فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم} روي في سببها أن جماعة من فتيان قريش خرجوا إلى الحديبية، ليصيبوا من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في جماعة من المسلمين فهزموهم وأسروا منهم قومًا، وساقوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلقهم، فكفُّ أيدي الكفار هو أن هزموا وأسروا. وكفُّ أيدي المؤمنين عن الكفار هو أطلاقهم من الأسر، وسلامتهم من القتل، وقوله: {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} يعني من بعدما أخذتموهم أُسارى.
{هُمُ الذين كَفَرُواْ} يعني أهل مكة {وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام} يعني أنهم منعونهم عن العمرة بالمسجد الحرام عام الحديبية {والهدي مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} الهدي ما يهدى إلى البيت من الأنعام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ساق حينئذ مائة بدنة وقيل: سبعين ليهديها والمعكوف المحبوس، ومحله موضع نحره يعني: مكة والبيت، وإعراب الهدي عطف على الضمير المفعول في صدّوكم ومعكوفًا حال من الهدي، وأن يبلغ مفعول بالعكف فالمعنى: صدوكم عن المسجد الحرام، وصدوا الهدي عن أن يبلغ محله، والعكف المذكور يعني به منع المشركين للهدي عن بلوغ مكة، أو حبس المسلمين بالهدي بينما ينظرون في أمورهم.
{وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ} الآية تعليل لصرف الله المؤمنين عن استئصال أهل مكة بالقتل، وذلك أنه كان بمكة رجال مؤمنون ونساء مؤمنات يخفون إيمانهم، فلو سلط الله المسلمين على أهل مكة، ولقتلوا أولئك المؤمنين وهم لا يعرفونهم، ولكن كفَّهم رحمة للمؤمنين الذين كانوا بين أظهرهم، وجواب لولا محذوف تقديره: لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لسلطناكم عليهم {أَن تَطَئُوهُمْ} في موضع بدل من رجال ونساء، أو بدل من الضمير المفعول في لم تعلموهم والوطء هنا الإهلاك بالسيف وغيره {فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ} أي تصيبكم من قتلهم مشقة وكراهة، واختلف هل يعني الإثم في قتلهم أو الدية أو الكفارة أو الملامة، أو عيب الكفار لهم بأن يقولوا: قتلوا أهل دينهم، أو تألم نفوسهم من قتل المؤمنين، وهذا أظهر لأن قتل المؤمن الذي لا يعلم إيمانه وهو بين أهل الحرب لا إثم فيه ولا دية، ولا ملامة، ولا عيب، {لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ} يعني رحمة للمؤمنين الذين كانوا بين أظهر الكفار، بأن كف سيوف المسلمين عن الكفار من أجلهم أو رحمة لمن شاء من الكفار بأن يسلموا بعد ذلك، واللام تتعلق بمحذوف يدل على سياق الكلام تقديره: كان كف القتل عن أهل مكة ليدخل الله في رحمته من يشاء {لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ} معنى تزيلوا تميزوا عن الكفار، والضمير للمؤمنين المستوري الإيمان، أي لو انفصلوا عن الكفار لعذبنا الكفار فقوله: {لَعَذَّبْنَا} جواب لو الثانية، وجواب الأولى محذوف كما ذكرنا، ويحتمل أن يكون لعذبنا جواب لو الأولى: وكررت لو الثانية تأكيدًا {إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الحمية} يعني أنفه الكفر وهي منعهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن العمرة، ومنعهم من أن يكتب في كتاب الصلح بسم الله الرحمن الرحيم، ومنعهم من أن يكتب محمد رسول الله، وقولهم: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، والعامل في إذ جعل محذوف تقديره: اذكر أو قوله: {لَعَذَّبْنَا} والسكينة هي سكون المسلمين ووقارهم حين جرى ذلك {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} قال الجمهور وهي: لا إله إلا الله وقد رُوي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل: لا إله إلا الله والله أكبر، وهذه كلها متقاربة وقيل: هي بسم الله الرحمن الرحيم التي أبى الكفار أن تكتب {وكانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} أي كانوا كذلك في علم الله وسابق قضائه لهم، وقيل: أحق بها من اليهود والنصارى.
{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرءيا بالحق} كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في منامه عند خروجه إلى العمرة؛ أنه يطوف بالبيت هو وأصحابه بعضهم محلقون وبعضهم مقصرون ورُوي أنه أتاه ملك في النوم فقال له: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} الآية: فأخبر الناس برؤياه: ذلك، فظنوا أن ذلك يكون في ذلك العام، فلما صده المشركون عن العمرة عام الحديبية قال المنافقون: أين الرؤيا، ووقع في نفوس المسلمين شيء من ذلك، فأنزل الله تعالى: {لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرءيا بالحق} أي تلك الرؤيا صادقة، وسيخرج تأويلها بعد ذلك، فاطمأنت قلوب المؤمنين وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل، هو وأصحابه فدخلوا مكة واعتمروا، وأقاموا بمكة ثلاثة أيام، وظهر صدق رؤياه وتلك عُمرة القضية القضاء ثم فتح مكة بعد ذلك، ثم حج هو وأصحابه، وصدق في هذا الموضع يتعدى إلى مفعولين، وبالحق يتعلق بصدق، أو بالرؤيا على أن يكون حالًا منها {إِن شَاءَ الله} لما كان الاستثناء بمشيئة الله يقتضي الشك في الأمر، وذلك محال على الله، اختلف في هذا الاستثناء على خمسة أقوال: الأول أنه استثناء قاله الملك الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فحكى الله مقالته كما وقعت والثاني: أنه تأديب من الله لعباده ليقولوا إن شاء الله في كل أمر مستقبل، والثالث أنه استثناء بالنظر إلى كل إنسان على حدته؛ لأنه يمكن أن يتم له الأمر أو يموت، أو يمرض فلا يتم له، والرابع أن الاستثناء راجع إلى قوله آمنين لا لدخول المسجد، والخامس أن إن شاء الله بمعنى إذا شاء الله {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} الحلق والتقصيير من سنة الحج والعمرة، والحلق أفضل من التقصير، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله المحلقين ثلاثًا ثم قال في المرة الأخيرة والمقصرين» {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} يريد ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدّة، فإنه لما انقعد الصلح، وارتفعت الحرب ورغب الناس في الإسلام، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية في ألف وخمسمائة، وقيل ألف وأربعمائة وغزا غزوة الفتح بعدها بعامين ومعه عشرة آلاف {فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} يعني فتح خيبر، وقيل بيعة الرضوان وقيل صلح الحديبية، وهذا هو الأصح لأن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أفتح هو يا رسول الله؟ قال: نعم وقيل: هو فتح مكة وهذا ضعيف، لأن معنى قوله: {مِن دُونِ ذَلِكَ} قبل دخول المسجد الحرام، وإنما كان فتح مكة بعد ذلك، فإن الحديبية كانت عام ستة من الهجرة وعمرة القضية عام سبعة، وفتح مكة عام ثمانية {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ} ذكره في براءة [33] {وكفى بالله شَهِيدًا} أي شاهدًا بأن محمدًا رسول الله، أو شاهدًا بإظهار دينه.
{والذين مَعَهُ} يعني جميع أصحابه وقيل: من شهد معه الحديبية، وإعراب الذين معطوف على محمد رسول الله صفته وأشداء خبر عن الجميع، وقيل: الذين معه مبتدأ وأشداء خبره ورسول الله خبر محمد ورجح ابن عطية هذا. والأول عندي أرجح؛ لأن الوصف بالشدة والرحمة يشمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واما على ما اختاره ابن عطية؛ فيكون الوصف بالشدة والرحمة مختصًا بالصحابة دون النبي صلى الله عليه وسلم، وما أحق النبي صلى الله عليه وسلم بالوصف بذلك لأن الله قال فيه: {بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]، وقال: {جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73، والتحريم: 9] فهذه هي الشدة على الكفار والرحمة بالمؤمنين {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} السيما العلامة وفيه ستة أقوال، الأول أنه الأثر الذي يحدث في جبهة المصلى من كثرة السجود والثاني أنه أثر التراب في الوجه الثالث أنه صفرة الوجه من السهر والعبادة، الرابع حسن الوجه لما ورد في الحديث وهذا الحديث غير صحيح، بل وقع فيه غلط من الراوي فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير مروي عنه، الخامس أنه الخشوع، السادس: أن ذلك يكون في الآخرة يجعل الله لهم نورًا من أثر السجود كما يجعل غرة من أثر الوضوء وهذا بعيد لأن قوله: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} وصف حالهم في الدنيا فكيف يكون سيماهم في وجوههم كذلك، والأول أظهر، وقد كان بوجه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعلي بن عبد الله بن العباس أثر ظاهر من أثر السجود {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة} أي وصفهم فيها وتم الكلام هنا، ثم ابتدأ قوله ومثلهم في الإنجيل، كزرع، وقيل: إن {وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل} عطف على {مَثَلُهُمْ فِي التوراة} ثم ابتدأ قوله: {كَزَرْعٍ} وتقديره هم كزرع، والأول أظهر، ليكون وصفهم في التوراة بما تقدم من الأوصاف الحسان، وتمثيلهم في الإنجيل بالزرع المذكور بعد ذلك، وعلى هذا يكون {وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل} بمعنى التشبيه والتمثيل. وعلى القول الآخر يكون المثل بمعنى الوصف كمثلهم في التوراة {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} هذا مثل ضربه الله للإسلام حيث بدأ ضعيفًا، ثم قوي وظهر. وقيل: الزرع مثل للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه بعث وحده وكان الزرع حبة واحدة، ثم كثر المسلمون فهم كالشطء، وهو فراخ السنبلة التي تنبت حول الأصل، ويقال: بإسكان الطاء وفتحها بمد وبدون مد وهي لغات {فَآزَرَهُ} أي قوّاه وهو من الموازرة بمعنى المعاونة ويحتمل أن يكون الفاعل الزرع، والمفعول شطأه أو بالعكس؛ لأن كل واحد منهما يقوّي الآخر، وقيل: معناه ساواه طولًا فالفاعل على هذا الشطأ ووزن آزره فاعله وقيل أفعله، وقرئ بقصر الهمزة على وزن فعل {فاستغلظ} أي صار غليظًا {فاستوى على سُوقِهِ} جميع ساق أي قام الزرع على سوقه، وقيل: قوله: {كَزَرْعٍ} يعني النبي صلى الله عليه وسلم أخرج شطأه بأبي بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعليّ بن أبي طالب {لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} تعليل لما دل عليه المثل المتقدم من قوّة المسلمين فهو يتعلق بفعل يدل عليه الكلام تقديره: جعلهم الله كذلك ليغيظ بهم الكفار، وقيل: يتعلق بوعد وهو بعيد {مِنْهُم} لبيان الجنس لا للتبعيض لأنه وعد عم جميعهم رضي الله عنهم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة}.
روي: أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل الحديبية بعث جواس بن أمية الخزاعي إلى أهل مكة، فهموا به فمنعه الأحابيش فرجع، فبعث عثمان بن عفان رضي الله عنه فحبسوه فأرجف بقتله، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وكانوا ألفًا وثلثمائة أو وأربعمائة أو وخمسمائة، وبايعهم على أن يقاتلوا قريشًا ولا يفروا عنهم وكان جالسًا تحت سمرة أو سدرة.
{فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِمْ} من الإِخلاص.
{فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ} الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع أو الصلح.
{وأثابهم فَتْحًا قَرِيبًا} فتح خيبر غب انصرافهم، وقيل مكة أو هجر.
{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} يعني مغانم خيبر.
{وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا} غالبًا مراعيًا مقتضى الحكمة.
{وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} وهي ما يفيء على المؤمنين إلى يوم القيامة.
{فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} يعني مقام خيبر.
{وَكَفَّ أَيْدِىَ الناس عَنْكُمْ} أي أيدي أهل خيبر وخلفائهم من بني أسد وغطفان، أو أيدي قريش بالصلح.
{وَلِتَكُونَ} هذه الكفة أو الغنيمة.
{آيَةً لّلْمُؤْمِنِينَ} أمارة يعرفون بها أنهم من الله بمكان، أو صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية، أو وعد المغانم أو عنوانًا لفتح مكة والعطف على محذوف هو علة ل {كَفَّ}، أو (عجل) مثل لتسلموا، أو لتأخذوا أو العلة لمحذوف مثل فعل ذلك.
{وَيَهْدِيَكُمْ صراطا مُّسْتَقِيمًا} هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه.
{وأخرى} ومغانم أخرى معطوفة على هذه، أو منصوبة بفعل يفسره {قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} مثل قضى، ويحتمل رفعها بالابتداء لأنها موصوفة وجرها بإضمار رب.
{لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} بعد لما كان فيها من الجولة.
{قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} استولى فأظفركم بها وهي مغانم هوازن أو فارس.
{وَكَانَ الله على كُلّ شَىْءٍ قَدِيرًا} لأن قدرته ذاتية لا تختص بشيء دون شيء.
{وَلَوْ قاتلكم الذين كفَرُواْ} من أهل مكة ولم يصالحوا.
{لَوَلَّوُاْ الأدبار} لانهزموا.
{ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيًّا} يحرسهم.
{وَلاَ نَصِيرًا} ينصرهم.
{سُنَّةَ الله التي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ} أي سنَّ غُلَّبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال تعالى: {لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} تغييرًا.
{وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} أي أيدي كفار مكة.
{وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ} في داخل مكة.
{مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} أظهركم عليهم، وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد. وقيل كان ذلك يوم الفتح واستشهد به على أن مكة فتحت عنوة وهو ضعيف إذ السورة نزلت قبله.
{وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من مقاتلتهم أولًا طاعة لرسوله وكفهم ثانيًا لتعظيم بيته، وقرأ أبو عمرو بالياء {بَصِيرًا} فيجازيهم عليه.
{هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام والهدي مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} يدل على أن ذلك كان عام الحديبية، والهدي ما يهدى إلى مكة. وقرئ {الهدي} وهو فعيل بمعنى مفعول، ومحله مكانه الذي يحل فيه نحره والمراد مكانه المعهود وهو منى لا مكانه الذي لا يجوز أن ينحر في غيره، وإلا لما نحره الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أحصر فلا ينتهض حجة للحنفية على أن مذبح هدي المحصر هو الحرم.
{وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مؤمنات لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ} لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين.
{أَن تطؤهم} أن توقعوا بهم وتبيدهم قال:
وَوَطَئْتْنَا وَطْأْ عَلَى حَنَق ** وَطْءَ المُقَيَّدِ ثَابِت الهَرَمِ

وقال عليه الصلاة والسلام «إن آخر وطأة وطئها الله بوج» وهو وادٍ بالطائف كان آخر وقعة للنبي صلى الله عليه وسلم بها، وأصله الدوس وهو بدل الاشتمال من {رِجَالٌ} {وَنِسَاء} أو من ضميرهم في {تَعْلَمُوهُمْ}.
{فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ} من جهتهم.
{مَّعَرَّةٌ} مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم وللتأسف عليهم، وتعيير الكفار بذلك والإِثم بالتقصير في البحث عنهم مفعلة عن عره إذا أعراه ما يكرهه.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} متعلق ب {أَن تَطَؤُهُمْ} أي تطؤوهم غير عالمين بهم، وجواب {لَوْلاَ} محذوف لدلالة الكلام عليه، والمعنى {لَوْلاَ} كراهة أن تهلكوا أناسًا مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم يصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم.
{لّيُدْخِلَ الله في رَحْمَتِهِ} علة لما دل عليه كف الأيدي عن أهل مكة صونًا لمن فيها من المؤمنين، أي كان ذلك ليدخل الله في رحمته أي في توفيقه لزيادة الخير أو للإِسلام.
{مَن يَشَاء} من مؤمنيهم أو مشركيهم.
{لَوْ تَزَيَّلُواْ} لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض، وقرئ {تزايلوا}.
{لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} بالقتل والسبي.
{إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ} مقدر باذكر أو ظرف {لَعَذَّبْنَا} أو {صَدُّوكُمْ}.
{فِى قُلُوبِهِمُ الحمية} الأنفة.
{حَمِيَّةَ الجاهلية} التي تمنع إذعان الحق.