فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين} فأنزل عليهم الثبات والوقار وذلك ما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما هم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامه على أن يخلي له قريش مكة من القابل ثلاثة أيام، فأجابهم وكتبوا بينهم كتابًا، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقالوا ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة، فقال عليه الصلاة والسلام: اكتب ما يريدون» فَهَمَّ المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وتحملوا.
{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} كلمة الشهادة أو بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله اختارها لهم، أو الثبات والوفاء بالعهد وإضافة ال {كَلِمَةَ} إلى {التقوى} لأنها سببها أو كلمة أهلها.
{وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا} من غيرهم.
{وَأَهْلُهَا} والمستأهلين لها.
{وَكَانَ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمًا} فيعلم أهل كل شيء وييسره له.
{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا} رأى عليه الصلاة والسلام أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصروا، فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا وحسبوا أن ذلك يكون في عامهم، فلما تأخر قال بعضهم والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا البيت فنزلت والمعنى صدقة في رؤياه.
{بالحق} ملتبسًا به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له وهو العام القابل، ويجوز أن يكون {بالحق} صفة مصدر محذوف أي صدقًا ملتبسًا {بالحق} وهو القصد إلى التمييز بين الثابت على الإِيمان والمتزلزل فيه، وأن يكون قسمًا إما باسم الله تعالى أو بنقيض الباطل وقوله: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} جوابه وعلى الأولين جواب قسم محذوف.
{إِن شَاءَ الله} تعليق للعدة. بالمشيئة تعليمًا للعباد، أو إشعارًا بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا، أو النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه.
{ءامِنِينَ} حال من الواو والشرط معترض.
{مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ} أي محلقًا بعضكم ومقصرًا آخرون.
{لاَ تخافون} حال مؤكدة أو استئناف أي لا تخافون بعد ذلك.
{فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} من الحكمة في تأخير ذلك.
{فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ} من دون دخولكم المسجد أو فتح مكة.
{فَتْحًا قَرِيبًا} هو فتح خيبر ليستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الموعود.
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} ملتبسًا به أو بسببه أو لأجله.
{وَدِينِ الحق} وبدين الإِسلام.
{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} ليغلبه على جنس الدين كله بنسخ ما كان حقًا وإظهار فساد ما كان باطلًا، أو بتسليط المسلمين على أهله إذ ما من أهل دين إلا وقد قهرهم المسلمون، وفيه تأكيد لما وعده من الفتح.
{وكفى بالله شَهِيدًا} على أن ما وعده كائن أو على نبوته بإظهار المعجزات.
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} جملة مبينة للمشهود به، ويجوز أن يكون {رَسُولِ الله} صفة و{مُحَمَّدٌ} خبر محذوف أو مبتدأ: {والذين مَعَهُ} معطوف عليه وخبرهما.
{أَشِدَّاءُ عَلَى الكفار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} و{أَشِدَّاء} جمع شديد و{رُحَمَاء} جمع رحيم، والمعنى أنهم يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم كقوله: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم.
{يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّنَ الله وَرِضْوَانًا} الثواب والرضا.
{سيماهم في وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود} يريد السمة التي تحدث في جباههم من كثرة السجود، فعلى من سامه إذا أعلمه وقد قرئت ممدودة و{مّنْ أَثَرِ السجود} بيانها أو حال من المستكن في الجار.
{ذلك} إشارة إلى الوصف المذكور. أو إشارة مبهمة يفسرها {كَزَرْعٍ}.
{مَثَلُهُمْ في التوراة} صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها.
{وَمَثَلُهُمْ في الإنجيل} عطف عليه أن ذلك مثلهم في الكتابين وقوله: {كَزَرْعٍ} تمثيل مستأنف أو تفسير أو مبتدأ و{كَزَرْعٍ} خبره.
{أَخْرَجَ شَطْأَهُ} فراخه يقال أشطأ الزرع إذا فرخ، وقرأ ابن كثير وابن عامر برواية ابن ذكوان {شَطْأَهُ} بفتحات وهو لغة فيه، وقرئ {شطاه} بتخفيف الهمزة و{شطاءه} بالمد و{شطه} بنقل حركة الهمزة وحذفها و{شطوه} بقلبها واوًا.
{فَآزَرَهُ} فقواه من المؤازرة وهي المعاونة أو من الإيزار وهي الإعانة وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان {فَأزَرَهُ} كأجره في آجره.
{فاستغلظ} فصار من الدقة إلى الغلظ.
{فاستوى على سُوقِهِ} فاستقام على قصبه جمع ساق، وعن ابن كثير {سؤقه} بالهمزة.
{يُعْجِبُ الزراع} بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره، وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة قلوا في بدء الإِسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث أعجب الناس.
{لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} علة لتشبيههم بالزرع في زكاته واستحكامه أو لقوله: {وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} فإن الكفار لما سمعوه غاظهم ذلك ومنهم للبيان.
عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد عليه الصلاة والسلام فتح مكة». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{لقد رضي الله عن المؤمنين}.
وبه سميت بيعة الرضوان ويبايعونك حكاية الحال الماضية والشجرة كانت سمرة. وقيل: سدرة روي أنها عميت عليهم من قابل فلم يدروا أين ذهبت. وعن جابر بن عبد الله: لو كنت أبصر لأريتكم مكانها {فعلم ما في قلوبهم} من خلوص النية {فأنزل السكينة} الطمأنينة والأمن عليهم {وأثابهم} جازاهم عن الإخلاص في البيعة {فتحًا قريبًا} هو فتح خيبر غب انصرافه من الحديبية كما ذكرناه. وقيل: هو فتح مكة {ومغانم كثيرة يأخذونها} هي مغانم خيبر وكانت أرضًا ذات عقار وأموال فقسمها عليهم {وعدكم الله مغانم كثيرة} هي التي أصابوها مع النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده إلى يوم {فعجل لكم هذه} يعني غنيمة خيبر {وكف أيدي الناس عنكم} يعني أيدي أهل خيبر وحلفائهم من أسد وغطفان جاؤا لنصرتهم فقذف الله الرعب في قلوبهم وقيل: أيدي أهل مكة بالصلح، وقيل: أيدي اليهود حين خرجتم وخلفتم عيالكم بالمدينة وهمت اليهود بهم فمنعهم الله قوله: {ولتكون آية} أي لتكون هذه الغنيمة المعجلة دلالة على ما وعدهم الله من الغنائم، أو دلالة على صحة النبوة من حيث إنه أخبر بالفتح القريب وقد وقع مطابقًا.
وقيل: الضمير للكف والتأنيث لأجل التأنيث الخبر، أو بتقدير الكفة ويهديكم ويثبتكم ويزيدكم بصيرة.
قوله: {وأخرى} أي وعدكم الله مغانم أخرى. عن ابن عباس: هي فتوح فارس والروم. أو يقال: مغانم هوازن في غزوة حنين لم يظنوا أن يقدروا عليها لما فيها من الهزيمة، ثم الرجوع مرة بعد أخرى قد أحاط الله بها علمًا أنها ستصير لكم. قال جار الله: يجوز في {أخرى} النصب بفعل مضمر يفسره {قد أحاط} أي وقضى الله أخرى قد أحاط بها. ويجوز فيها الرفع على الابتداء لكونها موصوفة بالجملة و{قد أحاط} خبره. وجوز الجر بإضمار (رب). ثم بين أن نصر الله إياهم في صلح الحديبية أو في فتح خيبر لم يكن اتفاقيًا بل كان إلهيًا سماويًا فقال: {ولو قاتلكم} إلى آخره. والسر فيه أن الله كتب وأوجب غلبة حزبه ونصر رسله كما قال: {سنة الله} إلى آخره. عن أنس أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم من جبل التنعم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأخذهم واستحياهم فأنزل الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة} وهو الحديبية لأنها من أرض الحرم. وقيل: هو التنعيم. وقيل: إظفاره دخوله بلادهم بغير إذنهم. وعن عبد الله بن مغفل المزني قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي ذكرها الله في القرآن، فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابًا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله تعالى بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «هل كنتم في عهد أحد وهل جعل لكم أحد أمانًا» فقالوا: اللهم لا، فخلى سبيلهم فأنزل الله الآية. وإنما قدم كف أيدي الكفار عن المؤمنين لأنهم أهم. وقيل: كف أيديكم بأن أمركم أن لا تحاربوا، وكف أيديهم بإلقاء الرعب أو بالصلح وقيل: إن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد: «هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل». فقال خالد: أنا سيف الله وسيف رسوله ارم بي حيث شئت.
فبعثه على خيل فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد فهزمه حتى أدخله جوف مكة. فأنزلت الآية. وسمي خالد يومئذ سيف الله. وروي أن كفار مكة خرجوا يوم الحديبية يرمون المسلمين فرماهم المسلمون بالحجارة حتى أدخولهم بيوت مكة. ثم ذم قريشًا بقوله: {هم الذين كفروا وصدّوكم} يعني يوم الحديبية {عن المسجد الحرام} أن تطوفوا به للعمرة {و} صدّوا {الهدى} أو صدّوكم مع الهدى حال كونه {معكوفًا} أي محبوسًا ممنوعًا موقوفًا عن {أن يبلغ محله} المعهود وهو مني وقد مر تفسير الهدي ومحله والبحث عنه في (البقرة). ثم بين حكمة المصالحة بقوله: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} وقوله: {لم تعلموهم} سفة الرجال والنساء جميعًا على جهة التغليب. و{أن تطؤهم} بدل الاشتمال منهم أو من الضمير المنصوب في {تعلموهم} والوطء كالدّوس عبارة عن الإيقاع والإهلاك. وقوله: {فتصيبكم} جواب النفي أو عطف على {أن تطؤهم} والمعرة (مفعلة) ممن العرالعيب كالجرب ونحوه. وقوله: {بغير علم} متقدم في النية متعلق ب {أن تطؤهم} والفحوى أنه كان بمكة ناس من المسلمين فقال سبحانه: ولولا كراهة أن تهلكوا ناسًا من المؤمنين فيما بين المشركين وأنتم غير عالمين بحالهم فتصيبكم بإهلاكهم تبعة في الدين لوجوب الدية والكفارة أو عيب بسوء قاله أهل الشرك، إنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا، أو أثم إذا جرى دينهم منكم بعض التقصير لما كف أيديكم عنهم، والكلام يدل على هذا الجواب وفي حذفه فخامة وذهاب للوهم كل مذهب، ويعلم منه أنه يفعل بهم إذ ذاك ما لا يدخل تحت الوصف. وجوّزوا أن يكون {لو تزيلوا} كالتكرير لقوله: {ولولا رجال} لرجعهما إلى معنى واحد. والتنزيل التميز والتفرق ويكون {لعذبنا} هو الجواب. وقوله: {ليدخل} تعليل لما دلت عليه الآية من كف الأيدي عن قريش صونًا لأهل الإيمان المختلطين بهم كأنه قيل: كان الكف ومنع التعذيب ليدخل الله مؤمنيهم في حيز توفيق الخير والطاعة، أو ليدخل في الإسلام من رغب فيه من المشركين. وحكى القفال أن اللام متصل بالمؤمنين والمؤمنات أي آمنوا لكذا. وقوله: {إذ جعل} يجوز أن ينتصب بإضمار (اذكر) أو يكون ظرفًا {لعذبنا} أو ل {صدّوكم} وفاعل {جعل} يجوز أن يكون {الله} وقوله: {في قلوبهم} بيان لمكان الجعل كما مر في قوله: {وأشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة: 93] ويجوز أن يكون {الذين كفروا} ومفعولاه الحمية والظرف فيكون جعلهم في قلبهم بإزاء أنزل الله. والحمية في مقابلة السكينة، والحمية الأنفة والاستكبار الذي كان عليها أهل الجاهلية، ومن ذلك عدم إقرارهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ومنه ما جرى في قصة الحديبية من إبائهم أن يكتب في كتاب العهد (بسم الله الرحمن الرحيم) وأن يكتب (محمد رسول الله) يقال: حميت أنفي حمية كأنها (فعلية) بمعنى (مفعول) من الحماية اسم أقيم مقام المصدر كالسكينة بمعنى السكون فأنزل الله على رسوله السكينة والوقار حتى أعطاهم ما أرادوا.
وكلمة التقوى التسمية والتوحيد والاعتراف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، اختارها الله للمؤمنين. ومعنى الإضافة إنها سبب التقوى وأساسها، أو المراد كلمة أهل التقوى الذين يتقون بها غضب الله.
{وكانوا أحق بها وأهلها} لأنهم خيار الأمم. وقيل: أراد وكانوا يعني أهل مكة أحق بهذه الكلمة لتقدّم إنذارهم إلا أن بعضهم سلبوا التوفيق. وحكى المبرد أن الذين كانوا قبلنا لم يكن لأحد أن يقول «لا إله إلا الله» في اليوم والليلة إلا مرة واحدة لا يستطيع أن يقول أكثر من ذلك. وكان قائلها يمدّ بها صوته إلى أن ينقطع نفسه تبركًا بذكر الله، وقد جعل الله لهذه الأمة أن يقولوها متى شاؤا وهو قوله: {وألزمهم كلمة التقوى} أي ندبهم إلى ذكرها ما استطاعوا. ثم قص رؤيا نبيه صلى الله عليه وسلم بيانًا لإعجازه فإن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
وقصته أنه رأى في المنام أن ملكًا قال له {لتدخلن} إلى قوله: {لا تخافون} فأخبر أصحابه بها ففرحوا وجزموا بأنهم داخلوها في عامهم، فلما صدّوا عن البيت واستقر الأمر على الصلح قال بعض الضعفة: أليس كان يعدنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نأتي البيت فنطوف به؟ فقال لهم أهل البصيرة: هل أخبركم أنكم تأتونه العام؟ فقالوا: لا. قال: فإنكم تأتونه وتطوفون بالبيت فأنزل الله تصديقه. ومعنى {صدق الله رسوله الرؤيا} صدقه في رؤياه ولم يكذبه. وقوله: {بالحق} إما أن يكون متعلقًا ب {صدق} أي صدقه فيما رأى صدقًا متلبسًا بالحق وهو أن يكون ما أراه كما أراه، وإما أن يكون حالًا من الرؤيا أي متلبسة بالحق يعني بالغرض الصحيح وهو الإبتلاء، وتميز المؤمن المخلص من المنافق المرائي. وجوّز أن يكون {بالحق} قسمًا لأنه إسم من أسماء الله سبحانه، أو لأن المراد الحق الذي هو نقيض الباطل فتكون اللام في {لتدخلنّ} جواب القسم لا للابتداء فيحسن الوقف على {الرؤيا}. والبحث علن الحلق والتقصير وسائر أركان الحج والعمرة وشرائطهما استوفيناها في سورة البقرة فليتذكر. وفي ورود {إن شاء الله} في خبر الله عز وجل أقوال أحدها: أنه حكاية قول الملك كما روينا. والثاني أن ذلك خارج على عادة القرآن من ذكر المشيئة كقوله: {يغفر لمن يشاء} {ويعذب المنافقين إن شاء} والمعنى إن الله يفعل بالعباد ما هو الصلاح فيكون استثناء تحقيق لا تعليق. والثالث أنه أراد لتدخلن جميعًا إن شاء ولم يمت أحد أو لم يغب.
والرابع أنه تأديب وإرشاد إلى استعمال الاستثناء في كل موضع لقوله صلى الله عليه وسلم وقد دخل البقيع «وأنا إن شاء الله بكم لاحقون» وليس في فروع الموت استثناء. الخامس أنه راجع إلى حالة الأمن وعدم الخوف. ثم رتب على الصدق وعلى سوء ظن القوم قوله: {فعلم ما لم تعلموا} من الحكمة في تأخير الفتح إلى العام القابل {فجعل من دون ذلك} الفتح {فتحًا قريبًا} وهو فتح خيبر. ثم أكد صدق الرؤيا بل صدق الرسول في كل شيء بقوله: {هو الذي أرسل} الآية. وذلك أنه كذب رسوله كان مضلًا ولم يكن إرساله سببًا لظهور دينه وقوة ملته. وقد مر نظير الآية في سورة التوبة. ومن استعلاء هذا الدين أنه لا ترى أهل ملة إلا والمسلم غالب عليه إلا أن يشاء الله. وقد يقال: إن كمال العز والغلبة عند نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى على الأرض كافر {وكفى بالله شهيدًا} على أن هذا الدين يعلو ولا يعلى.
ثم أكد الشهادة وأرغم أنف قريش الذين لمن يرضوا بهذا التعريف في كتاب العهد فقال: {محمد رسول الله} فهو مبتدأ وخبر. وجوز أهل الإعراب أن يكون المبتدأ محذوفًا لتقدم ذكره في قوله: {أرسل رسوله} أي هو محمد فيكون {رسول الله} صفة أو عطف بيان، وجوزوا أن يكون {محمد} مبتدأ و{رسول الله} صفته أو بيانًا. وقوله: {والذين معه} وهم الصحابة عطفًا على {محمد} وخبر الجميع {أشداء على الكفار} جمع شديد كما قال: {وأغلظ عليهم} [التحريم: 9] {أعزة على الكافرين} [المائدة: 54] عن الحسن: بلغ من تشدّدهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم فكيف بأبدانهم، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنًا إلا صحافه وعانقه. والمصافحة جائزة بالاتفاق، وأما المعانقة والتقبيل فقد كرههما أبو حنيفة رضي الله عنه وإن كان التقبيل على اليد. ومن حق المؤمنين أن يراعوا هذه السنة أبدًا فيتشدّدوا على مخالفيهم ويرحموا أهل دينهم {تراهم} يا محمد أو يا له أهلية الخطاب {ركعًا سجدًا} راكعين ساجدين {يبتغون فضلًا من الله} بالعفو عن تقصيرهم {ورضوانًا} منه عن أعمالهم الصالحة بأن يتقبلها الله منهم {سيماهم} علامتهم {في وجوههم من أثر السجود} فيجوز أن تكون العلامة أمرًا محسوسًا وأن السجود بمعنى حقيقة وضع الجبهة على ألأرض، وكان كل من عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام وعليّ بن عبد الله بن عباس أبي الأملاك يقال له ذو الثفنات، لأن كثرة سجودهما أحدثت في مواضع السجود منهما أشباه ثفنات البعير. والذي جاء في الحديث «لا تعلبوا صوركم» أي لا تخدشوها. وعن ابن عمر أنه رأى رجلًا أثر في وجهه السجود فقال: إن صورة وجهك أنفك فلا تعلب وجهك ولا تشن صورتك محمول على التعمد رياء وسمعة.