمائة، وقال جابر: كانوا ألفًا وأربعمائة وقال عبد الله بن أبي أوفى: ألفًا وثلاثمائةً.
وكانت البيعة تحت الشجرة بالحديبية والشجرة سمرة. وسميت بيعة الرضوان، لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: من صدق النية، قاله الفراء.
الثاني: من كراهة البيعة على أن يقاتلوا معه على الموت، قاله مقاتل.
{فَأَنزَلَ السَّكِينَة عَلَيْهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: فتح خيبر لقربها من الحديبية، قاله قتادة.
الثاني: فتح مكة.
قوله عز وجل: {وََعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} فيه قولان:
أحدهما: هي مغانم خيبر، قاله ابن زيد.
الثاني: هو كل مغنم غنمه المسلمون، قاله مجاهد.
{فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} فيه قولان:
أحدهما: مغانم خيبر، قاله مجاهد.
الثاني: صلح الحديبية، قاله ابن عباس.
{وَكَفَّ أيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: اليهود كف أيديهم عن المدينة عند خروجهم إلى الحديبية.
الثاني: قريش كف أيديهم عن المدينة عند خروجهم إلى الحديبية.
الثالث: أسد وغطفان الحليفان عليهم عيينة بن حصن ومالك بن عوف جاءوا لينصروا أهل خيبر، فألقى الله في قلوبهم الرعب فانهزموا.
{وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤمِنِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: ليكون كف أيديهم عنكم آية للمؤمنين.
الثاني: ليكون فتح خيبر آية أي علامة لصدق الله تعالى في وعده وصدق رسوله في خبره. قيل لتكون البيعة آية لهم.
قوله عز وجل: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أحَاطَ اللَّهُ بِهَا} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: هي أرض فارس والروم وجميع ما فتحه المسلمون، قاله ابن عباس.
الثاني: هي مكة، قاله قتادة.
الثالث: هي أرض خيبر، قاله الضحاك.
في قوله: {قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} وجهان:
أحدهما: قدر الله عليها، قاله ابن بحر.
الثاني: حفظها عليكم ليكون فتحها لكم.
قوله عز وجل: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} يعني طريقة الله وعادته السالفة نصر رسله وأوليائه على أعدائه.
وفي قوله: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} وجهان:
أحدهما: ولن تتغير سنة الله وعادته في نصرك على أعدائك وأعدائه.
الثاني: لن تجد لعادة الله في نصر رسله مانعًا من الظفر بأعدائه وهو محتمل.
قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: كف أيديهم عنكم بالرعب وأيديكم عنهم بالنهي.
الثاني: كف أيديهم عنكم بالخذلان، وأيديكم عنهم بالاستبقاء لعلمه بحال من يسلم منهم.
الثالث: كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم بالصلح عام الحديبية.
{بِبَطْنِ مَكَّةَ} فيه قولان:
أحدهما: يريد به مكة.
الثاني: يريد به الحديبية لأن بعضها مضاف إلى الحرام.
وفي قوله: {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أظفركم عليهم بفتح مكة وتكون هذه نزلت بعد فتح مكة، وفيها دليل على أن مكة فتحت صلحًا لقوله: {كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وأَيْدِيَكُمْ عَنهُم}.
الثاني: أظفركم عليهم بقضاء العمرة التي صدوكم عنها.
الثالث: أظفركم عليهم بما روي ثابت عن أنس أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من قبل التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوا من ظفروا به، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم، فأنزل الله هذه الآية، فكان هذا هو الظفر.
قوله عز وجل: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني قريشًا.
{وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يعني منعوكم عن المسجد الحرام عام الحديبية حين أحرم النبي صلى الله علي وسلم مع أصحابه بعمرة.
{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: محبوسًا.
الثاني: واقفًا.
الثالث: مجموعًا، قاله أبو عمرو بن العلاء.
{أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} فيه قولان:
أحدهما: منحره، قاله الفراء.
الثاني: الحرم، قال الشافعي، والمحِل بكسر الحاء هو غاية الشيء، وبالفتح هو الموضع الذي يحله الناس، وكان الهدي سبعين بدنة.
{وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمْوهُمْ} أي لم تعلموا إيمانهم.
{أَن تَطَئُوهُمْ} فيه قولان:
أحدهما: أن تطئوهم بخيلكم وأرجلكم فتقتلوهم، قاله ابن عباس.
الثاني: لولا من في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لم يعلموهم أن يطئوا آباءهم فيهلك أبناؤهم، قاله الضحاك.
{فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ} فيها ستة أقاويل:
أحدها: الإثم، قاله ابن زيد.
الثاني: غرم الدية، قاله ابن إسحاق.
الثالث: كفارة قتل الخطأ، قاله الكلبي.
الرابع: الشدة، قاله قطرب.
الخامس: العيب.
السادس: الغم.
قوله عز وجل: {لَوْ تَزَيَّلُواْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لو تميزوا، قاله ابن قتيبة.
الثاني: لو تفرقوا، قاله الكلبي.
الثالث: لو أزيلوا، قاله الضحاك حتى لا يختلط بمشركي مكة مسلم.
{لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابًا ألِيمًا} وهو القتل بالسيف لكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار.
قوله عز وجل: {إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} يعني قريشًا. وفي حمية الجاهلية قولان:
أحدهما: العصبية لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، والأنفة من أن يعبدوا غيرها، قاله ابن بحر.
الثاني: أنفتهم من الإقرار له بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم على عادته في الفاتحة، ومنعهم له من دخول مكة، قال الزهري.
ويحتمل ثالثًا: هو الاقتداء بآبائهم، وألا يخالفوا لهم عادة، ولا يلتزموا لغيرهم طاعة كما أخبر الله عنهم {إِنَّا وَجَدْنَا أَبَاءنا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: 23].
{فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمِنِينَ} يعني الصبر الذي صبروا والإجابة إلى ما سألوا، والصلح الذي عقدوه حتى عاد إليهم في مثل ذلك الشهر من السنة الثانية قاضيًا لعمرته ظافرًا بطلبته.
{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} فيها أربعة أوجه:
أحدها: قول لا إله إلا الله، قاله ابن عباس، وهو يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: الإخلاص، قاله مجاهد.
الثالث: قول بسم الله الرحمن الرحيم، قاله الزهري.
الرابع: قولهم سمعنا وأطعنا بعد خوضهم. وسميت كلمة التقوى لأنهم يتقون بها غضب الله.
{وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: وكانوا أحق بكلمة التقوى أن يقولوها.
الثاني: وكانوا أحق بمكة أن يدخلوها.
وفي من كان أحق بكلمة التقوى قولان:
أحدهما: أهل مكة كانوا أحق بكلمة التقوى أن يقولوها لتقدم إنذارهم لولا ما سلبوه من التوفيق.
الثاني: أهل المدينة أحق بكلمة التقوى حين قالوها، لتقدم إيمانهم حين صحبهم التوفيق.
قوله عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ ءَامِنينَ مُحَلِّقينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} قال قتادة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى في المنام، أنه يدخل مكة على هذه الصفة، فلما صالح قريشًا بالحديبية، ارتاب المنافقون، حتى قال صلى الله عليه وسلم: «فَمَا رَأَيْتُ فِي هذَا العَامِ»
ثم قال: {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} فيه قولان:
أحدهما: علم أن دخولها إلى سنة ولم تعلموه أنتم، قاله الكلبي.
الثاني: علم أن بمكة رجالًا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم؛ الآية.
ثُمَّ قال: {فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} فيه قولان:
أحدهما: أنه الصلح الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش بالحديبية، قاله مجاهد.
الثاني: فتح مكة، قاله ابن زيد والضحاك.
وفي قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه خارج مخرج الشرط والاستثناء.
الثاني: أنه ليس بشرط وإنما خرج مخرج الحكاية على عادة أهل الدين، ومعناه لتدخلونه بمشيئة الله.
الثالث: إن شاء الله في دخول جميعكم أو بعضكم، ولأنه علم أن بعضهم يموت.
قوله عز وجل: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: أنه ثرى الأرض وندى الطهور، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: أنها صلاتهم تبدوا في وجوههم، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه السمت، قاله الحسن.
الرابع: الخشوع، قاله مجاهد.
الخامس: هو أن يسهر الليل فيصبح مصفرًا، قاله الضحاك.
السادس: هو نور يظهر على وجوههم يوم القيامة، قاله عطية العوفي.
{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطَأَهُ} فيه قولان:
أحدهما: أن مثلهم في التوراة بأن سيماهم في وجوههم. ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه.
الثاني: أن كلا الأمرين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل.
وقوله: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الشطأ شوك السنبل، والعرب أيضًا تسميه السفا والبهمي، قاله قطرب.
الثاني: أنه السنبل، فيخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، قاله الكلبي والفراء.
الثالث: أنه فراخه التي تخرج من جوانبه، ومنه شاطىء النهر جانبه، قاله الأخفش.
{فَآزَرَهُ} فيه قولان:
أحدهما: فساواه فصار مثل الأم، قاله السدي.
الثاني: فعاونه فشد فراخ الزرع أصول النبت وقواها.
{فَاسْتَغْلَظَ} يعني اجتماع الفراخ مع الأصول.
{فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} أي على عوده الذي يقوم عليه فيكون ساقًا له.
{يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، لأن ما أعجب المؤمنين من قوتهم كإعجاب الزراع بقوة رزعهم هو الذي غاظ الكفار منهم.
ووجه ضرب المثل بهذا الزرع الذي أخرج شطأه، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بدأ بالدعاء إلى دينه كان ضعيفًا، فأجابه الواحد بعد الواحد حتى كثر جمعه وقوي أمره، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفًا فيقوى حالا بعد حال يغلظ ساقه وأفراخه فكان هذا من أصح مثل وأوضح بيان، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

ثم ذكر الذين أخلصوا نِيَّتهم وشَهِدوا بَيْعة الرّضوان بقوله: {لقد رضِيَ اللهُ عن المؤمِنين}.
وقد ذكرنا سبب هذه البَيْعة آنفًا، وإِنما سمِّيتْ بَيْعةَ الرّضوان، لقوله: {لقد رَضِيَ اللهُ عن المؤمنين إذ يُبايعونك تحت الشجرة} روى إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، قال: بينما نحن قائلون زمن الحديبية، نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، البَيْعةَ البَيْعةَ، نَزَل روح القُدُس قال: فثُرنا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سَمُرة، فبايَعْناه، وقال عبد الله بن مغفَّل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة يبايع الناس، وإِنِّي لأرفع أغصانَها عن رأسه.