فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجُمهور وروى مبارك بن فضاله عن الحسن البصري أنه قال: {والذين معه} أبو بكر {أشداء على الكفار} عمر {رحماء بينهم} عثمان {تراهم رُكَّعًا سُجَّدًا} عليّ بن أبي طالب {يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا} طلحة والزبير وعبدالرحمن وسعد وسعيد وأبو عبيدة.
قوله تعالى: {سِيماهم} أي: علامتهم {في وُجوههم}، وهل هذه العلامة في الدنيا، أم في الآخرة؟ فيه قولان.
أحدهما: في الدنيا.
ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها السَّمْت الحسن، قاله ابن عباس في رواية ابن أبي طلحة؛ وقال في رواية مجاهد: أما إِنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإِسلام وسَمْتُه وخُشوعُه، وكذلك قال مجاهد: ليس بِنَدَبِ التراب في الوجه، ولكنه الخُشوع والوَقار والتواضع.
والثاني: أنه نَدَى الطَّهور وتَرَى الأرض، قاله سعيد بن جبير.
وقال أبو العالية: لأنهم يسجُدون على التراب لا على الأثواب.
وقال الأوزاعي: بلغني أنه ما حمَلَتْ جباهُهم من الأرض.
والثالث: أنه السُّهوم، فإذا سهم وجه الرجُل من الليل أصبح مُصفارًّا.
قال الحسن البصري: {سيماهم في وجوههم}: الصُّفرة؛ وقال سعيد بن جبير: أثر السهر؛ وقال شمر بن عطية: هو تهيُّج في الوجه من سهر الليل.
والقول الثاني: أنها في الآخرة.
ثم فيه قولان.
أحدهما: أن مواضع السجود من وجوههم يكون أشدَّ وجوههم بياضًا يوم القيامة، قاله عطية العوفي، وإِلى نحو هذا ذهب الحسن، والزهري.
وروى العوفي عن ابن عباس قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.
والثاني: أنهم يُبْعَثون غُرًا محجَّلين من أثر الطَّهور، ذكره الزجاج.
قوله تعالى: {ذلك مَثَلُهم} أي: صِفَتُهم والمعنى أن صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه {في التوراة} هذا.
فأما قوله: {ومَثَلُهم في الإِنجيل} ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن هذا المَثَل المذكور أنه في التوراة هو مَثَلُهم في الإِنجيل.
قال مجاهد: مَثَلُهم في التوراة والإِنجيل واحد.
والثاني: أن المتقدِّم مَثَلُهم في التوراة، فأمّا مَثَلُهم في الإِنجيل فهو قوله: {كزرعٍ}، وهذا قول الضحاك، وابن زيد.
والثالث: أن مَثَلَهُم في التوراة والإِنجيل كزرع، ذكر هذه الأقوال أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {أَخْرَجَ شَطْأهَُ} وقرأ ابن كثير، وابن عامر: {شَطَأَهُ} بفتح الطاء والهمزة.
وقرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {شطْأه} بسكون الطاء.
وكلهم يقرأ بهمزة مفتوحة.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو العالية، وابن أبي عبلة: {شَطاءَهُ} بفتح الطاء وبالمد والهمزة وبألف.
قال أبو عبيدة: أي فِراخه يقال أشطأ الزَّرعُ فهو مُشْطِىءُ: إِذا أفرخ {فآزره} أي: ساواه، وصار مثل الأُمّ.
وقرأ ابن عامر: {فأَزَرَهُ} مقصورة الهمزة مثل فَعَلَهُ.
وقال ابن قتيبة: آزره أعانه وقوّاه {فاستغلظ} أي: غَلُظ {فاستوى على سُوقِهِ} وهي جمع (ساق)، وهذا مَثَلٌ ضربه اللهُ عز وجل للنبيَّ صلى الله عليه وسلم إِذ خرج وحده، فأيَّده بأصحابه، كما قوَّى الطَّاقة من الزَّرع بما نبت منها حتى كَبُرتْ وغَلُظت واستحكمت.
وقرأ ابن كثير: على {سُؤْقه} مهموزة؛ والباقون بلا همزة.
وقال قتادة: في الإِنجيل: سيَخْرج قومٌ ينبتون نبات الزَّرع.
وفيمن أُريدَ.
بهذا المثَل قولان.
أحدهما: أن أصل الزَّرع: عبد المطلب {أخرج شطأه} أخرج محمدًا صلى الله عليه وسلم {فآزره}: بأبي بكر {فاستغلظ}: بعمر {فاستوى}: بعثمان {على سوقه}: عليّ بن أبي طالب، رواه سعيد ابن جبير عن ابن عباس.
والثاني: أن المراد بالزَّرع محمد صلى الله عليه وسلم {أخرج شطأه} أبو بكر {فآزره} بعمر {فاستغلظ} بعثمان {فاستوى على سوقه}: بعليّ {يُعْجِبُ الزُّرّاعَ}: يعني المؤمنين {لِيَغيظَ بهم الكُفّار} وهو قول عمر لأهل مكة: لا يُعْبَدُ اللهُ سِرًَا بعد اليوم، رواه الضحاك عن ابن عباس، ومبارك عن الحسن.
قوله تعالى: {لِيَغيظَ بهم الكُفّار} أي: إِنَّما كثَّرهم وقوَّاهم لِيَغيظ بهم.
الكُفّار.
وقال مالك بن أنس: من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية.
وقال ابن إِدريس: لا آمَنُ أن يكونوا قد ضارعوا الكُفّار، يعني الرّافضة، لأن الله تعالى يقول: {لِيَغيظَ بهم الكُفّار}.
قوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحات منهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا} قال الزجاج: في {مِنْ} قولان.
أحدهما: أن يكون تخليصًا للجنس من غيره، كقوله: {فاجتَنِبوا الرِّجْسَ من الأوثان} [الحج: 30]، ومثله أن تقول: أَنْفِقْ من الدَّراهم، أي: اجعل نفقتك من هذا الجنس.
قال ابن الأنباري: معنى الآية: وَعَدَ اللهُ الذين آمَنوا من هذا الجنس، أي من جنس الصحابة.
والثاني: أن يكون هذا الوعْدُ لِمن أقام منهم على الإيمان والعمل الصالح. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك} يعني بالحديبية على أن يناجزوا قريشًا ولا يفروا {تحت الشجرة} وكانت هذه الشجرة سمرة.
(ق) عن طارق بن عبد الرحمن قال انطلقت حاجًا، فمررت بقوم يصلون، فقلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان فأتيت ابن المسيب فأخبرته فقال سعيد: كان أبي ممن بايع تحت الشجرة قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فعميت علينا فلم نقدر عليها.
قال سعيد: فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها فأنتم أعلم فضحك.
وفي رواية، عن سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد عام فلم أعرفها، وروي أن عمر مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة، فقال: أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول هاهنا وبغضهم يقول هاهنا فلما كثر اختلافهم قال: سيروا.
ذهبت الشجرة.
(خ) عن ابن عمر قال رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها وكانت رحمة من الله تعالى: عن أبي الزبير، أنه سمع جابرًا يسأل: كم كانوا يوم الحديبية؟ قال: كنا أربع عشرة مائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة فبايعناه جميعًا غير جد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره.
زاد في رواية قال: بايعناه على أن لا نفر.
ولم نبايعه على الموت.
وأخرجه الترمذي عن جابر في قوله تعالى: {لقد رضي الله تعالى عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}.
قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت.
(ق) عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية.
«أنتم اليوم خير أهل الأرض» وكنا ألفًا وأربعمائة قال: ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة.
وروى سالم عن جابر قال: كنا خمس عشرة مائة.
(ق) عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان أصحاب الشجرة ألفًا وثلثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين وهذه البيعة تسمى بيعة الرضوان لهذه الآية وكان سبب هذه البيعة على ما ذكر محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي حين نزل الحديبية فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل يقال له (الثعلب) ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعتهم الأحابيش، فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فقال: يا رسول الله إني أخاف على نفسي قريشًا وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب إنما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحرمته فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته وحمله بين يديه ثم أردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أن تطوف بالبيت، فطف به.
فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتبسته قريش عندها فبلغ، رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نبرح حتى نناجز القوم» ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة وكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت قال بكير بن الأشج: بايعوه على الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل على ما استطعتم» وقد تقدم عن جابر ومعقل بن يسار أنهما قالا: لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر.
وقد تقدم أيضًا الجمع بين هذا وبين قول سلمة بن الأكوع بايعناه على الموت وكان أول من بايع بيعة الرضوان رجلًا من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب، ولم يتخلف عن بيعة الرضوان أحد من المسلمين حضرها إلا جد بن قيس أخو بني سلمة قال جابر: فكأني أنظر إليه لاصقًا بإبط ناقته يستتر بها من الناس ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل (م) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب.
وقوله تعالى: {فعلم ما في قلوبهم} يعني من الصدق والإخلاص والوفاء كما علم ما في قلوب المنافقين من المرض والنفاق {فأنزل السكينة} يعني الطمأنينة {عليهم} يعني على المؤمنين المخلصين حتى ثبتوا وبايعوك على الموت وعلى أن لا يفروا وفي هذه الآية لطيفة، وهي أن هذه البيعة كانت فيها طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك موجب لرضوان الله وهو موجب لدخول الجنة ويدل عليه قوله تعالى في الآية المتقدمة {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} فثبت بهذا البيان أن أهل بيعة الرضوان من أهل الجنة، ويشهد لصحة ما قلناه الحديث المتقدم.
{ومغانم كثيرة يأخذونها} يعني من أموال أهل خيبر وكانت خيبر ذات نخيل وعقار وأموال فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم {وكان الله عزيزًا} يعني منيعًا كامل العزة غنيًا عن إعانتكم {حكيمًا} حيث حكم لكم بالغنائم ولأعدائكم بالهلاك على أيديكم.
قوله تعالى: {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها} يعني المغانم التي تغنمونها من الفتوحات التي تفتح لكم إلى يوم القيامة {فعجل لكم هذه} يعني مغانم خيبر وفيه إشارة إلى كثرة الفتوحات والغنائم التي يعطيهم الله في المستقبل وإنما عجل لهم هذه كعجالة الراكب أعجلها الله لكم وهي في جنب ما وعدكم الله به من الغنائم كالقليل من الكثير {وكف أيدي الناس عنكم} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خيبر وحاصر أهلها، همت قبائل من بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة، فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم.
وقيل: المعنى إن الله كف أيدي أهل مكة بالصلح عنكم لتمام المنّة عليكم {ولتكون آية للمؤمنين} هو عطف على ما تقدم تقديره، فعجل لكم الغنائم لتنتفعوا بها، ولتكون آية للمؤمنين.
يعني: ولتحصل من بعدكم آية تدلهم على أن ما وهبكم الله يحصل مثله لهم.
وقيل: لتكون آية للمؤمنين دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في إخباره عن الغيوب، فيزدادوا يقينًا إلى يقينهم ويعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم {ويهديكم صراطًا مستقيمًا} يعني ويهديكم إلى دين الإسلام ويثبتكم عليه ويزيدكم بصيرة ويقينًا بصلح الحديبية وفتح خيبر.

.ذكر غزوة خيبر:

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم ثم خرج إلى خيبر في بقية المحرم سنة سبع.
(ق) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانًا كف عنهم.
وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم.
قال: فخرجنا إلى خيبر فلما انتهينا إليهم ليلًا فلما أصبح ولم يسمع أذانًا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال فخرجوا علينا بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».
(م) عن سلمة بن الأركع قال: خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم:
تالله لولا الله ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا

ونحن عن فضلك ما استغنينا ** فثبت الأقدام إن لاقينا

وأنزلن سكينة علينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا؟» قال: أنا عامر.
قال: «غفر لك ربك» قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد.